الائتلاف الحكومي في المغرب.. هل يحافظ على وحدته أم يؤول للتفكك؟

منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

قبل عام ونصف العام من الانتخابات التشريعية المغربية المقررة في 2026، بدأت ملامح التوتر تظهر داخل التحالف الحاكم بقيادة عزيز أخنوش. 

ورغم الصورة الظاهرة للوحدة، فإن الأحزاب الثلاثة المكونة للأغلبية بدأت في التنافس استعدادا للاستحقاق الانتخابي المقبل.

وقالت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية إنه "في الكواليس، يبدو أن كل حزب يسعى لتعزيز موقعه السياسي، سواء عبر انتقادات مبطنة داخل الحكومة أو من خلال تحركات ميدانية لجذب الناخبين". 

كما أن الصراع لم يعد يقتصر على التصريحات، بل امتد إلى داخل الوزارات؛ حيث برزت خلافات حول بعض الملفات الكبرى مثل تدبير الموارد المائية والبرامج الاجتماعية، ويسعى كل طرف إلى تسجيل إنجازات لصالحه. 

أشبه بمباراة

ورغم هذه التوترات، تنوه "جون أفريك" إلى أن "التحالف الحاكم لا يزال متماسكا حتى الآن".

واستدركت: “لكن يبقى السؤال: هل سيستمر هذا التماسك حتى 2026، أم أن الحسابات السياسية ستدفع الأحزاب إلى فك الارتباط قبل الأوان؟”

ونقلت الصحيفة ما قاله أحد قادة حزب الأصالة والمعاصرة عن التوترات بين الأحزاب الثلاثة؛ حيث لخص المشهد بقوله: إنه "أشبه بثلاثة لاعبين ينتمون إلى نفس الشركة لكنهم يدافعون عن أندية متنافسة".

ويرى هذا القائد (لم تسمه) أن "مرحلة الإحماء قد انتهت، والمنافسة لم تبدأ إلا الآن".

وكما تصف الصحيفة، فإن المنافسة بين التجمع الوطني للأحرار بقيادة أخنوش، وحزب الأصالة والمعاصرة بقيادة فاطمة الزهراء المنصوري، وحزب الاستقلال بقيادة نزار بركة، "تأخذ شكل مباراة كرة قدم".

وبينما يستعد المغرب لاستضافة مونديال 2030، وقبل عام ونصف العام من الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر/ أيلول 2026، "تشتد المنافسة في الكواليس".

وذهب البعض -وفق الصحيفة- إلى حد القول إن هذا الثلاثي منشغل بالمونديال أكثر من “فيفا” نفسها. 

ومن ناحية أخرى، لفتت إلى أنه "بينما كانت التحالفات تبدو متماسكة بلا تزعزع، بدأت تظهر انتقادات بين الحلفاء".

وأضافت "كما كشفت بعض الهجمات عن حملة انتخابية غير رسمية، يسعى فيها كل طرف إلى تعزيز موقعه".

ولكن رغم هذه الخلافات، أكدت الصحيفة الفرنسية أن "التحالف لا يزال متينا على المستوى المؤسسي".

تحت الشمس

وفي هذا الإطار، أشارت الصحيفة إلى أنه في 7 يناير/ كانون الثاني 2025، أطلق محمد أوجار، أحد كبار قادة التجمع الوطني للأحرار، شرارة المواجهة على القناة "الأولى" الرسمية.

وبحسب ما ورد عن الصحيفة، ألمح أوجار، واثقا من تحقيق النصر عام 2026، إلى أن أغلبية جديدة قد تتشكل بمشاركة أحزاب جديدة. 

لكن الانتقادات التي وجهها لإدارة قطاعي التعمير والتشغيل، وهما مجالان يشرف عليهما حزب الأصالة والمعاصرة، أثارت الجدل. 

وقد عدت هذه الهجمة استفزازا لحزب فاطمة الزهراء المنصوري، التي تشغل بدورها منصب وزيرة الإسكان، وفق ما ذكرته الصحيفة.

وفي اتصال له مع "جون أفريك"، علق أحد قياديي حزب الأصالة والمعاصرة قائلا: “عندما وجه نائبنا هشام المهاجري انتقادات لرئيس الحكومة أواخر عام 2022، عوقب فورا؛ حيث أُقيل من رئاسة لجنة الداخلية وجُمدت عضويته في المكتب السياسي.. فماذا سيفعل التجمع الوطني للأحرار مع أوجار؟”

وأضافت الصحيفة أن التوتر تصاعد أكثر عندما ظهر المهاجري مجددا في 17 يناير 2025 في صورة التُقطت بمدينة مراكش؛ حيث كان يبتسم إلى جانب فاطمة الزهراء المنصوري، في إشارة إلى أنه استعاد مكانته داخل الحزب.

وفي 10 يناير 2025، وأمام نحو 50 سفيرا اجتمعوا في المؤسسة الدبلوماسية بالرباط، عبرت وزيرة الإسكان بدورها عن طموحها لتكون في الواجهة خلال انتخابات 2026. 

وفي هذا الصدد، خلصت الصحيفة الفرنسية إلى أن ما حدث هو "إشارة واضحة إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة لا ينوي البقاء في الظل".

علاوة على ذلك، في 20 يناير 2025، أصدر المكتب السياسي بيانا يدعو فيه الحكومة إلى مراجعة "عاجلة" لخارطة طريقها في مواجهة أزمة شح المياه المستمرة. 

ويُعد هذا انتقادا غير مباشر للتجمع الوطني للأحرار، الذي يدير قطاع الفلاحة، كما أوضحت الصحيفة.

ثم في 23 يناير 2025، حذر مهدي بنسعيد، وزير الثقافة المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، من التصعيد السياسي المبكر خلال نقاش في مدينة سلا، متسائلا: "ما الرسالة التي سنوجهها للمغاربة؟"، داعيا إلى التحلي بضبط النفس.

ولكن في الكواليس، أكد الصحيفة أن "حالة التململ تتزايد داخل الحزب"؛ إذ كشفت مصادر من الأصالة والمعاصرة لـ"جون أفريك" عن وجود خلافات عديدة مع التجمع الوطني للأحرار حول ملفات حساسة.

شد وجذب

وفي حين كانت الأنظار مركزة على العلاقة بين التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، سلطت الصحيفة الضوء على أن حزب الاستقلال “كان يتحرك بهدوء لترسيخ موقعه”.

ففي 11 يناير 2025، وخلال خطاب له في مدينة الدار البيضاء، تحدث وزير التجهيز والماء، نزار بركة، عن وضع اقتصادي مقلق، مشيرا إلى أن "البطالة وتدهور أوضاع الطبقة المتوسطة وارتفاع الفجوات الاجتماعية".

وفي 17 يناير 2025، من معقله الانتخابي في مدينة العرائش، أعلن بركة عن طموحه لعام 2026، قائلا: "مهمتنا هي أن نكون صوت الشعب داخل هذه الحكومة".

وشدد على أن "الحزب لن يرضى بعد الآن بدور ثانوي".

وبحسب الصحيفة، أثارت زياراته المتكررة للمنطقة تساؤلات، حيث شملت تدشين طريق وجسر وتفقد مشاريع مائية، وهي تحركات "عُدَّت بمثابة حملة انتخابية مبكرة غير معلنة".

ثم في 27 يناير 2025، وخلال جلسة في البرلمان بحضور أخنوش، أثار تفصيل بسيط الكثير من التكهنات.

حيث اجتمع وزراء حزب الاستقلال، الذين اعتادوا الجلوس متفرقين، هذه المرة معا. 

وفي محادثة هاتفية مع "جون أفريك"، قدم مصدر مقرب من التحالف الحكومي تفسيرا بقوله: إنه "استجابة لطلبات نوابهم، قرر الوزراء ببساطة الجلوس مع كتلتهم البرلمانية"، ولكن كما أكدت الصحيفة، فإن هذا التوضيح لم يبدد الشكوك تماما.

اضطرابات وتليين

وفي هذا السياق، تحدثت الصحيفة عن أنه في 6 فبراير/ شباط 2025، أعلن نزار بركة أمام البرلمان عن استكمال ربط مائي بين سدين في العرائش، وهو مشروع أشرفت عليه وزارة التجهيز والمياه بالتنسيق مع وزارة الفلاحة.

لكن في 11 فبراير 2025، قدم أحمد بواري، وزير الفلاحة المنتمي إلى التجمع الوطني للأحرار، نفس المشروع على أنه مبادرة من وزارته، دون أي إشارة إلى دور وزارة بركة.

وعند سؤاله عن هذا التضارب، حاول المصدر السابق ذكره التخفيف من الأمر قائلا: "ثلاثة أحزاب تسعى لقيادة الحكومة في 2026، لذا من الطبيعي أن يحرص كل طرف على إبراز إنجازاته.. المهم هو ألا يؤثر ذلك على استقرار الحكومة، وبالتالي استقرار البلاد".

وأضاف أن "هذا الاستقرار قد تعزز بعد اجتماع الأغلبية في 29 يناير 2025".

ولكن في المقابل، في 15 فبراير، أشارت الصحيفة إلى أن بركة غيّر من نبرته متحدثا عن زيادات الأسعار "غير المبررة"، مطالبا باتخاذ تدابير ملموسة لحماية القدرة الشرائية. 

وبصفته قائد التحالف، كما قالت الصحيفة، يلعب التجمع الوطني للأحرار حاليا "ورقة الوحدة". 

وبحسب الصحيفة أكد مصدر من الحزب أن "الصفوف لا تزال متراصة"، قائلا: إن "الاجتماع الأخير لقادة الأغلبية جرى في جو من الهدوء والمسؤولية"؛ حيث "أعادوا التأكيد على إرادتهم في مواصلة العمل الذي تم البدء فيه".

وبالإشارة إلى أن هذه التوترات قد تتصاعد حتى عام 2026، نوَّهت "جون أفريك" إلى أن الوضع بالنسبة للتجمع الوطني للأحرار "لا يزال تحت السيطرة".

والمهم -من وجهة نظرها- هو الحفاظ على استقرار الأمور، من خلال "ضمان استمرارية الإصلاحات وتقديم حصيلة قوية في نهاية المدة".

واختتمت الصحيفة تقريرها متسائلة: “هل ستظل هذه النوايا الحسنة ثابتة حتى 2026، أم ستنفجر تحت ضغط الطموحات الانتخابية؟”