سياحة الاحتلال الإسرائيلي داخل أراضي سوريا المغتصبة.. كيف بدأت وإلى أين تتجه؟

مصعب المجبل | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

لم يكتفِ جيش الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ توغلات برية داخل الأراضي السورية وتجاوز حدود المنطقة العازلة عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، بل سارع إلى تنظم جولات سياحية داخل تلك المنطقة.

فقد تولت الفرقة "210" الإسرائيلية بالتعاون مع مؤسسات إسرائيلية، تنظيم رحلات سياحية للإسرائيليين داخل الأراضي السورية من جهة الجنوب، وذلك للمرة الأولى منذ إعلان قيام "دولة إسرائيل" عام 1948.

خطوة غير مسبوقة

والفرقة "210" توجد على الجبهة الشمالية؛ حيث تتولى مهام "حماية الحدود" مع سوريا، وإزالة التهديدات الموجهة إلى إسرائيل وسكان هضبة الجولان بشكل خاص.

في البداية بيعت تذاكر رحلات المشي لمسافات طويلة التي كانت تُنظم مرتين يوميا خلال عطلة عيد الفصح للإسرائيليين في المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية التي تقدمت إليها قوات الاحتلال عقب سقوط نظام بشار الأسد، وفي مرتفعات الجولان السوري المحتل منذ عام 1967.

وعيد الفصح اليهودي هو أحد الأعياد اليهودية، ويرمز إلى ذكرى هروب بني إسرائيل من فرعون مصر.

وقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية في 11 أبريل 2025 أن التذاكر لتلك الرحلات تناهبها الإسرائيليون ونفدت على الفور؛ حيث كان من المقرر أن تبدأ بدءا من 13 من الشهر المذكور.

ولم تكن الرحلات موجودة، لولا قيام إسرائيل عقب سقوط الأسد بإلغاء اتفاقية "فض الاشتباك"، المُوقعة مع نظام حافظ الأسد (الأب) عام 1974، وبدأت في مهاجمة وقصف وتدمير القدرات العسكرية السورية كافة، عبر غارات جوية مكثفة وتوغلات برية.

كما احتلت إسرائيل جبل الشيخ وأراضي وقرى بعمق يزيد عن 25 كم داخل سوريا، لتضاف إلى هضبة الجولان المُحتلة.

وجبل الشيخ أو "جبل حرمون" هو جبل يقع بين سوريا ولبنان يطل على الجولان المحتل ويمكن رؤيته من الأردن.

ويقوم مخطط الاحتلال على تحرك تلك الرحلات السياحية تحت حراسة عسكرية في حافلات مصفحة، ستقطع مجموعات صغيرة مسافة تصل إلى 2.5 كيلومتر داخل الأراضي السورية.

ويشمل مسار الرحلة الجانب السوري من جبل الشيخ، المطل على دمشق، ومزارع شبعا اللبنانية الواقعة عند سفح الجبل.

وسيتمكن الإسرائيليون من المشي لمسافات طويلة والسباحة في وادي نهر الرقاد الذي يتدفق إلى اليرموك على الحدود مع الأردن، ورؤية أجزاء من خط السكة الحديدية العثماني الحجازي المهجور، والذي كان يربط عاصمة الإمبراطورية في إسطنبول بحيفا ونابلس والأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية الحالية، بحسب إعلام إسرائيلي.

كما يعتزم الاحتلال منح السياح الإسرائيليين إمكانية الوصول إلى مسار دائري للمشي ينحدر من جنوب مرتفعات الجولان المحتل إلى وادي الرقاد العميق والوعر.

ما هو لافت كذلك في تلك الجولات أنها توفر للإسرائيليين الوقوف عند نقطة مراقبة مسغاف شمال إسرائيل، بحيث يشاهد هؤلاء أنقاض منازل في القرى اللبنانية التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العمليات البرية نهاية عام 2024.

وضمن هذا السياق، صرح جيش الاحتلال الإسرائيلي: "من المهم لنا إعادة إحياء التراث والسياحة في المنطقة، وسرد قصة المعارك التي خاضتها خلال الحرب"؛ حيث سيستقبل جنود الاحتلال المظليين هؤلاء السياح وسيصفون لهم أنشطتهم الحالية على الجبهة السورية.

إلا أن الجيش الإسرائيلي، قرر في 11 أبريل وبشكل مفاجئ إلغاء جميع "الجولات السياحية" المخطط لها إلى مناطق حدودية داخل الأراضي السورية، والتي كانت مخصصة لمجموعات إسرائيلية مصحوبة بمرشدين وبتراخيص رسمية.

وأوضح جيش الاحتلال في بيان أن القرار جاء عقب "تقييم للوضع العملياتي"، مشيرا إلى أن "الدخول إلى طرق عبور السياج الحدودي لن يُسمح به في هذه المرحلة"، في إشارة إلى مناطق تقع بمحاذاة الجولان السوري المحتل.

وبموجب القرار، شملت الإلغاءات ثلاثة مسارات رئيسة هي: نهر الرقاد بريف القنيطرة، وجسر الهامة على ضفاف نهر اليرموك الذي يحد الجولان المحتل من الغرب، ونفق سكة حديد الحجاز في منطقة اليرموك، وفقا لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت".

من جهة أخرى، استُثني المسار الرابع الواقع على جبل الشيخ، المطل على الحدود اللبنانية، من قرار الإلغاء؛ حيث أكد الجيش أن هذا المسار سيبقى مفتوحا مؤقتا في الوقت الراهن.

وجرى تنظيم الرحلات من قبل الفرقة 210 في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومجلس الجولان الإقليمي، ومركز "كيشت يهوناتان" للتعليم الديني، ومدرسة الجولان الميدانية البيئية، وسلطة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية، حسبما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت".

اللافت أن السياح يسجلون على مسؤوليتهم الخاصة منذ البداية، وجرى التنويه لهم بأن الرحلات قد تلغى فورا في حال وجود مشاكل أمنية.

أطماع إمبريالية

وروّج جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أن هذه الجولات جزء من مبادرة أوسع نطاقا بعنوان "العودة إلى شمال أكثر أمانا"، في إشارة إلى المعارك مع حزب الله اللبناني.

وقال عن ذلك في بيان: "من المهم بالنسبة لنا استعادة التراث والسياحة في المنطقة ورواية قصة المعارك التي خاضتها خلال الحرب".

ووصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الخطوة بأنها غير مسبوقة منذ تأسيس إسرائيل، مؤكدة أن العديد من المواقع التي تنظم فيها الجولات تعد مناطق عسكرية مغلقة، ما يضفي طابعا استفزازيا على هذه الأنشطة ويثير مخاوف من أهداف توسعية مموهة بأنشطة سياحية، وفق الصحيفة.

كما تعكس خطوة الاحتلال هذه غير القانونية، محاولة منه وفق المراقبين لخلق صورة نمطية لدى الإسرائيليين عن هذه المناطق الطبيعية الخلابة وأنه قادر على احتلالها.

لكنها تخفي خلفها محاولات لتبرير الاجتياح غير القانوني للأراضي السورية عقب سقوط الأسد؛ حيث وصف المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسون، في 3 أبريل 2025 التصعيد العسكري الإسرائيلي بأنه "قد يرقى إلى انتهاكات خطرة للقانون الدولي، واحترام سيادة سوريا والاتفاقيات القائمة"، داعيا "لوقف الإجراءات الأحادية الجانب على الأرض". 

وسبق أن طالب رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في فبراير 2025 بجعل جنوب سوريا الذي يضم ثلاث محافظات (درعا - القنيطرة - السويداء) منزوع السلاح بشكل كامل، محذرا من أن حكومته لن تقبل بوجود القوات الأمنية التابعة للسلطات الجديدة في سوريا قرب حدودها.

بالمقابل فقد حضّ الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع خلال القمة العربية الطارئة في القاهرة في مارس 2025، المجتمع الدولي على "الضغط على إسرائيل للانسحاب الفوري من الجنوب السوري".

منطقة غير آمنة

ويرى مراقبون أن تفكير الاحتلال الإسرائيلي بإقامة جولات سياحية داخل الأراضي السورية، خطوة غير محسوبة حتى "أمنيا"، لا سيما أنها جاءت بعد توغلات برية أسفرت عن حدوث اشتباكات بين الأهالي السوريين وقوات الاحتلال في ريف درعا؛ إذ نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي في 2 أبريل 2025 توغلا بريا بعشرات الآليات والمدرعات العسكرية إلى حرش سد الجبيلية الواقع بين مدينة نوى وبلدة تسيل غربي درعا جنوب سوريا.

وأفادت مصادر محلية بأن أهالي مناطق نوى وتسيل والبلدات الغربية بدرعا اشتبكوا مع الرتل الإسرائيلي وأجبروه على التراجع، في حين ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية أن 11 مواطنا سوريا استشهدوا وأصيب آخرون خلال الاشتباكات؛ إذ ما تزال المنطقة تشهد حالة احتقان شعبي من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة فيما بعد المنطقة العازلة، ووسط عجز قوات "الأندوف" التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بفض الاشتباك عند الحدود من ردع إسرائيل ومنع توغلاتها غير المسبوقة.

ويرى المراقبون أن سعي المسؤولين الإسرائيلين، لإنشاء "منطقة نفوذ" استخباراتية تصل إلى 60 كيلومترا جنوب سوريا، لا يبررها تكرار تل أبيب أن تلك الإجراءات هي للتعبير عن عدم الثقة في الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع.

ولا سيما أن تلك الإجراءات الإسرائيلية بما فيها السياحية، تثير غضب السوريين، الذين خرجوا في مظاهرات منددة بالخروقات الإسرائيلية وقتل المدنيين وطالبوا بمواجهة إسرائيل وحمل السلاح ضدها.

وهذا النوع من السياحة ليس جديدا بالنسبة لإسرائيل؛ إذ نظمت جولات سياحية على الحدود مع غزة عقب العدوان في السابع من أكتوبر 2023.

وبالنسبة للمشاهير والسياسيين وأصحاب النفوذ وغيرهم ممن يزورون إسرائيل، لا تكتمل الرحلة دون زيارة البلدات والقرى القريبة من الحدود مع غزة.

وبحسب أرقام مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، زار حوالي 180 ألف سائح، إسرائيل في الربع الرابع من عام 2023، بانخفاض عن 930 ألف سائح في الربع الرابع من عام 2022، مما يشير إلى انخفاض بنسبة 81.5 بالمئة.

وتشكل السياحة نحو 3 بالمئة من اقتصاد إسرائيل وتوفر فرص عمل مباشرة لنحو 200 ألف شخص.