هكذا تحيك الإمارات إمبراطوريتها بالموانئ والذهب والأسلحة في إفريقيا

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

خلال السنوات الأخيرة كانت الإمارات تحرز تقدما صامتا في القارة الإفريقية، لكنه أصبح جليا للعلن بشكل متزايد. وفي السودان فقط، البلد الغارق في الحرب منذ سنوات، تُتهم أبو ظبي بالمشاركة في مذابح عديدة هناك.

وأشارت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية إلى أن السودان يعيش على وقع حرب دموية منذ سنتين، لم يسلم من نيرانها أحد، رجال ونساء وكبار السن والأطفال. 

وهي حرب قذرة مثل باقي كل الحروب، لكن شوهتها في السودان المجازر والاغتصابات والتطهير العرقي والتهجير، التي وصلت إلى مستويات مروعة. 

الإمارات متهمة

وأمام هذا الوضع، لا يتردد الكثيرون عن توجيه أصابع الاتهام إلى الإمارات، بصفتها واحدة من الأيادي التي تغذي الصراع. 

وتزود الإمارات هذه الحرب سواء بطائرات دون طيار أو الأسلحة أو التمويل. ويضاف إلى ذلك اتفاقات إدارة الموانئ، والذهب والألماس التي تحظى بها الإمارات على أراضي البلد الإفريقي. 

في الحقيقة، يعد السودان المثال الأكثر دموية على تغلغل "اللاعب" الجيوسياسي الجديد في رقعة شطرنج القارة الإفريقية. 

ويمكن أن يعد هذا التوغل هو الأكثر وضوحا، حيث يوجد خلف الكواليس لاعبون آخرون مثل الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة.

وأوردت الصحيفة أن الإستراتيجية الإماراتية في إفريقيا واسعة النطاق وتشمل أيضا الجوانب الدبلوماسية والتجارية. 

وبالتالي، تحولت الإمارات اليوم إلى البلد الرابع من حيث الاستثمارات المباشرة في إفريقيا، وراء الصين والولايات المتحدة وفرنسا. 

وهي أيضا أكبر مشتر للمعادن مثل الذهب والألماس والنحاس، وأكبر مشتر للمواد الخام في مالي والسودان وأوغندا. 

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، أصبحت أكبر مستورد للألماس، وفي مالي، تستخرج 81 بالمئة من ذهبها.

ودون الكثير من الضجيج، تدير شركات حكومية إماراتية حوالي عشرين ميناء في ما يقارب عشرة بلدان إفريقية، وقد وقعت حوالي ستة اتفاقات جديدة فقط في السنوات الأربع الماضية. 

وفي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تحظى الإمارات بحصة الأسد من بين الدول الأجنبية في المنطقة؛ وترتقي أيضا إلى مرتبة المنافس الحقيقي للصين، بحسب تقرير صادر عن معهد الدراسات السياسية الدولية.   

العين على الموانئ

ونقلت الصحيفة أن موانئ الإمارات في القارة الإفريقية، التي تديرها موانئ دبي العالمية ومجموعة موانئ أبوظبي، فضلا عن البنى التحتية المنتشرة على كامل القارة الإفريقية؛ هي معطى بالغ الأهمية. 

وفي هذا السياق، قالت إليونورا أرديماجني، الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، لصحيفة "الكونفيدينسيال": "إن الإمارات تنظر إلى إفريقيا من خلال المنظور الجيوسياسي للاتصال".

وتفسر: "وهذا يعني أن الإمارات مهتمة في المقام الأول بممارسة النفوذ على الساحل الإفريقي، في المنطقة الساحلية، من أجل الحصول على ميزة إستراتيجية في الممرات البحرية والتبادلات التجارية، وبالتالي بناء سلاسل التوريد لقطاعات الطاقة والزراعة والمعادن". 

ونوهت الصحيفة إلى أن التوغل الإماراتي في القارة الإفريقية بدأ من بربرة، في أرض الصومال، حيث تمتلك شركة موانئ دبي العالمية امتيازا لمدة 30 عاما لتطوير الميناء، الذي يشكل بوابة مباشرة إلى البحر الأحمر، وبالتالي قناة السويس. 

وبحسب المحللة، فإن "اهتمام الإمارات يركز في البداية على منطقة القرن الإفريقي، نظرا لقربها الجغرافي من الخليج والتنافس بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر". 

وأضافت: "بالنسبة للإمارات، تعدّ منطقة البحر الأحمر جزءا لا يتجزأ من جوارها الخليجي. ورغم أن الإمارات لا تشترك في حدود مع هذه المنطقة، إلا أن القيادة الإماراتية تنظر إلى أمن منطقة البحر الأحمر بصفته مسألة أمن وطني".

ونقلت الصحيفة أن الاستثمار في الوصول إلى البحر الأحمر والسيطرة عليه لا يسير على ما يرام على جانبي المضيق. 

فمن جهة، في اليمن، يواصل الحوثيون سيطرتهم على الحديدة وتنفيذ هجمات ضد السفن التي تمر بالمنطقة. 

وفي شرق إفريقيا، استعاد الجيش السوداني السيطرة على بورتسودان من المتمردين المدعومين من الإمارات، قوات الدعم السريع، في حين توقف في الوقت الراهن الاتفاق بين إثيوبيا وسلطات أرض الصومال شبه المستقلة، والذي كان من شأنه أن يمنح المنطقة المنفصلة مزيدا من السيطرة على بنيتها التحتية. 

وكان تعليق الاتفاق، الذي وافقت إثيوبيا بموجبه على الاعتراف باستقلال أرض الصومال عن الصومال مقابل النقل المؤقت لشريط من الأرض يتيح لها الوصول إلى البحر، بمثابة ضربة لإستراتيجية الإمارات. 

وكانت الحكومة الإماراتية قد لجأت إلى أرض الصومال، على الرغم من وضعها الدولي الحساس كمنطقة مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي ولكنها غير معترف بها، لإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة.

ويحدث كل هذا في حين حافظت على شراكتها مع الإدارة المركزية الصومالية... على الرغم من احتجاجاتهم. ويكشف هذا الواقع النموذج الكلاسيكي للأسلوب الإماراتي في العمل في إفريقيا، والذي يحاول إرضاء الجانبين.

تطور النفوذ

وأشارت الصحيفة إلى أن الاهتمام الإماراتي بالقارة الإفريقية كان سياسيا في بداية الأمر، أكثر مما هو اقتصادي.

وتحديدا، بدأ هذا الاهتمام بالتزامن مع ثورات الربيع العربي في شمال إفريقيا وسقوط أنظمة الزعماء الأقوياء. 

وتلا هذه الأحداث بروز الإسلام السياسي في المنطقة، وهو أمر لن تسمح به الإمارات، ولن تقبل بانتشاره في الخليج. 

في هذا السياق، يوضح داغو غوينيل كومينان، الحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ أن: "ثورات الربيع العربي شكّلت نقطة تحول. فأدركت الإمارات أنه في خضمّ الفوضى السياسية، بإمكانها أن ترسّخ مكانتها كشريك قوي للحكومات التي تحتاج إلى دعم مالي ودبلوماسي، لا سيما من خلال استغلال العداء بين المملكة العربية السعودية وقطر". 

يشير كونيمان إلى أن الجزء الرئيس من إستراتيجية الإمارات متعددة الأقطاب يتمثل في أنها "لا تتصرف بمفردها ولا تفرض قراراتها". 

ويضيف: "لكنها تجيد استغلال قلة وعي بعض الحكومات الإفريقية. فعندما تُعطي هذه الحكومات الأولوية لرأس المال الأجنبي على حقوق شعوبها، تتدخل الإمارات كشريك استثماري في مشاريع زراعية أو سياحية أو طاقة تتطلب مساحات شاسعة من الأراضي".

ونوه المؤرخ كومينان بأن "الإمارات، مثل غيرها من الجهات الفاعلة، تستخدم قوتها الاقتصادية لتشكيل قرارات الدول الإفريقية لصالحها. نحن لا نتحدث عن احتلال مباشر، بل عن آليات السيطرة غير المباشرة: الديون، والوصول التفضيلي إلى الموارد، والوجود العسكري الإستراتيجي، والقيود السياسية". 

ويرى أن "الفاعل جديد، الإمارات، يعيد إنتاج الرذائل الكلاسيكية للفاعلين السابقين في القارة، من فرنسا إلى الولايات المتحدة أو الصين: علاقات غير متكافئة إلى حد كبير تعيد إنتاج العديد من منطق الاستعمار الكلاسيكي، وإن كان بأدوات جديدة".