بشار المصري.. من مهندس مشاريع اقتصادية إلى متهم بـ"بناء أنفاق حماس"

كان يتوقع أن يلعب بشار المصري دورًا في إعادة إعمار قطاع غزة
في عالم ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجد رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي البارز بشار المصري نفسه في قلب دعوى قضائية تتهمه بدعم حركة المقاومة الإسلامية حماس في بناء مدينة من الأنفاق أسفل قطاع غزة.
فبينما يُعرف عالميًا كمطوّر عقاري طموح يسعى إلى بناء اقتصاد فلسطيني مستقل، ويشتهر على أنه فاعل إقليمي في جهود السلام، وجد نفسه اليوم في قلب دعوى أميركية تتهمه بـ"الإرهاب".

ما القصة؟
ورفعت عائلات قتلى عملية طوفان الأقصى، دعوى قضائية ضد المصري في 7 أبريل/نيسان 2025، بعد أكثر من عام ونصف العام على الهجوم الذي استهدف المستوطنات القريبة من قطاع غزة.
وفقا للدعوى، عمل المصري، وهو مطور عقاري ثري، على تشغيل فنادق وموقع صناعي في غزة "لإنشاء وإخفاء" شبكة معقدة من الأنفاق سمحت لحماس "بتخزين وإطلاق صواريخها على إسرائيل".
وأضافت: "العقارات التي طوّرها المدعى عليه لم تكن جزءًا من البنية التحتية التي استخدمتها حماس في هجوم 7 أكتوبر فحسب، بل عزز تطويرها عمدا رواية الحركة الزائفة القائلة بأن اهتمامها الأساسي كان منصبّا على التنمية الاقتصادية لغزة والتعايش على مضض مع إسرائيل".
ورُفعت الدعوى أمام المحكمة الجزئية الفيدرالية في واشنطن، حيث يملك المصري منزلا، وهي أول قضية يُتهم فيها مواطن أميركي بتقديم دعم كبير لهجوم حماس.
ولا تنص الدعوى على أن المصري وشركاته كانوا على معرفة مسبقة بالهجوم، ولكنها تؤكد أنهم كانوا على علم بالبنية التحتية العسكرية لحماس في عقاراتهم.
وأوضحت أن العقارات التي يمتلكها المصري "كانت أساسية لعمليات الحركة"، وهو ما أنكره رجل الأعمال المرموق.
ووفقا للدعوى القضائية، نفذ المصري استثمارات مالية كبيرة في غزة استفادت منها حماس من خلال الشركات التي يسيطر عليها.
وادعت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أنه "قبل 7 أكتوبر 2023، كانت الشركات والمنظمات التي تستثمر في مشاريع كبرى بغزة، مجبرة على التعاون مع سلطات حماس لتسهيل عملها".
وقالت في 7 أبريل 2025: "حكمت حكومة حماس غزة بقبضة من حديد، وأرادت مراقبة الشركات التي تقع مقارها خارج القطاع عن كثب".
وتسعى الدعوى القضائية إلى الحصول على تعويضات بموجب ما يسمى “قانون مكافحة الإرهاب".
وبدوره، أعرب المصري عن صدمته عندما علم عبر وسائل الإعلام بالشكوى التي قال: إنها "لا أساس لها من الصحة وتتضمن ادعاءات كاذبة ضده وضد بعض الشركات المرتبطة به"، وفقا لبيان صادر عن مكتبه.
وأضاف البيان أنه لم يسبق له ولا لشركاته "الانخراط في أي نشاط غير قانوني أو تقديم أي دعم للعنف والتشدد".
وأشار المصري في بيانه إلى سنوات عمله الإنساني، وقال: إنه سيسعى إلى رفض الدعوى القضائية.

3 شركات و3 عقارات
وتُسمّي الدعوى شركاته: “فلسطين للتنمية والاستثمار”، و"فلسطين للاستثمار العقاري"، و"فلسطين لتطوير المدن الصناعية" - كمدعى عليهم.
ورُفعت الدعوى نيابة عن نحو 200 مدعٍ، من بينهم إيال والدمان، وهو ملياردير إسرائيلي وشريك تجاري سابق للمصري قُتلت ابنته الصغرى في مهرجان نوفا الموسيقي (كان منعقدا أثناء الهجوم وقصفته قوات الاحتلال أثناء ملاحقة مقاتلي حماس).
انضمت عائلة هيرش غولدبرغ-بولين، الأميركي الإسرائيلي الذي كان أسيرا وقُتل لاحقًا، إلى الدعوى، وكذلك يحيئيل ليتر، سفير تل أبيب لدى الولايات المتحدة.
وتشير الدعوى القضائية إلى أن المصري طوّر وشغّل ثلاثة عقارات لعبت دورًا في هجوم 7 أكتوبر.
كان أحدها منطقة صناعية قرب كيبوتس ناحال عوز، وهو تجمع استيطاني إسرائيلي على بُعد بضع مئات الأمتار من غزة اجتاحه مقاتلو حماس.
وطُوّرت المنطقة المعروفة باسم مدينة غزة الصناعية بتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي فككها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
ومن بين الادعاءات الواردة في الدعوى، أن المنطقة الصناعية التي دمَّرها جيش الاحتلال كانت تحتوي على "شبكة أنفاق هجومية جوفية متطورة".
كما تزعم أن مشروعا جديدا للطاقة الشمسية دشن عام 2022 (يتبع للمصري) أخفى حفريات الأنفاق، بينما جرى تركيب عبوة ناسفة مضادة للدبابات على برج مياه بالقرب من مدخل المنطقة الصناعية.
أما العقاران الآخران في غزة فهما منتجع بلو بيتش وفندق أيان المجاوران، وكلاهما تعرض لأضرار بالغة من قبل إسرائيل بعد 7 أكتوبر.
وفي عام 2014، اتهمت إسرائيل حماس بإطلاق صواريخ من فندق أيان، وهي ادعاءات تنفيها الحركة التي تؤكد عدم استخدامها المباني المدنية في العمل العسكري.
وذكر جيش الاحتلال أن شبكة أنفاق تابعة لحماس كانت تمر تحت الفندقين، وأنه يمكن الوصول إليها من غرف الضيوف والمرافق الأخرى.
وبينت الدعوى القضائية أن منتجع بلو بيتش كان يضم مجمع أنفاق متصل بقاعدة تدريب تابعة لحماس، حيث كان يُدرب قوات الكوماندوز البحرية.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، زعم الجيش الإسرائيلي أن حماس "استغلت الفندق كملجأ خططت منه ونفذت هجمات فوق الأرض وتحتها".
وثبت كذب هذه المزاعم عشرات المرات خلال العدوان الأخير على غزة؛ حيث كشفت العديد من التقارير ومقاطع الفيديو كيف يضع الاحتلال الأسلحة ويبني الحفر أو يصور آبار مياه للقول: إن الحركة تبني الأنفاق تحت المباني المدنية بما يشمل الفنادق والمدارس والمستشفيات.

اقتصادي محايد
بشار المصري (65 عاما)، هو رجل أعمال فلسطيني، وُلِد ونشأ في مدينة نابلس، وحاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة فرجينيا بولينكنيك الأميركية.
ينتمي إلى عائلة مرموقة من بين أفرادها عمه منيب وقريبه من بعيد صبيح، وهما مليارديران معروفان عالميا.
تعد عائلة المصري محايدةً، غير تابعةٍ لأي فصيلٍ فلسطيني، وقد امتنعت على مرّ السنين، من المشاركة السياسية لتجنب تعريض مشاريعها التجارية الواسعة للخطر.
وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت خلال تقرير لها: إن “قادة فلسطينيين، بمن فيهم ياسر عرفات ومحمود عباس، حاولوا تجنيدهم في السياسة، لكنهم فشلوا”.
وقد رفض كلٌّ من منيب وصبيح، وكذلك بشار نفسه، عروضا لتولي مناصب وزارية في السلطة الفلسطينية، وفق ما نشرت الصحيفة العبرية في 11 مارس/آذار 2025.
وبحسب مقابلة أُجريت معه عام 2019، شارك المصري في الانتفاضة الأولى التي بدأت عام 1987، لكنه دعم لاحقا اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993.
وفي مقابلة سابقة، وصف نفسه بأنه "نصف فلسطيني ونصف أميركي". وقال: "لا أفكر ولا أتصرف كأي فلسطيني عادي، لكن قلبي وروحي فلسطينيان".
ولكن على الرغم من هويته الفلسطينية الأميركية، تعرض المصري لعدة حوادث في السجون الإسرائيلية بسبب مشاركته في الاحتجاجات ضد الاحتلال.
وكثيرا ما احتُجز رهن الاعتقال الإداري (بدون محاكمة)، مما أسهم في تعزيز مكانته في المجتمع الفلسطيني.
بدأ المصري حياته العملية في واشنطن، ثم عاد في منتصف التسعينيات إلى مدينة رام الله واستقر فيها مع زوجته وابنتيه، وعمل على تأسيس وإنشاء أول صحيفة فلسطينية يومية، هي جريدة الأيام.
وأطلق عدة أطروحات لمشاريع ضخمة، أبرزها "روابي" (تعني التلال وتقع قرب رام الله)، وهي أول مدينة نموذجية (مخططة) في فلسطين.
كما أطلق مشروع "لنا القدس" لخدمة المقدسيين، إضافة إلى مشاريع عقارية كبيرة في فلسطين والأردن ومصر أيضا.
وقد حصل مشروع روابي على تمويل بقيمة 5 ملايين دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبُني بتكلفة تقديرية تزيد عن مليار دولار، وأسهمت قطر أيضًا في تمويله، وفق يديعوت أحرونوت.
وتضم روابي مدرجا ومركزا تجاريا كبيرا، وآخر للتكنولوجيا المتقدمة يعمل فيه حتى مهندسو شركة أبل، ويُعرف المصري بحياده ورؤيته، ويجمع بين الخبرة التجارية الغربية والجذور الفلسطينية العميقة، داعيًا إلى السلام وإعادة الإعمار والوحدة الداخلية.
ولكن يبدو أن الدعوى الأخيرة تضع سمعته الاقتصادية وعلاقاته الدولية على المحك؛ فقد جاءت أولى نتائجها سريعا، حينما قدم رجل الأعمال استقالته من منصبه الإداري في جامعة هارفارد.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك بوست”، في 10 أبريل، ترك “المصري” منصبه في عضوية مجلس العمادة في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد في ظل “اتهامات خطيرة تحتاج إلى فحص ومعالجة عبر الإجراءات القانونية”.

“رجل ترامب”
وتأتي هذه الشكوى في وقت سياسي حسّاس للمصري، الذي ارتبط اسمه بـ “آدم بوهلر” مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الرهائن، وشارك في جهود تحرير الأسرى المتبقين لدى حماس في غزة.
كما جاءت في وقت كان يتوقع فيه أن يلعب المصري دورا في إعادة إعمار غزة، فهو مطور عقاري معروف في الشرق الأوسط.
وقبل إطلاق هذه الدعوى، قالت يديعوت أحرونوت في تقريها عن المصري: “لم يتخيّل رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي أنه سيُنظر إليه يوما ما على أنه الشخص القادر على إنقاذ قطاع غزة ووقف الحرب، كما يتوقع البعض في الولايات المتحدة”.
وقالت: إنه "يعمل مستشارا سريا لإدارة ترامب، ويبرز كشخصية ظل لآدم بوهلر، الذي لفت اسمه الأنظار أخيرا بعد الكشف عن مشاركته في محادثات مباشرة مع كبار مسؤولي حماس".
وتربط الرجلين صداقة طويلة الأمد قائمة على العمل والمصالح المشتركة. ورغم عدم نشر أي صور مشتركة لهما، فقد سمح المصري لبوهلر باستخدام طائرته الخاصة لأشهر لتسهيل المفاوضات مع حماس.
وادعت صحيفة معاريف أن المصري كان يتردّد منذ شهور بشكل مستمر على القاهرة والدوحة، حتى قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
ووصفته في وقت سابق، بأنه "رجل ترامب" لليوم التالي للحرب في غزة، وينبع ذلك من أنه “ليس له صلة بحماس ولا السلطة الفلسطينية”.
وبدورها، قالت يديعوت: إن بشار المصري، المقرب من ترامب، أصبح شخصية محورية في جهود مواجهة تحديات إعادة إعمار غزة.
وأضافت: “المصري متزوج من أميركية ويعيش حياة غربية، وهو ما قد يروق لدونالد ترامب”.
وأردفت: “رغم حياته المترفة - إذ يقود سيارات فارهة ويرافقه في كثير من الأحيان مساعدون وحراس شخصيون - فإنه لا يزال منخرطًا بعمق في الشؤون الفلسطينية، ويدعو المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، إلى فهم الواقع في الضفة الغربية وغزة”.
كما يستخدم حسابه على إنستغرام، الذي يتابعه عشرات الآلاف، لنشر رسالته. وطوال الحرب، دأب على تسليط الضوء على معاناة غزة في منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد شهر من بدء العدوان، وصف الوضع هناك بأنه "مأساة".
وارتبط اسم المصري بخطط إسرائيلية سابقة لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة عبر مسؤولين فلسطينيين قد يحكمون القطاع أيضا.
وفي مارس 2024، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض مثل هذه الخطط إذا شملت أشخاصا من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، لكنه لم يستبعد مشاركة المصري على تقدير أنه غير منتمٍ لأي فصيل.