سامراء التاريخية.. كيف تخطط مليشيا الصدر لتحويلها إلى مدينة شيعية؟

يوسف العلي | منذ ١٨ ساعة

12

طباعة

مشاركة

منذ تفجير "المرقدين العسكريين" في مدينة سامراء بالعراق، تعاني عاصمة الخلافة العباسية، من تضييق وتنكيل ممنهج بحق ساكنيها، وذلك من جميع القوى الشيعية الفاعلة، سواء التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، أو الإطار التنسيقي الذي يقود الحكومة الحالية.

وفي 22 فبراير/شباط 2006، فُجّر مرقدا علي الهادي والحسن العسكري في سامراء (حفيدي الصحابي علي بن أبن أبي طالب)، ما تسبب في إشعال فتنة طائفية بالعراق أودت بحياة نحو مئة ألف شخص قتلوا على الهوية، فضلا عن تشريد الآلاف، وهدم وحرق مئات المساجد.

ومع استمرار حالات التنكيل بأهالي سامراء، عثر في 11 أبريل/ نيسان 2025 على جثة الشاب زياد طارق البازي في العشرينيات من عمره، وذلك بعد ثلاثة أيام من اختطافه من حاجز أمني لمليشيا "سرايا السلام" التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر.

جريمة مروعة

جثة الشاب السامرائي ظهرت بعد قتله نحرا، وعليها آثار تعذيب شديدة تسببت في تشويه ملامحه بعد قطع أذنه وجدع أنفه، إضافة إلى حرق وجهه بـ"التيزاب" (الأسيد)، دون أي ذنب اقترفه هو أو أحد أفراد عائلته، حسبما ذكر والده في تصريح تلفزيوني.

وأكد والد الضحية أنه فقد الاتصال بنجله زياد في الساعة الـ11 من صباح يوم السابع من أبريل، عندما كان متجها إلى الأرض الزراعية لإطفاء آلة السقي، مبينا أنه اختطف في منطقة تقع بين حاجزين أمنيين الأول تابع للشرطة الاتحادية (حكومية)، والثاني لـ"سرايا السلام".

وبشأن الجهة التي يتهمها بالوقوف وراء جريمة القتل، اكتفى والد الضحية بالقول: "لولا أنهم (الجناة) متنفذون لما استطاعوا أن يخطفوا نجله في وضح النهار ثم يقتلونه بطريقة بشعة".

وحمّل البازي الجهات الأمنية في سامراء المسؤولية عن مقتل ابنه وهروب الجناة، مستغربا من عدم القبض عليهم رغم سيطرتهم المحكمة على المدينة، وانتشار كاميرات المراقبة، مطالبا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالتدخل الشخصي والعاجل لكشف القتلة ومحاسبتهم.

ولم يصدر أي ردّ من مكتب السوداني على الحادثة، لكن مديرية شرطة سامراء، نفت في بيان لها حدوث حالات خطف، رغم إعلانها تشكيل لجنة للتحقيق بجريمة مقتل الشاب زياد.

وأفادت المديرية خلال بيانها في اليوم الذي عثر فيه على جثة البازي، بأنها "تنفي الأخبار التي تداولتها بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية حول وجود حالات خطف في مدينة سامراء".

وفي وقت أكدت فيه "وجود عمليات ابتزاز ومساومة"، لكن زعمت أن من يقوم بها هم أشخاص "يستغلون" اسم (سرايا السلام) والذين ألقي القبض عليهم واعترفوا بقيامهم بهذه العمليات، وجرى تسليمهم إلى مكتب مكافحة إجرام سامراء ليحاسبوا وفق القانون.

وفي 13 أبريل، خرج قائد مليشيا "سرايا السلام" في سامراء، منتظر الموسوي، أمام وسائل الإعلام وزعم أن مقتل البازي كان قضاء وقدرا؛ كونه سقط مع سيارته في النهر، واصفا الاتهامات التي تنالهم بأنها عارية عن الصحة، دون الحديث عن سلخ وجه الضحية وقطع أذنه.

جرائم متكررة

وأثارت جريمة مقتل الشاب البازي ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن سكان مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين يتعرضون إلى ظلم طائفي على يد مليشيا "سرايا السلام".

وقال الإعلامي العراقي، عمر الجنابي: إن "قصة الشاب زياد من أهالي سامراء تهز أي مجتمع شريف محترم لديه ضمير وإنسانية".

وأضاف الجنابي في منشور على منصة "إكس" في 11 أبريل، أن “الشاب اختطف من سيطرة (حاجز) أمنية، وعثر على جثمانه بعد 3 أيام وعلى جسده آثار تعذيب بمادة (الأسيد) في رابع حالة اختطاف من ضواحي المدينة خلال أيام”.

وتساءل: “متى ينتهي ظلم سامراء وأهلها لأسباب طائفية؟”

من جهتها، قالت الناشطة تمارا الخزرجي، إن "الشاب الشهيد زياد طارق البازي من أهالي سامراء تم اختطافه من مليشيا سرايا السلام الإرهابية، وعثر على جثته منحورة ومحروقة بمادة الأسيد". 

ودعت الناشطة عبر "إكس" في 11 أبريل، أهالي سامراء إلى الانتفاض ضد "سرايا السلام"، مؤكدة أن “هذا الإرهاب والذل والإجرام، سيأتي على الجميع واحدا تلو الآخر في حال تم السكوت على ما تقوم به هذه المليشيا”.

وعلى الصعيد ذاته، قال الإعلامي عمر الجمال: إن "قائد سرايا السلام يصف قتل شخص نحرا ثم تشويهه بالتيزاب قضاء وقدر، ثم يقول الحادث له أسباب"، مؤكدا أنه "يعترف بعلمه بملابسات الحادث ودوافعه. اعترافا صريحا بتستره على الجريمة".

وأعرب الجمل في منشور عبر "إكس" في 13 أبريل، عن استغرابه من تصريح الموسوي، متسائلا: "خرج مسرعا وسقط في نهر الرصاصي، فكيف قتل نحرا ثم أحرق بالتيزاب، ثم قطعت أذنه؟"، واصفا "إجرام الإرهاب الشيعي بأنه ليس كمثله إجرام".

وأكد أن "مليشيا الصدر، تعتقل نحو 5 آلاف شخص من أهالي مدينة سامراء، وذلك بناء على حجج واهية واتهامات ليست لها أي أدلة، لا سيما تلك التي تتعلق بالانتماء للإرهاب".

وفي 12 أبريل، وجَّه السياسي السني والنائب السابق، مشعان الجبوري، رسالة إلى مقتدى الصدر عبر منصة "إكس"، طلب فيها أن يكون له موقف مما حصل للشاب زياد البازي في مدينة سامراء.

وطالب الجبوري من الصدر توجيه دعوة واضحة إلى تشكيل لجنة تحقيق حيادية بالتعاون مع وزارة الداخلية، تُحقق في الجريمة، وتُطلع الرأي العام على الحقيقة، وتُحاسب الجناة كائنا من كانوا.

ودعا السياسي العراقي، في رسالته للصدر إلى أن "توضع كاميرات نقاط التفتيش التابعة لسرايا السلام تحت تصرف اللجنة، لرفع أي شبهة، وإظهار الحق"، مناشدا إياه بـ"إعادة النظر في واقع تعدد السلطات الأمنية في سامراء، فازدواج الحواجز لا يخدم الأمن، بل يفتح بابا للضياع والإفلات من العقاب".

وعلى الوتيرة ذاتها، طالب مركز "الرافدين الدولي" للعدالة وحقوق الإنسان، الحكومة العراقية والجهات الأمنية المختصة بفتح تحقيق فوري وشفاف في ملابسات “هذه الجريمة البشعة، والعمل على محاسبة الجناة وتقديمهم للعدالة، وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين، لا سيما في المناطق التي تكررت فيها مثل هذه الانتهاكات”.

ودعا المركز خلال بيانه في 11 أبريل، المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية إلى التحرك العاجل لـ"توثيق هذه الجريمة وممارسة الضغط على الجهات المعنية من أجل إيقاف مسلسل القتل والاختطاف المستمر ضد الأبرياء في العراق".

وشدد على أن "السكوت عن هذه الجرائم يعد تواطؤا".

عمليات ممنهجة

وبخصوص ما يجرى في مدينة سامراء من قتل واختطاف واعتقال لأبنائها، أكد وليد السامرائي، أحد أبناء المدينة، أن "سرايا السلام تسيطر على الواقع الأمني منذ عام 2014، بعد اجتياح تنظيم الدولة للبلاد، وسيطرته على أجزاء من محافظة صلاح الدين".

وقال السامرائي لـ"الاستقلال": إن "سرايا السلام تتعامل طائفيا مع سكان المدينة، وتضيق عليهم الخناق وتعتقل كل من تريد سواء في الحواجز الأمنية التي تنصبها في المداخل الرئيسة للمدينة أو من خلال حمالات دعهم واعتقال بحجة الانتماء للإرهاب".

ولفت إلى أن "ما يجرى هو ترهيب وتطهير طائفي، لإجبار سكان المدينة على مغادرتها واستقدام سكان محافظات الجنوب ذات الغالبية الشيعية، من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في سامراء عاصمة الخلافة العباسية، وحاليا تم جلب مربي الجاموس من جنوب البلاد إلى المدينة بحجة الجفاف".

من جهته، قال النائب عن مليشيا "عصائب أهل الحق" المنضوية ضمن الإطار التنسيقي، علي تركي، خلال مقابلة تلفزيونية في 3 أبريل: إن "سامراء مدينة ذات صبغة شيعية والعراق كله شيعي، وأنا بصدد تقديم مشروع قانون في البرلمان يحول سامراء إلى محافظة شيعية".

وقبل ذلك، كشف شعلان الكريّم النائب السني في البرلمان العراقي عن مدينة سامراء، عن تعرض أهالي سامراء القديمة إلى التضييق شديد، الأمر الذي دفعهم إلى بيع أملاكهم مجبرين بعدما ضيقت عليهم القوة الأمنية الماسكة للأرض.

وأكد الكريّم أن إدارة العتبة العسكرية (مرقد الحسن العسكري) ضيقت على أهالي سامراء القديمة بوضع أبواب على مداخل المنطقة، وأن التضييق شمل منع دخول عمال النظافة والبلدية وحتى من يريد صيانة الكهرباء وأنابيب مياه الشرب.

وتابع: "كل ذلك اضطر أهالي سامراء القديمة إلى الرضوخ وبيع أملاكهم بأثمان زهيدة، مشددا على أن توسيع العتبة العسكرية كان 50 مترا في بداية الأمر لكنهم رفعوها بعد ذلك إلى 200 متر".

ومنذ تفجيرات عام 2006، تتعرض سامراء إلى تضييق كبير عليها وعلى ساكنيها من القبائل العربية السنية التي تقطنها منذ تأسيسها، لا سيما (العباسي، البازي، الدراجي، الأسود، البدري، والنيساني).

وتقع مدينة سامراء الأثرية على ضفاف نهر دجلة وعلى مسافة 130 كيلومترا شمال بغداد، وكانت مقر عاصمة الدولة العباسية الإسلامية مدة تقرب من 58 عاما، تمتد من عام 834 إلى 892 للميلاد، والتي بسطت نفوذها على الأرض الممتدة من تونس إلى وسط آسيا. 

وتمتد المدينة بطول 41 كيلومترا ونصف الكيلومتر من الشمال إلى الجنوب، أما عرضها فيتراوح بين 4 و8 كيلومترات، فهي تحتوي على معالم أثرية هندسية وفنية طوّرت محليا قبل أن تنقل إلى أقاليم العالم الإسلامي وأبعد من ذلك.

ومن بين الآثار العديدة والبارزة الموجودة في الموقع المسجد الجامع ومئذنته الملوية، وقد شيد في القرن التاسع الميلادي. ويبقى قرابة 80 بالمئة من المدينة الأثرية مطمورا ويحتاج إلى تنقيب.

وفي سبتمبر/أيلول 2008 أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قرارا يعد سامراء ضمن 851 مدينة تراثية في العالم، مما يرتب عليها مسؤولية الحفاظ بكل الوسائل على الأبنية والمواقع الأثرية الموجودة على أرضها.