صحيفة إسرائيلية: لهذه الأسباب يجب على ترامب التدخل لتشكيل مستقبل سوريا
"نظرا للمخاطر الناجمة عن عدم التدخل في سوريا، سيُدرك ترامب عاجلا أم آجلا أن الولايات المتحدة لا يمكنها ببساطة الانفصال عن المنطقة، خاصة أن لديها مصالح جوهرية يجب حمايتها".
بهذه الكلمات دعا أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك، ألون بن مئير، ترامب لتجنب “النأي بالنفس عن التدخل في سوريا”، مدعيا أن هذا "نهج في غاية الخطورة".
وأضاف، في مقال له نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، أن "الانهيار المفاجئ والمدهش لنظام بشار الأسد في سوريا يجب أن يدفع الولايات المتحدة للتدخل".
ويعتقد أن "هذا ليس من أجل رفاهية الشعب السوري، بل من أجل المصالح الجيوستراتيجية للولايات المتحدة وأمن حلفائها".
وتساءل: ما الخطوات التي يجب أن تتخذها الولايات المتحدة لضمان مصالحها؟ وما الفرق بين هذه الخطوات وبين الخيارات التي قد يتخذها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بناء على رؤيته السياسية؟
فقد قال ترامب عند الإطاحة بالأسد: "سوريا في حال من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة، هذه ليست معركتنا، فلندع الوضع يأخذ مجراه، لا تتدخلوا".
"عواقب خطيرة"
لكن "بن مئير" أكد أنه "إذا اتبع ترامب نهج عدم التدخل، فسيكون لذلك عواقب إقليمية خطيرة".
ويرى أنه "لا مفر من تدخل الولايات المتحدة؛ لأن ترك النظام السوري الجديد يدير شؤونه بمفرده قد يؤدي إلى نتائج سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها، ولا يمكن تجنب ذلك إلا باتخاذ تدابير في الوقت المناسب".
ويؤكد أن "ترامب سيدرك سريعا أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تترك الأمور للصدفة في هذه المنطقة المتقلبة، وأن خطر عدم التدخل سيكون له عواقب أكبر على أمنها".
وقال "بن مئير": "رغم التعقيدات التي ينطوي عليها التدخل، فإن على الولايات المتحدة أن تواكب هذه التحديات وتسهم في توجيه الأحداث في سوريا، وإلا فسيكون من نصيب إيران وتركيا وروسيا تحويل سوريا إلى ساحة لخدمة أهدافهم".
وأضاف أن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة واسعة النطاق ومتعددة الأوجه وتشمل ما يلي:
- التواصل مع حكومة منقسمة أيديولوجيا بسبب تعدد فصائل الثوار.
- رفع العقوبات الأميركية عن سوريا والحد من تأثيراتها في الدول الأخرى المتعاونة معها.
- تحقيق التوازن في العلاقات مع الدول المجاورة، خصوصا تركيا، التي تحافظ على وجود عسكري في سوريا.
- التعامل مع طموحات الأكراد في الحكم الذاتي دون التأثير على سلطة الحكومة المركزية.
- إعادة بناء العلاقات المالية والتجارية لمعالجة الحاجة الماسة للتدفقات النقدية والائتمان.
وأضاف الباحث الإسرائيلي أنه “يجب التعامل مع هذه التحديات وغيرها فورا، لأن الوقت عنصر حاسم”.
إجراءات عاجلة
وأكد أن الرئيس الأميركي جو بايدن، كان مُحقا عندما قال إن النظام الجديد في سوريا سيُقيّم بناءً على أفعاله، وليس على وعوده بإقامة "دولة حرية، ومساواة، وسيادة قانون، وديمقراطية".
وأضاف المقال أنه بينما يوجد بايدن في مرحلة "الانتظار والتقييم"، ينبغي عليه أن يتوجه مباشرة إلى القيادة الجديدة في سوريا للتدخل.
وأردف: "يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ بإزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، لإرسال رسالة قوية مفادها أن واشنطن مستعدة لإظهار ثقتها الأولية في القيادة الجديدة، ومنحها الاعتراف الدبلوماسي".
وشدد على أن "الولايات المتحدة يجب أن تنخرط في دبلوماسية المسار الثاني لمعالجة القضايا الأمنية الإقليمية والمحلية، وبهذا يتعين عليها العمل مع التنظيمات الكردية الحليفة، إلى جانب تركيا والنظام السوري الجديد، لضمان أمن وسلامة الأكراد".
كما ينبغي على الولايات المتحدة -وفق "بن مئير"- الامتناع عن سحب قواتها من سوريا إلا بعد التوصل إلى حل مُرضٍ يحقق تطلعات الأكراد.
وأردف أنه "يمكن للولايات المتحدة أن تعِد بإعادة السيطرة على حقول النفط إلى الحكومة السورية الجديدة، مما يشكل حافزا يدفع الأطراف إلى التوصل إلى ترتيب به مصلحة الجميع".
"كما يمكن للولايات المتحدة تقديم الخبرات الفنية والتدريب لمنظمات المجتمع المدني، والمساهمة في تعزيز استقلالية الإعلام والمؤسسات الديمقراطية".
سياسة ترامب
وقال "بن مئير": إن "ترامب، الذي سبق أن صرّح بأن "الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في هذا الأمر، على وشك مواجهة واقع مختلف تماما".
وأكد أنه "لا يمكن للولايات المتحدة ببساطة أن تنسحب من الساحة بعد التغيرات الثورية التي شهدتها سوريا"، مشيرا إلى أن نهج ترامب الذي يحجم عن الانخراط في هذه القضية لن يصمد أمام اختبار الزمن.
وبرر ذلك بأن "غياب الكلمات المطمئنة والأفعال والضمانات الأميركية، قد تنزلق سوريا مرة أخرى إلى اضطرابات داخلية، مما سيؤدي إلى تداعيات تمتد إلى كل حليف في المنطقة، وهو خطر لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمله".
وأفاد بأن "الأردن سيكون أول حليف أميركي يتأثر بشكل مباشر، خصوصا لأن أي اضطرابات جديدة قد تفاقم مشاكل تدفق اللاجئين، وتهريب المخدرات، والتهديدات الأمنية، والاضطرابات الاقتصادية".
"هذا بالإضافة إلى احتمالية تهديد حكم الملك عبد الله إذا تمكنت العناصر المتطرفة من الصعود إلى السلطة في سوريا".
وسيؤدي ذلك -بحسب المقال- إلى زعزعة استقرار المملكة، التي تعاني بالفعل من ضغوط هائلة على المستويين الاقتصادي والأمني.
"بدورها، ستواجه إسرائيل تهديدا أمنيا جديدا نتيجة الفراغ السياسي المحتمل في سوريا وتصاعد حالة عدم الاستقرار على الحدود الشمالية".
وأضاف المقال أن "على الرغم من الجهود الإسرائيلية لتدمير ما تبقى من القدرات العسكرية لنظام الأسد، قد تصل بعض الأسلحة المتطورة إلى أيدي جماعات معادية"
"إضافة إلى ذلك، فإن عودة ظهور جماعات متطرفة كتنظيم الدولة في المنطقة ستشكل تهديدا خطيرا وجديدا يتعين على إسرائيل التعامل معه".
وبحسب المقال، فإن "دول الخليج تشعر بقلق متزايد من احتمال تحول سوريا إلى دولة فاشلة، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، كما أن الصراع الداخلي المحتمل بين الجماعات المتناحرة، لا سيما الجهاديين، قد يغذي التطرف داخل حدودها".
"ومن جهة أخرى، فإن أي فراغ سياسي جديد في سوريا سيُستغل من قبل قوى إقليمية منافسة مثل إيران، التي ستسعى جاهدة لإعادة ترسيخ نفوذها في البلاد".
ويعتقد أنه "حتى لو حاول ترامب التمسك بموقفه، فإن مستشاريه للسياسة الخارجية، وعلى رأسهم ماركو روبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية، سيعملون على إقناعه بتغيير موقفه، فكما شهدنا خلال ولايته السابقة، فإن وجهات نظر مستشاريه قد تؤدي إلى تعديل نهجه السياسي".