الجيش الأبيض.. مليشيا دموية تدق طبول الحرب في دولة جنوب السودان

داود علي | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تشهد دولة جنوب السودان اشتباكات عنيفة متقطعة بين جيش التحرير الشعبي، الممثل للرئيس سلفاكير ميارديت، ومليشيا "الجيش الأبيض" الممثلة لنائبه رياك مشار، المحتجز رهن الإقامة الجبرية.

وحدثت آخر التطورات صباح 17 أبريل/نيسان 2025، عندما اجتاحت مليشيا الجيش الأبيض مدينة "جيكو" بولاية أعالي النيل المتاخمة للحدود الإثيوبية.

وأسقطت المليشيا موقعا عسكريا لجيش التحرير الشعبي، وقتلت خمسة جنود، ونهبت الماشية من شيوخ القرية. 

وقبلها في أوائل مارس/آذار 2025، شن الجيش الأبيض، هجوما واسعا ضد جيش التحرير الشعبي في منطقة الناصر، بولاية أعالي النيل أيضا، ليتسبب في مقتل 50 شخصا.

وأعلنت مليشيا الجيش الأبيض وجلها من قبيلة النوير، إحدى الجماعات العرقية الرئيسة في البلاد، أن سبب الهجوم كان الدفاع عن النفس. 

وهو ما دفع الأمم المتحدة للتحذير في 24 مارس 2025، من اشتعال حرب أهلية في جنوب السودان من جديد.

وقالت: إن الرئيس ونائبه يؤججان صراعات عرقية، ويخاطران بتكرار المذابح الوحشية، في بلد جديد يعاني الفقر والاضطرابات. 

طبول حرب

ويخوض الجيش الأبيض حاليا حربا شرسة وكبيرة ضد جيش التحرير الشعبي التابع للرئيس سلفاكير.

وبدأت الأحداث الأخيرة في مطلع مارس 2025، عندما اعتقلت قوات الأمن جنرالا بارزا مقربا من رياك مشار.

وهي في خطوة أثارت مخاوف بشأن مستقبل اتفاق السلام المعقود بين سلفاكير ومشار، عام 2018.

بعدها في مطلع مارس 2025، اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش الحكومي و"الجيش الأبيض" في منطقة الناصر بولاية أعالي النيل.

واستخدمت القوات الحكومية أسلحة ثقيلة ومدرعات في محاولة للسيطرة على البلدة، في حين رد الجيش الأبيض بعنف، واحتل مواقع وقواعد عسكرية، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.

ومن الحوادث المؤثرة في ذلك القتال، أنه أثناء محاولة إخلاء قوات الدفاع الشعبي لمناطقهم، تعرَّضت مروحيات تابعة لبعثة الأمم المتحدة لإطلاق نار، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا.

وذكرت صحيفة "سودان تربيون" المحلية، أن حصيلة القتلى غير واضحة، لكن شهود عيان أفادوا بأن السكان المحليين فروا من منازلهم خشية القتال المستعر.

وفي 22 مارس، أورد موقع "ستراتفور" الأميركي، أن الأعمال القتالية، تهدد بحرب أهلية واسعة النطاق، وأنها تمثل انهيارا لاتفاقية السلام.

وفي 6 أبريل، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، تقريرا عن القتال بين الطرفين، عنونته بـ"أحدث دولة في العالم تتأرجح على شفا حرب أهلية".

وبات السؤال من هي مليشيات الجيش الأبيض؟ وكيف نشأت؟ ومن يدعمها؟ ولماذا تقاتل القوات الحكومية في جوبا؟ وما مدى خطورتها؟

بداية التكوين 

النواة الفعلية لمليشيات الجيش الأبيض، تكونت عام 1991، خلال الحرب الأهلية السودانية، التي تسبَّبت في النهاية بانفصال الشمال عن الجنوب. 

كان وقتها المتمرد "جون قرنق" المنتمي إلى إثنية الدينكا يقود الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تعد في الأساس مجموعة عرقيات وإثنيات تنتمي إلى مناطق الجنوب الانفصالية. 

وبسبب هيمنة الدينكا على الأمور، وسيطرتها الاقتصادية والعسكرية، تململ بعض الأفراد من إثنية النوير، المنافس التقليدي للأولى. 

فقرر رياك مشار (كان حينها أحد قادة التمرد في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان)، أن ينفصل بهم ويتمرد على قرنق، ويؤسس قوته الخاصة التي عُرِفت بالجيش الأبيض، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن تحالفه مع الحكومة السودانية في الخرطوم. 

لكن قرنق أدرك مدى خطورة الأمر وتهديده لمشروعه الانفصالي، فعاد واستقطب مشار، واستخدم الجيش الأبيض كحليف رئيس في القتال. 

أما سبب تسمية المليشيا بالجيش الأبيض فتعود إلى بعض الأساطير، منها أن "كاجور" (رمز ديني بين شعب النوير مثل رجل الدين لكنه يمتهن السحر والشعوذة) هو من أطلق عليهم ذلك المسمى، بعد تنبئه باشتعال حرب مقدسة كبرى بين النوير والدينكا.

لكن الرواية الرائجة عن التسمية ترجع إلى أن مقاتلي تلك المجموعة يلطخون أجسادهم بروث الأبقار والطين لحماية أنفسهم من الحشرات السامة، ما يجعلهم يبدون في صورة "رمادية" أقرب ما تكون إلى اللون الأبيض.

العدد والعدة 

وخلال مراحل الحرب الأهلية الأولى في السودان، اعتمد تسليح عناصر الجيش الأبيض على أسلحة بدائية مثل المناجل والعصي قبل أن يتطور لاحقا إلى الرشاشات والأسلحة المتوسطة.

وذكر موقع "ذا إليفنت" الأوغندي في 17 أبريل 2025، أن أسلحة الجيش الأبيض جاءت من طرق متعددة، بداية من الدعم الذي تلقوه من حكومة الخرطوم خلال فترة خلافهم مع جون قرنق.

وهذا إضافة إلى تجارة السلاح الرائجة في تلك المنطقة، سواء مع إثيوبيا أو تشاد ومناطق سيطرة قوات الدعم السريع المتمردة في السودان. 

أما عدد أفراد تلك المليشيا فقد كشفه المتحدث باسم حكومة الجنوب سابقا مايكل ماكوي، حينما اندلعت مواجهات في جوبا ليلة 15 ديسمبر 2013 بين قوات الرئيس سلفاكير وقوات موالية لنائبه رياك مشار.

حينها أعلن ماكوي أن "رياك يجند شبابه من قبائل النوير، بأعداد تصل إلى 25 ألفا، ويريد استخدامهم للانقلاب على الحكومة".

ولم تنشر تحديثات على أعداد المقاتلين، منذ عام 2013، والتي رصدتها وقتها وسائل إعلام مثل “بي بي سي” و"الغارديان البريطانيتين، إضافة إلى موقع “دويتشه فيله” الألماني، وربما يكون الجيش الآن أكثر عددا وعدة.

وفي 29 ديسمبر 2013، قالت صحيفة "ديلي ستار" البريطانية عن "الجيش الأبيض" وتشكيلاته وأساليبه في القتال والحركة: إنها تتميز باللا مركزية.

وبين أنه نادرا ما كانت هناك سلطة مركزية فاعلة للمقاتلين المتفرقين في مناطق متعددة. 

وذكر أنه عادة ما تتمركز فصائل من الجيش الأبيض، داخل معسكرات عسكرية مختلفة، بشكل مستقل أو شبه مستقل عن بعضها البعض.

وأورد أن صفوف القيادة بداخله تشهد معدل دوران مرتفعا، بمعنى أنه لا يوجد قيادة عسكرية ثابتة تبقى لفترة طويلة، بل تتغير بحسب الحاجة.

محطات الجيش الأبيض

كانت أولى جرائم مليشيا الجيش الأبيض بعد تشكيله بأشهر معدودة أنه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1991، ارتكب مجزرة "بور" المروعة، والتي قتل فيها حوالي 5 آلاف شخص، بمدينة "بور" بولاية "جونقلي" في جنوب السودان حاليا.

حينها أعلنت منظمة العفو الدولية أن القتلى جميعا من عرقية الدينكا، وفي السنوات التي تلت المذبحة، توفي على إثرها ما يقدر بنحو 25 ألفا آخرين بسبب المجاعة؛ حيث سرقت ماشيتهم أو أطلق عليها النار وأدى القتال إلى نزوحهم من الأرض التي كانوا يزرعونها ذات يوم.

في ذلك الوقت، وصف ريك مشار الحادث بأنه "دعاية" و"أسطورة"، لكن في عام 2012، اعتذر علنا عن دوره في المذبحة. 

وفي مطلع فبراير 2005 أعلن ريك مشار، أنه سيتم حل الجيش الأبيض وسط حملة نزع سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان، لتكوين جيش موحد.

مع ذلك، لم يتخلَّ المقاتلون عن محاولاتهم للمقاومة، إلا بعد هزيمة كبيرة تعرضوا لها في مايو/أيار 2006 بالقرب من مدينة "موتوت" في مقاطعة أورور بولاية جونقلي.

والتي قتل فيها 113 مقاتلا من الجيش الأبيض، مقابل خسارة جندي واحد فقط من جيش تحرير شعب السودان.

بعدها في يوليو/ تموز 2006، سلم أكثر من ألف رجل من قبيلة النوير في مقاطعة أكوبو، والذين كانوا جزءا من الجيش الأبيض، أسلحتهم طواعية إلى السلطات. 

لكن بقية المليشيا ظلّت محتفظة بأسلحتها وأعادت تشكيل نفسها أكثر من مرة، حتى عادت وتحالفت مع رياك مشار بقوة عام 2013، وساندته في خلافاته المتصاعدة مع رئيس البلاد سلفاكير. 

صدامات سابقة 

في أواخر ديسمبر 2011، بعد أشهر من إعلان إنشاء جمهورية جنوب السودان، على إثر انفصالها عن السودان الأم في الشمال، أفادت صحيفة "أعالي النيل تايمز" أن الجيش الأبيض النويري أعاد تشكيل نفسه. 

وأصدر تهديدا في يوم عيد الميلاد عام 2012 بـ"إبادة قبيلة المورلي بأكملها من على وجه الأرض"، بصفته الحل الوحيد لضمان أمن ماشية النوير على المدى الطويل. 

كما أعلن البيان عزم الجيش الأبيض على قتال الجيش الشعبي لتحرير السودان والأمم المتحدة، التي لديها بعثة لحفظ السلام في البلاد.

حينها ردّت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، بنشر قوات لحفظ السلام في بلدة بيبور، وحثّت كلا من الجيش الأبيض، ومقاتلي قبائل المورلي على إلقاء أسلحتهما.

وبداية من عام 2013، دخلت مليشيا الجيش الأبيض في صدامات متعددة مع القوات الحكومية في جوبا. 

لكنها واجهت عدوا آخر من خارج البلاد، متمثلا في قوات الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، الذي لا يلين في مواجهة أي طرف يقاتل الرئيس سلفا كير. 

وتدخلت قواته للدفاع الشعبي الأوغندي، بين عامي 2013، و2016، في محاربة الجيش الأبيض، بل وقصفته جويا، خلال اشتباكات وقعت في ولاية أعالي النيل.