رغم قوة علاقتهما.. ما سر استبعاد إيران للعراق كوسيط بينها وبين أميركا؟

إيران استبعدت بغداد القريبة منها واختارت سلطنة عُمان رغم علاقتها مع إسرائيل
في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات داخل الأوساط السياسية العراقية، فضّلت إيران عقد محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن ملفها النووي في سلطنة عُمان، بدلا من العراق، رغم علاقاتها الوثيقة مع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في بغداد بعد عام 2003.
وانتهت الجولة الأولى من المحادثات في 12 أبريل/نيسان 2025، بتبادل كل من عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، وستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، وجهات النظر والمواقف لحكومتيهما بشأن برنامج إيران النووي.
وجرت هذه المحادثات بين الطرفين بشكل غير مباشر، عبر وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي، الذي أعلن عبر منصة "إكس" في 12 أبريل، أن المناقشات جرت في "جو ودي"، مشيرا إلى أن الهدف منها يكمن في إبرام "اتفاق عادل وملزم".
"القريب المستبعد"
ورغم أن العراق يُعد الأقرب سياسيا وجغرافيا وثقافيا إلى إيران لا سيما بعد عام 2003، فقد قررت الأخيرة عقد محادثاتها مع الولايات المتحدة في سلطنة عُمان، متجاهلة بغداد تماما، حسبما رأى مراقبون.
وقال السياسي العراقي، حامد السيد: إن عُمان لا تملك مليشيات، ولا تنتمي لما يُعرف بـ"محور المقاومة"، لكنها رغم ذلك تحتفظ بعلاقة متينة مع إيران، بل وتُعدّ في بعض الجوانب، خصوصا الاقتصادية والدبلوماسية، أقوى من علاقة طهران مع الفاعلين الشيعة في العراق.
وأضاف السيد خلال مقابلة تلفزيونية في 10 أبريل، أن حجم التبادل التجاري بين إيران وعُمان يفوق بكثير نظيره مع العراق، ما يعكس طبيعة المصالح المستقرة والدائمة بين الطرفين، مقارنة بالمصالح مع الأطراف العراقية.
ورأى أن “طهران لا ترهن مستقبلها السياسي بالعراقي وإنما تثق بالعماني أكثر وتجعله يدير محادثاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة”.
وتساءل عن موقف الأطراف العراقية التي تقاتل باسم إيران وتتبنى مصالحها، فيما تفضل الأخيرة تغييب أي دور للعراق في مثل هذه المفاوضات.
وكتب السيد على منصة “إكس”، متسائلا: "ما شعور من يرى أن إيران عمقُه وهو فاشل في أن يحقق مصالحها، بل عاجز في أن يكون له وجود خاص به"، في إشارة إلى حلفاء طهران في العراق.
وفي السياق ذاته، أكد الباحث العراقي، إياد ثابت، ما جاء في حديث حامد السيد، وأن إيران تستخدم العراق فقط كساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة عبر الهجمات الصاروخية وعمليات المليشيات، وبالتالي فإنها تنظر إليه على أنه حديقة خلفية لا أكثر.
ورأى ثابت لـ"الاستقلال" أن "رفض إيران عقد محادثات مع واشنطن في بغداد بمثابة اعتراف غير مباشر بأن العراق لا يتمتع بالاستقلالية اللازمة، وأن الأخير في نظر طهران، مجرد امتداد لها لا يمكن الوثوق به كمكان لتمرير التفاهمات الكبرى، رغم أن عُمان مُطَبّعة مع الاحتلال الإسرائيلي".
ولم توقع السلطنة اتفاقا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل رغم أنها كانت أقرب لها من الدول الأخرى في المنطقة لفترة طويلة.
واستقبل السلطان السابق قابوس بن سعيد ثلاثة رؤساء وزراء إسرائيليين في بلاده: يتسحاق رابين عام 1994، وشمعون بيريس عام 1996، وبنيامين نتنياهو في عام 2018.
والمفارقة المثيرة أن العراق نجح سابقا في لعب دور الوسيط بين السعودية وإيران، واستضافت بغداد 4 جولات من المحادثات، وأفضت في المحصلة إلى مصالحة بين الطرفين برعاية صينية في مارس/آذار 2023، بعد قطيعة بينهما بدأت منذ العام 2016.

لماذا عُمان؟
وفي المقابل، رأى الأكاديمي العُماني المختص في العلاقات الدولية وشؤون الخليج والشرق الأوسط عبد الله باعبود، أن اختيار إيران لسلطنة عُمان لإيصال الرد للولايات المتحدة الأميركية يعود إلى حيادية السلطنة والثقة المتبادلة بين مسقط وطهران.
وذكّر باعبود خلال تصريح لقناة "بي بي سي" في 10 أبريل، بأن "جولة الحوارات السابقة في عُمان، التي أفضت إلى توقيع الاتفاقية النووية عام 2015، اتسمت بالسرية المطلقة وحصلت من دون أن تتدخل السلطنة في المحادثات، أي أن مسقط وفّرت البيئة والمكان المناسبين".
وفي العلاقات الخارجية، تتبنى سلطنة عمان سياسة الحياد التي أرساها السلطان الراحل قابوس بن سعيد آل سعيد منذ توليه مقاليد الحكم عام 1970.
وقامت السياسة الخارجية لهذه الدولة الخليجية على مبادئ ثلاثة: الحياد والوساطة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول.
ولعل أبرز ما قاله السلطان الراحل قابوس في هذا الصدد يتلخص في جملته الشهيرة: "أبتعدُ تماما عن سياسة المظاهر، والأصداء الرنّانة، ولا أسعى من وراء ما أعمل إلى خطف بريق، وسياستنا الخارجية تتلخّص في الحياد، وعدم التدخّل مطلقا في شؤون الآخرين".
وفي عام 1971 انضمت السلطنة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وبعدها بعقد من الزمن، وتحديدا عام 1981 انضمت عُمان وهي ثاني أكبر دولة خليجية من حيث المساحة، إلى مجلس التعاون الخليجي.
ومن ذلك الحين، اعتمدت عُمان سياسة خارجية حيادية، حيال أكثر الملفات حساسية في المنطقة، كالحرب بين إيران والعراق، التي بدأت عام 1980 وانتهت في 1988.
وتمسّكت مسقط بموقفها المحايد خلافا لمواقف الدول الخليجية التي وقفت حينها إلى جانب بغداد بسبب القلق من توسّع النفوذ الإيراني في المنطقة، محافظة في الوقت ذاته على علاقاتها المتميّزة مع طهران.
وفي مثال آخر، بعد توقيع اتفاقية كامب دايفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، والتي تلتها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، قاطعت دول عربية عدة مصر، لكن عُمان لم تقاطعها من دون أن يؤثّر ذلك على علاقاتها مع البلدان الأخرى.
كما اتخذت سلطنة عُمان موقفا محايدا خلال الغزو العراقي للكويت عام 1990، رغم أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي أدانت الخطوة ودعمت التدخّل العسكري لتحرير الكويت.
وفي مثال حديث، لم تشارك سلطنة عُمان في العملية العسكرية لما تسمّى "قوات التحالف العربي" ضد الحوثيين في اليمن عام 2015، فضلا عن التزامها الحياد حيال الأزمة التي نشبت بين دول في مجلس التعاون الخليجي ودولة قطر (2017 - 2021).

مكان جديد
لكن وحتى على صعيد الحديث عن جولة محادثات ثانية مرتقبة بين الطرفين الأميركي والإيراني، فإن العراق غير موجود في قاموس أسماء الأماكن المطروحة لاستضافة الخصمين، وإنما يجرى حاليا الحديث عن اختيار روما لتكون العاصمة التالية بعد مسقط.
ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء في 14 أبريل، عن مصدر مطلع (لم تسمه) قوله: إن "إيران تدرس الأماكن المقترحة للجولة الثانية من المفاوضات مع الولايات المتحدة".
وقال المصدر: إن “الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة ستُعقد بلا شك برعاية سلطنة عُمان، وأنها أكّدت استمرار قبولها بها كدولة مضيفة، لكن تحديد الدولة التي ستستضيف المفاوضات مكانيا لم يُحسم بعد”.
وأشار إلى أن "بعض وسائل الإعلام الغربية تحاول الترويج لدول معيّنة كموقع نهائي للمفاوضات، في حين أن إيران ما تزال تدرس الأماكن المقترحة بالتشاور مع الجانب العُماني، ومن ثم ستُعلن عن قرارها النهائي".
وفي السياق ذاته، نقلت وكالة "أنسا" الإيطالية للأنباء عن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني قوله، إنه "من المقرر أن تستضيف روما الجولة الثانية من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران".
ونقلت الوكالة عن تاياني خلال مشاركته بمعرض "إكسبو" العالمي في مدينة أوساكا اليابانية في 14 أبريل، قوله: "تلقينا طلبا من الطرفين المعنيين ومن سلطنة عمان التي تلعب دور الوسيط، وكان ردنا بالإيجاب".
وقال: إن روما عادة ما تستضيف هذا النوع من المحادثات، وإنها "مستعدة لبذل كل ما في وسعها لدعم جميع المفاوضات التي يمكن أن تؤدي إلى تسوية المسألة النووية وإحلال السلام".

وكان موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي، قد ذكر في 13 أبريل، نقلا عن مصدرين مطلعين (لم يسمهما)، أنه من المتوقع عقد جولة ثانية من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران في التاسع عشر من نفس الشهر في العاصمة الإيطالية روما.
وكذلك، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، عن وزير الخارجية الهولندي ومصدر دبلوماسي (لم تسمه) قولهما: إن الجولة المقبلة من المحادثات بشأن برنامج طهران النووي ستعقد في روما.
وأكد الوزير الهولندي كاسبار فيلد كامب خلال اجتماع للاتحاد الأوروبي في 14 أبريل، أن المحادثات ستعقد في العاصمة الإيطالية، بينما أكد دبلوماسيان مقرهما في روما هذه المعلومة.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، إنه "بشأن مكان الجولة المقبلة من المفاوضات سنقرر بعد تسلّم الموقف الرسمي من الجانب العُماني.. من المرجّح أن تُعقد الجولة القادمة من المفاوضات في مكانٍ آخر غير سلطنة عُمان".
وبحسب قول بقائي خلال مؤتمر صحفي في 14 أبريل، فإن "هذا الأمر ليس ذا أهمية كبيرة، والمهم أن تبقى صيغة وأُطر التفاعل بين إيران والولايات المتحدة دون تغيير"، مؤكدا أن "جولة المفاوضات المقبلة تُعقد بوساطة عُمان، حتى إن لم تكن في السلطنة".