إلى أي مدى تأثر "حزب الله" بإغلاق طريق سوريا ومطار بيروت أمام أموال إيران؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، يبحث “حزب الله” اللبناني عن منافذ جديدة لإبقاء خط تمويله مفتوحا بعد تعرّضه لعملية حصار ومراقبة لموارده المالية التي تصله من الخارج، لا سيما إيران؛ إذ انعكس خروج “حزب الله” ضعيفا من معركة إسناد غزة ضد إسرائيل، على مصادر تمويله من إيران والتي يعترف بها الحزب علنا.

وسبق لزعيم حزب الله حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر/ أيلول 2024 أن قال صراحة في 24 يونيو/حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه تأتي من إيران".

وتلقى حزب الله هزة ثانية بسقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 الذي كان يُؤمِّن له خطوط إمداده المالية متعددة المصادر.

وقد كان لافتا أن حزب الله بات مرصودا حتى من قبل الحكومة اللبنانية التي منعت في الفترة الأخيرة من دخول أموال له عبر مطار بيروت الدولي.

مصادرة الأموال

فأعلنت السلطات اللبنانية في 28 فبراير 2025 أن إدارة مطار بيروت ضبطت مع رجل وصل من تركيا 2.5 مليون دولار نقدا كانت في طريقها لحزب الله.

وذكرت وسائل إعلام لبنانية، أن القضاء المحلي فتح تحقيقا، مع الموقوف "محمد عارف حسين"، الذي ضُبِط المبلغ بحوزته لدى وصوله إلى مطار بيروت الدولي قادما من تركيا على متن رحلة تابعة لشركة "بيغاسوس" التركية.

وفجأة وبعد ثلاثة أيام على مصادرة تلك الأموال، أعلن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" أن الأموال المصادرة من أحد المواطنين اللبنانيين القادم من تركيا إلى لبنان، وقيمتها مليونان وخمسمائة ألف دولار، هي عبارة عن تبرعات حصل عليها المجلس من جمعيات خارجية، ويطلب تحريرها واستردادها".

وبعث المجلس بكتاب إلى النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، أعلن فيه أن "الأموال المضبوطة ملك للمجلس، وهي عبارة عن تبرعات حصل عليها من جمعيات خارجية، ويطلب تحريرها واستردادها".

وذكر موقع "جنوبية" المحلي، أن إرسال المجلس بكتاب إلى النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، لاسترداد الأموال غير قانوني.

وأرجع ذلك إلى أنه “لا يمكن عدّ هذه الأموال المهربة عبر المطار أموالا مشروعة، طالما أنها لم تدخل بالطرق القانونية.. وهذا يعني تحويل المجلس الشيعي إلى مؤسسة لتبييض الأموال”.

وأضاف أن "المجلس الشيعي ليس شركة تجارية أو مؤسسة أهلية أو جمعية خيرية، بل هو مؤسسة رسمية لبنانية تتبع مجلس الوزراء ويتلقى رئيسها وموظفوها رواتب من الخزينة اللبنانية وتحظى بميزانية سنوية من أموال المكلفين اللبنانيين من شيعة وغير شيعة”.

و"المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" هو أول مركز رسمي للشيعة في لبنان منذ تأسيسه عام 1969.

وينظر كثير من شيعة لبنان إلى "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" على أنه أداة بيد الثنائي الشيعي (حزب الله- حركة أمل).

لا سيما أن نواب حزب الله وأمل في البرلمان هم من أعضاء الهيئة العامة في المجلس، ولهذا فإن أي قرار يصدر عنه يكون بموافقتهم.

ويجرى في لبنان التصريح المسبق عن كل أموال التبرعات التي تأتي من الخارج، سواء لصالح جمعيات خيرية أو مؤسسات دينية، ويُحدد مصدرها قبل إدخالها إلى لبنان.

مراقبة التمويل

ولهذا رأى مراقبون لبنانيون أن الأموال كانت في طريقها إلى حزب الله لولا إفشال العملية في مطار بيروت، وأن إعلان "المجلس الشيعي" بأن الأموال تخصّه هي محاولة لإنقاذ الموقف والمناورة لاستردادها.

وقال الصحفي اللبناني جاد يتيم: "يبدو أن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يحاول أن يغطي عمليات تهريب الأموال لحزب الله، مدعيا أن مبلغ 2.5 مليون دولار التي ضبطت في المطار تعود للمجلس ومصدرها مساعدات من جمعيات في الخارج". 

وأضاف يتيم عبر منصة “إكس”: "يستمر هذا المجلس في الارتهان من دون أن تهزه النكبة التي حلت بالطائفة الشيعية".

وطرحت وسائل إعلام لبنانية تساؤلات حول مدى حاجة "المجلس الشيعي" للجوء إلى عملية تهريب هذه الأموال لو كانت تخصه؛ إذ بات من الواضح تأثر قدرات حزب الله المالية بأضرار كبيرة، منذ أكتوبر 2023، فقد أعلن الحزب نهاية يناير/ كانون الثاني 2025 تأجيل دفع التعويضات، لسكان الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت ممن تهدمت منازلهم جراء الحرب التي اشتعلت مع إسرائيل.

ويسري منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 وقف هش لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل وضع حدا لمعارك بدأت في الثامن من أكتوبر 2023 "إسنادا لغزة".

وكان أمين عام حزب الله نعيم قاسم أعلن في 5 ديسمبر 2024 أنه قدم- بدعم من طهران- مساعدات للنازحين جراء التصعيد الإسرائيلي على لبنان بلغت قيمتها حتى الآن 57 مليون دولار من إجمالي 77 مليون دولار.

وقال قاسم في كلمة بثّتها قناة المنار التابعة للحزب: "خلال شهر نوفمبر، قرّر حزب الله صرف هدية مالية، هي هدية الشعب الإيراني وحزب الله، تتراوح بين 300 دولار و400 دولار لكل عائلة" من إجمالي أكثر من 233 ألف عائلة سجّلت أسماءها.

من جانبه، قال موقع "الحرة" الأميركي، إنه “لا توجد حاليا أي عمليات لنقل الأموال إلى حزب الله؛ لأن إدارة مطار بيروت لم تعد كما كانت سابقا، تخضع لسيطرة حزب الله مباشرة أو لسيطرة جهات تابعة له”.

كما أنه منذ 18 فبراير 2025 تواصل السلطات اللبنانية تعليق الرحلات الجوية من إيران وإليها، من دون تحديد مهلة لاستئنافها، وذلك بعد أيام من رفضها منح أذونات الهبوط لرحلتين تابعتين لخطوط ماهان الإيرانية، على خلفية تهديدات إسرائيلية بقصف مطار بيروت.

وإثر اجتماع عقده الرئيس اللبناني جوزيف عون مع الوزراء المعنيين ورئيس جهاز أمن المطار، أفادت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية نجاة شرف الدين للصحفيين بـ"تكليف وزير الأشغال العامة والنقل تمديد مهلة تعليق الرحلات من وإلى إيران"؛ إذ أكدت تقارير صحفية لبنانية، أن إيران تنقل الأموال عبر دبلوماسيين وأشخاص إلى حزب الله من خلال الرحلات الجوية لبيروت.

مصادر بديلة

بدوره يرى الخبير الإستراتيجي أمير الساعدي، أنه "في بعض الأحيان قد لا يحتاج حزب الله إلى التمويل الإيراني، وذلك لوجود العديد من الروافد والقنوات التي تدعمه من داخل لبنان وخارجه".

وقال الساعدي لموقع "الحرة" في 16 فبراير 2025: إن هذه القنوات تشمل "أنشطة تجارية مفتوحة تابعة لإدارات اقتصادية مرتبطة بالحزب في أميركا اللاتينية وإفريقيا، وحتى في آسيا، والتي تسهم في تلبية احتياجاته المالية".

وبين الساعدي أن إيران "إذا أرادت دعم حزب الله، فإن هناك قنوات تجارية واقتصادية يمكن من خلالها تقديم الدعم المالي؛ إذ لا تحتاج طهران إلى قنوات سرية، بل يمكنها استخدام الشركات السياحية التي تنظم سفر لبنانيين إلى مشهد أو إلى أماكن سياحية دينية أخرى، أو العكس من خلال السياحة الاعتيادية من إيران إلى لبنان".

وسبق أن ذكر موقع "غلوبز" الإسرائيلي في يناير 2025 أن حزب الله نجح في الحفاظ على نشاطه الاقتصادي من خلال مجموعة من القطاعات مثل البناء والمشاريع الاقتصادية والتهريب من إيران إلى بيروت.

وأشار في تقرير إلى أن إحدى أبرز المهام التي ستواجه الرئيس اللبناني الجديد ستكون العمل على قطع تدفق الأموال الإيرانية، التي تشكل 90 بالمئة من ميزانية الحزب، في خطوة من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على قدراته العسكرية والاقتصادية.

وبحسب الموقع، يعتمد النشاط المالي لحزب الله بشكل أساسي على جمعية "القرض الحسن"، التي تدير حوالي 30 فرعا في لبنان وهي مسجلة لدى السلطات منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتقدم قروضا بدون فوائد مقابل ضمانات.

ووفق خبراء، فإن الهيكل العسكري لحزب الله، وخبرته التنظيمية، مكّنته من القدرة على الوصول إلى المصادر البديلة لتمويله.

ولهذا عمدت إسرائيل إلى اغتيال قادة بحزب الله مرتبطين بإدارة تمويلاته؛ حيث أعلن جيش الكيان في 21 أكتوبر 2024 أنه قتل في سوريا قياديا كبيرا في الحزب كان مسؤولا عن قسم كبير من عمليات تمويله.

طريق سوريا

ولا شك أن "إمبراطورية" حزب الله المالية القائمة على أنشطة غير مشروعة، وعلى رأسها إنتاج وتهريب المخدرات تضررت بشكل كبير عقب سقوط نظام بشار الأسد وتفتت الشبكات الممتدة إلى إيران.

فقد شدد الأمن السوري الجديد قبضته على الحدود السورية اللبنانية لمنع تهريب المخدرات بعدما دمرت مصانع المواد المخدرة التي عثر عليها بسوريا.

ويصل دخل “حزب الله” من المخدرات إلى مليار دولار سنويا، بينما كان نظام الأسد البائد يجني نحو 1.8 مليار دولار سنويا، حتى أصبحت سوريا في عهده، موطنا ومنتجا ومصدرا رئيسا للكبتاغون حول العالم، حسب وصف البنك الدولي. 

وتشكل تحالف تصدير الحبوب المخدرة في المنطقة بين حزب الله ونظام الأسد البائد، بعد تدخل الأول إلى جانب الثاني في عام 2012 من أجل قمع الثورة السورية، وباشرا العمل على إنتاج وتهريب المخدرات بعدما استُنزفا ماليا خلال الحرب في سوريا.