اعتقال عناصر نظام الأسد المتورطين في الدم السوري.. ماذا حققت الإدارة الجديدة؟
"حالة تبعثر فلول النظام البائد ساهمت في إلقاء القبض عليهم"
تسير الحملة الأمنية التي أطلقتها الإدارة السورية الجديدة للقبض على فلول نظام بشار الأسد البائد، بشكل أكثر "انضباطا" من ذي قبل، مما مكنها من تحقيق نتائج وصفت بـ "الإيجابية".
فقد أطلقت وزارة الداخلية في الحكومة السورية الانتقالية في 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، عملية واسعة لملاحقة المجرمين المرتبطين بالنظام البائد.
وجاءت الحملة بالتعاون مع "إدارة العمليات العسكرية" وهي اتحاد فصائل معارضة تشكل للإطاحة بالأسد ونجح في ذلك بعد طرده في 8 ديسمبر 2024.
تتبع الفلول
وتركزت الحملة الأمنية على ملاحقة فلول النظام البائد في محيط العاصمة دمشق، ومحافظات اللاذقية وطرطوس، وحمص وحماة وحلب.
وأكدت وزارة الداخلية السورية في بيان لها أن الحملة هدفها البحث "عن مجرمي الحرب ومتورطين في جرائم رفضوا تسليم سلاحهم ومراجعة مراكز التسوية".
ومراكز التسوية فتحتها "إدارة العمليات العسكرية" في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد في جميع المحافظات السورية لجمع السلاح من ضباط وعناصر الجيش والمليشيات المحلية وإعطاء بطاقات مؤقتة لهؤلاء لمنع الاعتداء عليهم.
فيما قالت الإدارة السورية الجديدة إنها ستحاكم المتورطين في القتل والتعذيب من هؤلاء.
إلا أن هناك الآلاف من الضباط والعناصر التابعين للنظام البائد رفضوا تسليم السلاح، ما دفع وزارة الداخلية السورية لشن حملة أمنية لملاحقة المتخلفين.
لا سيما بعدما هاجم عناصر سابقون في نظام الأسد دوريات أمنية تتبع "إدارة العمليات العسكرية"، وأسفرت عن سقوط قتلى من الأخيرة في ريفي اللاذقية وطرطوس.
ويقول القائمون على الحملة الأمنية إنها تستهدف من يرفضون التسوية وتسليم السلاح، فضلا عن عصابات تعمل ضد الأهالي وتهدد أمنهم.
وفي اليوم الأول للحملة، تمكنت قوات الأمن السورية الجديدة من القبض على رئيس القضاء العسكري السابق محمد كنجو الحسن بريف طرطوس، وهو المسؤول عن الإعدامات الميدانية في سجن صيدنايا قرب دمشق.
ويعرف هذا السجن بأنه مسلخ بشري؛ لحجم الفظائع والانتهاكات والتعذيب والقتل الذي كان يتعرض له المعتقلون فيه على خلفية المشاركة في الثورة التي اندلعت عام 2011.
ومن بين أبرز الشخصيات التي أُلقي القبض عليها خلال الحملة في 27 ديسمبر 2024 بحلب، فخري درويش، وهو مدير مكتب قائد "لواء القدس".
وهذه الأخيرة هي مليشيا محلية شكلتها إيران عام 2013 لقمع الثورة، وقد ارتكبت مجازر بحق الشعب السوري، وفق منظمات حقوقية سورية.
كما تمكن جهاز الأمن العام السوري في 2 يناير/كانون الثاني 2025 من القبض على محمد نور الدين شلهوم، المتورط في تعطيل كاميرات سجن صيدنايا وسرقة الملفات من السجن قبيل وصول فصائل المعارضة عند تحرير دمشق.
وشلهوم كان يعمل بإمرة قريبه قائد مجموعة "أسود الحرس الجمهوري"، حسان شلهوم، وأسهم مع آخرين في تعطيل كاميرات سجن صيدنايا وسرقة الملفات قبيل تحرير السجن.
وخلال عمليات تفتيش في حمص، ألقت قوات الأمن السورية في 2 يناير 2025 على أوس سلوم الملقب بـ "عزرائيل صيدنايا"، والمتهم بقتل وتعذيب العديد من المعتقلين على خلفية الثورة.
و"عزرائيل صيدنايا" ورد اسمه على لسان عدد من المعتقلين السابقين في ذلك السجن من بينهم الناشط السوري الراحل مازن حمادة.
وتحدث حمادة الذي دخل السجن مرتين وقضى بالتعذيب، في إحدى شهاداته عن سجان يلقب بـ"عزرائيل" كان يأتي بالمعتقل ويقول له "حكمت عليك المحكمة الإلهية بالموت" ثم يبدأ بضربه على رأسه بمقبض حديدي حتى يموت.
واعتقل حمادة لأول مرة بعد مشاركته في المظاهرات عام 2011، حيث تعرض لتعذيب شديد بأساليب عدة، وروى كل طرق التعذيب التي كانت تجري في سجون الأسد لوسائل إعلام عربية وعالمية بعد خروجه من السجن وفراره إلى هولندا عام 2014 حيث تقدم بطلب لجوء هناك.
إلا أن حمادة عاد بشكل مفاجئ إلى سوريا عام 2020 وأفادت تقارير حينها بأن النظام استدرجه للعودة، وما إن وطئت قدماه مطار دمشق الدولي حتى جرى توقيفه واختفى تماما إلى حين عثور فصيل ثوري عقب سقوط النظام بيومين على جثته.
وعثر عليه إلى جانب نحو 35 جثة في ثلاجة للموتى داخل مستودع مستشفى حرستا الواقع شمال شرق دمشق، ملفوفة بأكياس وقماش أبيض وعليها آثار تعذيب وكدمات.
وقالت أمل شقيقة حمادة لوكالة الصحافة الفرنسية إن الطبيب أخبرها أن أخاها مازن "أعدم من نحو عشرة أيام" أي قبل سقوط نظام الأسد.
“ملاحقة دقيقة”
كما قتل خلال الحملة الأمنية شجاع العلي في 26 ديسمبر 2024 في اشتباكات بين قوات الأمن الجديدة وبين أتباع للنظام السوري المخلوع، في قرية بلقسة بريف حمص.
وشجاع العلي هو المسؤول عن ارتكاب مجزرة بمنطقة الحولة بحمص في 25 مايو/أيار 2012 حينما حاصرت قوات الأسد السكان، وراح ضحيتها 109 نصفهم أطفال.
وهو متهم بتزعم عصابة مسلحة تابعة لفرع الأمن العسكري بحمص، وفي عمليات خطف وابتزاز مدنيين، خاصة النساء، من أجل الحصول على فدية بمبالغ كبيرة.
ونشرت وسائل إعلام سورية محلية تسجيلات مصورة تظهر القبض على العشرات من عناصر نظام الأسد البائد خلال الحملة الأمنية، بينما يقدر ناشطون محليون أعداد من جرى اعتقالهم منهم بالآلاف.
لا سيما أن وجهاء المناطق عملوا على إعداد قائمة بأسماء المطلوبين للمساعدة في إلقاء القبض عليهم ومنع إفلاتهم من العقاب.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، لـ "الاستقلال" إن “العملية الأمنية لملاحقة فلول النظام البائد كانت دقيقة وحققت نتائج إيجابية بشكل متسارع”.
خاصة أن تكتيك عمليات المداهمة ضد هؤلاء من المنتمين للجيش والمليشيات وعناصر الدفاع الوطني "كانت قائمة على معلومات عن أماكنهم".
وأشار الأسعد إلى أن "غرفة إدارة العمليات العسكرية التي أطاحت بالأسد استفادت من مقاتليها المحليين ومن عامل المساعدة الأهلية في الإخبار عن أماكن وجود د فلول النظام السابق كونهم باتوا يشكلون خطرا كبيرا على السلم الأهلي ويعرقلون عملية الاستقرار في البلاد".
ورأى أن "الحملة العسكرية هذه يحسب لها تمكنها من القبض على متورطين في الدم السوري من أجل منع هؤلاء من تنفيذ أي أعمال تخريبية لاحقا".
ولفت الأسعد إلى أن "عملية التمشيط تقوم على تطويق أحياء معينة وتنظيفها من فلول الأسد ثم إعلانها بعد ذلك مناطق خالية من السلاح وهذا ما يسرع في عملية القبض على ضباط وضباط صف وعناصر في جيش النظام البائد".
وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أكدت نهاية ديسمبر 2024 إلقاء "القبض على عدد من فلول مليشيات الأسد وعدد من المشتبه بهم" في منطقة اللاذقية، مشيرة إلى عمليات توقيف مماثلة في حماة. وتحدثت الوكالة عن "مصادرة كميات من الأسلحة والذخائر".
وتحدثت شبكات محلية أن الحملة الأمنية تمكنت كذلك من إلقاء القبض على مخبرين للأجهزة الأمنية وعناصر مسلحة موالية للنظام وإيران وعسكريين وضباط من رتب صغيرة ممن ثبت أنهم نفذوا عمليات قتل وتعذيب بحق السوريين عقب اندلاع الثورة.
وتمتلك منظمات حقوقية سورية أسماء الضباط في نظام الأسد البائد الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لقمع الثورة، مع توثيق حالات القتل وأماكن ارتكابها وتاريخها.
كما وضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية تضم 4 آلاف من مرتكبي جرائم الحرب والجرائم الخطيرة في سوريا، معربين عن أملهم في ضمان المحاسبة على أعلى المستويات، مع سقوط نظام المخلوع.
"حالة تبعثر"
وضمن هذه الجزئية، يرى الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أن “الأداء الأمني فيما يتعلق بفلول الأسد يعد مستقرا ويعطي نتائج إيجابية”.
"خاصة أن طريقة التعامل مع هؤلاء جيدة ويتم إعطاء مهلة ليومين أحيانا لتسليم المطلوبين أنفسهم في الأحياء أو المدن".
وأضاف شعبان لـ “الاستقلال” أن ذلك التكتيك يقلل من حدوث اشتباكات مع المطلوبين لا سيما أن الإستراتيجية القتالية بدت فعالة في حال عدم تسليم هؤلاء أسلحتهم.
ولفت إلى أن “تبعثر فلول النظام البائد أسهم في إلقاء القبض عليهم في بعض المناطق بينما تحتاج لوقت أطول في أماكن أخرى”.
وذهب شعبان للقول بأن "إنهاء ملف القبض على فلول الأسد يجب أن يتبعه توضيح لطبيعة الأشخاص الذين جرى اعتقالهم وآلية التسوية التي ستمنح لاحقا لمن يتوارون عن الأنظار في الداخل السوري لتسليم أنفسهم".
ويؤكد خبراء عسكريون أن بعض ضباط نظام الأسد البائد تمكنوا من الفرار إلى دول مجاورة أو الاختباء في جبال الساحل السوري أو في مدنهم الأصلية.
ولا شك أن ملاحقة الضباط في نظام الأسد البائد المتورطين في دم الشعب السوري تعد من أولويات القيادة الجديدة في سوريا.
وقد أعلن قائد “إدارة العمليات العسكرية" أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) أن الحكومة الانتقالية ستنشر قريبا "قائمة أولى بأسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري" لملاحقتهم ومحاسبتهم.
وقال الشرع: "لقد أكدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية"، مؤكّدا أن "دماء وحقوق" القتلى والمعتقلين الأبرياء "لن تُهدر أو تنسى".
وتعهّد بتقديم مرتكبي مثل هذه الانتهاكات إلى العدالة، مضيفا بالقول: "سنلاحقهم في بلادنا"، كما أشار إلى أنه سيتم أيضا مطالبة الدول الأخرى بتسليم أي مشتبه بهم.