خلايا نائمة.. ما مدى قدرة تنظيم الدولة على لملمة صفوفه في سوريا الجديدة؟

مصعب المجبل | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ سقوط نظام بشار الأسد، أولت القيادة السورية الجديدة اهتماما كبيرا بضمان الاستقرار الداخلي، خصوصا عبر التصدي لخطر تنظيم الدولة الذي لا تزال له خلايا نائمة تتحرك في الظل داخل البلاد.

وتمكنت السلطات السورية الجديدة من تحقيق تقدم ملموس في ملف مكافحة الإرهاب، مستفيدة من دعم استخباراتي قدمته الولايات المتحدة وتركيا وعدد من الدول الأوروبية، بهدف منع عودته أو إعادة تشكيله داخل الأراضي السورية.

خلايا تتحرك

وبرزت مؤشرات على وجود مساع محدودة حتى الآن لخلايا تنظيم الدولة للظهور كقوة عسكرية داخل بعض المدن السورية.

فقد نجحت وزارة الداخلية السورية، في 17 مايو 2025 من استهداف “وكر لخلية إرهابية تابعة لتنظيم الدولة في مدينة حلب، مؤلفة من سبعة عناصر”.

وقد أسفرت العملية الأمنية المشتركة بين إدارة الأمن العام وجهاز الاستخبارات العامة عن تحييد ثلاثة منهم، وإلقاء القبض على الأربعة الآخرين.

وقالت الوزارة عبر قناتها على تلغرام، إن الدولة السورية "ماضية في ضرب الخلايا الإجرامية بقبضة من حديد"، مضيفة "لن نتوانى عن حماية أمن البلاد واستقرارها، والتصدي لكل من تسوّل له نفسه العبث بها".

كذلك، أعلنت وزارة الداخلية في 26 مايو 2025 تنفيذ عملية أمنية "نوعية" قرب دمشق، أسفرت عن توقيف عناصر من خلايا تابعة لتنظيم الدولة، قالت إنها كانت تخطط لـ"زعزعة الأمن والاستقرار".

وقال قائد الأمن الداخلي في محافظة ريف دمشق العميد حسام الطحان في بيان حينها إنه جرى القبض على عدد من أفراد خلايا إرهابية تابعة لتنظيم الدولة تنشط في عدد من مناطق الغوطة الغربية.

ونوه الطحان إلى أن الخلية "ضُبطت بحوزتها كميات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة" إضافة إلى "سترات انتحارية، كانوا يخططون لاستخدامها في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة".

وعقب ذلك، أعلن تنظيم الدولة، في 30 مايو 2025 تنفيذ أول هجوم ضد القوات الحكومية السورية الجديدة منذ الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وذكر موقع سايت “المتخصص برصد الجماعات الجهادية”، أن التنظيم فجر عبوة ناسفة استهدفت آلية تابعة للقوات الحكومية الجديدة في محافظة السويداء، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة من عناصر الفرقة 70 التابعة للجيش الجديد، موضحا أن "جنود الخلافة" زرعوها في وقت سابق.

وفي مؤشر على الرصد الاستخباراتي لتحركاته بسوريا، أعلنت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" اغتيال القيادي في تنظيم الدولة رحيم بويف بغارة على ريف إدلب في 10 يونيو 2025. 

وقالت "سنتكوم" إن "بويف" كان "ضالعا في التخطيط لعمليات خارجية تهدد حياة مواطنين أميركيين وشركاء الولايات المتحدة إلى جانب المدنيين".

وأكدت أن هذه الضربة تأتي في إطار التزامها المستمر، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين، "لتعطيل وإحباط محاولات التنظيمات الإرهابية في التخطيط وتنفيذ هجمات تستهدف القوات الأميركية وحلفاءها".

"خيارات ضعيفة"

ويظل احتمال استغلال تنظيم الدولة سقوط نظام الأسد للظهور بسوريا مجددا، أمرا واردا.

إذ يرى أكثر من 20 مصدرا من بينهم مسؤولون أمنيون وسياسيون من سوريا والعراق والولايات المتحدة وأوروبا ودبلوماسيون في المنطقة، أن هذا هو تحديدا ما يسعى تنظيم الدولة إلى تحقيقه، وفق ما نقلت وكالة رويترز البريطانية عنهم في 12 يونيو 2025.

وتقول المصادر: إن التنظيم بدأ في إعادة تنشيط مقاتليه في سوريا والعراق وفي تحديد أهداف محتملة وتوزيع أسلحة وتكثيف جهود التجنيد والدعاية.

وأمام بقاء تنظيم الدولة كأحد مصادر التهديد للدولة السورية الجديدة، طرحت تساؤلات حول مدى قدرته على التمدد وإن كان عبر تكتيكات ربما يعمل عليها لتعزيز حضوره.

ويقتصر وجود تنظيم الدولة على خلايا نائمة بأعداد محدودة تتخذ أغلبها من البادية السورية الممتدة نحو العراق موطنا لها منذ مارس/آذار 2019، لكن المؤشرات تُظهر استمرار التهديد بدرجة لا يمكن تجاهلها.

ولا سيما أن الإدارة السورية الجديدة ركزت عقب الإطاحة بنظام الأسد، على تكوين جهاز الاستخبارات العامة في البلاد وعينت في 26 ديسمبر 2024 أنس خطاب رئيسا له.

ولاحقا تولى حسين السلامة هذا الجهاز في مطلع مايو 2025 بعدما تولى خطاب وزارة الداخلية.

وقد كان أول اختبار أمني لجهاز الاستخبارات عقب سقوط نظام الأسد، هو تمكنه في 11 يناير/ كانون الثاني 2025 من إحباط محاولة خلية مؤلفة من أربعة أشخاص تنفيذ تفجير داخل مقام السيدة زينب جنوب دمشق.

ووقتها تمكنت الاستخبارات السورية الجديدة من إلقاء القبض على الخلية التي قالت إنها تتبع "تنظيم الدولة"، وضبطت بحوزتهم أسلحة وذخائر ووثائق لبنانية وعملة أجنبية.

اللافت أنه بعد أيام من إحباط تلك العملية، كشف مسؤولون أميركيون لصحيفة "واشنطن بوست"، أن الولايات المتحدة بدأت بمشاركة معلومات استخباراتية سرية مع الإدارة السورية الجديدة حول تهديدات "تنظيم الدولة".

ونقلت الصحيفة في 25 يناير 2025 عن المسؤولين قولهم إن المعلومات الاستخباراتية الأميركية أسهمت في إحباط محاولة تفجير مقام السيدة زينب.

وتحرض الدول الراغبة في استقرار سوريا وذات المصلحة المشتركة على تنسيق الجهود لمكافحة تنظيم الدولة ومنعه من العودة.

وفي خطوة عملية على ذلك، أفادت مصادر في وزارة الدفاع التركية لوكالة الأناضول الرسمية في 29 مايو 2025 بإنشاء مركز عمليات مشترك من قبل 5 دول لمكافحة تنظيم الدولة في سوريا.

وتقرر إنشاء المركز خلال اجتماع عقد في الأردن بمشاركة وزراء خارجية تركيا والعراق وسوريا ولبنان إلى جانب البلد المضيف في 9 مارس 2025.

وقالت المصادر: إن دمشق وجهت في هذا الصدد دعوة لوحدة التنسيق المكونة من تركيا وسوريا والأردن للبدء بمهامها في دمشق.

وضمن هذا السياق، يستبعد الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، أن "يكون تنظيم الدولة قادرا على إعادة السيطرة المكانية على الجغرافية السورية أو حتى العراقية في المدى المتوسط بل والبعيد نسبيا".

وأضاف الأسمر لـ “الاستقلال” أن تنظيم الدولة ربما يلجأ إلى العمليات والإغارات والكمائن الخاطفة على مستوى الأفراد أو بمجموعات عنقودية صغيرة بسوريا.

وتوقع أن يلجأ تنظيم الدولة في قادم الأيام إلى أسلوب المفخخات هنا وهناك و"التي يهدف من خلالها لزعزعة الأمن والاستقرار وإحداث الفوضى الأمنية بسوريا، خاصة بعد أن وصف التنظيم (الرئيس السوري أحمد) الشرع بالردة وأنه غير ثوبه وقلم لحيته".

وقلل الأسمر من "قدرة تنظيم الدولة بشكل كبير أو مؤثر على استقطاب عناصر محلية منضوية تحت الجيش السوري الجديد".

ولفت إلى أن “الدولة السورية تنظر بحساسية عالية ودقيقة لمسألة دخول مواطنين أجانب إلى سوريا يتبعون لتنظيم الدولة خاصة مع التقارب التركي الأميركي والأوروبي والعربي مع الرئيس أحمد الشرع”.

وأيضا في ظل "تحقيق تعاون استخباراتي لمنع عودة نشاط تنظيم الدولة وتهديده لحالة الاستقرار، وكذلك جعل سوريا بيئة حاضنة للتخطيط لمواجهة أي تهديد حتى لدول غربية".

"يبحث عن الدعم"

وألمح توماس باراك سفير واشنطن لدى أنقرة والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى سوريا، إلى أن “جهود الشرع لتشكيل حكومة شاملة والتقرب من الغرب قد تجعله هدفا للجماعات المتطرفة”.

وشدد في حديث لموقع المونيتور الأميركي في 11 يونيو 2025 على أنه "يجب أن ننشئ نظام حماية حول الشرع".

ولفت إلى أن الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الشرع خلال الثورة، والذين يُدمجون حاليا في الجيش السوري، تتم محاولة دفعهم إلى التطرف مجددا على يد جماعات مثل تنظيم الدولة.

والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي كان يكنى بـ "أبو محمد الجولاني" إبان قيادته لـ "هيئة تحرير الشام"، هو من قاد تحالفا من فصائل سورية معارضة للإطاحة بالأسد.

وبعيد وصوله إلى السلطة، أعلن الشرع حلّ جميع الفصائل بما فيها هيئة تحرير الشام التي كان يقودها والمنبثقة من تنظيم القاعدة قبل أن تقطع صلاتها به في العام 2016.

في السنوات الأخيرة قبل سقوط الأسد فرضت "هيئة تحرير الشام" نفسها شمال غربي سوريا في مواجهة تنظيم الدولة والقبض على خلاياه هناك وتعقبها وقتل أفرادها.

وقد زادت هذه المواجهات من “حالة العداء” بين تنظيم الدولة وأحمد الشرع، حيث بث الأول إصدارا مرئيا في يناير/كانون الثاني 2025 توعد فيه بمحاربة الإدارة السورية الجديدة في حال تطبيقها مواثيق وقوانين الأمم المتحدة.

ورأى أن الفصائل المشاركة في عملية "ردع العدوان" التي أسقطت نظام الأسد، "بيادق" بيد تركيا والدول الأخرى.

كما ذكر في إصدار مرئي نشره عبر "تلغرام"، أن "من يدعو لدولة مدنية في سوريا، شريك وعميل لليهود والصليبيين وطاغية جديد"، وفق تعبيره.

وتساءل التنظيم عن "سبب الخروج على نظام بشار الأسد إن كانت الثورة ستفضي إلى نظام حكم دستوري".

وهاجم الثورة السورية، ووصفها بأنها "جاهلية" لأنها تسعى لترسيخ مفهوم الدولة المدنية، مضيفا "ثورة تحرر من نظام قمعي يستأثر بالسلطة بغية الوصول إلى نظام آخر ديمقراطي يتقاسم السلطة".

وضمن هذا السياق، أكد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان لـ "الاستقلال" أن "تنظيم الدولة سيستفيد من الحالة المتطرفة الساخطة التي تنشط عبر التجييش والتجنيد اليوم في سوريا.

وخاصة أن تنظيم الدولة لا يستفيد من قوامه التنظيمي فقط بل من وجود كثير من المتطرفين والمتشددين يأخذون موقفا سلبيا من تسلم هذه الحكومة الجديدة بقيادة الشرع للبلاد.

وأضاف علوان: "مع كل هذا المشهد فإن تنظيم الدولة غير قادر على لململة صفوفه بسوريا من جديد إن لم يتلق الدعم الخارجي والذي قد يكون من جهة العراق".

وتتصل البادية السورية مع صحراء العراق، وهما منطقتان يرجح وجود خلايا نائمة لتنظيم الدولة فيهما.

ورأى علوان أن "هناك خشية عقب التصعيد الحاصل بين إسرائيل وإيران أن تفعّل الأخيرة بشكل أكبر خلايا عراقية لتمرير الدعم اللوجستي والمالي لتوسيع الفوضى في سوريا وإعادة لململة تنظيم الدولة فعليا كمدخل ربما لعودة نفوذ طهران من جديد".

وبسقوط بشار الأسد انتهى نفوذ إيران في سوريا الذي أسس له منذ عام 2011 حينما صرفت مليارات الدولات وجلبت عشرات آلاف المقاتلين الشيعة الأجانب لمساعدة نظامه، على الصمود في وجه الثورة ضده.

ولذلك مثّل سقوط الأسد خسارة ونكسة كبيرة ومهينة لطهران، إلى درجة جعلت سقوطه "هزيمة نكراء لإيران"، بحسب تعبير القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني، بهروز اثباتی.