علاقات تركيا-مصر في القرن الإفريقي.. تحالف إستراتيجي أم تنافس مرتقب؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

رغم اصطفاف تركيا ونظام مصر في أعقاب توقيع إثيوبيا وأرض الصومال مذكرة تفاهم، فإن هناك مؤشرات على احتمال تصاعد التوتر بينهما في المستقبل. 

وقال "المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية" إن "العلاقات التركية المصرية شهدت تقاربا لافتا، تجلت في اتفاقيات جوهرية تعكس إمكانات التعاون". 

واستدرك: "لكنها في الوقت ذاته تكشف عن توترات كامنة في منطقة القرن الإفريقي، قد تعيد رسم ملامح المشهد الجيوسياسي هناك".

وأضاف المعهد أنه "خلال الأشهر العشرة الماضية، برز حدثان رئيسان في مسار هذه العلاقة؛ أولهما توقيع إعلان مشترك في فبراير/شباط 2024، تعهدت فيه الدولتان بالتعاون في مجالات عدة، منها الدفاع والأمن".

وتابع: “أما الحدث الثاني، فقد شهدته القاهرة في أغسطس/آب 2024، حيث وقّع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، اتفاقية دفاع مع القاهرة، وفي أعقاب هذا الاتفاق، أرسلت مصر أول شحنة من الأسلحة الخفيفة والمركبات المدرعة إلى الصومال”، بالإضافة إلى عدد من الضباط".

مواجهة محتملة

وقال المعهد إن “هذا التوسع المصري في الحضور السياسي والعسكري في الصومال يفتح مشهدا جديدا يتقاطع مع المصالح التركية، ورغم أن المصالح الإستراتيجية بين البلدين تبدو متناغمة في الظاهر، إلا أن هناك مؤشرات على احتمال وقوع مواجهة في المستقبل”.

وأشار إلى أن "مصر تعد سوقا مهما للسلع التركية ودولة يمكن مناقشة قضايا مختلفة معها، بما في ذلك منطقة القرن الإفريقي. لذلك، قررت تركيا التضحية جزئيا بعلاقاتها مع الحركات الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين من أجل إحياء العلاقات الثنائية مع القاهرة".

في المقابل، “من وجهة نظر القاهرة، يُنظر إلى استعادة العلاقات مع أنقرة على أنها ”محرك لتحسين الظروف الاقتصادية للبلاد، وينظر النظام المصري إلى تركيا بصفتها شريكا تجاريا إقليميا مهما، مع اهتمام خاص بقطاعي الدفاع والزراعة".

وتابع: "إدراكا لتأثير ارتفاع الأسعار والتضخم غير المنضبط، يسعى المسؤولون المصريون إلى إيجاد حلول قصيرة وطويلة الأجل، ويُنظر إلى رواد الأعمال الأتراك، الذين يتمتع كثير منهم بتاريخ طويل من العمل في مصر، كموارد قيّمة لتعزيز الاستثمارات الصناعية في البلاد".

وأوضح المعهد أن "مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا وأرض الصومال -والتي وبموجبها ستحصل إثيوبيا على ممر إستراتيجي بطول 20 كيلومترا في مياه خليج عدن، وميناء تجاري وقاعدة بحرية لقواتها البحرية- أدت إلى تقارب المصالح بين تركيا ومصر".

وأشار إلى أن "الاتفاق بين أديس أبابا وهرجيسا زاد من حدة التنافس بين إثيوبيا ومصر.. ففي حال تنفيذه، سيسهل هذا الاتفاق حركة التجارة بين إثيوبيا وميناء بربرة".

وأضاف "كما تشمل الخطط إقامة إثيوبيا لمقر بحري على ساحل أرض الصومال، مقابل اعترافها باستقلال الإقليم ومنحها حصصا في شركات مملوكة للدولة".

وترى مصر وتركيا أن "مذكرة التفاهم تشكل تطورا سلبيا للمنطقة، لكن لكل منهما أسباب مختلفة".

وأوضح المعهد أن "تركيا، التي تربطها علاقات قوية بإثيوبيا، تشعر بالقلق من الاتفاق بسبب احتمالية الاعتراف بأرض الصومال، ولطالما لعبت أنقرة دورا فاعلا في جهود بناء الدولة في الصومال، ومن وجهة نظرها، يُعد الحفاظ على وحدة الأراضي الصومالية أمرا حيويا لاستقرار البلاد في المستقبل".

واستطرد: "في المقابل، يكمن القلق الرئيس لمصر في إمكانية حصول إثيوبيا على منفذ إلى البحر الأحمر، فقد اتسع نطاق التنافس بينها وبين وإثيوبيا، بعد أن كان يتركز سابقا على حوض النيل".

 وذكر أنه "مع اكتمال بناء سد النهضة، اكتسبت إثيوبيا نفوذا على مصر، إلى جانب قدرتها على توفير الطاقة بأسعار منخفضة للدول التي تعاني من نقص في الطاقة في المنطقة، مما يعزز تأثيرها الإقليمي".

ولفت المعهد إلى أنه "نتيجة لذلك، اضطرت القاهرة إلى تعديل إستراتيجيتها وتوسيع نطاق المواجهة".

دوافع مختلفة

في هذا السياق، عزز رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، العلاقات مع العديد من الدول الإقليمية “بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد إثيوبيا”.

وتضمنت هذه الجهود دبلوماسية مكوكية شملت زيارات رفيعة المستوى لقادة في منطقة القرن الإفريقي، ومن بين هذه التحركات، مشاركة رئيس وزراء النظام المصري، مصطفى مدبولي، في حفل تنصيب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، كما كثفت القاهرة جهودها في ممارسة ضغوط ضد إثيوبيا داخل المنظمات الإقليمية والقارية.

وأوضح أنه "نتيجة لذلك، وجدت تركيا ومصر نفسيهما على الجانب نفسه عقب مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا، حيث أكدتا دعمهما لوحدة الأراضي الصومالية".

وقال المعهد الإيطالي إن "السياسة الخارجية المصرية ركزت تدريجيا على منطقة البحر الأحمر، فلطالما رأت مصر البحر الممتد بين السويس وعدن بمثابة (بحيرة مصرية)، مما دفعها إلى السعي لتعزيز نفوذها في منطقة تعدها جزءا من مجالها الحيوي".

وأضاف أنه "رغم أن عجز مصر عن التعامل مع تهديد الحوثيين كشف عن نقاط ضعف في قدرات البحرية المصرية، إلا أنها لا تزال الأكثر تقدما وتجهيزا في المنطقة".

وأردف: "في خضم التوترات بين إثيوبيا والصومال، سعت مقديشو إلى الحصول على الدعم، ورأت مصر فرصة لتأسيس وجود في المنطقة، وسارعت مصر إلى تقديم الدعم الدبلوماسي للصومال".

واسترسل: "كما تدخلت تركيا، التي حافظت على توازن دقيق مع إثيوبيا، إلى جانب الصومال من خلال توقيع اتفاقية تعاون دفاعي".

واستدرك المعهد قائلا: "مع ذلك، ظهرت خلافات في دوافعهما، حيث عارضت مصر دعوة أنقرة للوساطة الدبلوماسية بين إثيوبيا والصومال، وتبنت موقفا صارما، وجاء توقيع مصر على اتفاقية للتعاون الأمني والدفاعي مع الصومال ليزيد من تعقيد الخلافات القائمة مع تركيا".

ويرى أن "زيارة الرئيس الصومالي إلى القاهرة في أغسطس/آب 2024، شكّلت نقطة انطلاق لتعاون غير مسبوق بين مصر والصومال".

فبعد الزيارة بفترة وجيزة، قدم نظام مصر مساعدات عسكرية أولية وأرسل عددا من الضباط، مع خطط لزيادة العدد إلى عشرة آلاف جندي في الأشهر المقبلة.

ورأى المعهد أن “هذه الخطوة المصرية اصطدمت بخطط تركيا، التي فشلت محاولاتها للوساطة بين أديس أبابا ومقديشو بشأن اتفاق الموانئ الموقع مع أرض الصومال، نتيجة تعنّت الجانب الصومالي”.

وأردف أن "الدعم المصري لعب دورا في تعزيز موقف الوفد الصومالي المتشدد خلال اجتماعات أغسطس/آب في أنقرة".

وبيّن المعهد الإيطالي أنه "لا تزال هناك مخاوف عديدة بشأن قرار مصر إرسال قوات إلى الصومال، أحد أبرز هذه المخاوف يتمثل في قدرة مصر على الحفاظ على وجود فعال في بيئة شديدة الاضطراب".

إضافة إلى ذلك، فإن "سعي نظام مصر لقيادة مهمة حفظ السلام المقبلة التابعة للاتحاد الإفريقي قد يصطدم بنقص الخبرة العملياتية لقواته".

أجندات متباينة

وقال المعهد الإيطالي إن "العلاقات التركية-المصرية شهدت خلال الأشهر الأخيرة توجها نحو تطبيع سريع، ومع ذلك، فإن التقارب لا يعني بالضرورة تجاوز الخلافات حول جميع القضايا الحساسة".

فعلى صعيد بعض الملفات الإقليمية، مثل الأزمة في ليبيا والنزاع في شرق المتوسط، “لا تزال مواقف البلدين متباعدة ومتعارضة بشكل ملحوظ”.

وأضاف المعهد أنه "في ضوء ما سبق، قد تشكل التحركات السياسية لكل من تركيا ومصر في منطقة البحر الأحمر تحديا جديدا أمام تحقيق تطبيع كامل للعلاقات بينهما".

وقال: "في البداية، بدا البلدان متفقين في دعمهما للصومال، وإن كان ذلك مدفوعا بأجندات مختلفة، فقد استغلت مصر الفرصة لفتح جبهة جديدة في تنافسها مع إثيوبيا، بينما سعت تركيا للحفاظ على التزامها بعملية بناء الدولة الصومالية".

واستدرك: "لكن برز تباين عندما قررت مصر زيادة وجودها العسكري في الصومال"، مضيفا أنه "ليس من قبيل الصدفة أن انفتاح الصومال وإثيوبيا على خفض التصعيد -كما جاء في (إعلان أنقرة)- تزامن مع الصعوبات التي واجهتها مصر في الحفاظ على التزامها تجاه مقديشو".

وأكد أنه "رغم أن المفاوضات التي ترعاها تركيا لا تقدم حلولا جذرية للمشكلات الصومالية-الإثيوبية، فإنها تمثل وسيلة للطرفين لكسب الوقت وإعادة التفكير في إستراتيجياتهما".

وقال المعهد: "لا شك أن الخط الدبلوماسي التركي قد تمتع حتى الآن بالأفضلية على المواقف المتصلبة لمصر، ومن المرجح أن تؤثر جهتان إقليميتان رئيستان أخريان -السعودية والإمارات- على التطورات المستقبلية، رغم عدم وضوح ذلك في الوقت الحاضر".

واستطرد: "إذ يشهد التحالف الإقليمي التاريخي بينهما تباعدا متزايدا حول عدة قضايا، بما في ذلك السودان واليمن والعلاقات بين الصومال وإثيوبيا".

وأضاف: "قد تتدخل الرياض لدعم الجهود المصرية في مواجهة المبادرات الاقتصادية والسياسية الإماراتية (وخاصة ممر أديس أبابا-بربرة)، وقد يؤدي هذا الوضع إلى تقريب تركيا من الإمارات، التي تعاونت معها منذ فترة طويلة في إثيوبيا".

وبحسب المعهد، فستعتمد العديد من التطورات المستقبلية على عدة عوامل، بما في ذلك موقف إدارة دونالد ترامب الثانية، والخيارات السياسية التي ستتبناها الحكومة الجديدة في أرض الصومال. 

بالإضافة إلى التوترات الداخلية المتزايدة في الصومال بين مقديشو والفيدراليات (مثل جوبالاند)، وهي عوامل ستخلق مرحلة حساسة في المنطقة.

وختم المعهد بالقول "في ظل هذه الظروف، من المحتمل أن تشهد منطقة القرن الإفريقي انقساما بين مصر وتركيا، بالإضافة إلى عودة التنافس الإقليمي".