دور "مليشيا الإمارات" في اليمن.. محاربة الحوثيين أم أطماع الموانئ؟

“هدف الخطة هو تحقيق الحلم القديم الذين من أجله تدخلت في اليمن”
مع انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج طهران النووي، كثفت واشنطن من وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وأرسلت تعزيزات غير مسبوقة إلى قواعدها المنتشرة في المنطقة.
هذه التحركات العسكرية تشير إلى عدة احتمالات، بحسب تقارير أميركية، أبرزها أن هذه الحشود الحربية هدفها تهديد إيران بالعصا، حتى توقع اتفاقا يوقف عمليات تخصيب اليورانيوم، وتطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
أما السيناريو الآخر فهو الاستعداد الفعلي لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت البرنامج النووي الإيراني.
أو التحضير لدعم عملية عسكرية برية في اليمن ضد الحوثيين، تشارك فيها أطراف عربية أبرزها الإمارات عبر المليشيات الموالية لها، وربما السعودية عبر المجلس الرئيس اليمني المعترف به دوليا في اليمن، رغم النفي السعودي.
استعدادات جارية
وعزز هذا السيناريو نقل صحيفة "وول ستريت جورنال" في 14 أبريل/نيسان 2025 عن مسؤولين أميركيين ويمنيين أن الإمارات تجهز مليشياتها التابعة لحكومة عدن المناوئة للحوثيين، لهجوم بري بدعم أميركي.
وأيضا حديث صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، في 13 أبريل 2025، عن حشد 80 ألف مقاتل موالٍ للحكومة اليمنية لهذا الغرض، وتوسع الإمارات في إنشاء مطارات ومواقع عسكرية في الجزر والسواحل اليمنية، فضلا عن تركيز الضربات الأميركية في الفترة الأخيرة على خطوط التماس بين الحوثيين والقوات الحكومية اليمنية، ما عُدّ مؤشرا على التحضير لعمل عسكري بري.
"وول ستريت جورنال" الأميركية، ذكرت أن فصائل يمنية (موالية لأبو ظبي) تخطّط لشن هجوم بري على طول ساحل البحر الأحمر للاستفادة من القصف الأميركي للحوثيين.
ونقلت عن مسؤولين أميركيين ويمنيين قولهم: إن الإمارات التي تدعم هذه المليشيات والفصائل اليمنية المعادية للحوثيين، وتحتل جزيرة سقطرى، طرحت الخطة مع مسؤولين أميركيين؛ بحيث يتولى مرتزقة أميركيون توجيه هذه الفصائل في العملية البرية.
وتقوم الخطة الإماراتية، على قيام المليشيا الموالية لها في جنوب اليمن، بالاستيلاء على ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر، بدعم من الأميركيين، ثم السيطرة على الساحل الغربي لليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون.
ونقلت "وول ستريت" عن وديع الدبيش، الناطق باسم "قوات عمليات تحرير الساحل الغربي" المكونة من يمنيين جنوبيين تدعمهم الإمارات قوله: "مستعدون وجاهزون لتحرير الحديدة وجميع المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، سواء بمشاركة أميركية أو بدونها".
لكنه قال: إن القرار النهائي يعود للحكومة اليمنية والتحالف العسكري السعودي الإماراتي الداعم لها.
أيضا ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 16 أبريل 2025، أن القوات اليمنية المعارضة للحوثيين المتحالفين مع إيران تجري محادثات مع الولايات المتحدة وحلفاء الخليج بشأن هجوم بري محتمل.
ولم تكن هذه أول مرة يجري الحديث فيها عن عملية برية ضد الحوثيين منذ فشل التحالف السعودية الإماراتي في هزيمتهم.
إذ سبق أن ذكرت شبكة "سي إن إن" في 6 أبريل 2025، أن الاستعدادات لعملية برية في اليمن جارية، وقد "تشمل دعما بحريا سعوديا وأميركيا في محاولة لاستعادة ميناء الحديدة".
حلم قديم
ويرى محللون أن هدف هذه العملية البرية "أميركيا" هو دفع الحوثيين إلى التراجع من أجزاء كبيرة من الساحل، ووقف هجماتها على سفن تمرّ في البحر الأحمر في طريقها إلى إسرائيل، وقطع طريقهم الرئيس لتلقي الأسلحة من إيران.
أما إماراتيا، فهدف الخطة هو تحقيق الحلم القديم الذين من أجله تدخلت في اليمن وهو السيطرة على موانئها.
فقد طرح وجود اسم الإمارات تحديدا في هذه الخطة البرية، تساؤلات عن أهدافها وأطماعها في سواحل اليمن وموانيه.
فوفق "وول ستريت جورنال" تقوم الخطة العسكرية المطروحة، على سيطرة الفصائل الموالية لأبو ظبي على ميناء الحُديدة، وفي حال نجاح هذا المسعى سيتم الاندفاع باتجاه إبعاد الحوثيين عن السواحل اليمنية وسيطرة الإمارات عليها.
وعقب تدخلها في اليمن بدعوى محاربة الحوثيين، احتلت الإمارات جزيرة سقطرى، وقامت المليشيات المدعومة منها بالسيطرة عليها بالقوة وطرد القوات الموالية للرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي في 21 يونيو/ حزيران 2020.
وكانت الخطة الإماراتية هي السيطرة على أهم مواني اليمن، لذا سيطرت على 12 ميناء قبالة سواحل اليمن، هي: عدن، والمخا، والمكلا، والضبة، وبير علي، وبلحاف، ورودوم، وزوباب، والخوخة، والخوبة، وقنا، والنشيمة.
كما عملت على بناء ميناء جديد في المهرة بتكلفة تقدر بنحو 100 مليون دولار، بحسب صحيفة "ذا كرادل" في 24 مارس/ آذار 2023.
ومن خلال السيطرة على هذه الموانئ ومضيق باب المندب، تستطيع الإمارات السيطرة على أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم، مما يرفع مكانتها في التجارة العالمية والإقليمية إلى لاعب إستراتيجي.
ولأن جزيرة "عبد الكوري" تُعد ثاني أكبر جزر أرخبيل سقطرى الواقعة بين خليج عدن والقرن الإفريقي؛ فقد سعت الإمارات لاحتلال هذه الجزيرة لأهميتها؛ إذ تقع ضمن ممر شحن رئيس يربط أوروبا وآسيا، قرب باب المندب.
ثم بدأت أبو ظبي في إنشاء وتطوير قاعدة عسكرية مشتركة مع إسرائيل في "عبد الكوري" خلال ديسمبر/كانون الأول 2021، وفي 29 يوليو/ تموز 2024 كشفت صحيفة "معاريف" العبرية عن تسريع العمل في هذه القاعدة العسكرية الاستخباراتية الإماراتية الإسرائيلية.
وقد تزامن تطوير هذه القاعدة الإماراتية الإسرائيلية، مع تطوير قواعد عسكرية أخرى توجد بها قوات أميركية، ما أظهر أن ما يحدث هو تسريع لعملية الطوق الأمني لصد هجمات الحوثيين وردع إيران.
التفاف إماراتي
ورغم نفي الإمارات والسعودية التقارير الغربية عن انخراطهما في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن هجوم بري تقوده الفصائل اليمنية الموالية لهم ضد الحوثي.
وذلك، وفق وكالة "رويترز" في 17 أبريل، يرجح محللون قيام الإمارات بإسناد ترامب وتنفيذ الشق الثاني من العدوان الأميركي على اليمن.
قناة "بلقيس" اليمنية، أكدت أن هذا النفي “لا يُفقد التسريبات قيمتها، ولا يطعن في مصداقية” الصحف الأميركية الكبرى كنيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال، المعروفة بدقة مصادرها وتأثيرها الواسع في دوائر صنع القرار.
وأوضحت، في تحليل نشرته في 17 أبريل 2025، أن هذه التسريبات، وردود الأفعال الرسمية، غالبا ما تعبر عما يدور خلف الكواليس أكثر مما تُظهره التصريحات العلنية، وتكشف حجم التوتر والتضارب في أولويات الحلفاء المفترضين.
وكانت القناة تشير بذلك، لخلافات متكررة بين الحلفاء (السعودية والإمارات) في اليمن بسبب اختلاف المصالح والأهداف، وبسبب تفتت التحالف ضد الحوثيين، وتضارب مصالح أخرى بين واشنطن والدول العربية، رصدها تقارير أخرى.
فبدلا من أن تكون العملية البرية المرتقبة معركة شاملة، بجميع المحاور، وترمز على تقديم الدعم للحكومة اليمنية الشرعية، بهدف إنهاء سيطرة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة، تسعى الإمارات لحصرها في تحرير موانئ تريدها لنفسها مثل الحديدية، وتتفق معه مصالح أميركا.
وهو ما يصفه تحليل "قناة بلقيس" بأنه "التفاف (إماراتي) على مطالب اليمنيين".
وكان تقرير شبكة "سي إن إن" في 6 أبريل 2025، تحدث عن دعم أميركي لـ "عملية برية واسعة" تشمل عدة جبهات ضد الحوثيين، بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة ودعم سعودي وإماراتي، ما أوحي أن الهدف دعم الحكومة الشرعية في اليمن.
لكن سرعان ما تبخرت الآمال؛ حيث ذكر تقرير "وول ستريت جورنال"، أن العملية البرية "ستقتصر على الساحل الغربي وتحديدا مدينة الحديدة"، وفقا لمسؤولين يمنيين وأميركيين تحدثوا للصحيفة.
بل وستنفذ عبر فصائل موالية للإمارات، دون أي دور واضح للحكومة اليمنية الشرعية، أو فتح جبهات متعددة كما كان متوقعا.
وهو ما يعني إعادة ترتيب الجغرافيا السياسية في اليمن بما يخدم مصالح الإمارات وربما السعودية، من دون أن تشكل هذه العملية المرتقبة تهديدا وجوديا للحوثيين، وبقاء اليمن مُقسما ومفتتا، بما يخدم سيطرة أبوظبي على موانئه.
دعم الانقلابيين
ويتهم اليمنيون الإمارات بقيادة مشروع انفصالي في اليمن، وأنها قامت بتحريض المرتزقة الموالين لها (دفاع شبوة وألوية العمالقة) و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم منها ضد الإسلاميين خصوصا، كنوع من تأليب الفصائل ضد بعضها.
وقتلت هذه المليشيات الموالية للإمارات أئمة مساجد وشخصيات إسلامية سنية خاصة من الإخوان في اليمن في عدة حوادث سابقة، لفرض إرهابها المسلح على اليمنيين وتعزيز احتلالها لمناطق نفطية وساحلية مثل شبوة.
ووثق هذا تقرير لشبكة “بي بي سي” في 23 يناير/ كانون الثاني 2024، والذي تضمن اعترافات مرتزقة من شركة "سبير" أمام الكاميرا بتفاصيل عمليات الاغتيال التي نفّذوها في اليمن برعاية أبو ظبي.
وأشار تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية في 16 أبريل 2025، لهذا التآمر الإماراتي على اليمن ضمن دول عربية أخرى، ورأى أن من أضرار هذا "تآكل متزايد في سمعة الإمارات"، خاصة بعد اتهامها بالتواطؤ في جريمة إبادة بالسودان.
وأوضحت أن الإمارات تدعو إلى الوحدة في الداخل، لكنها تسعى إلى الانقسام في الخارج، وضربت أمثلة على تدخلها في اليمن وليبيا والصومال وغيرها؛ حيث دعمت الانقلابي في ليبيا خليفة حفتر، الذي حاول الإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، وتدعم المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في اليمن الذي ينافس المجلس الرئاسي المعترف به دوليا.
كما أقامت علاقات وثيقة مع زعماء في بونتلاند وصوماليلاند، وهما كيانان انفصاليان في الصومال وتتعارض العديد من سياساتها مع المواقف الأميركية، ودعمت مليشيا الدعم السريع ضد الجيش والشعب في السودان.
ويرجح الدبلوماسيون الأجانب في أبو ظبي وجود دوافع اقتصادية وراء المساعي الإماراتية، لكن بجانب التركيز على الدوافع الاقتصادية، فالإمارات تبدو مدفوعة في الأساس بأيديولوجيا، وفق "إيكونوميست".
ويُعرف الرئيس محمد بن زايد بعدائه الشديد للإسلاميين، وتسعى العائلة الحاكمة في أبوظبي لتقليص نفوذ دول إقليمية أخرى مثل قطر وتركيا، الداعمتين للأحزاب الإسلامية، كما تسعى إلى رسم مجال نفوذ خاص بها، مغاير للنفوذ السعودي.
ودفعها الإحساس بالخطر في اليمن إلى الانضمام للتحالف الذي تقوده السعودية والذي دخل الحرب عام 2015 ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
لكن الإمارات سعت لامتلاك حلفاء على الأرض؛ لأن السعودية كانت قريبة من حزب الإصلاح، المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وفق "إيكونوميست".
وتقول المجلة البريطانية إن دعم الإمارات لهذه الجماعات الانفصالية في الجنوب (المجلس الانتقالي)، الذي كان دولة شيوعية مستقلة حتى 1990، يحقق فوائد اقتصادية مستقبلا؛ إذ تأمل مجموعة موانئ أبوظبي، المملوكة للحكومة في الإمارة، في الفوز بحق تشغيل ميناء عدن، ويُنظر إلى النفوذ الاقتصادي الإماراتي كأداة لتدعيم علاقاتها، لا كسبب لها".
خلاف خليجي
كان الموقف السعودي من المشاركة في الخطة الإماراتية المعروضة على أميركا، والقاصرة على احتلال ميناء الحديدية لتوسيع نفوذ الموانئ الإماراتية، ولإبعاد الحوثيين عن سفن البحر الأحمر كهدف أميركي رافض للانخراط فيها، لتضارب الأهداف والمصالح.
وأوضحت هذا صحيفة "وول ستريت جورنال" التي كشفت الخطة نقلا عن مسؤولين أميركيين ويمنيين.
وذكرت أن السعوديين أبلغوا اليمنيين والأميركيين أنهم لن ينضموا أو يساعدوا في الغزو البري للحوثيين، خشية الأضرار التي قد يلحقها قصف الحوثيين بمنشآت السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
وجاءت الزيارة المفاجئة في 17 أبريل 2025، من جانب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى إيران، وحرصه على لقاء المرشد الأعلى، علي خامنئي، ونقل رسالة له باسم العاهل سلمان بن عبدالعزيز، “مؤشرا واضحا على الرفض السعودي”.
محللون يرون أن محور الرسالة واضح ويتعلق بالحرص على إبلاغ إيران، كراعية للحوثيين، أنه لا دخل لها بأي غزو بري يجرى الإعداد له، حتى لا يرد الحوثيون بالطائرات والمسيرات على الأهداف النفطية السعودية التي سبق أن استهدفوها.
وأعرب الوزير ابن سلمان الذي حضر اللقاء برفقة رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، عن "بالغ ارتياحه" لهذا الاجتماع، ما يشير إلى تفهم طهران والحوثيين "الرسالة" السعودية.
وكانت الإمارات جزءا من التحالف الذي تقوده السعودية والذي أطلق حملة عسكرية في اليمن منذ أوائل عام 2015 لدعم الحكومة المدعومة من الخليج ضد الحوثيين الذين استولوا على العاصمة صنعاء عام 2014، لكن دب خلاف بينهما.
وقد أنهت الإمارات جزءا كبيرا من وجودها في اليمن عام 2019 لكنها تركت مليشيا يمنية تدعمها هناك كوكلاء لها، وتسعى حاليا لاستعمالهم بدعم أميركي لتوسيع نفوذها.
وتستعد هذه المليشيات الانفصالية جنوب اليمن بدعم من الإمارات وغطاء جوي أميركي، لمهاجمة مقار الحوثيين واحتلال ميناء الحديدة، بحيث تتولى هذه المليشيات دور القوات البرية الأميركية.
المصادر
- U.S. Strikes Spur Plans for Yemeni Ground War Against Houthis
- Officials: US 'open' to supporting a Yemen ground operation
- UAE, Saudi Arabia deny reports of involvement in talks about land offensive in Yemen
- العملية البرية المرتقبة.. هل ستقضي على الحوثيين أم تعيد رسم الجغرافيا وتوزيع النفوذ؟
- The UAE preaches unity at home but pursues division abroad