40 عاما من الدعم.. هل يرفع الغرب يده عن تمدد سلطة الشيعة بالمنطقة؟
"هناك تغيرات كبيرة اليوم تشير إلى أن هذا الحلف الشيعي قد يكون وصل إلى نهاية مهمته"
مع تواصل دعم الغرب للكيان الإسرائيلي في حربه ضد "حزب الله" اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وإيران، برزت تساؤلات عن مصير التيارات الشيعية المسلحة المدعومة إيرانيا، والتي برزت خلال العقود الأربعة الماضية.
وبلغت هذه الجماعات المسلحة ذروتها خلال العقدين الماضيين، لا سيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وتوليها السلطة فيه، ثم هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية، وسيطرة الحوثيين على اليمن بالانقلاب على السلطة الشرعية عام 2014.
ذلك كله لم تكن سوريا بعيدة عنه، إذ ثبتت إيران وأذرعها الشيعية في المنطقة حكم المخلوع بشار الأسد في سوريا 13 عاما بعد ثورة شعبية عام 2011، ليسقط في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، على يد فصائل الثورة السورية ليفر أخيرا إلى روسيا.
"استئصال المرض"
بعد الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وصف قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، النفوذ الإيراني في المنطقة بـ"المرض الذي تم استئصاله"، مؤكدا أن ذلك تسبب في إيقاف حرب كانت الأخيرة تخطط لها.
وقال الشرع خلال مقابلة مع قناة العربية السعودية، إن "الحرب الخاطفة التي أطاحت بنظام الأسد ضمنت أمن سوريا والخليج العربي وتركيا لـ 50 عاما مقبلة، وأنها جنبت المنطقة حربا واسعة كان يخطط لها الإيرانيون عبر دفع العراق لمواجهة إسرائيل في الأراضي السورية".
وأوضح أن "التدخل الإيراني في المنطقة كان يتسم بصفات متشابهة في كل المناطق، مثل العراق ولبنان وسوريا، حيث تسود النعرات الطائفية، والفساد الإداري في الحكومة والمؤسسات العامة وما إلى ذلك، بالتزامن مع انتشار المخدرات وصناعة الكبتاغون وغيرها".
ولفت الشرع إلى أن "أمن سوريا يؤثر على أمن المنطقة بشكل عام، وما كان يحصل هو مرض أصاب المنطقة طيلة الأربعين عاما الماضية، ولكن تمكنا من إزالته خلال 11 يوما"، في إشارة إلى الهيمنة الإيرانية.
تصريحات الشرع لاقت ردودا سريعة من الولايات المتحدة، التي أكدت سفارتها في دمشق أن مسؤولين أميركيين التقوا مع السلطات المؤقتة في دمشق وشددوا على ضرورة منع إيران من الظهور مجددا في سوريا، حسب بيان للسفارة في 31 ديسمبر 2024.
وأميركا دعمت بصورة لافتة إسرائيل في تدمير حزب الله اللبناني، الذي كان يساند مقاومة غزة لشهور طويلة قبل خروجه من المعركة وقبوله بوقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وادعى رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن العدوان الإسرائيلي على لبنان "أعاد حزب الله عقودا إلى الوراء".
كما تشن الولايات المتحدة ودول غربية هجمات مستمرة على مواقع يمنية لجماعة الحوثي التي تسيطر منذ عام 2014 على العاصمة اليمنية صنعاء؛ وذلك لردعها أيضا وإخراجها من معركة إسناد غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقبل طوفان الأقصى، لم يكن للولايات المتحدة أي موقف رافض مما فعله الحوثيون في اليمن، بل إنها ضغطت لإيقاف العمليات العسكرية التي كان يشنها التحالف السعودي الإماراتي ضد الحوثيين وحثت على الانخراط في تسوية سياسية تنهي الأزمة اليمنية.
لكن كل هذا تغير مع انخراط الحوثيين في معركة دعم غزة التي تواجه إبادة جماعية إسرائيلية مدعومة أميركيا ومتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
تعاون مشترك
عراقيا، كان التعاون الأميركي الإيراني في غاية الوضوح، بل إن الأميركيين أكدوا أن احتلالهم لبلاد الرافدين عام 2003، جاء من أجل ما أسماه إنهاء "التسلط السني، الذي استمر ألف عام"، وتسليم الحكم إلى الشيعة الذين كانوا يعانون من "الاضطهاد".
وبعد عام 2003، أتاحت واشطن للقوى الشيعية المدعومة من إيران- التي كانت توجد معظمها في أميركا وإيران-، السيطرة على مفاصل الدولة العراقية، حتى باتت طهران صاحبة القرار الأول في البلاد، ولها الكلمة الفصل في اختيار الرئاسات الثلاث (الحكومة، البرلمان، الجمهورية).
إذ قال الحاكم الأميركي المدني السابق للعراق، بول بريمر: "عندما أطحنا بصدام حسين (الرئيس العراقي السابق) أطحنا معه أيضا بألف سنة من التسلط السني في بلاد ما وراء النهرين، بداية من الخلافة العباسية ثم الأتراك، ثم البريطانيين مع الهاشميين، ثم المملكة الهاشمية".
وقال بريمر خلال مقابلة تلفزيونية في عام 2014، إن "السنة كانوا مسلطين على البلد لألف سنة، وباعتقادي أن هذا الأمر كان أيضا غير سليم"، وذلك ردا على سؤال هل تسبب الأميركيون باضطهاد السنة العراقيين بعدما زعموا أنهم خلصوا الشيعة من الاضطهاد؟
وفي عام 2004، أعلنت طهران على لسان محمد علي أبطحي، نائب الرئيس آنذاك محمد خاتمي، أنها ساعدت الولايات المتحدة في احتلال العراق وأفغانستان، بقوله: "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة".
وعلى الصعيد ذاته، كشف زلماي خليل زاده، السفير الأميركي الأسبق لدى العراق، أن كبار المسؤولين الأميركيين أجروا -قبيل الغزو الذي أطاح بحكم صدام حسين– محادثات سرية مع إيران تناولت مستقبل العراق، ونجحوا في ذلك.
وقال المسؤول الأميركي السابق، زلماي خليل زاده، في كتاب بعنوان “المبعوث”: "كنا نريد التزاما من إيران بأنها لن تطلق نيران مدافعها صوب الطائرات الأميركية التي تحلق من غير قصد فوق الأراضي الإيرانية".
وأضاف: "كنا نأمل من إيران أن تحث الشيعة العراقيين على المشاركة بطريقة بناءة في إقامة حكومة جديدة في العراق"، مشيرا إلى أن بعض زعماء الشيعة العراقيين البارزين ممن كانوا يناصبون صدام العداء، ظلوا يحظون بدعم إيران التي تُعد القوة الشيعية الكبرى في المنطقة.
حلف شيعي
وعن هيمنة الشيعة على السلطة في عدد من بلدان المنطقة رغم أنهم يمثلون أقلية، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن ذلك جاء في "إطار صفقة إقليمية دولية مكّنت الحلف الشيعي بالمنطقة من الهيمنة على مفاصل أساسية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان".
وأكد التميمي خلال تصريح لـ"الاستقلال" في يوم سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، أن "هناك تغيرات كبيرة اليوم تشير إلى أن هذا الحلف الشيعي قد يكون وصل إلى نهاية مهمته الجيوسياسية التي أداها بامتياز وأسهمت في تفتيت المنطقة وإضعافها".
وأشار التميمي إلى أن "المحور الإيراني حاول تقديم نفسه على أنه نصير غزة، لكنه أمام الأحداث في سوريا اليوم تحوّل إلى حلف طائفي بامتياز ويحشّد لكي يعيد السوريين إلى أماكن النزوح والمخيمات بدلا من أن يبارك عودتهم إلى بلادهم".
وتابع: "إن جزءا كبيرا من قوة الحوثيين في اليمن كانت بسبب الإمدادات الكبيرة التي تصل إليهم والإسناد الذي يقدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جانب الحلف الشيعي، ومن ذلك الهجمات (خلال السنوات السابقة) على شرق السعودية وعمقها".
وما يشير إلى إمكانية تخلي الغرب عن دعم الشيعة بالمنطقة الذي أوصلهم إلى السلطة في أكثر من بلد عربي، هو ما صرح به السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، بأن "العقائد الدينية للشيعة تجبرهم على قتل كل اليهود"، حسبما نقلت مجلة "ريزون" الأميركية في 21 نوفمبر 2024.
وأفادت المجلة بأن "غراهام بدا وكأنه يعلن الحرب الدينية على الشيعة، وهي الطائفة التي ينتمي إليها 10بالمئة من المسلمين في مختلف أنحاء العالم، بحديثه أن العقائد الدينية للشيعة تجبرهم على قتل كل اليهود، وهذا ليس ما يعلمه الإسلام لمعظم المسلمين، ولكنهم يؤمنون به".
مع نجاح الثورة الإيرانية في الإطاحة بنظام الحكم الملكي، وتولي التيار الديني السلطة في البلاد عام 1979 بقيادة المعمم الشيعي روح الله الخميني بدعم من فرنسا التي كان يقيم على أراضيها، انتعشت الأقلية الشيعية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد إعلان الأخير تصدير الثورة إلى باقي الدول.
قبل قدوم الخميني إلى السلطة في إيران، لم يكن لدى الشيعة في المنطقة حركات سياسية أو مليشيات مسلحة بارزة، سوى "حركة أمل" اللبنانية، بقيادة رجل الدين موسى الصدر، والتي كانت تمثل في وقتها الطائفة الشيعية في بلد تمتلك فيه كل الطوائف أحزابا وأذرعا مسلحة.
لكن مع عمل النظام الولي الفقيه في إيران على تصدير ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" (التشيُع)، برز خلال عقد الثمانينات في القرن العشرين حزب "الدعوة الإسلامية" في العراق بزعامة محمد باقر الصدر، وتأسس حزب الله اللبناني، بقيادة صبحي الطفيلي.
وعلى الوتيرة ذاتها، أقامت إيران في تلك المرحلة تحالفا مع سوريا في عهد رئيس النظام آنذاك حافظ الأسد- المنتمي للأقلية العلوية الشيعية-، والذي كان مع حزب "الدعوة" و"حزب الله" اللبناني، داعمين للنظام الإيراني خلال الحرب مع العراق (1980 إلى 1988).
المصادر
- واشنطن تطالب الإدارة الجديدة بمنع إيران من الظهور مرة أخرى في سوريا
- الجولاني: استأصلنا نفوذ إيران وضمنا أمن المنطقة لـ 50 عاماً مقبلة
- سيناتور يفضح المخططات الامريكي: التطبيع مع السعودية وإبقاء القوات في الشرق الأوسط الى الابد
- خليل زاده: أميركا نسقت مع إيران قبل غزو العراق
- نتنياهو: أعدنا حزب الله عقوداً إلى الوراء وقتلنا نصرالله الذي هو «محور المحور»
- خطة إيران.. مواجهة أمريكا وإسرائيل أم التمدد بالعالم الإسلامي؟
- الانهيار السريع لمحور إيران في لبنان وسوريا.. هل ينعكس على الحوثيين باليمن؟