رغم التداعيات الضخمة.. لهذا أوقفت أوكرانيا نقل الغاز الروسي إلى أوروبا
"ستخسر روسيا نحو خمسة مليارات دولار من القرار الأوكراني"
مع بداية 2025، أوقفت روسيا تصدير الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، لتغلق بذلك خطا ظل يعمل لخمسة عقود بعد رفض كييف عبور أي إمدادات طاقية روسية عبر أراضيها نحو أوروبا.
وحذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مسبقا من أنه لن يجدد العقد مع الكرملين، الذي سمح بمرور الغاز الروسي عبر البلاد والذي انتهى في العام الجديد.
وعلى الرغم من أن الحدث كان متوقعا في ظل الخطط التي وضعتها أميركا لفطم أوروبا عن روسيا وربطها بواشنطن طاقيا، إلا أنه هز أروقة الاتحاد الأوروبي خلال فصل الشتاء القارس في هذه المنطقة من العالم.
وكشف المستشار الألماني أولاف شولتس نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2024، أن بلاده تستورد بالفعل 90 بالمئة من إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة.
وتفاعلا مع المشهد، قالت صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية إن تدفق الغاز الروسي الذي زود أوروبا لمدة 40 عاما قد توقف نهائيا مستهل السنة الجديدة، في خطوة عدها الرئيس الأوكراني "أكبر هزيمة لموسكو".
خنق روسيا
وأضافت أن هذا القرار جاء في إطار جهود الغرب لتقويض قدرة موسكو على تمويل آلتها الحربية والحد من نفوذها في مجال الطاقة في أوروبا.
ورأت أنه قد تخسر موسكو نحو خمسة مليارات دولار من المبيعات عبر البنية التحتية في أوكرانيا هذا العام؛ نظرا لتوقعات الحكومة الروسية لسعر الغاز المتوسط عند 339 دولارا لكل ألف متر مكعب.
ومع ذلك، ستتأثر أوكرانيا أيضا بقرار إنهاء العقد مع روسيا.
ليس فقط لأنها كسبت ما بين 800 مليون دولار ومليار دولار سنويا من رسوم العبور، ولكن لأنه من المتوقع أن ترد روسيا، مثلما فعلت في مناسبات عديدة، بقصف الشبكة الواسعة من البنية التحتية الأوكرانية خلال الأشهر الباردة المتبقية من هذه السنة.
وأشارت الصحيفة إلى أن نظام خطوط أنابيب الغاز الأوكراني، الموروث من الحقبة السوفيتية، كان على مدى عقود شريانا رئيسا لشركة غازبروم الروسية الحكومية لتصدير الغاز إلى النمسا والمجر وسلوفاكيا ومولدوفا، من بين دول أخرى.
وقد استمر هذا التدفق بفضل عقد العبور الموقع في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2019 بين شركة غازبروم وشركة نفتوجاز الأوكرانية، قبل عامين من بدء الغزو واسع النطاق.
ونوهت الصحيفة إلى أن هذا الممر صُمّم في الأصل لنقل الغاز السيبيري إلى الأسواق الأوروبية، وكان آخر ممر رئيس للغاز الروسي إلى أوروبا بعد التخريب الذي تعرض له خط نورد ستريم في سنة 2022 - الذي يربط روسيا بألمانيا تحت بحر البلطيق - وإغلاق الطريق الذي يعبر بيلاروسيا نحو بولندا.
في الواقع، لم يتبقَ الآن سوى خط أنابيب ترك ستريم، الذي يربط روسيا بتركيا عبر البحر الأسود ثم يوزع الغاز إلى بلغاريا وصربيا والمجر. لكن قدرة هذه البنية التحتية محدودة.
هل أوروبا مستعدة؟
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بدء غزو أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، تمكن الاتحاد الأوروبي من تقليل اعتماده على الغاز الروسي بشكل كبير.
وفي سنة 2023، تلقت المنطقة ما مجموعه 14.65 مليار متر مكعب من الغاز، مقارنة بحوالي 40 مليار متر مكعب استوردتها قبل الصراع.
وبدءا من الأول من ديسمبر/ كانون الثاني 2024، وصلت الواردات بالفعل إلى 13.7 مليار متر مكعب، وفقا لتقرير نشرته المفوضية الأوروبية.
لكن على الرغم من تراجع تبعية أوروبا لروسيا في مجال الطاقة بشكل عام، ظلت بعض الدول، مثل النمسا وسلوفاكيا، تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي القادم من خط الأنابيب هذا، والذي يمثل حوالي 60 بالمئة من طلبها.
ونقلت الصحيفة أن بروكسل تدعي أنها "مستعدة بشكل جيد" للتغيير وتؤكد أن الدول قادرة على التعامل مع سيناريو الطاقة الجديد هذا.
من جهتها، أكدت النمسا أنها تؤمن بهذه الحقيقة أيضا، ولكن تعارض سلوفاكيا هذه الفكرة.
في الواقع، يعد رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، مقربا للغاية من الكرملين، وقد حذر في خطابه بمناسبة العام الجديد من أن وقف نقل الغاز "سيكون له تأثير جذري على الاتحاد الأوروبي".
ولم يكتفِ المسؤول بالتحذير، الذي يؤكد أن بلاده قد تخسر ما يصل إلى 500 مليون يورو سنويا من ضرائب العبور، بل هدد باتخاذ "تدابير متبادلة" ضد أوكرانيا، مثل قطع إمدادات الكهرباء عنها، خلال زيارة مثيرة للجدل لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في نهاية ديسمبر 2024.
وستكون جمهورية التشيك والمجر وإيطاليا وسلوفينيا من الدول الأخرى التي سيتعين عليها التعود على نقص إمدادات الغاز الروسي عبر هذا الطريق.
ويتعين على مولدوفا، وهي دولة خارج الاتحاد الأوروبي تعاني بالفعل من العواقب، أن تتأقلم أيضا مع التغيير.
وخاصة في ترانسنيستريا، وهي منطقة انفصالية في شرق مولدوفا تدعمها روسيا، والتي بدأت العام الجديد دون تدفئة أو ماء ساخن في منازلها، وظلت صناعتها مشلولة.
هل سترتفع الأسعار؟
على الرغم من أن محللين لا يتوقعون زيادة في أسعار الغاز؛ لأن الاتحاد الأوروبي كان يستعد لهذا السيناريو منذ فترة.
إلا أن "تي تي إف" الهولندي، وهو مقياس أسعار الغاز في أوروبا، يقترب بالفعل من 50 يورو / ميجاوات في الساعة، وهو المستوى الذي لم يسجل منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وفي ظل هذه الظروف، يؤدي عدم اليقين إلى إثارة المضاربة في سوق حساس بشكل خاص لأي حركة تحدث في العلاقات الجيوسياسية.
وبحسب محللي شركة إنرجي أسبكتس، فإن "الأسعار ظلت حساسة للغاية لأي خطر محتمل في الإنتاج.
ورغم أن 15 مليار متر مكعب من الغاز التي ترسلها روسيا عبر أوكرانيا كل سنة تمثل أقل من خمسة بالمئة من إجمالي احتياجات أوروبا، فإن خسارة أحد الطرق الأخيرة للغاز الروسي من شأنها أن تفرض المزيد من الضغوط على سوق الغاز المحدودة بالفعل".
ولمواجهة السيناريو الجديد، اقترحت المفوضية الأوروبية طرق بديلة لواردات الغاز.
ويمر الأول عبر ألمانيا، التي قامت أخيرا بتوسيع محطات الغاز الطبيعي المسال التي تصل عن طريق السفن ووارداتها من الغاز عبر خطوط الأنابيب من النرويج وهولندا وبلجيكا.
ومن هناك، يؤكد الاتحاد الأوروبي أنه يمكن ضخ كميات إضافية من الغاز إلى النمسا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا من خلال البنية التحتية الموجودة بالفعل.
ومن بين الخيارات البديلة الأخرى، يفكر الاتحاد الأوروبي نقل الغاز من إيطاليا إلى النمسا، ومن هناك إلى سلوفاكيا وسلوفينيا، باستخدام القدرات المتاحة حاليا، لا غير.
وأخيرا، يسمح ما يسمى طريق البلقان بتدفق الغاز من اليونان وتركيا ورومانيا شمالا، الأمر الذي يوفر الوقود ليس فقط لدول وسط وشرق الاتحاد الأوروبي، بل وأيضا لأوكرانيا ومولدوفا.