"الوقت ينفد".. موقع أميركي: حماس نجحت في حربها النفسية ضد إسرائيل

“ أزمة الرهائن تهدد بتمزيق الكيان الإسرائيلي”
قبل ساعات من انطلاق التظاهرات الأسبوعية المناهضة للحكومة الإسرائيلية في 24 مارس/ آذار 2025، نشرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مقطعا على منصة "تليغرام"، تروّج فيه لفيديو جديد يتناول قضية الأسرى الإسرائيليين.
"الوقت ينفد".. ظهرت هذه العبارة التي وصفها موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي بأنها "عبارة مشؤومة"، على الشاشة، بينما كان وجه أسير إسرائيلي بملامح مشوشة يبكي في الخلفية.
ولاحقا، ومع تصاعد التظاهرات في دولة الاحتلال، نشرت حماس عبر "تليغرام" الفيديو كاملا الذي امتد لأربع دقائق، كاشفا مشاهد للأسير إلكانا بوحبوط.
نقاش حاد
وقال موقع “ذا ميديا لاين”، في تقرير له، إن "حماس أحسنت التحضير لهذه اللحظة". مشيرا إلى أنها "تعرف كيف تستغل التصدعات الإسرائيلية الداخلية في حربها النفسية".
وفي الفيديو، كان بوحبوط يجري مكالمة هاتفية تمثيلية مع زوجته، قال فيها: إنه يخشى الموت، متوسلا أن يرى ابنه الذي يبلغ من العمر أربع سنوات.
وبكى قائلا: "نفدت طاقتي… سمعت أنهم يوقعون عرائض لوقف الحرب وإطلاق سراحنا".
وكان بوحبوط يشير إلى الموجة الأخيرة من العرائض المثيرة للجدل التي وقعها جنود احتياط إسرائيليون وضباط سابقون كبار، يطالبون فيها بصفقة تبادل أسرى وإنهاء الحرب.
ووفق التقرير، فقد وصل الجدل الأكثر سخونة في تاريخ إسرائيل إلى ذروته؛ حيث تحولت الخدمة العسكرية، التي كانت محل اتفاق عام إلى محور نقاش حاد حول مصير الأسرى الإسرائيليين.
ويبدو أن بعض أُسَر الأسرى تتحفظ على التظاهرات، رغم أنها تطالب بفك أسر أبنائهم، من هؤلاء تال غلبوع، الذي يُحتَجز ابن شقيقه، غاي دلال، لدى حماس.
وقال: إن "ملف الأسرى يُستخدم كورقة في المظاهرات لإسقاط الحكومة، ولم يستأذننا أحد، وكل مظاهرة أو عريضة تُوقع تمنح حماس القوة والمتعة لرؤية المجتمع الإسرائيلي ينهار من الداخل".
في المقابل، ترى فيكي كوهين، والدة نمرود كوهين، الجندي الذي لا يزال محتجزا لدى حماس منذ 562 يوما، أن المظاهرات مصدر قوة.
وقالت لموقع "ذا ميديا لاين": "صحيح أن هذه المقاطع لها تأثير أكبر على الجمهور، لكني كنت سأشارك في التظاهرات سواء نُشرت هذه المقاطع أم لا، فنضالنا واحد وقضيتنا عادلة، ولا يمكننا السماح باستمرار هذا الواقع".
وأضافت كوهين التي رأت ابنها في أحد مقاطع الفيديو التي نشرتها حماس: "كان مشهدا مفزعا.. شعرت بفرح غامر لمجرد رؤيته، لكنه اختلط بقلق عميق على سلامته. رؤية هذه المقاطع، وهم يتوسلون لإنقاذ حياتهم، أمر يمزق القلب".
وبحسب استطلاعات الرأي التي أجراها "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" طوال فترة إبادة غزة، شهد الدعم الشعبي لاتفاق ينهي الحرب ويقود إلى إطلاق سراح الأسرى تصاعدا مستمرا مع تواصل القتال.
وأشار الموقع الأميركي إلى أنه "من غير الواضح ما إذا كانت حماس ستوافق على إطلاق سراح جميع الأسرى؛ إذ ثبت أنهم ليسوا ورقة قوة فحسب، بل أيضا ضمانة تُمكّنها من الضغط على إسرائيل".
وأكدت كوهين: "نحن بحاجة إلى الجمهور، فهو يُقوّينا، وسيكون من الصعب جدا خوض هذا النضال وحدنا".
غير أن هذا الشعور لا يتشاركه الجميع، وهو شقاق تسعى حماس إلى تعميقه، وفقا للخبراء.
فبحسب الخبير في حرب المعلومات، يانيف ليفياتان، فإن "حماس تُدرك الخطاب السائد وتستغله"، كما أن "الحرب النفسية تستهدف الجمهور لا الحكومة، بهدف خلق ضغط من القاعدة إلى القمة".
وأضاف غلبوع: "إذا كنتم قلقين جدا بشأن الرهائن، فلتخرسوا!، حلت بنا أكبر كارثة شخصية لكنها الآن أصبحت ملكا للجميع، نحن في خوف شديد على مصير أحبائنا، وأي كلمة قد تضرهم، ولا علاقة لهذا بالآراء السياسية، فقط اخرسوا!"
وبحسب التقرير، فإن حماس تواصل بمهارة استخدام حرب نفسية تستهدف الرأي العام الإسرائيلي، كجزء من حربها المستمرة ضد دولة الاحتلال.
حرب مكثفة
وحول مقطع الفيديو الأخير الذي نشرته حركة "حماس"، قال الباحث في الحرب النفسية من كلية الاتصال في جامعة أريئيل الإسرائيلية، رون شليفر، إن "نص الفيديو مكتوب مسبقا وله هدف محدد".
وأضاف: "من خلال ذلك، يمكن استنتاج الرسائل التي يرغبون في إيصالها، سواء في النص أو ما وراءه، فإذا طلبوا وقف القصف أو تجديد المساعدات الإنسانية، يمكننا استنتاج ما الذي يضر حماس".
وتابع مؤلف كتاب "ما بعد الحرب النفسية" قائلا: "ما نشهده هو في الأساس مراسلات أحادية الجانب تحمل رسائل دقيقة للغاية، موجهة إلى الجمهور والحكومة الإسرائيلية على حد سواء".
وأردف: "تراقب حماس التطورات في إسرائيل عن كثب، وتستخدم الحرب النفسية بالتزامن مع الحرب الفعلية. وفي الوقت الحالي، قدرتها على خوض حرب فعلية محدودة، لذا فهي تكثف حربها النفسية".
ونشرت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية أيضا مقطع فيديو، كان بمثابة أول إشارة على نجاة رهينة آخر، وهو روم براسلافسكي.
وقال غلبوع: "الأمر ليس معقدا إلى هذا الحد، فحماس تطلب والجمهور الإسرائيلي يُلبي، ما يمكّن حماس من التمسك بمواقفها".
بدورها، أكدت كوهين: "على حكومتنا بذل كل ما في وسعها لاستعادة المحتجزين، وهذا يعني وقف الحرب، فحماس لم تتراجع عن موقفها منذ بداية الحرب".
وقال ليفياتان: "لا يمكن التنبؤ بما ستقدم عليه حماس، لكننا نشهد بالفعل زيادة في وتيرة نشاطها، ومن المرجح أن نشهد تصاعدا إضافيا".
وأضاف: "شهدنا خلال الحرب فترات طويلة لم تُنشر فيها أي مقاطع مصورة، أما اليوم فنرى تراجعا في حدة القتال، وتراجعا في ظهور المقاتلين للانخراط في المعارك فوق الأرض، مقابل تصاعد استخدام الأسلحة النفسية".
وتابع: "تعد حماس قوة قتالية أدنى من إسرائيل في جميع المعايير تقريبا"، مستدركا: "لكن الحرب النفسية تمثل أحد أبرز الأسلحة في ترسانتها، ولا ينبغي الاستهانة بقدراتها في هذا المجال".
نقاش حاد
وأردف: "عندما ترغب حماس في ضرب المجتمع الإسرائيلي، فهي تختار بين إطلاق الصواريخ أو إطلاق القذائف النفسية، وبينما تملك إسرائيل أنظمة دفاع جوي قادرة على إحباط معظم الهجمات الصاروخية، يجد المجتمع الإسرائيلي نفسه مستهدفا ويتلقى ضربات موجعة من حرب حماس النفسية".
وقال ليفياتان: "حماس تعرف جيدا أي رواية بالتحديد وأي رموز بالضبط يمكن أن تستخدمها لإيلام المجتمع الإسرائيلي".
من جهته، قال شليفر: "لقد استعدت حماس كما يجب أن يكون الاستعداد". مضيفا: "عادةً ما تكون التنظيمات المسلحة أكثر سرعة في استخلاص الدروس مقارنة بالدول".
ووصف الموقع الأميركي الأزمة الحالية بأنها "أكبر أزمة رهائن عرفتها إسرائيل وتهدد بتمزيق المجتمع الإسرائيلي".
فالمؤيدون لإبرام صفقة -وغالبا ما ينتمون إلى معسكر المعارضة- يرون أن التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب هو السبيل الوحيد لضمان إطلاق سراح المحتجزين.
في المقابل، ترى الحكومة الحالية وأنصارها أن استمرار الضغط العسكري الشديد على حركة حماس ضروري لدفعها إلى القبول بصفقة.
وشنّت حماس هجوم 7 أكتوبر في وقت حساس كانت تمر فيه إسرائيل بانقسامات داخلية متزايدة، ما جعل الهجوم يوقعها على حين غرة.
فبينما كانت إسرائيل تعيش حالة من الانقسام بين معارضي تعديل النظام القضائي ومؤيدي الحكومة، وحّد الهجوم صفوف الإسرائيليين لفترة وجيزة.
إلا أن الحرب الطويلة سمحت بظهور الشروخ من جديد، وأعادت فتح نقاش تاريخي حول الثمن الذي يجب أو لا يجب أن تدفعه إسرائيل من أجل استعادة رهائنها.
وكانت صفقات سابقة قد أدت إلى الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، وهو ما يشكل مصدر ألم إضافي لكثير من الإسرائيليين الذين فقدوا أحباءهم في هجمات نفذها أسرى أطلق سراحهم ضمن هذه الصفقات، وفق التقرير.
وقال ليفياتان: "نجحت الحرب النفسية التي تشنها حماس عبر إثارة العديد من الأسئلة التي كانت مطروحة أصلا في الخطاب العام".
وختم الموقع بالإشارة إلى أنه "مع تزايد الأنباء عن عدم الوصول لاتفاق، بات الوضع غامضا، مما يفتح المجال أمام تصعيد إضافي في الحرب النفسية خلال هذه الفترة".