أحزاب تنتقد النظام.. ما الذي يخافه تبون من خروج الشعب للتضامن مع فلسطين؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يتصاعد الغضب في الداخل الجزائري بسبب منع السلطات للتظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني، وهو ما عبرت عنه قوى حزبية ومدنية، مشددة على أن ما تقوم به السلطات “غير مقبول ولا يعكس إرادة الشعب”.

وفي هذا الصدد، طالبت حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة بالجزائر، بفتح الفضاءات العمومية لتنظيم المسيرات الداعمة لنصرة الشعب الفلسطيني.

حظر صارم

وجددت الحركة في بيان صادر عنها في 8 أبريل/نيسان 2025، دعوتها للسلطات إلى "ضرورة الترخيص بتنظيم مسيرات سلمية لنصرة الشعب الفلسطيني المكلوم وفق موقف وطني موحَّد، ومواصلة كل أشكال الفعاليات التي تعبّر عن دعم الشعب الجزائري التام لقضيته المركزية".

وعبّرت عن "استياء سياسي من حالات الرفض المتكررة للطلبات التي تقدّمت بها للترخيص بتنظيم مسيرات شعبية للسماح للشعب الجزائري بالتعبير عن موقفه المناصر والداعم للشعب الفلسطيني".

وحثّ البيان كل الفعاليات الطلابية التي عبّرت عن الانخراط التام في مناصرة القضية الفلسطينية، على الاستمرار في ذلك.

من جانبها، دعت أحزاب جزائرية إلى تشكيل جبهة سياسية موحدة في الجزائر تعمل لصالح دعم وإسناد القضية الفلسطينية وإطلاق حملة مقاطعة اقتصادية.

كما دعت الأحزاب عبر بيان نشرته في 12 أبريل 2025، إلى تنظيم حفل خيري وطني لجمع تمويل مادي لدعم قطاع غزة.

فيما لم تعلن الأحزاب عن تنظيم مسيرة شعبية مشتركة كان من المتوقع أن تدعو إليها بمشاركة بعض الفصائل الفلسطينية في الجزائر.

وجاء لقاء الأحزاب للعمل على وضع خطة عمل لإسناد الشعب الفلسطيني ودعم الموقف الجزائري تجاه القضية الفلسطينية خاصة في مجلس الأمن، وتبني خطوات عملية وآليات مشتركة لتجسيد هذا الدعم.

وتحظر السلطات الجزائرية التظاهر في الشارع بصرامة، وتمنع أي تجمعات شعبية مهما كان عنوانها ومطالبها منذ انتهاء تظاهرات الحراك الشعبي.

ويأتي هذا الحظر بسبب “التخوف من استغلال التظاهرات الداعمة لفلسطين والمقاومة، لرفع شعارات سياسية ضد السلطة”؛ إذ تعود آخر تظاهرة شعبية سمحت بها السلطات في الجزائر إلى 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".

غضب متصاعد

تصاعد الغضب تجاه ما تقوم به السلطات، دفع مواطنين في 18 مدينة جزائرية في 4 أبريل 2025، إلى تجاوز الحظر وحاجز الصمت، وذلك بتنظيم وقفات ومسيرات شعبية مؤيدة لفلسطين.

المظاهرات شهدتها ولايات الوادي وورقلة (جنوب)، وجيجل وباتنة (شرق)، والأخيرة عرفت مسيرة لافتة قادها الرئيس الأسبق ليامين زروال، لم تفرقها الشرطة وراقبت تلك الاحتجاجات من بعيد.

فيما منعت السلطات الجزائرية، المتظاهرين الذين خرجوا في العاصمة رفضا للمجازر في قطاع غزة، من الوصول إلى السفارة الأميركية، وفرضت طوقا أمنيا، حول المكان.

وبمجرد بداية التحرك، سارعت قوات الأمن إلى فرض طوق مشدد على عدد من المحاور الرئيسة، ومنعت تقدم المحتجين نحو وجهتهم.

ورغم محاولات البعض كسر الحصار الأمني، فإن الانتشار الكثيف للشرطة حال دون ذلك، وأسفر عن توقيف عدد من المشاركين.

وردَّد المتظاهرون خلال الوقفة شعارات منددة بالولايات المتحدة، منها: "لا وقفة لا كلام.. مسيرة إلى الأمام"، و"لا للسفارة الأميركية في الأراضي الجزائرية". 

وشددوا على أن الاقتصار على الوقوف ورفع الشعارات “لم يعد كافيا”، وأن تحركات الشارع "باتت ضرورة لإيصال صوتهم".

منع متواصل

وفي حادث سابق، منعت السلطات الجزائرية، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الشيخ علي بلحاج، من التظاهر أمام سفارة واشنطن، احتجاجا على دعم الولايات المتحدة لاستئناف إسرائيل عدوانها على غزة.

وأكد بلحاج لموقع "عربي21" في 19 مارس/آذار 2025، أنه تعرض لمنع أمني من مغادرة منزله، رغم محاولته ممارسة حقه في التظاهر السلمي.

وقال بلحاج: "حاولت النزول إلى الشارع، والتوجه إلى السفارة الأميركية، للاحتجاج على دعمها لقرار إسرائيل استئناف حرب الإبادة ضد غزة، لكن الجهات الأمنية التي تحاصرني باستمرار منعتني من الخروج من بيتي".

وأضاف أنه سعى لإقناع السلطات بأنه “لا يخالف القانون، وإنما يمارس دوره في التعبير السلمي عن رفضه للعدوان الإسرائيلي”.

وأشار بلحاج إلى أن مواقفه تتماشى مع التصريحات السياسية للمسؤولين الجزائريين في المحافل الدولية، مستشهدا بتصريحات ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك عمار بن جامع، الذي أكد أن الجزائر تدرك مخاطر الاحتلال بحكم تجربتها الطويلة في مواجهة الاستعمار الفرنسي.

وأوضح أن “التضامن العربي والإسلامي كان له دور أساسي في طرد الاستعمار من الجزائر، وهو ما يعزز أهمية دعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي”.

ورغم المواقف الرسمية في الجزائر المنخرطة بقوة في دعم القضية الفلسطينية على مستوى مجلس الأمن وخطابات المسؤولين، إلا أن السلطات لا تسمح بتنظيم مسيرات دعما للقضية الفلسطينية. 

وكانت عدة أحزاب وجمعيات قد طالبت السلطات برفع القيود على التظاهر، خاصة أن القضية الفلسطينية محل إجماع بين الجزائريين. 

وتفرض السلطات إجراءات مشددة منذ فترة الحراك الشعبي، قبل الحصول على أي رخصة لتنظيم مظاهرة في العاصمة.

توجس سياسي

ويرى الناشط السياسي والإعلامي الجزائري وليد كبير، أن نظام بلاده لا يسمح بالمسيرات الوطنية أو الكبيرة الداعمة لفلسطين وغزة، "خوفا وتوجسا من عودة الشعارات السياسية المناوئة له".

وأوضح كبير لـ"الاستقلال"، أن النظام السياسي “يتخوف من أي تحرك سياسي شعبي قد يؤثر عليه أو يهدد استمراره”.

ورأى أن “النظام السياسي لا يدافع عن القضية الفلسطينية إلا كشعار للتسويق السياسي الداخلي أو الخارجي، ولا يحملها عقيدة ثابتة، وإلا لما منع شعبه من التعبير عن إسناد القضية ورفض جرائم الكيان بالأراضي المحتلة”.

وأبرز كبير أن "النظام الجزائري لو كان يملك قليلا من الذكاء والدهاء السياسيين لسمح لشعبه بالخروج إلى الشوارع، وبالتالي أن يحصل إثر ذلك على ورقة يُشهرها في وجه القوى الغربية الكبرى التي تضغط على الدول العربية في الملف الفلسطيني".

وخلص إلى أن "نظام الحكم في الجزائر، وبمواقف كهذه، وكأنه يقول لإسرائيل إنها لا تعير أي اهتمام لما يقوله الشعب الجزائري".

من جانبه، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، ناصر جابي: إن الشعب الجزائري “لم يشارك في مسيرة للتعبير عن التضامن مع غزة سوى في مرة واحدة مرخصة، بخلاف ما يقع في كثير من شعوب العالم في أميركا وأوروبا”.

وأضاف جابي في مقال رأي سابق نشره عبر "القدس العربي"، “كما نرى التظاهر في بعض الدول العربية، التي لم يمنعها حكامها من التعبير عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى حرب إبادة”.

ورأى أن "الموقف الرسمي الرافض للمسيرات التضامنية مع غزة في الجزائر، يجب فهمه في إطار سياق أوسع يمر به البلد، منذ توقف مسيرات الحراك، المتسم بالخوف الرسمي من أي تحرك شعبي".

واسترسل: "حيث تتخوف السلطة من تحول الاحتجاج عن إطاره المعلن في اتجاه مواقف نقدية للأوضاع السياسية القائمة، في بلد مازال الشارع فيه من دون تأطير سياسي وحزبي، يمكن أن يتحول بسرعة إلى تبني مواقف نقدية للأوضاع السياسية القائمة".

وشدّد جابي على أن "الشارع الذي مازال بعيد المنال عن الجزائريين كمكان للتعبير عن مواقفهم السياسية والإنسانية حتى وهم يشاهدون يوميا كيف يتم ذبح الشعب الفلسطيني في غزة على المباشر"، وذلك نتيجة ضعفهم على تنظيم أنفسهم بشكل مستقل للدفاع عن قضاياهم الوطنية والدولية، بما فيها القضية الفلسطينية".

ورأى أن "هذا وضع كرّسه النظام السياسي وتبناه بقوة الإعلام الرسمي والنخب السياسية التي تدعمه وتقف وراءه، بهدف دفع الجزائريين، للاكتفاء بالموقف الرسمي المؤيد للقضية الفلسطينية".

وخلص جابي إلى أن “الموقف الرسمي يتناسى دور التعبير الحر للمواطنين وحريتهم في تبني القضايا العادلة كجزء من ممارسة مواطنة شاملة، لا فصل فيها بين القضايا الوطنية والدولية؛ لأن الإنسان الحر في بلده هو وحده الذي يمكن أن يتضامن ويدافع عن حريات الآخرين”.