المفاوضات إلى طريق مسدود.. موقع أميركي يتوقع عودة العدوان على غزة

حذر ترامب حماس من أن "أمرها انتهى" إذا لم تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين
في محاولة للموازنة بين الرغبة في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والحاجة إلى استعادة أسراها، تواجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي قرارا عسكريا معقدا وعالي المخاطر.
واستعرض موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي شكل المرحلة المقبلة في ظل وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، حيث جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تهديده لحماس، محذرا من أن "أمرها انتهى" إذا لم تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين.
في الأثناء، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول قوله: إنه جرى إحراز تقدم معيّن في المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع حركة حماس بشكل مباشر لأول مرة.
وقالت هيئة البث: إن واشنطن تقترح مبادرة جديدة لإطلاق سراح 10 أسرى أحياء، مقابل تمديد الهدنة شهرين من طرف إسرائيل. وأضافت أن إسرائيل لا تشارك في المفاوضات بشأن المقترح الجديد.
ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أنه من المتوقع أن يتوجه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف إلى العاصمة القطرية الدوحة في 11 مارس/آذار 2025 للتوسط في اتفاق جديد بين حماس وإسرائيل.
في غضون ذلك، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه قرّر إرسال وفد إلى الدوحة في 10 مارس، في محاولة لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار.

دعم أميركي واسع
وقبل ساعات من تحذير الرئيس الأميركي لحماس، نُصّب قائد جديد للأركان في الجيش الإسرائيلي يدعى الفريق إيال زمير، والذي صرَّح قبل تقلده المنصب بأن 2025 سيكون "عام الحرب"، مع التركيز على التعامل مع التهديدات القادمة من غزة وإيران.
وستواصل إسرائيل أخذ الموقف الأميركي في الحسبان عند تحركاتها على كلتا الجبهتين، وفق ما يرى موقع “ذا ميديا لاين”.
فمنذ تقلد ترامب منصبه، شهدت الديناميكيات بين إسرائيل والولايات المتحدة تحولا ملحوظا؛ حيث قدّمت الإدارة الجديدة دعما كبيرا لتل أبيب.
وقال الخبير في العلوم السياسية والأمن القومي بجامعة حيفا، غابرييل بن دور: إن "جميع اللاعبين يقفون عند مفترق طرق، وعلى إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستكثف الحرب على غزة أم ستسعى أولا لتأمين إطلاق سراح المحتجزين، وعلى ترامب أن يقرر كيفية تنفيذ تهديداته".
وانتُخب ترامب في ذروة الحرب على غزة، في وقت كانت فيه محادثات وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين متعثرة.
وساعد تهديده بأن "العواقب ستكون وخيمة" إذا لم يُطلق سراح الإسرائيليين، في تأمين وقف مؤقت لإطلاق النار ضمن اتفاق يتكون من 3 مراحل وانتهت مرحلته الأولى في 1 مارس/آذار 2025.
وخلال فترة التهدئة التي استمرت ستة أسابيع، أُفرج عن 38 أسيرا إسرائيليا، مقابل ألفي أسير فلسطيني والسماح بزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.
كما انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم أنحاء القطاع، لكنها أبقت على وجودها عند محور فيلادلفيا على الحدود بين مصر وغزة.
ورغم انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار رسميا، لم يستأنف أي من الطرفين القتال، مع رصد بعض الاختراقات الإسرائيلية التي أدت إلى استشهاد عدد من الفلسطينيين عبر القصف من البر والبحر.
ومن بين 255 إسرائيليا جرى أسرهم خلال الهجوم المفاجئ الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لا يزال 59 في غزة، ويُعتقد أن ما لا يقل عن 35 منهم قد لقوا حتفهم (جراء القصف الإسرائيلي الجنوني على القطاع).
وجاء تهديد ترامب بعد أسابيع من طرحه مقترحا صادما يقضي بتهجير مليوني فلسطيني من غزة، وهو ما قوبل بإدانة واسعة من الفلسطينيين والعالم العربي.
وردّت مصر، التي تلعب دورا محوريا في المنطقة وتشارك في الوساطة بين إسرائيل وحماس، بمقترح يُبْقِي الفلسطينيين في غزة مع إزاحة حماس من الحكم، على أن تعاد لاحقا سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع.
غير أن ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو رفضا هذا المقترح، في ظل إصرار إسرائيل على استبعاد أي دور لسلطة محمود عباس التي تتهمها برعاية “الإرهاب”، فضلا عن اشتراطها نزع سلاح حماس وإزاحتها من السلطة وفي بعض الأحيان الحديث عن القضاء التام عليها.
وبحسب الموقع الأميركي، يتعين على ترامب الآن أن يقرر كيف يتصرف بشأن تهديده؛ من أجل الحفاظ على مصداقيته.
وقال غابرييل بن دور: "بإمكان ترامب تزويد إسرائيل بأسلحة أكثر فتكا ومنحها حرية التصرف في غزة وفق رؤيتها، بما في ذلك فرض حصار مشدد ووقف المساعدات الإنسانية".
وأضاف أنه "يمكنه أيضا ممارسة ضغوط مُكثّفة على داعمي حماس مثل تركيا وقطر لإجبارها على التخلي عن السلطة"، مؤكدا أن "هذا لن يكون سهلا، ولن يحدث بين ليلة وضحاها".
وشدد على أن الرئيس ترامب يدرك أنه سيفقد مصداقيته إذا فشل في "تنفيذ تهديداته".

ضوء أخضر
من جانبه، يرى كوبي مايكل الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" و"معهد ميسغاف للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية"، أن أقوى أدوات الرئيس تكمن في دعمه المطلق لإسرائيل.
وقال مايكل: إن "ترامب منح إسرائيل حرية التصرف دون قيود أو ضوابط، ولديها الآن الشرعية الكاملة لغزو كامل قطاع غزة، وفرض حكم عسكري، وإجلاء السكان المدنيين من هناك".
وأكد أن "ترامب لا يمانع في أن تمضي إسرائيل قدما في هذا المسار، رغم إدراكه لما سيترتب عليه من كوارث في غزة، مع منحها الضوء الأخضر لاستخدام قوة مفرطة".
وأخيرا، وبعدما أعلنت حماس رفضها تمديد المرحلة الأولى، ومطالبتها بالانتقال لمرحلة ثانية تفضي لوقف دائم للحرب، أعلنت إسرائيل إغلاق جميع المعابر إلى غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وهي خطوة حظيت بدعم أميركي.
من جانبها، قالت حماس: إنها ترغب في مواصلة المفاوضات للتوصل إلى ترتيب أكثر استدامة، وفقا لما ورد في اتفاق الهدنة الأصلي.
لكن الحكومة الإسرائيلية تتردد في الموافقة، لأن مثل هذه الخطوة قد تعني الانسحاب الكامل لقواتها من غزة بينما تظل حماس في حكم القطاع.
ويرى مايكل أنه “لا يمكن التوفيق بين الأهداف النهائية لكل من إسرائيل وحماس”.
فحتى لو كانت إسرائيل مستعدة للإفراج عن عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين مقابل المزيد من نظرائهم الإسرائيليين ووافقت على وقف الحرب، فإنها لا تستطيع القبول ببقاء حماس في غزة.
وأخيرا وافقت الولايات المتحدة على شحنة أسلحة ضخمة إلى إسرائيل، مما منحها قدرة أكبر على تهديد حماس.
ووفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، أصدر زمير أوامر لقادة العمليات في غزة بوضع خطط أكثر شراسة لاستئناف القتال.
وجاء زمير بديلا لهرتسي هاليفي، أحد المسؤولين الرئيسين عن الإخفاق في منع الهجوم المفاجئ لحماس، والذي تعرض لانتقادات خلال الحرب على غزة بسبب ما عدّه البعض افتقار الجيش للحسم الكافي في عملياته.
وقال بن دور: "إذا كانت إسرائيل لا تزال تسعى للإطاحة بحماس والقضاء عليها، فإن رئيس الأركان الجديد بحاجة إلى بناء جيش أكثر فاعلية ويقظة وقدرة تدميرية".
وأضاف: "كان يمكن تنفيذ الأمور بطريقة مختلفة، وأكثر سرعة وفتكا، مع تركيز أكبر للقوات في المناطق الحيوية، واستخدام أوسع لعنصر المفاجأة".
واستمرار الحرب الإسرائيلية على غزة 15 شهرا مما يجعلها أطول حرب في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيلي الممتد لـ 77 عاما.
ومع عدم تحقيق هدفي الإطاحة بحماس وتحرير جميع الأسرى، لا يبدو أن نهاية الحرب قريبة، وفق الموقع الأميركي.

جولة قصيرة ومكثفة
ويرى مايكل أن "الجولة القادمة من القتال ستكون أقصر بكثير، لكنها أكثر كثافة، وستنتهي بغزة دون حماس"، وفق تقديره.
وأضاف: "عندما لا تعود حماس طرفا سائدا ونشطا وفعالا، يمكن بدء النقاش حول مستقبل قطاع غزة".
وأكد الموقع أن “وجود الأسرى الإسرائيليين في غزة عَقَّد بشكل كبير جهود القضاء على حماس”، حيث أشار بن دور إلى أن "أي تحرك للجيش الإسرائيلي يأخذ هذا في الحسبان، وكان ذلك أحد العوامل التي أعاقت تقدمه".
واستدرك: "لكن إسرائيل تمتلك الآن معلومات استخباراتية أكثر عما يجري هناك، كما أن عدد الأسرى الأحياء بات أقل، مما يغيّر المعادلة".
ويخيّم على تعقيدات الملف الغزّي مصير البرنامج النووي الإيراني، وكيف سترد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على ما يُعتقد أنه تسارع كبير نحو امتلاك القدرة النووية.
وبعد يوم واحد من تصريح زمير بأن الجيش الإسرائيلي سيركز على غزة وإيران، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي مناورة مشتركة مع نظيره الأميركي.
وجاء في بيان للجيش الإسرائيلي أن "القوات تدربت على تنسيق العمليات بين الجيشين لتعزيز قدرتهما على مواجهة التهديدات الإقليمية المختلفة"، في إشارة قد تُفسَّر على أنها رسالة موجّهة إلى طهران.
وأشارت الولايات المتحدة إلى أنها تسعى لاستنفاد الخيارات الدبلوماسية، مستعينة بروسيا للضغط على إيران؛ من أجل الموافقة على اتفاق نووي.
لكن التطورات الإقليمية قد تؤثر على فرص نجاح هذا المسعى، إذ إن الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على غزة ستكون له تداعيات واسعة في الشرق الأوسط، وفق الموقع الأميركي.
وقال مايكل: “إذا أظهرت إسرائيل عزما في غزة وقضت على حماس كقوة حاكمة، فسيكون لذلك تأثير هائل على المفاوضات والدبلوماسية مع إيران”.
وتابع: "وسيدرك الإيرانيون أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن أي تردد من جانب إسرائيل سيقضي على فرص الحل الدبلوماسي مع إيران".
ونوه الموقع إلى أن "إسرائيل، التي تعهدت مرارا بمنع إيران من تجاوز العتبة النووية، يُعتقد أنها تمتلك خططا لمهاجمة منشآتها النووية، لكنها تحتاج إلى دعم دبلوماسي وعسكري أميركي لتحقيق ذلك".
وختم بن دور قائلا: "لا يمكن لإسرائيل أن تتحرك بمفردها دون تنسيق محكم مع الولايات المتحدة، وطالما أن هناك جهودا دبلوماسية جارية، فإن شنّ هجوم إسرائيلي استباقي ليس مطروحا على الطاولة في الوقت الحالي".