"إيميرالد".. مجموعة إماراتية تدشن شركات أمن بسوريا بعد سقوط الأسد

"يتوقع الخبراء زيادة طلبات الاستعانة بأفراد الحماية الأمنية الخاصة في سوريا"
عاد الطلب على الشركات الأمنية الخاصة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد؛ وذلك لتوفير الحماية للأفراد والمؤسسات والمقرات، في بلد لم يصل بعد إلى حالة استقرار كامل.
فحتى قبيل سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، كان عدد هذه الشركات محدودًا، وكانت غالبيتها تدار بشكل مباشر من قبل أجهزة المخابرات التي جرى حلّها لاحقًا.
وانهارت تلك الشركات عقب فرار ضباط في الجيش البائد أو في أجهزة المخابرات الذين كانوا يديرونها بإشراف من مكتب “الأمن الوطني”، علاوة على مالكيها المقربين من الأسد الفار إلى روسيا.

شركات الحماية الأمنية
ومع بدء مرحلة ما بعد الأسد في سوريا، تتوافد شركات الأمن إلى البلاد لتقديم خدماتها في حماية السفارات ووسائل الإعلام وشركات التنقيب.
وتؤكد مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، خلال تقرير لها نشر في 14 أبريل 2025، أن مجموعة Emerald Solutions الأمنية الإماراتية ومقرها دبي، تعد رائدة في هذه الخطوة من خلال كيانها المسجل مباشرة في دمشق "إيميرالد سوريا المحدودة".
وهذه الأخيرة تأسست في مرحلة مبكرة وبشكل مفاجئ بينما لا تزال وزارة الداخلية السورية الجديدة التي ستمنح التراخيص لشركات الأمن، قيد الإنشاء.
وبحسب المجلة فإن Emerald Solutions تعمل بشكل قانوني في سوريا حيث يقيم عملاؤها في دمشق ضمن فيلات مؤمنة من قبل "قوات محلية".
وتزعم أيضا أنها دخلت العاصمة يوم سقوط نظام الأسد، حيث أمنت المؤسسات الإعلامية الدولية التي تغطي الأحداث.
وأضافت أن وجودها الميداني منذ وصول النظام الجديد للحكم والشبكات التي استطاعت بناءها منذ ذلك الحين يُفسران كيف تمكنت من العمل في دمشق بعد فترة وجيزة من سقوط الأسد.
ولم يتأكد موقع "إنتليجنس أونلاين" من حصول Emerald Solutions على ترخيص أمني حكومي أم لا، ولكنه تمكن من الاطلاع على شهادة تأسيس الشركة في دمشق والتي تأسست برأس مال قدره 50 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل 3500 يورو.
وبحسب الموقع، وُقعت هذه الوثيقة في 11 مارس/آذار 2025 من قبل وزير التجارة الداخلية في الحكومة الانتقالية، ماهر خليل الحسن، الذي أُقيل لاحقا في 29 من الشهر المذكور مع إعلان التشكيل الوزاري للوزراء الجدد وإلغاء منصب رئيس الحكومة.
وتقول المجلة: إن سايمون روتون يُدير الفرع السوري للشركة، وهو خبير مخضرم في أسواق الأمن بالشرق الأوسط عمل على نطاق واسع مع الأكراد وكان جنديا في صفوف الجيش البريطاني وعمل في العراق لصالح شركتي Aegis وAKE اللتين توفران الحماية والحلول الأمنية.
ومن خلال شركة "الخدمات الإستراتيجية لما وراء البحار" (SOS)، درب روتون القوات الخاصة الكردية التابعة للبيشمركة العراقية بين عامي 2011 و2014 مع أفراد عسكريين بريطانيين سابقين آخرين.
ثم أدار بعد ذلك شركة Sidar للأمن في أربيل لمدة عشر سنوات، كما مثّل أيضا شركة Tactical North المختصة في وساطات بيع المعدات العسكرية من أبو ظبي.
تزعم شركة Emerald أنها هربت المواطن الأميركي ترافيس تيمرمان البالغ من العمر 29 عاما، بعدما عُثر عليه في أحد سجون الأسد في 12 ديسمبر 2024، حيث سلّمته على الفور إلى الجيش الأميركي، وذلك ضمن إحدى مهامها الأولى في ظل النظام الجديد بدمشق.
وبحسب المسؤولين الأميركيين فإن تيمرمان اختفى قبل سبعة أشهر من خروجه ليلة سقوط الأسد مع آلاف المعتقلين السوريين، وذلك بعدما دخل البلاد من لبنان بطريقة غير شرعية.
إلا أن عملية نقله بعد أربعة أيام فقط من الإطاحة بالأسد تشير إلى جهوزية Emerald للعمل في الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد الاستبدادي.
وتأسست الشركة عام 2012 على يد الجندي البريطاني السابق واين كونور المقيم في الشرق الأوسط منذ سنوات عديدة.
وعمل كونور لدى معظم الشركات المختصة بالحماية في المنطقة من بينها مجموعتي Control Risks وOlive وشركة Hart Security.

"سوق نشطة"
ولم تثنِ موجة الاشتباكات الأخيرة دمشق عن تنمية العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الخارج.
وتسعى الحكومة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى جذب مستثمرين جدد عبر بناء الثقة في نظامه الجديد للتمكن من عقد عدد متزايد من الاجتماعات مع وزارات الخارجية ووسائل الإعلام والجهات الدولية المانحة.
نتيجة لذلك، تستعد شركات الأمن الخاصة للتحرك إدراكا منها لفرص الأعمال المتاحة، كما استكشفت العديد من الشركات الغربية السوق لمرافقة شركات التنقيب أو لدعم الحكومة الجديدة في سعيها للسيطرة على البلاد.
ويأتي ذلك، في ظل مواصلة الحكومة الجديدة العمل على حصر السلاح بيدها سواء الذي يمتلكه فلول الأسد من عناصر في الجيش والمخابرات، أو ذلك الذي ما زال بيد فصائل الثورة.
ولهذا تهدف الشركات المستقلة في الحماية الأمنية الخاصة، إلى دخول سوق العمل في سوريا بهذه المرحلة والتعاقد مع الشركات الصناعية والمصارف.
فضلا عن توفير الحماية الشخصية للأفراد ورجال الأعمال السوريين العائدين إلى البلد أو للوفود الأجنبية الرسمية أو المنظمات التي بدأت تتقاطر إلى سوريا بشكل كثيف وتجري جولات ميدانية في المناطق السورية وبحاجة لحماية أمنية.
ولم تصدر الحكومة الجديدة ضوابط تتعلق بتوفير احتياجات الشركات الأمنية الخاصة من الأسلحة والذخيرة والمعدات المسموح بحملها من قبلها.
إلا أنه في عام 2023 وافق مجلس الشعب في سوريا على تعديل بعض مواد المرسوم التشريعي رقم "55" لعام 2013، المتعلق بقانون شركات الحماية والحراسة الخاصة المعتمد.
واشترطت التعديلات الجديدة وقتها منح ترخيص لهذا النوع من الشركات على أن تكون مملوكة بالكامل لحاملي الجنسية السورية.
وتشير المواد إلى أن ترخيص الشركة يصدر بقرار من وزير الداخلية بعد موافقة مكتب الأمن الوطني.
وعلى الرغم من أن الشركات الأمنية الخاصة حالة صحية في كثير من الدول مع ازدياد الأبنية التجارية ومقرات المؤسسات والأحزاب والمجمعات السكنية، فإنها تنشط أكثر في حالة الفوضى ووجود حاجة ماسة للاستعانة بخدماتها في بلد مثل سوريا.
ومعروف عن الشركات الأمنية الخاصة، أنها توفر عدة خدمات، أبرزها الحراسة الشخصية، وسترات الوقاية من الرصاص، وتوفير آلات لرصد المواد المتفجرة، ونقل المال النقدي وحماية المؤسسات على اختلاف أنواعها.
وتسهم تلك الشركات في تعزيز منع الجريمة وسلامة المجتمع، في إطار التشريعات الوطنية التي تتيح قوانين تكفي للرقابة عليها والعمل ضمن الخدمات المنصوص عليها في نظام مزاولة الخدمات الأمنية.
ودائرة المخاطر التي تشملها الحماية في هذا المرحلة باتت أوسع، مع الإقبال على مهنة المُرافق الخاص كونها تمنح رواتب أعلى في ظل الاقتصاد الهش والذي يتلمس طرق الانطلاق من جديد.
إذ يتوقع الخبراء أن تزداد طلبات الاستعانة برجال الحراسة، مع بدء موسم السياحة خاصة من الشخصيات التي تحتاج إلى حماية في أثناء تسوقهم خلال قضاء العطلة الصيفية بسوريا.
بينما الأجانب المصنفون من الشخصيات بالغة الأهمية، خصوصا الأميركيين منهم، يسافرون في كثير من الأحيان مع مرافق خاص بهم.
وعادة ما يسافر المرافق إلى البلد المقصود قبل أسبوع من سفر الشخصية التي يحميها.
ورغم مرور سوريا بسنوات من القتال، سيكون من السهل على شركات الحماية الخاصة توظيف شخصيات تمتلك مهارات قتالية وخبرة في الأمن واستخدام السلاح وتقنيات المراقبة.
وهذه الفئة تبرز أهميتها من قدرة المُرافق على التعامل مع محاولات الاعتداء أو الاغتيال والتي تأتي من الخبرة في سلك الشرطة أو الجيش.
ومع ذلك فإن هذه المهنة رغم أنها "وظيفة خطيرة" كونها تحول عنصر الحماية إلى "درع بشري" فإنها تدر أموالا طائلة لشركات الحماية.
وهناك الكثير من الضباط المتقاعدين غير المنخرطين في جرائم الأسد وهم من المنشقين عنه إبان اندلاع الثورة في 2011، يمكنهم العمل بمجال الخدمات الأمنية باعتباره عملا مكملا لمهنتهم وتدخل في نطاق شركات القطاع الخاص.
فضلا عن أنها تدر عليهم مكاسب مادية عبر استثمار خبراتهم المتراكمة لصالح مثل هذه الخدمات.

"تحت عين الأسد"
ولم تكن شركات الحماية تعمل بكثافة في سوريا قبل عام اندلاع الثورة، بسبب هيمنة أجهزة المخابرات على كل مفاصل البلاد.
إلا أن نظام الأسد سمح في العقد الأخير من حكمه بإنشاء عدد من شركات الحماية الأمنية الخاصة.
فقد سمح لخضر علي طاهر والمعروف بـ"أبو علي خضر"، الواجهة الاقتصادية لأسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، في عام 2017 بتأسيس شركة القلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية، والتي تختص في حماية وتأمين المنشآت الحيوية.
وآنذاك ولتشجيع مزيد من "الحجاج الشيعة" للقدوم إلى سوريا، سمح الأسد المخلوع في 5 مارس/ آذار 2018، بترخيص شركات حراسة أمنية خاصة لحماية هؤلاء.
وقد أوكل مهمة الإشراف على تلك الشركات إلى وزارة السياحة بالتنسيق مع وزارة الداخلية حينها.
بينما منحت "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" مهمة ترخيص تلك الشركات التي كان يسمح لغير السوريين في العمل بها.
وآنذاك كان يسمح لشركة الحراسة، بتجنيد من 300 إلى 500 حارس، مع تحديد الأسلحة المسموح لها باقتنائها، وهي المسدس، وكلاشينكوف، أما أجهزة الاتصال فهي جهاز لاسلكي.
كما كان يسمح لهذه الشركات باستخدام، سيارات مصفحة، ودفع رباعي، بالإضافة إلى المركبات السياحية، والحافلات الصغيرة.
وكانت العديد من الشركات الأمنية في سوريا وتحديدا خلال العقد الأخير من حكم الأسد، تجند الشباب برواتب مغرية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وقلة فرص العمل.
وأبرزها شركة "المهام للحماية والحراسات الأمنية"، والمملوكة لحسام قاطرجي الذي كان أبرز "أمراء الحرب" المحسوبين على عائلة الأسد.
وقد تبخرت تلك الشركات الأمنية الخاصة التي كانت تابعة لمخابرات الأسد، ولم يعد لها أي وجود على الأرض، بسبب هروب أو تخفي مالكيها المتورطين في دعم النظام البائد ونهب اقتصاد البلاد.