أغلبهم من “الإطار الشيعي”.. ماذا وراء إبعاد مئات المرشحين من انتخابات العراق؟

يوسف العلي | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أطاحت المفوضية العليا للانتخابات في العراق بمئات المرشحين، وذلك ضمن إجراءات اتخذتها قبل شهرين فقط من البدء بالعملية الانتخابية، الأمر الذي أثار مخاوف لدى جميع القوائم بمختلف انتماءاتها السياسية والطائفية، بعدما نالت حصتها من هذه الإبعادات.

وبلغ أعداد المبعدين من الانتخابات التشريعية حتى 20 أغسطس/ آب 2025 نحو 542 مرشحا، أغلبهم من قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، لأسباب مختلفة، منها الانتماء إلى حزب البعث، وقضايا تتعلق بإدانات جنائية مثل القتل والسطو المسلح، والتزوير وغيرها.

"بعث شيعي"

أظهرت قوائم الإبعاد التي أصدرتها "المفوضية"، أن غالبية المرشحين المبعدين بسبب انتماءهم البعثي، هم من الشيعة، رغم أن الأحزاب الشيعية هي من أسست هيئة "المساءلة والعدالة" لاجتثاث البعث، الذي تطالب القوى السنية بحلها لاتهامها باستهداف المكوّن سياسيا.

ووفقا للأرقام الصادرة عن المفوضية حتى 20 أغسطس، فإن نحو 150 شيعيا في القوائم الانتخابية، ما قد يهدِّد بتشكيل "كتلة بعثية شيعية" برلمانية، رغم حظر الدستور مشاركة المنتمين إلى "البعث" حكم العراق 35 عاما قبل الاحتلال الأميركي للبلد عام 2003.

وقال النائب الشيعي أمير المعموري خلال مقابلة تلفزيونية في 19 أغسطس: إن "نحو 800 شخص بعثي مرشح في هذه الانتخابات"، متسائلا: “هل من المعقول أن الكفاءات العراقية انتهت ولم يبق أمامنا سوى هؤلاء الذين هم بدرجة عضو فرقة في حزب البعث؟”

وشدد على أن "الكارثة الكبيرة هي أن يكون الإطار التنسيقي الشيعي من رشح معظم هؤلاء البعثيين للانتخابات"، لافتا إلى أن "الشيعة رشحوا 145 رفيقا بعثيا، والسنة 94، والأكراد 11، وباقي المكونات ثلاثة فقط".

ولفت المعموري إلى أنه "لو فاز 100 أو 50 مرشحا بعثيا في الانتخابات من المبعدين فإنهم سيشكلون كتلة بعثية داخل البرلمان"، مؤكدا أن "هؤلاء البعثيين يتبعون لحزب واحد ويشكلون خطرا".

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "المدى" العراقية في 20 أغسطس، فإن "هيئة المساءلة والعدالة" تحقق مع أكثر من 400 مرشح (من بين نحو 8 آلاف مجموع المرشحين للانتخابات) لاحتمال شمولهم بإجراءات الاجتثاث".

كما أظهرت وثائق أخرى وجود أكثر من "100 مرشح بعثي" ضمن قوائم "الإطار التنسيقي" و"الفصائل" والأجنحة التي تطلق على نفسها "المقاومة العراقية".

ومن المبعدين، 5 أسماء عن كتلة حقوق التابعة إلى "كتائب حزب الله" بزعامة أحمد الحميداوي، و8 مرشحين عن "عصائب أهل الحق" برئاسة قيس الخزعلي، بينهم نائبة سابقة، و3 عن "جند الإمام" بقيادة وزير العمل أحمد الأسدي. 

كذلك أبعد، 7 مرشحين عن "منظمة بدر" بقيادة هادي العامري، و6 مرشَّحين ضمن كتلة "خدمات" التابعة لكتائب الإمام علي بزعامة شبل الزيدي، إضافة إلى رئيس "كتائب سيد الشهداء" في كركوك.

ونالت قائمة الإبعادات أيضا 11 مرشحا من تحالف "قوى الدولة" بقيادة عمار الحكيم، 8 مرشحين من تحالف "الأساس العراقي" برئاسة محسن المندلاوي، 11 مرشحا من قائمة "أبشر يا عراق" بزعامة همام حمودي، 6 مرشحين من ائتلاف "دولة القانون" برئاسة نوري المالكي.

وأدرجت القوى السياسية ضمن ورقة "الاتفاق السياسي" الذي أُبرم أثناء تشكيل الحكومة في نهاية 2022 بين "الإطار التنسيقي" وباقي القوى، أن يكون ملف "اجتثاث البعث" قد أُغلق منذ أكثر من عامين، لكن ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، رافض لذلك بشدة.

"مقصلة الإبعاد"

القوائم التي تصدرها المفوضية العليا، وجرفت المئات من مرشحي القوى السياسية، والتي أطلق عليها مراقبون تسمية "مقصلة الإبعاد"، أثارت جدلا عما إذا كانت هذه الإجراءات تحمل أبعادا سياسية أم قانونية بحتة، طبقا للقوانين والأنظمة الانتخابية.

وفي تعليقه على ذلك، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري، إن "الموضوع لا يخلو من بعد سياسي، وأن بعض المرشحين المبعدين كان يتوقع فوزهم بشكل كبير، وتعول عليهم كتلهم للحظوظ التي لديهم".

وتوقع المساري في حديث لـ"الاستقلال" أن "تشكل الإبعادات خارطة انتخابية جديدة، خصوصا أنها تنال جهات مسلحة شيعية تشارك في الانتخابات، وطالما تحدثت ضد حزب البعث وتخويف المجتمع الشيعي من عودته، فإذا بها هي من تأتي بمرشحين من البعثيين".

ولم يستبعد أن "هيئة المساءلة والعدالة تتعرض إلى ضغوطات من جميع الأطراف الشيعية لإبعاد مرشحين في إطار الصراع الشيعي– الشيعي، وبالتالي ربما قررت الاستجابة لكل الشكاوى وإبعاد كل من لديه عضوية سابقة في حزب البعث، وذلك للتحرر من هذه الضغوط".

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، أحمد السراجي: إن "الصراع يدور بشكل أساسي بين مرشحي قائمة محمد شياع السوداني ودولة القانون، والغريب أن الأسماء المستبعدة شاركت في الانتخابات السابقة وتولت مناصب حكومية، واليوم يتمّ إبعادها تحت شعار الانتماء إلى البعث".

وأضاف السراجي لموقع قناة "كوردستان24" في 20 أغسطس، أن ما يحدث "حرب غير معلنة لطرد المنافسين باستخدام هذا القانون"، لافتا إلى أن "الأسوأ في الأمر هو استغلال قانون اجتثاث البعث لتصفية الخصوم السياسيين والتمهيد للسيطرة على منصب رئيس الوزراء".

من جهته، قال عضو الفريق الإعلامي في مفوضية الانتخابات، الحسن قبس، إن "قانون الانتخابات البرلمانية المعدل النافذ رقم 12 لسنة 2018، وتحديدا الفقرة الثالثة من المادة (7) ألزمت أن يكون المرشح غير محكوم بجناية أو جنحة مخلة بالشرف، أو قضايا فساد مالي وإداري".

وأوضح قبس خلال تصريح نقلته وكالة "عراق اوبزيرفر" في 19 أغسطس، أن "هذه القضايا مذكورة أيضا في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل في مادتي (330)، و(340)".

ومن أبرز الأسماء التي أبعدت من السباق الانتخابي محافظ صلاح الدين الأسبق والنائب الحالي أحمد الجبوري، ومحافظ نينوى السابق نجم الجبوري، ووزير الداخلية الأسبق جواد البولاني، والقائد الأسبق لجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز الأمن الوطني الفريق عبد الغني الأسدي.

وكذلك من أبرز المبعدين عن الانتخابات، محافظ البصرة والوزير السابق القاضي وائل عبد اللطيف، والنائب الحالي ورئيس لجنة الاستثمار النيابية حسن الخفاجي والنائب الحالي لقمان الرشيدي.

ومن أبرز الأسماء المتداولة التي يجري الحديث عن قرب إبعادها من السباق الانتخابي، هي عالية نصيف البرلمانية الحالية والمرشحة عن قائمة "الإعمار" بقيادة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.

زلزال مرتقب

في ظل قوائم الابعاد الجماعي، تتصاعد المخاوف من أن تقود هذه القرارات إلى تفجير صراع انتخابي محتدم، خصوصا مع شمول أسماء سياسية بارزة كانت في قلب المشهد.

وتنذر هذه الهزة غير المسبوقة بارتباك الساحة قبيل الانتخابات المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، إذ أكد مراقبون أن الأيام المقبلة ستشهد طرح قوائم جديدة من المبعدين تضم أسماء سياسية كبيرة.

وقال المحلل السياسي، أبو ميثاق المساري، خلال مقابلة تلفزيونية في 19 أغسطس: إن “هناك قائمة للمفوضية مكونة من 16 إسما كبيرا سيتم إبعادهم من الانتخابات”.

ورأى المساري أن "المفوضية مارست الغلو بإبعاد المرشحين، وأن الكثير ممن رشحوا بدأوا يخشون من قوائم الإبعاد".

وبين أن "الجلد المستمر على المفوضية دفعها لتطبيق القانون بشكل صارم في الإبعادات، كما أن مؤسسة الشهداء، والمساءلة والعدالة مؤسسات انتقالية، ولا يجب أن تبقى للأبد".

ومن الأسماء التي يجري الحديث عن احتمالية إبعاده خلال الأيام المقبلة، هو رئيس البرلمان السابق وزعيم حزب "تقدم" (السني) محمد الحلبوسي، وذلك بعد شكوى تقدم بها غريمه السياسي مثنى السامرائي رئيس تحالف "العزم" (السني)، لإبعاده من السباق الانتخابي على خلفيه تهمة التزوير.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قررت المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق)، إنهاء عضوية الحلبوسي في البرلمان وإقالته من منصب رئيس المجلس، بتهمة تزوير كتاب استقالة لأحد النواب، واتخاذ قرار بفصله بناء على الطلب المزور.

تهمة الحلبوسي التي أقيل بسببها تعد جناية مخلة بالشرف، وأنه لا يحق لكل شخص اتهم بها المشاركة في الانتخابات وتسلم أي منصب، وفق أحكام الدستور العراقي الذي كتب عام 2005.

وبحسب السياسي العراقي، محمد الطائي، فإن الشكوى التي تقدم بها السامرائي ضد الحلبوسي، بمثابة فخ نصب إلى مفوضية الانتخابات في حال لم تستبعد الأخير من السباق الانتخابي طبقا للقانون المعمول به والقاضي بإبعاد كل من تورط بجناية مخلة بالشرف.

وأضاف الطائي خلال مقابلة تلفزيونية في 18 أغسطس، أن المحكمة الاتحادية هي من تصادق بعد الانتخابات على أسماء الفائزين، لكنها لم تمرر الحلبوسي؛ لأنها سبق أن أدانته بتهمة التزوير، لذلك على مفوضية الانتخابات إبعاده عن السباق الانتخابي.