800 مليون دولار مساعدات عسكرية أميركية لتونس منذ 2015.. ما المقابل؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

وسط التغيرات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كشفت وسائل إعلام تونسية في ديسمبر/ كانون الأول 2024 عن صفقة تسليح جديدة بين تونس وأميركا.

إذ وافقت وزارة الخارجية الأميركية على بيع صواريخ "جافلين" المضادة للدروع المتطورة إلى تونس بكلفة تقدّر بـ107.7 ملايين دولار.

وفي هذا السياق، تقول صحيفة "جون أفريك" الفرنسية، إن العلاقة بين الولايات المتحدة وتونس في المجال العسكري “مثال واضح على التعاون الإستراتيجي طويل الأمد بين البلدين”.

وتوضح الصحيفة أنه منذ عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، بدأت الولايات المتحدة في دعم الجيش التونسي من خلال توفير المعدات والتدريبات العسكرية، وهو نهج استمر لعقود رغم التغيرات السياسية.

وخلال العقد الأخير، عززت واشنطن هذا التعاون بشكل كبير؛ حيث قدمت مساعدات عسكرية تجاوزت 800 مليون دولار منذ عام 2015. 

وفي هذا الصدد، تطرح الصحيفة في تقريرها تساؤلات حول استقلالية الجيش التونسي مع اعتماده المتزايد على الولايات المتحدة. 

نظرة تاريخية

خلف كواليس بناء تونس المستقلة والحديثة، لعب الحبيب بورقيبة، رغم كونه معاديا للشيوعية، كما تلفت الصحيفة، على وتر التنافس بين الكتلتين الشرقية والغربية، ملمحا إلى أن بلاده قد تتجه نحو الاتحاد السوفيتي للتعاون في المجال العسكري. 

ووفق الصحيفة، أثار هذا التوجه، الذي تبنته عدة دول في الشرق الأوسط، مثل مصر والعراق وكذلك الجزائر، مخاوف الإدارة الأميركية من سيطرة موسكو على جنوب البحر الأبيض المتوسط.

وهنا، توضح الصحيفة أن بورقيبة تمكن بذلك من الحصول على دعم ثمين مع وضع شروطه الخاصة. 

ومنذ ذلك الحين، تؤكد الصحيفة أن "الدعم الأميركي لم ينقطع أبدا رغم بعض الاضطرابات". 

وبالعودة إلى فترة الفيضانات المأساوية في التسعينيات، تذكّر الصحيفة بـ "أكياس المساعدات التي تحمل شعار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID"".

ورغم أن أنشطة الوكالة أصبحت أقل وضوحا مع مرور الوقت، فإنها تستمر في دعم تونس، بحسب ما ورد عن الصحيفة.

وفي عام 2011، تقول الصحيفة إن "الثورة والوعد بتوجه ديمقراطي حظيا بدعم واسع من واشنطن، التي أنفقت بين عامي 2011 و2022 أكثر من 350 مليون دولار -عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية- لدعم النمو الاقتصادي والديمقراطية في تونس". 

ورغم ذلك، قلصت الولايات المتحدة دعمها بسبب "التحولات المخيبة للآمال للحكومة الحالية وقمع المجتمع المدني وابتعاد الدولة عن سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية".

جدير بالذكر هنا أن الوكالة الأميركية كانت قد أعلنت عن خفض مبلغ الـ 500 مليون دولار المخصص مبدئيا لمدة خمس سنوات. 

"ولكن رغم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تشهد أحيانا بعض التقلبات، فإن التعاون في المجال العسكري يظل ثابتا ومتينا"، كما تنوه الصحيفة الفرنسية. 

وهنا، تعكس "جون أفريك" أن "الولايات المتحدة تتصدر اليوم قائمة مقدمي المساعدة العسكرية لتونس، متفوقة على الاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين مثل ألمانيا وتركيا".

وبقولها إنه "تقليد شبه راسخ"، تسلط الصحيفة الضوء على أن "عددا كبيرا من الضباط البارزين في الجيش التونسي تلقوا جزءا من تدريباتهم في الولايات المتحدة". 

وهو برنامج لا يقتصر على كبار الضباط فقط، حيث شملت التدريبات التي نظمتها القوات الأميركية بين عامي 2015 و2024 أكثر من ألف ضابط وجندي. 

جدير بالإشارة أيضا أن هذه التدريبات ركزت على تعزيز القدرات في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن البحري، بالإضافة إلى التدريبات المشتركة خلال المناورات الإقليمية السنوية مثل "أفريكان ليون" و"فينكس إكسبرس".

800 مليون دولار

وفي هذا السياق، تنوه الصحيفة الفرنسية إلى أنه منذ عام 2015، عندما أصبحت تونس حليفا رئيسا من خارج الناتو، شهدت العلاقات بين البلدين تقدما كبيرا على الصعيد العسكري. 

ومع تصاعد التهديدات الإرهابية وعدم الاستقرار الإقليمي الناتج عن النزاعات في ليبيا، عززت واشنطن دعمها بشكل كبير. 

وتذكر الصحيفة أن هذا الجهد، إلى جانب تكثيف برامج التدريب، تمثل في "استثمارات ضخمة ونقل معدات أكثر تطورا بهدف تحديث القوات المسلحة وتعزيز قدراتها العملياتية".

وخلال العقد الأخير، ونقلا عن بيانات السفارة الأميركية في تونس، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 800 مليون دولار كمساعدات عسكرية لتونس.

وتشمل هذه المساعدات مِنَحا مباشرة عبر برنامج التمويل العسكري الخارجي "FMF" وأموالا مخصصة في إطار برنامج صندوق الشراكة لمكافحة الإرهاب "CTPF". 

وتضيف "جون أفريك" أنه في عام 2016، خُصصت مساعدة بقيمة 150 مليون دولار لمكافحة الإرهاب؛ وذلك كرد مباشر على الهجوم الذي استهدف متحف باردو والأحداث المأساوية في سوسة.

ومنذ عام 2020، يُخصص حوالي 50 مليون دولار سنويا لتحديث المعدات وتمويل صيانتها. 

"إذ جاء هذا الدعم استجابة للاحتياجات المرتبطة بالظروف الخاصة التي تمر بها تونس"، بحسب ما ورد عن الصحيفة. 

وأضافت: "علاوة على ذلك، وفي مواجهة ظهور الإرهاب، سلمت واشنطن في عام 2016 عددا مكونا من 77 مركبة مدرعة من طراز "M-ATV"؛ لتحسين قدرة القوات التونسية على التحرك في بيئات عالية الخطورة".

جدير بالذكر هنا، أن هذه المركبات جُهزت بحماية ضد الألغام والعبوات الناسفة، حيث انتشرت بشكل كبير في المناطق الحدودية.

وبالإشارة إلى أن نفس الهدف المتمثل في تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب استمر خلال السنوات التالية، تبرز الصحيفة أن تونس حصلت في عام 2018 على طائرات بدون طيار من نوع "ScanEagle"، التي تتيح مراقبة حية لحركات العبور الحدودية والأنشطة المشبوهة في المناطق الصحراوية مثل الحدود الليبية. 

وفي عام 2021، أسهمت معدات الرؤية الليلية والسترات التكتيكية والأسلحة الخفيفة المصممة للعمليات في المناطق الجبلية، حيث تنشط الخلايا الإرهابية، في تحسين أمان تدخلات القوات.

وبالتوازي، عُززت القدرة العسكرية لتونس عبر توفير أنظمة اتصالات متقدمة، إلى جانب تقوية أسطول النقل العسكري بتسليم طائرة نقل من طراز "C-130J" في عام 2019.

طائرات تدريب وصواريخ "جافلين"

وفي هذا الصدد، تلفت الصحيفة الفرنسية إلى أنه "حتى مع تراجع التهديد الإرهابي الذي لوحظ خلال السنوات الأخيرة، لم تتراجع وتيرة الشراكة".

ففي عام 2023، سُلمت أول دفعة ضمن طلبية تضم ثماني طائرات تدريب من الجيل الجديد "Textron T-6C".  

وأخيرا؛ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وافق البنتاغون على تزويد تونس بصواريخ "جافلين" بقيمة 107.7 ملايين دولار. 

وبهذا الشأن، تنقل الصحيفة الفرنسية تصريح المسؤولين الأميركيين بأن "هذه الموافقة تأتي في إطار الإستراتيجية الأميركية الأوسع لتعزيز التحالفات وتشجيع الشراكات العسكرية في مختلف المناطق".

مؤكدين "التزام الولايات المتحدة بدعم جهود تونس لتلبية احتياجاتها الأمنية والإنسانية".

وفي النهاية، تشدد الصحيفة الفرنسية على أن "هذا التعاون التاريخي قد حول الجيش التونسي إلى قوة أكثر حداثة وتجهيزا". 

مختتمة تقريرها بالتساؤل حول "مدى استقلالية الجيش التونسي ومستوى اعتماده -ربما المفرط- على الشريك الأميركي الكبير".