لماذا أبدت كوريا الجنوبية انفتاحها على سوريا في العهد الجديد؟

مصعب المجبل | منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ ستة عقود، سجلت كوريا الجنوبية حضورا رسميا في سوريا، مبدية نيتها دعم هذا البلد في إعادة الإعمار والنهوض من جديد بعد سقوط نظام بشار الأسد.

واستهلت "سيئول" مرحلة سقوط نظام الأسد الحليف التقليدي لغريمتها كوريا الشمالية، بإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة السورية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

عهد جديد

إذ زار وزير الخارجية الكوري الجنوبي "تشو تاي يول"، العاصمة دمشق في 10 أبريل/نيسان 2025 والتقى إلى جانب الشرع، نظيره أسعد الشيباني.

وأفادت وزارة الخارجية الكورية، بأن كوريا الجنوبية وسوريا وقعتا في دمشق اتفاقا لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وفتح السفارات وتبادل البعثات الدبلوماسية للدولتين.

وقالت في بيان: إن الاتفاق يفتح "فصلا جديدا للتعاون الثنائي مع سوريا، التي ظلت بعيدة لفترة طويلة بسبب علاقاتها الوثيقة مع كوريا الشمالية".

ووقع تشو تاي يول ونظيره السوري أسعد الشيباني بيانا مشتركا، عبر فيه الأول عن استعداده لمشاركة تجربة كوريا الجنوبية التنموية لدعم إعادة إعمار سوريا.

بدوره قال وزير الخارجية السوري: "وقعنا اتفاقا دبلوماسيا مهما مع جمهورية كوريا الجنوبية، يمهد لتعزيز العلاقات الثنائية ويفتح آفاقا جديدة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والتعليم".

وأضاف الشيباني: "نؤكد في سوريا الجديدة على أهمية الشراكات التي تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".

وأعرب عن أمله في أن تدعم كوريا الجنوبية تخفيف العقوبات الدولية التي لا تزال مفروضة على سوريا، بسبب نظام الأسد المخلوع.

وكانت كوريا الجنوبية تنظر بسلبية كبيرة إلى نظام الأسدين حافظ ومن بعده ابنه بشار، اللذين طورا علاقة وثيقة مع كوريا الشمالية.

ولا تزال الكوريتان في حالة حرب رسميا منذ نهاية النزاع في شبه الجزيرة الكورية عام 1953.

ويشكل فتح كوريا الجنوبية اتصالات مباشرة مع سوريا علامة فارقة لسيئول؛ حيث يجعل لها علاقات مع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 191 دولة.

إذ لم تقم كوريا الجنوبية أي علاقة مع سوريا منذ توطيد الرئيس الأسبق حافظ الأسد علاقاته مع بيونغ يانغ عقب تسلمه السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري ليحكم دمشق بالحديد والنار حتى وفاته عام 2000 وتسلم ابنه بشار من بعده.

وفي ثمانينيات القرن العشرين، أسهمت علاقة حافظ مع الزعيمين السابقين كيم إيل سونغ وكيم جونغ إيل، بتأهيل وتحديث مئات الأسلحة سوفيتية الصنع التي يمتلكها نظام الأسد المخلوع.

وطبقا لتقارير صحفية، ساعدت كوريا الشمالية سوريا على بناء مفاعل نووي في دير الزور دمرته غارة إسرائيلية عام 2007.

وكثيرا ما تحدثت وسائل إعلام غربية عن توفير بيونغ يانغ تقنيات عسكرية واستخباراتية، وأيضا صواريخ وتكنولوجيات الأسلحة الكيمياوية لنظام بشار الأسد المخلوع خلال العقد الأخير وذلك لقمع ثورة الشعب السوري.

وتحدثت تقارير أممية عن الدور الكوري الشمالي في استخدام نظام الأسد للكيماوي ضد شعبه، خاصة مجزرة الغوطة الشرقية، والتي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص.

وتبع ذلك تفكيك البرنامج الكيماوي لسوريا عام 2013 بعد ارتكاب نظام الأسد هذه المجزرة بالسلاح الكيماوي؛ إذ ربط خبراء تابعون للأمم المتحدة، بين كوريا الشمالية والأسلحة الكيماوية في سوريا، بعد أن وجدوا أن بيونغ يانغ أرسلت إلى نظام الأسد شحنات من مواد من الممكن استخدامها في إنتاج هذا النوع من الأسلحة.

كما كانت كوريا الشمالية تساعد نظام الأسد قبيل سقوط حكمه في مجال الصناعات الدوائية والطاقات البديلة وصناعة الألمنيوم.

وأفاد تقرير لمحققين في الأمم المتحدة، في 27 فبراير/شباط 2018، أن كوريا الشمالية أرسلت المواد الكيماوية إلى سوريا، منها بلاط مقاوم للأحمَضة، وصمامات، وأجهزة لقياس الحرارة.

وكان حافظ الأسد وطد علاقته مع كوريا الشمالية، حينما زارها عام 1974، والتقى بمؤسس الدولة الأكثر شمولية وانغلاقا في العالم، كيم إيل.

ووفقا لمركز جسور للدراسات، فإن حافظ الأسد عمل على استيراد "إستراتيجية الولاء المفرط"، خاصة من كوريا الشمالية، وأعجب بنموذج كيم إيل في الحكم.

وتقوم الإستراتيجية على ضرورة تقديم كل مكونات الدولة الولاء المبالغ فيه لشخص القائد، دون استثناء جهة أو شخص مهما كان.

وأيضا تقديم المكافأة إلى أولئك الذين يبدعون في إنتاج أشكال جديدة من الولاء، وعقاب الذين لا يقدمون نفس السلوك بما يكفي من الخضوع.

"خبرة اقتصادية"

وحاولت كوريا الجنوبية إقامة علاقات دبلوماسية مع نظام الأسد المخلوع عام 2003 لكنها لم تنجح.

ثم اقترحت عام 2009 إقامة تلك العلاقة من خلال السفارة الكورية الجنوبية في لبنان، لكن النظام حينها لم يرد على العرض.

ووقفت كوريا الجنوبية إلى جانب الثورة السورية وفصائلها بعد اندلاعها عام 2011؛ إذ قدمت في مارس/آذار 2012 مساعدات إنسانية لفصائل الثورة السورية بقيمة مليون دولار.

وقالت حينها: إن الخطوة تأتي في إطار سلسلة من الجهود الدولية للمساعدة على إنهاء حملة القمع الدموي من النظام ضد السوريين.

كما حضرت كوريا الجنوبية كل مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري، التي اعترفت عام 2012 بائتلاف المعارضة السورية وقتها “ممثلا شرعيا للشعب السوري”.

وأيضا كان لسيئول باع كثيف في تقديم الدعم الإنساني والمساعدات للاجئين السوريين من خلال المنظمات الدولية؛ حيث تعهدت بتقديم 18 مليون دولار لهم عام 2021.

وراهنا ينظر المراقبون إلى أن سيئول بعثت رسالة من دمشق إلى بيونغ يانغ على أنها مستعدة لدعم الدول التي لا تربطها علاقات مع جارتها الشمالية ما قد يسهم في تعزيز نفوذها.

لا سيما أن كوريا الشمالية لعبت دورا في مساعدة نظام الأسد عقب سنوات الثورة، وكان من الطبيعي أن يتخذ خصمها الجنوبي الموقف المناوئ.

حتى إنه في 31 أغسطس/آب 2015 حضر فيصل مقداد وزير خارجية نظام بشار الأسد المخلوع مع سفيرة كوريا الشمالية بدمشق “جانغ ميونغ هو” فعالية لافتتاح حديقة بحي كفرسوسة الدمشقي حملت اسم الديكتاتور "كيم إيل سونغ" وذلك بمناسبة تأسيس "حزب العمل" الكوري.

كما أبرمت "اللجنة الاقتصادية السورية الكورية الشمالية" في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019 اتفاقية تعاون في عدة مجالات، تضمنت الاستعانة بالشركات الكورية في إعادة الإعمار، والإنشاء السريع والاستثمار العقاري وتصميم المنشآت والحماية الزلزالية.

ووقع نظام الأسد المخلوع وكوريا الشمالية في 8 يونيو/حزيران 2022 اتفاقا على الخدمات الجوية، ومذكرة تفاهم في مجال النقل الجوي بين الجانبين.

وتأتي العلاقة بين سيئول ودمشق راهنا في ختام محادثات بدأت في فبراير 2025 بموافقة من مجلس الوزراء الكوري الجنوبي، وفقا لوكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء؛ إذ أجرى وفد كوري جنوبي برئاسة أون جونغ كيم، المديرة العامة للشؤون الإفريقية والشرق الأوسط في وزارة الخارجية، زيارة إلى دمشق في 7 فبراير 2025 والتقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.

وحينها أكد الشيباني أن سوريا تعمل على فتح صفحة جديدة وإقامة علاقات جيدة مع كوريا الجنوبية.

بدورها أكدت جونغ كيم حرص بلادها على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وتقديم المساعدة لبنائها، ودعم الانتقال السياسي الشامل والتعافي الاقتصادي وتقديم المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى أن سيئول تتمتع بخبرة في إعادة الإعمار بعد الحرب والنمو الاقتصادي.

وذكرت المسؤولة الكورية الجنوبية أن بلادها ستقدم مساعدات غذائية وأخرى تدعم قطاع الصحة، كما ستعمل على تقييم وتقديم المساعدة العاجلة حسب الحاجة.

وأضافت أن بلادها ستعمل على تشجيع قادة الأعمال لديها لزيارة السوق السورية والانخراط فيها، مؤكدة أن كوريا الجنوبية ستدفع بطرقها لتخفيف العقوبات عن الشعب السوري.

ولدى كوريا الجنوبية تجربة “معجزة” تحولت عبرها من بلد زراعي مزقته الحرب إلى أحد أقوى اقتصادات العالم.

وتُعزو العديد من الدراسات التحول الهيكلي فيها إلى السياسات الهادفة لفتح البلاد على الأسواق الخارجية.

فقد شهدت كوريا الجنوبية أحد أكبر التحولات الاقتصادية خلال الستين عاما الماضية.

وبدأ اقتصادها بالاعتماد على الزراعة في ستينيات القرن العشرين، لتصبح واحدة من أكبر 14 اقتصادا في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 1.71 تريليون دولار عام 2023 بزيادة 2.32 بالمئة عن عام 2022.

واليوم تعد كوريا الجنوبية الآن من بين أكبر عشر دول مصدرة في العالم، فضلا عن أنها حققت نجاحا ملحوظا في العقود الأخيرة في الجمع بين النمو الاقتصادي السريع والحد من الفقر بشكل كبير.

مرحلة التحولات

وتشهد سوريا وكوريا الجنوبية تحولات سياسية كبرى؛ حيث تعتقد "سيئول" أن العلاقات الدبلوماسية المشتركة، تشكل ضربة لعدوتها كوريا الشمالية.

ويعود ذلك وفق المراقبين إلى أن لدى سيئول الكثير لدعم نهوض سوريا بالقطاعات الخدمية والتكنولوجيا والسيارات كافة.  

ويعتقد الخبراء أن العلاقات الدبلوماسية بين "سيئول" ودمشق ستكتسب زخما في حال رَفْع الولايات المتحدة- أكبر حلفاء كوريا الجنوبية- عقوباتها عن سوريا.

ولهذا يرى بعض الخبراء أن سيئول ومن خلفها واشنطن تريد أن تقطع أي صلة بين الدولة السورية الجديدة وبيونغ يانغ من ناحية الاستمرار في برامج التعاون العسكري التي كانت خلال حقبة الأسد.

لا سيما أن ابتعاد سوريا عن كوريا الشمالية قد يشكل عنصرا لا يتجزأ من جهودها الرامية إلى إيجاد حلفاء خارجيين واكتساب الشرعية وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي لا تربطها علاقة جيدة بنظام كيم جونغ أون.

ولهذا ينظر الخبراء إلى مجال المواد الحربية كأكبر قطاع اقتصادي في سوريا هذه الأيام؛ إذ تحاول الدولة الجديدة بناء جيش جديد وأجهزة أمن عصرية، لذا، قد يجد الكوريون الشماليون في نهاية المطاف مشترين في حكومة دمشق.

وهذا ما يلفت إليه كريستوفر جرين، الأستاذ المساعد بجامعة ليدن والمستشار لدى مجموعة الأزمات الدولية، بقوله: "إن كوريا الشمالية من المرجح أن تنتظر وتراقب قبل أن تقرر كيفية التعامل مع الحكومة الجديدة في دمشق".

وقال لوكالة أنباء كوريا: "البراغماتية تسود في بيونغ يانغ"، مضيفا أنها "قد تستغل الوضع من خلال بيع الأسلحة لسوريا".

وقد أحجمت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية عن ذكر سوريا منذ الإطاحة بنظام الأسد، باستثناء إشارة الزعيم كيم جونغ أون مرة واحدة إلى "أزمة الشرق الأوسط" على نحو عابر.

إلا أن سقوط نظام بشار الأسد يقدم “درسا قاسيا لكوريا الشمالية مفادها أن الاعتماد على روسيا هو مقامرة لا يمكن لبيونغ يانغ أن تتحملها باستخفاف”، وفق محلل الأبحاث في مركز الحد من التسلح ومنع الانتشار "شون روستكر".

وأضاف في مقال نشره المركز المذكور في 12 ديسمبر 2024 تحت عنوان "سقوط الأسد: قصة تحذيرية لكيم جونج أون" قائلا: "إذا اندلع صراع في شبه الجزيرة الكورية، فلن تكون روسيا في وضع يسمح لها بنجدته.. فقواتها متمركزة في أوكرانيا، ومواردها آخذة في النضوب".

وراح يقول: "يسلط سقوط الأسد الضوء على هشاشة التحالفات القائمة على احتياجات نفعية، لا على أيديولوجية مشتركة أو مصالح إستراتيجية بعيدة المدى".

وقد كانت كوريا الجنوبية قد أقامت علاقات دبلوماسية مع كوبا عام 2024، وهي حليف قديم آخر لكوريا الشمالية، فيما يشير إلى جدية تحركاتها للتغلب دبلوماسيا على جارتها.