عرقلة مقصودة.. احتفاء مغاربي بقافلة الصمود وانتقادات لاذعة لمصر السيسي

منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

وسط إشادة شعبية ودعم من مواطني دول المغرب العربي الخمس، انطلقت "قافلة الصمود المغاربية" الرمزية لكسر الحصار المفروض على غزة، في 9 يونيو/حزيران 2025، من العاصمة التونسية.

وفي السياق ذاته، شهدت المنطقة تفاعلات واسعة مع العراقيل التي وضعها النظام المصري أمام هذه المبادرة الإنسانية، وذلك بمنع وصولها إلى هدفها، وهو ما يخدم الجانب الإسرائيلي، وأيضا عراقيل أخرى من سلطات الشرق الليبي.

واجب أخلاقي

ويشارك في القافلة مئات النشطاء من دول المغرب العربي، تونس وليبيا والجزائر وموريتانيا والمغرب، ضمن جهد تضامني واسع.

وبحسب "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" في تونس، فإن عدد المشاركين تجاوز 7 آلاف شخص، يشقون طريقهم برا عبر الصحراء باتجاه الحدود المصرية، في محاولة للوصول إلى غزة عبر معبر رفح.

وتُعد هذه المبادرة من أبرز التحركات التضامنية المغاربية، خاصة بعد تعثر مبادرات سابقة كانت تخطط للعبور بحرا.

"المشاركة في هذه المبادرة هو واجب إنساني وأخلاقي وإسلامي"، هذا ما أكده عضو الوفد الموريتاني المشارك في قافلة الصمود المغاربية لكسر الحصار عن غزة، محمد فال الشيخ، في تدوينة عبر فيسبوك في 11 يونيو.

ورأى الشيخ أن "هذه القافلة المباركة جهد قليل في حق إخواننا الذين يتعرضون لحرب عدوانية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، حرب لم تحترم أي قانون أو عرف، وارتكبت فيها كل أنواع الجرائم الإنسانية من قتل وتشريد وتجويع ممنهج".

وخلص إلى التوجه لله تعالى بأن "يوفق هذه القافلة المباركة لكسر هذا الحصار الظالم الجائر، وأن يفرج عن إخواننا في رباط عسقلان، وفي بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، إنه سميع مجيب الدعوات".

وبدعم أميركي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 182 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.

تفاعل رسمي

أبرز التفاعلات الرسمية مع القافلة جاءت من ليبيا، حيث أثنى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على الاستقبال الشعبي لـ "قافلة الصمود" التي وصلت إلى ليبيا قادمة من تونس.

وبحسب موقع "الوسط" الليبي في 11 يونيو، قال الدبيبة: "أفخر وأعتز بأبناء شعبي الذين استقبلوا والتحموا بقافلة الصمود، هذه المبادرة الإنسانية الأخوية التي انطلقت من الجزائر ثم تونس، ووصلت لبلادنا ليضرب أبناء ليبيا مثالا جديدا في العطاء والفزعة والوفاء، حاملين رسائل الدعم لأهل غزة في وجه الحصار والعدوان".

وأضاف: "إنه مشهد نبيل ليس بغريب عن أبناء ليبيا، هو امتداد لتاريخ من المواقف التي تسبق الأقوال، وتأكيد للقيم السامية التي تجمع شعوبنا رغما عن كل الأزمات".

واستقبلت العاصمة طرابلس "قافلة الصمود"؛ حيث رفع المواطنون الأعلام الوطنية وأعلام فلسطين، كما احتشد عدد منهم في ميدان الشهداء بالعاصمة في انتظار وصول حافلات مشاركة في القافلة.

وفي 10 يونيو، عبرت "قافلة الصمود" منفذ رأس اجدير الحدودي، وسط استقبال رسمي وشعبي حافل في مدن الغرب الليبي التي مرت بها، ومنها زوارة وزلطن وصبراتة والزاوية.

في المقابل، أوقفت قوات الأمن التابعة لسلطات شرق ليبيا، في 13 يونيو، "قافلة الصمود" المتجهة إلى بنغازي دعما لغزة، عند مدخل مدينة سرت، بحجة انتظار الموافقة الأمنية.

وقالت “تنسيقية العمل المشترك من أجل غزة”، في بيان، إن "قوات الأمن والجيش التابع لسلطات شرق ليبيا أوقفت القافلة عند مدخل مدينة سرت، وعلل المسؤولون الأمنيون بضرورة انتظار الحصول على تعليمات بالموافقة من بنغازي من أجل المرور".

وأمام هذا التطور، قررت هيئة تسيير القافلة التوقف على جانب الطريق والتخييم على مشارف سرت إن لزم الأمر، إلى حين اتضاح الموقف، وفق البيان الذي طمأن أهالي المشاركين في القافلة بأن جميع أفرادها بخير.

ودعت القافلة سلطات بنغازي إلى "تجسيد موقفها المرحب بالمبادرة، كما ورد في بيان وزارة الخارجية الليبية"، مؤكدة أن "الشعب الليبي لا يفرّق بين شرق وغرب في احتضانه لمبادرات دعم غزة".

كما ناشدت التنسيقية جميع الأطراف المعنية التدخل لتسهيل مهمة القافلة، التي أكدت أنها "شعبية وسلمية، وذات رسالة نبيلة تهدف إلى كسر الحصار والتجويع والإبادة التي يتعرض لها أهل غزة".

الوفد المغربي

منذ الإعلان عن المبادرة، سارعت “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، والتي تضم الهيئات المدنية والنقابية الداعمة للقضية الفلسطينية في المغرب إلى عقد ندوة صحفية وكذا إعلان ترتيبات المشاركة في القافلة.

غير أن المجموعة أعلنت عبر بيان صدر في 11 يونيو، أن اتصالاتها مع السفارة المصرية بالرباط من أجل الحصول على تأشيرة للراغبين بالمشاركة في القافلة "لم تحقق أي نتائج، وأن الجانب المصري لم يرد على كل المراسلات والاستفسارات الموجهة إليه".

ووجّهت المجموعة الوطنية "التحية الإنسانية العالية لكل المشاركين في مسيرة الأحرار لكسر الحصار عبر كل ساحات الشعوب..". 

وطالبت القاهرة بتسهيل دخول القافلة المغاربية إلى التراب المصري وتأمين مرورها إلى حدود رفح فلسطين للتعبير عن رفض حرب الإبادة الجماعية والاحتجاج ضد الحصار والتجويع الممنهج.

وعبرت المجموعة عن الأسف الشديد على صمت سفارة القاهرة بالرباط، وعدم تفاعلها الإيجابي مع كل محاولات التواصل التي قامت بها “السكرتارية الوطنية لمجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”.

كما أعلنت عزمها تنظيم فعاليات وطنية بالمدن المغربية وعاصمتها موازاة مع فترة المسيرة الشعبية العالمية بعنوان: "أحرار مع المقاومة ضد الإبادة والحصار...".

وأهابت المجموعة "بكل الشعب المغربي الصامد أن يواصل الحراك والرباط في الساحات والميادين، وتصعيد الفعل الشعبي المدني السلمي، وتطويره بما يليق ومستوى وحجم تضحيات الشعب الفلسطيني العظيمة عبر عشرات الآلاف من الشهداء الأطفال والنساء، وعشرات الآلاف من الجرحى، ومئات الآلاف من المشردين في غزة الشهيدة".

من جانبه، حمّل رئيس جمعية "مهندسي العدالة والتنمية"، عبد اللطيف سودو، الجانب الجزائري مسؤولية عدم انطلاق الوفد المغربي عبر المنفذ البري وصولا إلى تونس.

وأضاف سودو في تدوينة عبر فيسبوك في 11 يونيو، "لا تزايدوا علينا يرحمكم الله، كلنا مع مسيرة لغزة ومع قافلة الصمود، لكن لأجل مشاركتنا في فك الحصار عن غزة بمسيرة تضامنية نحتاج رفع الحواجز الحدودية بيننا من طرف الجزائر".

وأضاف: "سايكس بيكو ليست مجرد اتفاقية استعمارية بين دول عربية، هي عراقيل الجارة ضد تطور منطقة المغرب العربي"، وفق تعبيره.

يشار إلى أن الجزائر أغلقت حدودها البرية والجوية أمام المغرب، وذلك بسبب خلافات سياسية مع الرباط، أبرزها النزاع حول قضية إقليم الصحراء الغربية، واتهامات للرباط بتهديد الأمن القومي الجزائري.

ترحيل مشاركين

وضد انتظارات المشاركين في المبادرة، سارعت سلطات النظام المصري إلى ترحيل عدد من المشاركين في المسيرة، من الذين وصلوا إلى القاهرة جوا.

وفي هذا الصدد، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم "المسيرة العالمية إلى غزة"، سيف أبو كشك، قوله: إن "السلطات المصرية أوقفت أكثر من 200 ناشط من مطار القاهرة وفنادق في العاصمة قبيل انطلاق المسيرة، يحملون الجنسيات الأميركية والأسترالية والهولندية والفرنسية والإسبانية والمغربية والجزائرية".

كما نقلت وكالة "رويترز" عن 3 مصادر في مطار إسطنبول أن 73 أجنبيا على الأقل تم ترحيلهم على متن رحلة متجهة إلى إسطنبول في 12 يونيو بعد أن قالت السلطات: إنهم انتهكوا قواعد الدخول إلى مصر، وأن نحو 100 آخرين موجودون في المطار في انتظار الترحيل.

وكانت الخارجية المصرية قد ذكرت في بيان أن الزيارات إلى منطقة رفح الحدودية يجب أن تتم بالتنسيق المسبق مع السفارات المصرية أو الجهات الحكومية، وأكدت على ضرورة اتباع الإجراءات الرسمية لضمان السلامة والأمن.

وقال المنظمون في بيان صدر في وقت متأخر من 11 يونيو، إنهم امتثلوا لجميع المتطلبات المذكورة.

وأضافوا أنهم قاموا خلال الشهرين اللذين سبقا المسيرة بالتنسيق بشكل مباشر مع السفارات المصرية في أكثر من 15 دولة ومع وزارة الخارجية لضمان الشفافية في كل مرحلة من المراحل"، وحثوا نظام مصر على إطلاق سراح جميع المحتجزين.

كما أكد أبو كشك -بحسب وكالة الصحافة الفرنسية- أن ما حددته الخارجية المصرية في بيانها هو بالضبط الخطوات التي اتبعوها، وقال "لقد قدمنا أكثر من 50 طلبا ولم نحصل على رد".

بدورها، قالت المحامية الجزائرية، فتيحة رويبي، إن السلطات المصرية احتجزت 37 جزائريا كانوا ضمن "قافلة الصمود".

وأكدت رويبي لمنصة "أوراس" الجزائرية في 11 يونيو، أن "السلطات المصرية باشرت التحقيق مع المحتجزين بعد تدخل السفير الجزائري في القاهرة للتكفل بهم وإرجاعهم إلى الجزائر رفقة عدد من المحامين، بعد ضمان سلامتهم القانونية والدبلوماسية".

وأوضحت المحامية أن "المبادرة كانت مدنية بحتة وإنسانية الطابع، ولا تحمل أي أجندة سياسية أو خلفية تنظيمية، بل جاءت كنداء ضمير من المجتمع المدني، في ظل المأساة الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة".

وأعربت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، عن أملها في ألا "تأخذ السلطات المصرية أوامرها من مرتكبي الجرائم"، في إشارة إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلي.

ودعت ألبانيزي خلال تصريح صحفي بالمناسبة، القاهرة إلى تسهيل المرور السريع للمشاركين في القافلة الذين "تركوا كل شيء خلفهم تضامنا مع غزة".

موقف مخزٍ

تفاعلا مع هذه التطورات، يرى الكاتب الصحفي يونس مسكين، أن الحراك الشعبي للضغط على مصر بغية فتح الحدود مع غزة "هو فعل مشروع، ويدعم موقف مصر تجاه الضغوط الخارجية".

وأكد مسكين لـ"الاستقلال" أن "كل أنظمة المنطقة، من المغرب وموريتانيا إلى العراق، بحاجة إلى هذا النوع من الضغط، إن كنّا نبتغي فعلا سياديا نابعا من الداخل".

وأضاف متسائلا: "هل تريدوننا أن نترك دولنا تتحمل ضغط الخارج مجرّدة من ضغط الداخل؟ هل المطلوب أن نتنازل عنها أيضا؟"، ليرد بالقول: "كلا".

وأوضح مسكين أن “قافلة الصمود لم تحمل سلاحا ولا صفقات، بل حملت ما تبقى من كرامة الأمة حين تُسحق، ومن إنسانية البشر حين يُذبح إخوتهم على مرأى العالم”.

وشدّد على أن “قافلة الصمود ليست مجرد حافلات تقطع آلاف الكيلومترات، بل هي عودة الروح إلى الجسد العربي-المغاربي، وصرخة في وجه التواطؤ، ونداء من تحت الركام إلى ما تبقى من شرف العالم”.

ورأى أن "انطلاق قافلة كهذه من مغرب الأمة العربي، هو إعلان بأننا لم ننس، ولم نستقل عن وجعنا الكبير هناك".

وزاد: "ولأن التاريخ لا يعيد نفسه إلا حين تكون الذاكرة حيّة، فقد ذكّرتني هذه القافلة بمسير المغاربة قبل قرون، عندما قطعوا الصحاري والبحار والجبال للالتحاق بصلاح الدين الأيوبي في معركة تحرير القدس".

وتابع مسكين: "كان أولئك رجالا من المغارب الثلاث، من الأطلس والمحيط، حملوا سيوفهم وقلوبهم وساروا نحو بلاد الشام، فصنعوا حيّ المغاربة بجوار الأقصى، وتركوا أثرهم في قلب المدينة وفي وجدانها".

واستطرد: “اليوم، يعود الأحفاد لا على صهوات الخيل، بل في شاحنات صغيرة وسيارات خاصة، يحملون الخبز والماء ووجعا لا يُطاق.. إنه التاريخ إذ يستفيق، لا ليمضي، بل ليذكّرنا من نكون”.

وأضاف “وحدهم من يرفض هذه القافلة، اعتادوا أن يقولوا لكل غاضب: اذهب إلى غزة إن كنت صادقا. وها قد ذهب الناس. ولم يحملوا بنادق، بل حملوا وجوها مرفوعة، ولافتات تقول: بالروح نفديك يا غزة، فماذا تقولون الآن؟”

وقال مسكين: إن "الأنظمة الرسمية تحتكر التعبير باسم فلسطين منذ سنوات، كما تُدجّن كل مبادرة شعبية، وتحاصر كل حركة تنبع من الناس".

واستدرك: "لكن ها هي قافلة الصمود تأتي لتكسر تلك الثنائية الزائفة، وتعيد التقدير لفعل شعبي حرّ، وعابر للحدود والحسابات السياسية".

وعليه، يردف الكاتب الصحفي، "لم يعد ممكنا بعد اليوم ادعاء أن الشعوب لا تبالي، أو أن قضية فلسطين أصبحت قضية موسمية، تتبع النشرات الإخبارية".

وشدد على أن "هذه ليست مبادرة إنسانية فقط، إنها لحظة جيوسياسية كثيفة الرمزية.. ها هو الاتحاد المغاربي ينبعث، بما فيه من أمل وجرح، ويتحرك أخيرا ككتلة حية في سياق عربي متصلب، إنها خرائط تتشكّل من جديد على إيقاع غزة".

وخلص مسكين إلى القول بأن "قافلة الصمود ليست النهاية، بل بداية جديدة لوعيٍ قديم: أن من يقف مع غزة، يقف مع ذاته، مع مروءته، ومع آخر ما تبقّى من نقاء هذا العالم".

من جانبه، أكد رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان بالمغرب، نبيل الأندلوسي، أن "أي مبادرة تبتغي فك الحصار عن غزة في ظل الإبادة التي يتعرض لها أبناؤها، هو واجب الوقت، وهو أيضا واجب حقوقي وإنساني، ولا يمكن إلا أن تلقى التأييد والدعم والمساندة من كل أحرار العالم".

وأكد الأندلوسي لـ"الاستقلال" أن “ما يتعرض له الشعب الفلسطيني يستوجب صحوة ضمير عالمية، لوقف هذا العدوان الصهيوني”، مشيرا إلى أن "المسيرة العالمية إلى غزة هي إحدى مبادرات الدعم والمساندة، التي تشرف كل مشارك فيها أو داعم لها".