كبح التصعيد.. ما دور موسكو في نزع فتيل الحرب بين واشنطن وطهران؟

روسيا وافقت على مساعدة إدارة ترامب في التواصل مع إيران بشأن قضايا مختلفة
تبدي روسيا اهتماما بالتوسط في اتفاق نووي جديد وأكثر شمولا بين الولايات المتحدة وإيران، في وقت يلتزم فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بممارسة أقصى قدر من الضغط على طهران.
وتساءل الزميل المساهم في مؤسسة أولويات الدفاع (Defense Priorities)، ألكسندر لانجلويس، قائلا: "هل تنجح موسكو في منع انزلاق واشنطن وطهران نحو الحرب؟"، وذلك في مقال نشرته مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية.
ووافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التوسط بين إيران والولايات المتحدة في محادثات بشأن الأسلحة النووية، حسبما أفادت قناة زفيزدا الروسية الحكومية في 4 مارس/آذار 2025 نقلا عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف.
وفي نفس اليوم، قالت وكالة بلومبيرغ الأميركية: إن روسيا وافقت على مساعدة إدارة ترامب في التواصل مع إيران بشأن قضايا مختلفة، بما في ذلك برنامج طهران النووي ودعمها وكلاء مناهضين للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وفي سياق منفصل، قال يوري أوشاكوف مستشار بوتين للسياسة الخارجية: إن العلاقات مع إيران كانت أحد الموضوعات التي نوقشت في المحادثات الروسية الأميركية الأخيرة في السعودية، وإن الجانبين اتفقا على إجراء محادثات منفصلة بشأن هذه القضية.
ويأتي هذا التطور بعد أن أحدث ترامب تغييرا كبيرا في السياسة الأميركية بعد توليه منصبه في يناير/كانون الثاني 2025، واتخذ موقفا أكثر تصالحا تجاه روسيا.

كارثة مرتقبة
ورأى الباحث ألكسندر لانجلويس أن "إمكانية التعاون بين واشنطن وموسكو بشأن البرنامج النووي الإيراني تأتي في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط واحدة من أكثر فتراته اضطرابا في الذاكرة الحديثة، حيث تواجه المنطقة سلسلة مخاطر قد تتصاعد إلى صراع أوسع في أي لحظة".
وأضاف أنه بينما يرى البعض أن ما يسمى بـ "محور المقاومة" الإيراني في تراجع، الأمر الذي يبرر تبني نهج أكثر هجومية لـ "إعادة تشكيل الشرق الأوسط"، فإن الواقع يشير إلى أن أي تصعيد إضافي قد يقود إلى كارثة.
هذه الكارثة المرتقبة ستقع في منطقة ينبغي أن تركز واشنطن فيها على تقليص وجودها بدلا من توسيعه، وفق الباحث.
وتأتي التقارير حول احتمال أداء روسيا دور الوسيط بعد شهر من توقيع ترامب على مذكرة الأمن القومي الرئاسية (NSPM-2)، التي أعلنت العودة إلى سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران.
وتوضح المذكرة دوافع هذا النهج، حيث تنص على أن “تصرفات إيران تهدد المصلحة الوطنية للولايات المتحدة”.
وبالتالي، فإن "من مصلحة واشنطن فرض أقصى درجات الضغط على النظام الإيراني لإنهاء تهديده النووي، والحد من برنامجه للصواريخ الباليستية، ووقف دعمه للجماعات الإرهابية".
وأفاد الباحث بأن "ترامب ترك خيار توجيه ضربات عسكرية للمواقع النووية والعسكرية الإيرانية مطروحا، في حال فشل الجهود غير العسكرية في كبح طهران".
ووصف هذا التبرير للمصالح بأنه أبعد ما يكون عن الواقع، عند المفاضلة بين استخدام القوة العسكرية والآليات الدبلوماسية لكبح البرنامج النووي الإيراني.
وأوضح أن "الولايات المتحدة لديها مصالح محدودة للغاية في الشرق الأوسط، بغض النظر عمّا يحاول المحللون المتشددون إقناع الرأي العام الأميركي به".
وأكد أن "أولويات السياسة الأميركية في المنطقة تتناقض تماما مع ما جاء في مذكرة ترامب، إذ إن تجنب الحرب مع إيران يعد مصلحة أميركية جوهرية".
وقال: "على صناع القرار أن يتبنّوا دائما نهجا متزنا في التعامل مع القوة العسكرية، يأخذ في الحسبان القانون والمصالح الوطنية الحيوية، وفي هذا السياق، لا يوجد أساس قانوني لشن هجوم على إيران".
“والأهم من ذلك، أن إيران لا تشكل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة في أي سيناريو راهن أو متوسط المدى”.
بل إن التهديد الإيراني يتركز بالأساس على مصالح بعض الشركاء الإقليميين -وتحديدا إسرائيل- والقوات الأميركية التي تُركت مكشوفة في مواقع متقدمة بمختلف أنحاء الشرق الأوسط.
واستطرد: "حتى عند النظر إلى الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية، لا تمثل الجمهورية الإسلامية تهديدا وجوديا لإسرائيل، التي تُعد الدولة الأقوى عسكريا في الشرق الأوسط".
ولا يعني هذا -وفق الباحث- تجاهل عمليات إعادة التوازن الإقليمية التي حدثت بمرور الوقت لكبح التحركات الإيرانية.
ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، اتفاقيات أبراهام، وتوسّع شبكة الدفاع الصاروخي المشترك بين الدول، والاتفاق السعودي-الإيراني برعاية الصين لإعادة تطبيع العلاقات.

إستراتيجية غير فعالة
وبعيدا عن المصالح، فإن أي إستراتيجية "ضغط أقصى" ضد إيران تتضمن استهداف منشآتها النووية والعسكرية ستكون غير فعالة وعكسية النتائج، بحسب الباحث.
"إذ تقدّر أجهزة الاستخبارات الأميركية أن مثل هذا الهجوم لن يحقق سوى تأثير محدود في أفضل الأحوال؛ حيث لن يؤدي إلا إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لأسابيع أو أشهر دون القضاء على قدرته على إعادة البناء".
"كما أن إيران لا يمكن عزلها بالكامل عن العالم بطريقة تمنعها من مقاومة الضغوط القصوى أو إعادة بناء برنامجها النووي، وهو ما أثبتته علاقاتها المتنامية -وإن كانت براغماتية- مع كل من روسيا والصين والعديد من جيرانها".
"بل إن امتلاكها المعرفة التقنية اللازمة يمنحها القدرة على استئناف أنشطتها النووية بعد أي هجوم محتمل"، وفق ما كتبه الباحث.
بل والأسوأ من ذلك أن "أي ضربة واسعة النطاق تستهدف المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية ستقضي فعليا على أي فرصة مستقبلية للدبلوماسية بين الغرب وطهران".
"فقيادة الجمهورية الإسلامية متوجسة أصلا من الغرب، وتستند في جزء كبير من شرعيتها المحدودة إلى الخطاب المعادي لأميركا والإمبريالية".
"كما أن القرارات المتشددة ضد إيران تعزز نفوذ التيار المتشدد داخلها، والعكس صحيح، مما يضيق خيارات كبح برنامجها النووي بشكل دائم، إلا عبر تغيير عنيف للنظام، ويدفع نحو دوامة تصعيدية تغذي المواقف والسياسات المتطرفة".
وأكد الباحث أن “أي حرب مستقبلية مع إيران ستكون كارثية على الشرق الأوسط والعالم، بما في ذلك الولايات المتحدة”.
كما أنها ستلحق ضررا بمصلحة حيوية أخرى، وإن كانت محدودة، تتمثل في الحفاظ على استقرار المنطقة لضمان التدفق الحر لموارد الطاقة، دعما لأمن الطاقة العالمي.
"فواشنطن والمجتمع الدولي الأوسع لا يستطيعان تحمل تبعات حرب مدمرة مع واحدة من أقوى دول المنطقة، ناهيك عن مواجهة شبكة من الوكلاء المستعدين لتوسيع نطاق الصراع إقليميا".
وقال: "رغم أن إيران ستخسر على الأرجح أي حرب مع الولايات المتحدة، فإن السيناريو الذي قد ينشأ بعد الصراع غير مرغوب فيه بالقدر نفسه".
"فإيران دولة كبيرة ومتعددة الأعراق، ومن المرجح أن تسعى بعض مكوناتها إلى تشكيل كيانات مستقلة، مما قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية على غرار ما شهده العراق عام 2006 (بين السنة والشيعة)، مع عواقب وخيمة على المنطقة".
لكن هناك خيارات أكثر حكمة في التعامل مع الملف النووي الإيراني وهو ما تؤكده الأنباء عن احتمال وجود تعاون أميركي-روسي في هذا الشأن.
"فبينما تسعى واشنطن لحشد تحالف دولي للحد من الطموحات النووية الإيرانية، سيكون من الضروري أن تعارض، علنا وسرا، السياسات التي تعرقل الحلول الدبلوماسية".
ويشمل ذلك كبح نزعة إسرائيل إلى إعادة تشكيل المشهد الأمني عبر إستراتيجيات قصيرة النظر تتمحور حول الحل العسكري، وفق الباحث.
وختم بالتأكيد على أن هذه التقديرات أساسية لحماية المصالح الأميركية الفعلية، التي تستوجب تفادي الانزلاق إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.