مبعدو طوفان الحرية.. تحرروا من قيد إسرائيل فحوصروا داخل فندق بمصر

حسن عبود | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد الإفراج عنهم من سجون الاحتلال الإسرائيلي ضمن صفقة “طوفان الحرية”، وجد الأسرى الفلسطينيون المبعدون أنفسهم في سجن جديد، منذ لحظة وصولهم إلى الأراضي المصرية.

هؤلاء الأسرى الذين قضى أغلبهم سنوات طويلة خلف قضبان الاحتلال، كانوا يحلمون بلحظة الحرية، وينتظرونها بفارغ الصبر، لكن الواقع الذي وجدوه أمامهم لم يكن كما تخيّلوا.

فبدلا من استقبالهم كأبطال محررين وتوفير سبل العيش اللازمة لهم من أجل بدء حياة جديدة، وُضعوا في ظروف احتجاز جديدة، وبقيت حريتهم ناقصة، تنتظر مصيرا مجهولا.

قصة الإبعاد

وفي اتفاق وقف إطلاق النار خلال يناير/كانون الثاني 2025 والذي تنصل الاحتلال من مرحلتيه الثانية والثالثة، أفرجت إسرائيل عن أكثر من 1700 أسير مقابل 33 إسرائيليا كانوا لدى المقاومة من بينهم 8 جثث.

وجاء ذلك في المرحلة الأولى من الاتفاق والتي امتدت لـ42 يوما في الفترة الواقعة بين 19 يناير و28 فبراير/شباط 2025.

وشملت هذه المرحلة الإفراج عن 274 أسيرا من المحكومين بالمؤبد، و296 من ذوي الأحكام العالية، و41 أسيرا من محرري صفقة وفاء الأحرار (جلعاد شاليط) عام 2011 والذين أعيد اعتقالهم.

كما شملت 96 امرأة و51 طفلا، بالإضافة إلى قرابة 1000 من معتقلي قطاع غزة الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال خلال الحرب (بينهم سيدتان، و44 طفلا).

ومن هؤلاء، أبعدت سلطات الاحتلال 229 أسيرا من ذوي المؤبدات والأحكام العالية، كشرط للإفراج عنهم.

ووصل من المبعدين 20 محررا إلى قطاع غزة، في حين استقبلت تركيا 17 آخرين، ولا يزال 192 منهم داخل الأراضي المصرية بانتظار انتقال عدد منهم إلى دول أخرى.

وللإفراج عن بعض أصحاب المؤبدات والأحكام العالية ضمن صفقات التبادل، تشترط سلطات الاحتلال إبعادهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية كونها ترى أنهم يشكلون خطرا على أمنها.

لكن يرفض بعض الأسرى الإبعاد ما يدفع السلطات الإسرائيلية لاستبدال آخرين بهم، كما حدث في فبراير 2025.

وقالت إذاعة جيش الاحتلال: إن  6 أسرى فلسطينيين من محرري "صفقة شاليط" المعاد اعتقالهم وكان من المفترض إطلاق سراحهم "رفضوا قرار إبعادهم إلى الخارج"، ما دفع تل أبيب لإبقائهم في سجونها والإفراج عن آخرين بدلا منهم.

وأوضحت الإذاعة في 21 فبراير أن "6 أسرى فلسطينيين (لم تذكر أسماءهم) سيبقون في السجن، على أن يتم الإفراج عن آخرين بدلا منهم، بسبب رفضهم الإبعاد".

كما رفض الأسير الأردني عمار حويطات، المحكوم بالسجن المؤبد و20 سنة (لقتله مستوطنا برام الله عام 2002) الإفراج عنه بشرط إبعاده، بعد أن رفضت عمان استقباله لتستبدل به تل أبيب آخر ضمن الصفقة.

ويشير رفض الإبعاد إلى إدراك الأسرى لحجم المعاناة المتوقعة لهم حال إكمال حياتهم في دولة أخرى؛ حيث تبدأ رحلة أخرى من البحث عن مأوى ومصدر رزق وأوراق ثبوتية، فضلا عن الحاجة لموافقة بلد ما على الاستقبال.

أوضاعهم في المنفى  

ولا يزال عشرات الأسرى الفلسطينيين، الذين جرى الإفراج عنهم في إطار المرحلة الأولى ينتظرون في الأراضي المصرية موافقة عدد من الدول العربية والإسلامية للانتقال إليها.

وباستثناء تركيا، رفض العديد من الدول استقبال المحررين الذين لا يمكنهم العودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وإلى جانب تركيا، فإن من بين الدول التي كان يتوقع أن تستقبل أعدادا منهم، مصر وقطر وماليزيا وباكستان وإندونيسيا وتونس والجزائر.

وقالت مصادر مطلعة على ظروف الأسرى المحررين المبعدين إنهم يعيشون أوضاعا غير مستقرة في مصر التي ترفض بقاءهم فيها.

وأوضحت المصادر لـ"الاستقلال" أن المحررين يسكنون في فندق الماسة، أحد استثمارات الجيش المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة ولا يسمح لهم بالخروج منه إلا بتصاريح أو مرافقة أمنية.

وذكرت أن مصر لا تتحمل أي أعباء مادية وأن دولة قطر هي من تكفلت بدفع ثمن إقامتهم البالغة 275 دولار للشخص عن كل ليلة.

وقبل وصول المحررين، تحدثت مصادر عن قبول مصر استضافة المحررين من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح فقط.

لكن المصادر التي تحدثت لـ"الاستقلال" أكدت أن مصر اليوم لا تريد أي محرر من المبعدين بغض النظر عن خلفيته التنظيمية والحزبية.

وذكرت أن مصر تتعامل مع الأسرى كأنهم قنبلة موقوتة وخطر أمني على البلاد، و"تريد التخلص منهم بأسرع وقت على الرغم من أنها تسوق إعلاميا لجهودها في الإفراج عنهم ضمن دورها كوسيط ".

وبعد الإفراج عنهم، نشرت وسائل إعلام مصرية مقطع فيديو للمحررين المبعدين لدى وصولهم معبر رفح حاملين الأعلام المصرية، في أمر قال ناشطون: إن القاهرة أجبرتهم على فعله.

وقال الصحفي المصري يوسف الدموكي: “لا أعلم بروتوكولا في الدنيا ولا انعدام مروءة أو دم يفرض على أسرى فلسطينيين حرروا من أسرهم لأجل فلسطين طيلة عشرين وثلاثين عاما، أن توزع عليهم أعلام مصر ليحملوها لا أعلام فلسطين وكوفياتها”.

وأردف في تغريدة على إكس: “يحملون علم المحطة الوسيطة؛ مصر أو أيا كانت الدولة، ما هذا المشهد الذليل؟ ألهذه الدرجة وصلت عقدة النقص بهذا النظام المترهل المدهنن البائس الآيل للسقوط أن يقول بهذه الطريقة: أنا هنا؟”

وتابع: "ثم كان استقبالهم استقبالا وضيعًا حقيرا كأنهم معتقلون مصريون في إحدى زيارات (سجن) العقرب أو بدر، يرصونهم في وضع سخيف، ولذرة تراب عالقة في قدم أحدهم أثقل عند الله والناس من ملء مصر من هؤلاء الظلمة المعقدين".

وبالنسبة للدول الأخرى، كشف مسؤول الإعلام في مكتب الشهداء والأسرى في حركة المقاومة الإسلامية حماس ناهد الفاخوري أن “الجزائر أبدت موافقة مبدئية على استقبال عدد من الأسرى من فصيل محدد”، دون أن يكشف عنه.

لكن لم تستقبل الجزائر الدولة التي لطالما عرفت بدعمها غير المحدود للفلسطينيين، أي من المحررين حتى الآن رغم مرور وقت على الإفراج عنهم.

أما تونس، فقال الفاخوري إنها رفضت استقبال أي من الأسرى المحررين. وأكد مسؤول في الخارجية التونسية لـ"يورو نيوز" في فبراير أن الوزارة ليس لديها علم بأي ترتيبات أو قبول أو رفض استضافة المبعدين.

وفي فبراير 2025، أعلن رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله زغاري أن تركيا وقطر وماليزيا وباكستان وافقت على استقبال أعداد من الأسرى.

ولم تستقبل ماليزيا وباكستان أيا منهم حتى الآن، فيما لم يتأكد وصول محررين من المبعدين إلى قطر على الرغم من إعلانها الاستعداد لاستقبالهم.

عباس يعمق معاناتهم

وإلى جانب هذه المعاناة، زادت السلطة الفلسطينية أوضاعهم سوءا من خلال غياب اهتمامه بهم بل ومنع إصدار أوراق ثبوتية لهم.

ولم يتجه لزيارة المحررين المبعدين ومتابعة احتياجاتهم أي وفد من السلطة، واقتصر الأمر على ممثلي الفصائل بالخارج كحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

وأكثر من ذلك، كشفت مصادر محلية أن السلطة في رام الله برئاسة محمود عباس تعرقل إصدار جوازات سفر لعشرات الأسرى المحررين المبعدين إلى الخارج.
وبحسب المصادر التي تحدثت لشبكة قدس المحلية، فإن الأسرى الذين ترفض السلطة إصدار جوازات سفر لهم هم من محرري صفقة شاليط عام 2011، ومَن ينتهي جواز سفره لا يجري التجديد له بشكل غير معلن.

وبيّنت أن ⁠عشرات الأسرى أرسلوا جوازات سفرهم للتجديد، دون وجود أي رد بشأنها منذ أشهر.

كما كشفت مصادر محلية أن السلطة أقالت القنصل الفلسطيني في القاهرة نداء البرغوثي في 10 مارس/آذار، بسبب مساعدتها للمحررين المبعدين.

وكانت البرغوثي حلقة الوصل بين المبعدين إلى مصر والسفارة وتتابع قضاياهم وتسهم في تسهيل إصدار جوازات السفر التي كانت السلطة تعرقلها، بحسب موقع الشاهد المحلي الذي يبث من الضفة الغربية.

وقال الموقع في 11 مارس 2025: “السلطة لا تريد شخصيات نظيفة للعمل في مؤسساتها، وتبقي الفاسدين كأمثال سفيرها بالقاهرة دياب اللوح".

وأوضح أن الغضب "تصاعد تجاه اللوح بسبب حالة التقصير التي تبديها السفارة والعاملين فيها تجاه الفلسطينيين الذين خرجوا من غزة هرباً من الحرب أو الجرحى الذي خرجوا للعلاج في المستشفيات المصرية”.

وكشف عباس أخيرا عن رؤيته للتعامل مع قضية الأسرى، في خضم اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل للسلطة بتقديم مكافآت “للعنف ضد إسرائيل”، عبر صرف مستحقات مالية لأهالي المعتقلين والشهداء الفلسطينيين.

وأصدر عباس مرسوما في 10 فبراير 2025 يلغي دفع رواتب عائلات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أو ذوي منفذي العمليات الفدائية.

وقالت تقديرات محلية: إن هذه الخطوة تهدف إلى تحسين العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي يحاول عباس إقناعها بأهليته للسيطرة على غزة بعد الحرب، وهو ما ترفضه واشنطن وتل أبيب.

وأتبع عباس خطوته بإقالة قدورة فارس رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين (حكومية) بعد أسبوع من معارضته للمرسوم، مع إحالته للتقاعد.