أزمة دبلوماسية بين الجزائر و3 من دول الساحل.. هل تتجه لمواجهة عسكرية؟

“التوتر ليس جديدا بل هو نتاج تراكمات”
أزمة دبلوماسية جديدة دخلتها الجزائر مع ثلاث دول إفريقية، وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مما طرح سؤالا عن مآل هذا التوتر، وكذا إمكانية استثماره من لدن المغرب في ظل توتر علاقات البلدين.
وقررت الدول الثلاث عبر بيان صادر في 6 أبريل/نيسان 2025، استدعاء سفرائها من الجزائر للتشاور، والتي اتهموها بإسقاط طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي ليلة 31 مارس/آذار 2025 بمنطقة تنزواتين في إقليم كيدال.
ووصف بيان الدول الثلاث المتكتلة في مجلس رؤساء دول كونفدرالية دول الساحل (AES)، إسقاط الطائرة بـ"العمل العدائي المرتكب من النظام الجزائري".
وأشار المجلس بعبارات حادة إلى أن "القرار الصادر في 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، والذي نصّ على عد المجال الكونفدرالي مسرحا موحدا للعمليات العسكرية".
وأضاف: "وبالتالي فإن إسقاط الطائرة المسيّرة يُعد عدوانا يستهدف الدول الأعضاء كافة في الكونفدرالية، ومحاولة خبيثة لدعم الإرهاب والمساهمة في زعزعة استقرار المنطقة".
أزمة مستمرة
رد الجزائر على قرار الدول الثلاث لم يتأخر، حيث أعلنت اضطرارها إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، واستدعاء سفيريها في مالي والنيجر للتشاور وتأجيل تولي سفيرها الجديد في بوركينا فاسو لمهامه.
وأصدرت الخارجية الجزائرية بيانا في 7 أبريل 2025، قالت فيه: إن "الحكومة الجزائرية أخذت علما، ببالغ الامتعاض، ببيان الحكومة الانتقالية في مالي، وكذا ببيان مجلس رؤساء دول اتحاد دول الساحل".
وذكرت أن "الحكومة الانتقالية في مالي وجهت اتهامات خطيرة وادعاءات باطلة إلى الجزائر، تمثل محاولات بائسة ويائسة لصرف الأنظار عن الفشل الذريع للمشروع الانقلابي الذي لا يزال قائما والذي أدخل مالي في دوامة من اللا أمن واللا استقرار والخراب والحرمان”، وفق تعبيرها.
ورأت الجزائر أن "مزاعم الحكومة المالية اليائسة بخصوص وجود علاقة بين الجزائر والإرهاب تفتقر إلى الجدية إلى درجة أنها لا تستدعي الالتفات إليها أو الرد عليها".
ونبهت إلى أن "جميع البيانات المتعلقة بحادث إسقاط الطائرة المالية متوفرة في قاعدة بيانات وزارة الدفاع الجزائرية، لا سيما صور الرادار التي تثبت بوضوح انتهاك المجال الجوي الجزائري".
وأعربت الحكومة الجزائرية عن أسفها الشديد "للانحياز غير المدروس لكل من النيجر وبوركينا فاسو للحجج الواهية التي ساقتها مالي، كما تأسف أيضا للغة المشينة وغير المبررة التي استعملت ضد الجزائر والتي تدينها وترفضها بأشد العبارات".
ومنذ مطلع عام 2025، تبادلت الجزائر ومالي الاتهامات، وذلك على خلفية الدعم الجزائري المزعوم للحركات الأزوادية المسلحة في شمال مالي.
ففي يناير/كانون الثاني 2025 قال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، إن بلاده “لن تقبل بتحويل حركات سياسية أطرافها موقعة على اتفاق الجزائر إلى عصابات إرهابية"، في إشارة إلى الجماعات الأزوادية، المطالبة بالانفصال عن مالي.
حينها ردت وزارة الخارجية المالية، في بيان شديد اللهجة على تصريحات عطاف، محذرة من التدخل في شؤونها الداخلية.
ودعت الخارجية المالية الحكومة الجزائرية إلى "التركيز على أزماتها الداخلية، والتوقف عن استغلال مالي كأداة لتحقيق أهداف سياسية خارجية".
وأعلنت السلطات المالية تقدمها بشكوى أمام الهيئات الدولية "ضد النظام الجزائري لارتكابه أعمالا عدوانية"، تمثلت في إسقاط الجزائر طائرة مسيرة تابعة للجيش المالي.
وأضاف بيان حمل توقيع الناطق باسم الحكومة المالية، الجنرال عبد الله مايغا، أن مالي قررت الانسحاب من "لجنة الأركان العملياتية المشتركة"، وهي لجنة تأسست في أبريل 2010 بمدينة تمنراست، وتضم كلا من الجزائر، وموريتانيا، ومالي، والنيجر.
تصعيد جديد
من جانب آخر، فإن التصعيد بين الجانبين لم يقتصر على سحب السفراء والشكاوى لدى الهيئات الدولية، والتصريحات شديدة اللهجة، بل وصل إلى درجة إغلاق المجال الجوي بشكل كامل بين هذه البلدان.
فقد أعلنت الجزائر إغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات القادمة من دولة مالي أو المتوجهة إليها.
وأكدت الحكومة الجزائرية دخول قرار إغلاق الأجواء حيز التنفيذ بدءا من 7 أبريل 2025، وبررت ذلك بما وصفته بـ"الاختراق المتكرر" من طرف دولة مالي لمجالها الجوي.
ثم ردت السلطات المالية على الفور بقرار مماثل، حيث أعلنت الحكومة إغلاق المجال الجوي أمام "كل الطائرات المدنية والعسكرية المتجهة إلى الجزائر أو القادمة منها، ابتداء من 7 أبريل 2025، وحتى إشعار آخر".
فيما أمر النائب العام لدى القطب القضائي المتخصص في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود بمحكمة الاستئناف بالعاصمة المالية، بفتح تحقيق قضائي عقب إسقاط الطائرة المسيرة من قبل الجيش الجزائري.
وبحسب "وكالة الأنباء الإفريقية"، في 10 أبريل 2025، فقد أكد النائب العام أن هذا التحقيق يهدف إلى تسليط الضوء على الوقائع المرتبطة بإسقاط الطائرة، والتعرف على الجناة المحتملين، والمتواطئين، والمساهمين، من أجل تقديمهم للعدالة.
وأردف البيان أن النائب العام "سيُعلن في الوقت المناسب عن العناصر المستخلصة من التحقيقات التي ستُجرى"، داعيا "السكان إلى التعاون من خلال تقديم أية معلومات مفيدة لأجهزته بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى".
كما شهدت العاصمة باماكو، في 8 أبريل 2025، مظاهرة لعدد من المواطنين أمام سفارة الجزائر، للتنديد بما وصفوه بدعم الجزائر لـ"الإرهاب".
وقال الصحفي المختص في الشؤون الأمنية بمنطقة الساحل، حسين أغ عيسى لنصاري، إن "الخلاف الحالي بين الجزائر ومالي له جذور متعددة، أبرزها الاختلاف في التعامل مع الجماعات المسلحة".
وأضاف لنصاري لـ"الاستقلال"، أن "الجزائر تفضل حلولا سياسية وأمنية متوازنة في منطقة الساحل عموما وشمالي مالي إقليم أزواد خصوصا، بينما تعتمد مالي على الخيار العسكري بدعم من مجموعة فاغنر، مما يزيد من حدة التوتر".
وتابع: "بالنسبة لقضية الحدود، فالجزائر تُشدد على ضرورة تنسيق أمني مشترك ومفاوضات مع جميع الأطراف المالية لتجنب صدامات على حدودها، ولكن مالي تتهمها بالتواصل مع جماعات مسلحة، كجبهة تحرير أزواد، التي صنفتها مالي حركة إرهابية، وهو ما تنفيه الجزائر جملة وتفصيلا".
وأوضح لنصاري أن "التوتر ليس جديدا بل هو نتاج تراكمات، ففي 2023 اتهمت مالي الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية، عندما استقبل الرئيس عبد المجيد تبون الإمام محمود ديكو المعارض للمجلس العسكري في باماكو وبعض قادة الحركات الأزوادية، واستدعت سفيرها بالجزائر وردت الجزائر بالمثل".
مناخ متوتر
من جانب آخر، قال المحلل السياسي الموريتاني المتابع للشأن الإفريقي أحمد محمد فال، إن حجم التصعيد الذي حصل يعكس "عمق الأزمة بين البلدان الأربعة".
وأشار محمد فال لموقع "عربي21" في 8 أبريل 2025، إلى أن “الحدود البرية بين الجزائر ومالي كانت مغلقة منذ فترة، ثم تم إغلاق المجال الجوي، وهو ما يعني أن الأزمة تسير نحو مزيد من التصعيد، لكنه استبعد أن تصل هذه الأزمة إلى مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة”.
ورأى أن الجزائر قوة إقليمية مهمة في المنطقة ولن تقبل أن يتم جرها لمواجهة عسكرية مع بلدان يحكمها "انقلابيون وغير مستقرة أمنيا"، وفق وصفه.
وتوقع أن تعرف منطقة الساحل الإفريقي خلال الفترة القادمة الكثير من التطورات في ظل حالة الاستقطاب الدولي "حيث تعد بلدان الساحل منطقة صراع على النفوذ بين العديد من القوى الدولية".
في تحليله لوجهة نظر الجزائر، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، زهير بوعمامة، أن "الجزائر تدرك تماما أن الاعتداء على أرضها بالطائرة المالية لا يمكن أن يكون بعيدا عن ارتهان أسيمي غويتا ومجموعته لأجندات دولة في الإقليم، تريد أن توظفهم من أجل أن تخلق مناخا وبيئة غير مستقرة ومتوترة في حدودنا الجنوبية"، في إشارة منه إلى المغرب.
وتوقع بوعمامة خلال لقاء تلفازي على قناة الجزائر الدولية، في 7 أبريل 2025، أن يكون "قرار القيادة السياسية والعسكرية الجزائرية في هذه المرة هو أن غويتا ومجموعته يجب أن يدفعوا الثمن غاليا لقاء تطاولهم بتلك الطريقة على الجزائر".
وتابع: "وأيضا لقاء تجرؤهم على محاولة الاعتداء على سيادتنا، والجميع يعلم ما الذي تعنيه فكرة ومبدأ السيادة بالنسبة للجزائريين والدولة الجزائرية"، على حد وصفه.
وأشار بوعمامة إلى أن "كل الاحتمالات ممكنة، وأعتقد أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة، ليس مع الشعب المالي ولكن مع هؤلاء الذين استولوا على السلطة ووضعوا أنفسهم الآن أداة في أيدي غيرهم".
ونبه إلى أن "الجزائر حرصت على إبعاد مالي من كل التجاذبات السياسية وكانت تقول دائما إن التسويات يجب أن تكون أولا وقبل كل شيء تسويات وطنية مالية/مالية، بمعنى أن تنطلق من توافقات مالية".
واسترسل: "لا شك أيضا أن هذه التسويات يجب أن تسند وترافق بجهد ودعم دولي إقليمي، أو إقليمي ودولي، وهذا هو جوهر المشكلة الآن".
طرف صامت
بدوره، قال المعارض الجزائري وليد كبير، إن "تحليل ما يجرى مع الدول الثلاث يستدعي الانتباه إلى أن نظام بلاده تورط في صراع إقليمي طويل الأمد حول ملف الصحراء المغربية، واستخدم موارد البلاد وثرواته لتغذية صراع غير مجد".
وشدد كبير لـ"الاستقلال"، على أن "هذا الملف، الذي كان يعتقد النظام الجزائري أنه ورقة ضغط إستراتيجية، تحول مع مرور الزمن وبشكل تدريجي إلى عبء ثقيل يقود البلاد نحو كوارث آثارها تمثلت في العزلة والانهيار".
وأضاف: "عوض تنمية الجنوب الغني واستفادة المواطنين المهمشين من ثرواته، خصصت الجزائر مواردها لإطالة أمد نزاع لا يخدمها في شيء".
وأشار إلى أن "الجزائر وجدت نفسها في عزلة دبلوماسية متزايدة بسبب هذا الملف (إقليم الصحراء) الذي أفقدها وزنها وهيبتها على المستوى الدولي، وبقيت الجزائر متشبثة بخطاب كريه قديم تجاوزه الزمن".
وأردف كبير: "مع الاعتراف الأميركي والإسباني والألماني والفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه، وثبات مواقف الدول العربية والإسلامية والإفريقية في مجملها الداعمة للمغرب، وتخلي معظم دول أميركا الجنوبية عن نظرتها المؤيدة للبوليساريو، بدأ العالم يقتنع بأن ما تسوقه الجزائر كان مجرد نصب واحتيال مبني على سردية وهمية".
وأضاف: "يتضح جليا أن رهان الجزائر على قضية خاسرة سيدمرها من الداخل وقد بدأنا نلمس تداعيات ذلك من خلال تأثر المواطن بشكل مباشر".
ونبه المعارض الجزائري إلى أن "سياسة المكابرة والصمت عن الهزائم وفقدان الأصدقاء، والدخول في أزمات مع العديد من الدول سواء في الجوار أو حتى من تبعد بآلاف الكيلومترات بسبب استعداء المغرب جعل الجزائر تدفع الثمن باهظا".
ودعا كبير "الجزائر إلى مراجعة موقفها، وأن تعود إلى منطق العقل والمصلحة الوطنية قبل كل شيء، وإلا فإن هلاكها كدولة، سيصبح للأسف أمرا واقعا لا رجعة فيه".
ونظرا للأزمة القائمة بين الجزائر والمغرب، والتي توجد قضية الصحراء الغربية في محورها، بسبب دعم الجزائر واستقبالها لجبهة البوليساريو على أرضها، فإن تحركات الدولتين يطبعه التنافس والصدام، ومن ذلك ما تعلق بالعلاقات مع دول القارة الإفريقية.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير في الشأن الإفريقي والعلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أن فهم ما يجرى يستدعي الانتباه إلى أن "الجزائر تعمل على إدامة النزاعات لدى الجيران لفرض الوصاية والهيمنة عليها، وهناك تصريحات ومواقف معلنة عدة تؤكد هذا الأمر".
وأفاد نور الدين لـ"الاستقلال"، بأن "الجزائر تعرقل كل الحلول التي لا تخدم أهدافها في المنطقة، وقد أقر الرئيس تبون بذلك بكل وضوح نهاية 2020 عقب الانقلاب الأول في مالي من أن حل الأزمة في مالي لن يتم إلا بموافقة الجزائر".
وأضاف "معنى هذا الكلام الخطير أن الجزائر ستعرقل أي مبادرة دولية أو إقليمية إذا لم تكن تخدم أهدافها"، ويرى أن "الجزائر تقوم بهذا فعليا، وبأشكال متعددة".
وأردف: "وهي من وراء ذلك تخشى من أن حلّ مشكلة الأزواد سيدفع شعب الطوارق الذي ألحقه الاستعمار الفرنسي بالجزائر، إلى المطالبة باستقلالهم".