"الأكبر بقطاع الكهرباء".. ماذا وراء اتفاقات ذكرى الاحتلال بين أميركا والعراق؟

"تحول شعار (أميركا الشيطان الأكبر) إلى الصديق الأكبر"
مع ذكرى الاحتلال الأميركي للعراق، وقعت بغداد اتفاقيات "تاريخية" مع شركات أميركية بمليارات الدولارات، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات بخصوص دلالات توقيت هذه الخطوة، والتي واجهت انتقادات برلمانية عراقية حادة واتُّهِمت أيادٍ "خبيثة" بالوقوف وراءها.
في 9 أبريل/ نيسان من كل عام، تمر ذكرى الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وإسقاط نظام حزب البعث الاشتراكي بقيادة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، والتي تسببت بحدوث فوضى في البلاد، وسيطرة إيرانية على جميع مفاصل الحياة لا سيما ملف الطاقة الكهربائية.
اتفاقيات ضخمة
ووقّع العراق 3 مذكرات تفاهم مع جهات أميركية بالعاصمة بغداد، من بينها اتفاقية وصفتها بغداد بأنها "الأكبر في تاريخ قطاع الكهرباء" في البلاد، وذلك بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وفق بيان صادر عن مكتب الأخير في 9 أبريل.
وشملت المذكرة الأولى اتفاق إطار مبادئ للتعاون مع شركة "جي إي فيرنوفا" الأميركية، تتضمن مشاريع لإنشاء محطات إنتاج طاقة غازية مركبة بسعة إجمالية تصل إلى 24 ألف ميغاواط.
وذكر البيان أن المذكرة تأتي ضمن "خطة هي الأوسع والأحدث في تاريخ العراق"، مع إمكانية تأمين التمويل الخارجي من بنوك عالمية.
بدورها، ذكرت وكالة الأنباء العراقية (واع) أن الاتفاق مع "جي إي فيرنوفا" يُعد الأكبر في تاريخ قطاع الكهرباء بالبلاد.
أما المذكرة الثانية، فوقّعتها وزارة الكهرباء مع شركة "يو جي تي رينيوبل" الأميركية لإنشاء مشروع متكامل للطاقة الشمسية بقدرة 3 آلاف ميغاواط، إلى جانب أنظمة لتخزين الطاقة بالبطاريات بقدرة تصل إلى 500 ميغاواط/ساعة، وتحديث شبكات النقل والتوزيع، وإنشاء بنية تحتية جديدة لنقل التيار المباشر عالي الجهد بطول يصل إلى 1000 كيلومتر.
وتتضمن الاتفاقية أيضا برنامجا يمتد لعامين يشمل نقل التكنولوجيا والتدريب والتشغيل والصيانة، كما سيتم تمويل المشروع من بنك التصدير والاستيراد الأميركي، ووكالة التصدير البريطانية، وبنك "جي بي مورغان" الذي سيكون البنك المنظّم.
أما مذكرة التفاهم الثالثة، فكانت بين اتحاد الغرف التجارية العراقية وغرفة التجارة الأميركية، وتهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بين البلدين.
وتشمل المذكرة تسع مواد تركّز على تطوير العلاقات بين المؤسسات والشركات ورجال الأعمال، إضافة إلى دعم التعاون في مجالات التكنولوجيا والعلم والابتكار، وتوسيع فرص الشراكة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ولم يذكر بيان الحكومة العراقية حجم المبالغ المالية التي ستكلفها الاتفاقات الموقعة مع الشركات الأميركية، لكن الأكاديمي والباحث الاقتصادي العراقي، دريد عبد الله، قال عبر منصة "إكس" في 11 أبريل: إن "كلفة إنشاء المحطات، قد تصل إلى 30 مليار دولار أميركي".
وأفادت وكالة الأنباء العراقية "واع" في 8 أبريل، باستقبال بغداد ما وصفته بـ"أكبر وفد" تجاري أميركي ضمن جهود تعزيز العلاقات الاقتصادية واستكشاف مجالات التعاون والاستثمار بين البلدين.
وفي 7 أبريل، أعلنت سفارة واشنطن لدى بغداد، أن "غرفة التجارة الأميركية برئاسة ستيف لوتس تقود وفدا مكونا من 101 عضو من نحو 60 شركة أميركية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصحة إلى العراق هذا الأسبوع".
وتأتي زيارة الوفد الأميركي إلى العراق بعد 6 أيام فقط من إعلان الرئيس دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية على جميع دول العالم بحد أدنى يبلغ 10 بالمئة، فيما بلغت النسبة على العراق 39 بالمئة.

دلالات عدة
وبخصوص توقيت توقيع مذكرات التفاهم في ذكرى احتلال العراق، رأى الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، أنها "إشارة واضحة إلى ترسيخ الدور الأميركي في البلاد، وتنشيط للذاكرة السياسية العراقية بأن واشنطن جاءت بالنظام الحالي وقادرة على إعادة سيناريو 2003".
وأعرب المهداوي في حديث لـ"الاستقلال" عن اعتقاده بأن "إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب حرصت على هذا التاريخ لإرسال وفدها التجاري وتوقيع الاتفاقيات، بمعنى أن السلطة الحاكمة في بغداد عليها أن تقبل بشروطنا وإلا فسيكون القادم قاتما".
وأكد الباحث أن "الحكومة العراقية لم يكن أمامها غير الخضوع والاستجابة للضغوط الأميركية؛ لأن دول المنطقة كلها تتسابق لتقديم الأموال إلى ترامب، بالتالي تجنبت بغداد غضب ترامب".
وأوضح المهداوي أن "ترامب قادر بجرة قلم أن يسبب كوارث في العراق وينهي النظام القائم، لأن أموال النفط العراقية كلها تودع في الفيدرالي الأميركي، وأن البلد ليس له موارد غير نفطية، وبالتالي توزيع الرواتب وإنجاز المشاريع والتجارة كلها تعتمد على ما يأتي من هذا الريع".
ورأى الباحث أن "العراق تدارك التفات ترامب إليه وطلب المبالغ التي يريدها، بالتالي بدل أن تدفع نقدا تدفع لوجستيا عن طريق إدخال الشركات الاستثمارية لإنشاء محطات الطاقة".
وأردف: "مثلما يريد ترامب أن يحصل على نصف معادن أوكرانيا النادرة، فإنه سيحصل على ما يشاء من عقود النفط العراقية؛ لأن تقريبا كل دول المنطقة دفعت سواء السعودية أو الإمارات أو غيرها، وهؤلاء حلفاء فما بالنا بالعراق الذي يحسب على إيران، ويُضيق عليها الخناق غربيا".
وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري، عبر منصة "إكس" إن "زيارة وفد غرفة التجارة الأميركية اليوم في 9 أبريل إلى بغداد له دلالة رمزية قوية فهي تصادف يوم سقوط نظام صدام في 2003".
وأضاف زيباري أن "مجيء أكثر من ٦٠ شركة أميركية لتوقيع مذكرات تفاهم عن الكهرباء والطاقة والغاز للاستثمار والتأكيد على الشراكة الإستراتيجية، يتطلب من الحكومة الالتزام والتنفيذ".
وفي المقابل، وصف نائب رئيس لجنة الاقتصاد والصناعة في البرلمان العراقي، النائب ياسر الحسيني، في 12 أبريل، العقود التي أبرمتها الحكومة العراقية الحالية مع الولايات المتحدة، بأنها "استمرار لمسلسل التعاقد مع جهات مشبوهة، ولا تحمل أي جدوى اقتصادية أو فنية ولا منفعة للشعب".
ونقل موقع "كتابات" العراقي عن الحسيني، قوله: إن "هناك شكوكا تُحيط بهذه العقود، ونعتقد بوجود أيادٍ خبيثة تقف خلفها، فضلًا عن خضوعها للضغوطات الأميركية وتأثير ذلك على الاقتصاد العراقي، الأمر الذي يثير مخاوفنا بشأن تداعياتها على الأجيال القادمة".
ورأى الحسيني أن "العقود الموقّعة جاءت استجابةً لضغوط وتأثيرات أميركية، ومجاملات على حساب المصالح العراقية"، مضيفًا أن "بعض الشركات الأميركية المتعاقدة مع الحكومة لها صلة مباشرة وتمويل للكيان الصهيوني، وتُعدّ بمثابة حارس لحدوده"، بحسب تعبيره.

"خطوة إستراتيجية"
وعلى الصعيد الأميركي، نشرت سفارة واشنطن لدى بغداد تدوينة على حسابها بمنصة "إكس" في 9 أبريل، جاء فيها: "فخورون بتوقيع شركتي (جي إي فيرنوفا) و(يو جي تي رينيوابلز) الأميركيتين على اتفاقيات بقيمة مليارات الدولارات مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتلبية احتياجات العراق من الطاقة".
ورأى الباحث العراقي، زيد الأعظمي، عبر تدوينة على "إكس" في 10 أبريل، أن "العراق سيتحرر في ملف الطاقة مع دخول كبريات الشركات واكتمال الربط مع دول مجلس التعاون والأردن؛ حتى يتمكن يوما من الأيام من إنتاج الطاقة وطنيا وهذا هو الإنجاز الكبير".
وعلى الوتيرة ذاتها، نقل الإعلامي العراقي، رسلي المالكي، على "إكس" في 9 أبريل، تصريحات لوتس ستيف رئيس الوفد التجاري الأميركي، الذي قال: إن "العراق يمثل سوقا واعدا للاستثمار، الشركات الأميركية تتطلع إلى فرص التعاون في مختلف القطاعات".
وقرأ المالكي أن هذا التصريح "يؤكد أن عهد المليشيات في العراق قد انتهى، وأن توقيع الاتفاقيات تُعد خطوة إستراتيجية غريبة، لإدارة ترامب، التي تشن الآن حربا اقتصادية، في مختلف بقاع العالم".
وتابع: "هذا يعني تنظيف العراق من العصابات لإدخال الشركات الأميركية للبلاد".
من جهته، علق الناشط العراقي، حيدر إياد عبر "إكس" في 9 أبريل، قائلا: "يبدو أن المناخ الأيديولوجي للحكومة العراقية متجه إلى الحضن الأميركي بعد تراجع نفوذ إيران في المنطقة".
وأردف: "ونرى ذلك واضحا بعد أن وصل إلى بغداد وفد أميركي تجاري مكون من 101 عضو يمثلون 60 شركة أميركية أدى إلى توقيع غرفة التجارة الأميركية واتحاد غرف التجارة العراقية مذكرة تفاهم بين القطاع الخاص الأميركي والعراقي".
وخلص الناشط إلى أنه "في الأيام المقبلة سيعود طابور السياسيين إلى باب السفارة الأميركية، ويتحول شعار (أميركا الشيطان الأكبر) إلى الصديق الأكبر"، في إشارة إلى القوى القريبة من إيران.
ومنذ عام 2017 يعتمد العراق في توليد الكهرباء على الغاز الإيراني، إذ إنه وقع أخيرا وتحديدا في آذار/ مارس 2024، عقدا مع شركة "الغاز الوطنية الإيرانية" يقضي بتوريده يوميا كمية من الغاز تصل إلى 50 مليون متر مكعب، وتستمر لمدة خمس سنوات.
مع إعلان الإدارة الأميركية التراجع عن إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على إيران لاستيراد الغاز والكهرباء، تحركت الحكومة العراقية لإيجاد بدائل تمنع انهيار الطاقة الكهربائية قبل فصل الصيف اللاهب، والذي تتجاوز فيه درجات الحرارة الـ50 درجة مئوية في بعض المدن.
في 9 مارس/آذار 2025، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية (لم تسمه)، إلغاء إدارة ترامب إعفاء العراق من العقوبات لدفع ثمن الطاقة لإيران، كجزء من حملة "الضغط الأقصى" التي يشنها ترامب ضد طهران، حسبما نقلت وكالة "رويترز".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية: "نحث الحكومة العراقية على إنهاء اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية في أقرب وقت ممكن. فإيران مورد غير موثوق للطاقة".
وشدد على أن "التحول في مجال الطاقة في العراق يوفر فرصا للشركات الأميركية، التي تعد من الخبراء الرائدين عالميا في زيادة إنتاجية محطات الطاقة، وتحسين شبكات الكهرباء، وتطوير الربط الكهربائي مع شركاء موثوق بهم".
المصادر
- العراق يوقّع مذكرة تفاهم مع "جي إي فيرنوفا" الأمريكية لإنتاج 24 ألف ميغاواط من الكهرباء
- وفد من 60 شركة أمريكية بقطاعات مختلفة يزور العراق لتوقيع اتفاقيات
- أكثر من 100 عضو.. تفاصيل زيارة وفد امريكي الى العراق
- بغداد توقع مع شركة أمريكية أكبر اتفاقية بتاريخ قطاع الكهرباء العراقي
- شكوك وأياد خبيثة تقف خلفها .. “الاقتصاد” النيابية تطالب بنسخة من عقود حكومة السوداني مع واشنطن
- واشنطن تنهي إعفاء العراق من شراء الكهرباء الإيرانية