"المحادثات جيدة وترامب رجل سلام".. كيف تحوّل خطاب إيران تجاه أميركا؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

مع إنهاء جولتين من المحادثات غير المباشرة في عُمان وإيطاليا، بدا واضحا تغير خطاب إيران تجاه الولايات المتحدة، الذي كان يرى أن أي تفاوض معها “تصرف غير عقلاني”، و"ليس مشرفا"، في حين يصف حاليا الرئيس الأميركي دونالد ترامب برجل السلام.

وفي 12 أبريل/ نيسان 2025، انطلقت أولى جولات المحادثات في سلطنة عمان، ثم جرت الجولة الثانية بالعاصمة الإيطالية روما في 19 من الشهر ذاته، والتي من المقرر أن تعود إلى مسقط في جولة ثالثة تجمع الطرفين بخصوص الملف النووي الإيراني.

تحوّل بالخطاب

وقبل بدء المحادثات وتحديدا في 7 فبراير/شباط، كتب المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي تغريدة على منصة "إكس" انتقد فيها خيار المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية، وقال: إن "التفاوض مع حكومة كأميركا يُعدّ تصرّفا غير عقلاني، ويفتقر إلى الحكمة، وليس مشرّفا".

وقال خامنئي: إنه “في العقد المنصرم، جلسنا إلى طاولة المفاوضات مع أميركا، وأُبرم اتفاق بيننا، لكن من يتولّى زمام الأمور اليوم، مزّقه”.

وأردف: "قبل ذلك أيضا، لم يلتزم به أولئك الذين أُبرم معهم (إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما). كان الاتفاق يهدف إلى رفع الحظر، لكنه لم يُرفع".

وشدد المرشد الأعلى، وصاحب القرار الأول والأخير في إيران، على أنه "يجب ألّا يتمّ التفاوض مع حكومة مثل الإدارة الأميركيّة".

لكن وبعد انتهاء الجولة الأولى، أنهى خامنئي لغة رفض الحوار، وأكد عبر تغريدة على "إكس" في 15 أبريل، أن "المراحل الأولى من محادثات عُمان سارت بنحو جيّد، ويجب المضيّ قدما من الآن فصاعدا بدقة".

لم يقف الأمر عند هذا الحد في تحوّل الخطاب، بل بدأ البعض القريب من دوائر القرار الإيرانية بوصف ترامب بأنه رجل سلام، وأنه يرغب جدا في زيارة إيران ولقاء خامنئي بشكل كبير جدا، حسبما ذكر الدبلوماسي الإيراني السابق، ورئيس مركز "أسفر" للدراسات، أمر الموسوي.

وقال الموسوي خلال مقابلة تلفزيونية في 13 أبريل: إن "ترامب يبحث عن جائزة نوبل (للسلام) ولا تهمه إسرائيل، وحتى موضوع السلاح النووي مجرد ذريعة لبدء التفاوض مع إيران".

الموسوي ذاته، غرّد مع نهاية ولاية ترامب الأولى في 20 يناير/ كانون الثاني 2021، أنه جرى الآن الثأر لقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي السابق، أبو مهدي المهندس، وذلك “باقتلاع الإرهابي” من البيت الأبيض، وفق وصفه.

وأضاف في تغريدته وقتها، أن "أمام ترامب ثلاثة خيارات، إما جلبه للعدالة في صنعاء وبغداد وطهران ودمشق، وإما الانتحار، وإما أن يواجه مصيره باليد الغيبية".

وفي 3 يناير 2020، أمر ترامب باغتيال سليماني، أثناء وصوله إلى بغداد قادما من سوريا، واستقباله من قبل أبو مهدي المهندس.

واستهدف صاروخ السيارة التي كانا يستقلانها، ردا على هجمات محتملة ضد المصالح الأميركية كان يخطط لها الجنرال الإيراني، بحسب تصريح الرئيس الأميركي وقتها.

كسر المحظور

وفي مشهد غير مسبوق، أظهر مقطع فيديو نائب وزير الخارجية الإيراني، سعيد خطيب زاده، وهو يسلّم هاتفه المحمول إلى باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابقة لشؤون الشرق الأدنى.

وتبادل الطرفان رقمَي هاتفيهما خلال لقاء جمعهما ضمن جلسة خلال مؤتمر "ملتقى السليمانية" الذي عقد بإقليم كردستان العراق في 18 أبريل، في صورة تناقض حديث طهران عن محادثات غير مباشرة مع واشنطن.

وفي 19 أبريل، نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤول أميركي كبير  (لم تسمه) أن ستيف ويتكوف مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، أجرى مناقشات "مباشرة" و"غير مباشرة" مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في روما، دون ذكر التفاصيل.

وبحسب موقع "إيران إنترناشيونال"، فقد أكد مسؤول أميركي بارز (لم تسمه)، أن "ستيف ويتكوف أجرى محادثات مباشرة مع عراقجي خلال هذه الجولة".

وأكد المسؤول الأميركي، قائلا: "شهدنا في روما، خلال الجولة الثانية من مفاوضاتنا التي استغرقت أكثر من أربع ساعات، تقدما جيدا جدا سواء في المحادثات المباشرة أو غير المباشرة".

وقبل ذلك، هدد حسين شريعتمداري، ممثل المرشد الايراني ومدير صحيفة "كيهان" المحافظة في 6 أبريل، باغتيال ترامب اقتصاصا لدم الجنرال قاسم سليماني، وهو ما جرى التراجع عنه سريعا من جهة رقابية.

وأصدرت هيئة مراقبة الصحافة الإيرانية في حينها بيانا تحذيريا لصحيفة "كيهان" لنشرها محتويات قالت: إنها "تتعارض مع الأمن والكرامة ومصالح الجمهورية الإسلامية"، وفق البيان.

وأوضح البيان أن الموقف المبدئي للجمهورية الإسلامية تجاه قتل اللواء قاسم سليماني هو محاكمة المتورطين في ذلك بمحكمة مختصة ودولية، وليس اغتيال الرئيس الأميركي.

وعن هذا التناقض الإيراني، علق الكاتب الإيراني مجيد مرادي خلال مقال على صحيفة "المدن" اللبنانية في 8 أبريل بالقول: إنه "ناجم عن توزيع الأدوار داخل النظام، ولكن ليس على غرار المعتاد".

وأوضح مرادي أن "السياسي يأخذ على عاتقه توجيه التهديد العسكري النووي، ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة ينتهج لغة سلمية دبلوماسية لتطمين المجتمع الدولي بعدم انجرار إيران نحو المشروع العسكري، وممثل المرشد في صحيفة كيهان يهدد باغتيال ترامب".

وأضاف: “هكذا تريد إيران أن تقول للطرف الآخر: إن جميع الخيارات بما فيها الخيار المستحيل، وهو اغتيال الرئيس الأميركي على الطاولة”.

استثمارات لأميركا

ولم يكن جلوس طهران للتفاوض مع واشنطن هو التحوّل الوحيد في السياسة الإيرانية، ولا حتى التغير في خطابها الرسمي.

 بل تطور الأمر إلى درجة إبلاغ إيران الإدارة الأميركية بأنها على استعداد لمنح الولايات المتحدة استثمارات (داخل الجمهورية الإسلامية) بمبلغ 4 تريليونات دولار.

ونقل الكاتب والمحلل السياسي الإيراني القريب من النظام، محمد صالح صدقيان، عبر منصة "إكس" في 9 أبريل، عن مصادر إيرانية (لم يسمها) أن "طهران أبلغت المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، باستعداد إيران إعطاء الولايات المتحدة استثمارات بمبلغ 4 ترليونات دولار".

وأوضح صدقيان أن هذه المبالغ للاستثمارات في مجالات مختلفة لمدة 4 سنوات، تشمل شراء طائرات والعمل بمشاريع نفطية وغازية وبتروكيماوية وصلب وحديد ونحاس وما إلى ذلك.

ورأى الباحث العراقي المختص في شؤون الشرق الأوسط، بهاء الدين البرزنجي، أن "تناقض الخطاب الإيراني نهج يسير عليه نظام ولاية الفقيه، فهو ليس لديه ثوابت مقابل الحفاظ على وجوده، وهذا الشيء أسس له مؤسسه السابق روح الله الخميني".

وأوضح البرزنجي لـ"الاستقلال" أن الخميني أكد في صحيفة نور بمجلها رقم 15، وتحديدا في صفحة 319 منه، أن "صيانة الجمهورية الإسلامية أهم من الحفاظ على حياة شخص واحد، ولو كان إمام العصر (المهدي المنتظر لدى الشيعة)؛ لأنه (الأخير) أيضا يضحي بنفسه لأجل الإسلام".

وخلص الباحث إلى أن “هذا الكلام يؤصل لكل ما نسميه نحن تناقضات أو تحولات في الخطاب الإيراني”.

لكن نظام ولاية الفقيه يضحي بكل شيء مقابل بقائه، حتى وإن وصل الأمر إلى التنازل عن سلاحه النووي أو أذرعه بالمنطقة، وغيرها مما نعتقد أنها ثوابت لا يمكن أن يتنازل عنها، وفق تقديره.

وخلال ولايته الأولى انسحب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي السابق الذي وقعته طهران مع إدارة سلفه باراك أوباما عام 2015، واليوم يضغط الرئيس الأميركي باتجاه اتفاق جديد بشروط متقدمة.

وللوصول إلى اتفاق نووي إيراني جديد، اشترطت الولايات المتحدة الأميركية أن توقف طهران أنشطة الفصائل التابعة لها في المنطقة، وفق ما كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 12 مارس/آذار 2025.

وقال خلال مقابلة نُشرت على موقع وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو تؤيد إطارا يؤدي إلى "تطوير الاتفاق النووي"، لكنه أعرب عن قلقه من إصرار الولايات المتحدة على فرض شروط سياسية، من بينها وقف دعم إيران لبعض الجماعات في العراق ولبنان وسوريا.