بين الرفض والتحفظ.. لماذا يعارض ابن سلمان خطة ترامب بشأن غزة؟

تأتي التحركات بشأن غزة في وقت تسعى فيه السعودية إلى تعزيز مكانتها كوسيط دولي
في ظل التوترات المتصاعدة حول مستقبل غزة، يبرز موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يرغب في التطبيع مع إسرائيل كـ"عامل حاسم في معادلة إقليمية معقدة".
فبينما يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فرض حلول تتجاهل التوازنات المحلية أبرزها خطة تهجير أهالي غزة، يرفض ابن سلمان هذا الحل؛ لأنه قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة.
وبحسب موقع "فرارو" الإيراني، ترفض السعودية الانخراط في مشاريع قد تثير غضب الشارع العربي، لكنها أيضا تحارب نفوذ الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية حماس.
تحديات أمام ترامب
وقال: إن “الرياض لا تريد أن تتحمل عبء إدارة غزة عبر تأييد خطة ترامب، وتسعى بدلا من ذلك إلى طرح بديل دبلوماسي، يعتمد على التنسيق مع دول مثل مصر والأردن وقطر، ودعم إعادة إعمار القطاع دون تمكين حماس من استغلال ذلك سياسيا”.
ويرى الموقع أنه “في المجمل، يعكس موقف ابن سلمان رؤية إستراتيجية تحاول الموازنة بين الضغوط الدولية والالتزامات العربية، مع الحفاظ على مصالح السعودية الإقليمية والسياسية”.
ونقل عن صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن رد فعل السعودية في البداية كان محدودا وضعيف التأثير تجاه أزمة غزة، لكنها أصبحت الآن أكثر نشاطا على الصعيد الدبلوماسي.
وفي هذا السياق، لفت الموقع إلى أن قادة مصر والأردن وقطر والإمارات اجتمعوا أخيرا في الرياض للتفاوض بشأن اقتراح ترامب المتعلق بمنح الولايات المتحدة السيطرة على غزة.
وتأتي هذه التحركات في وقت تسعى فيه السعودية إلى تعزيز مكانتها كوسيط دولي، خاصة استضافتها محادثات أخيرا بين روسيا وأميركا تناقش أزمة الحرب في أوكرانيا أيضا.

وفيما يخص رد فعله أمام خطة ترامب، يوضح الموقع أن ابن سلمان أعرب عن قلقه الشديد إزاء هذا المقترح المثير للجدل، والذي يشترط إعادة إعمار غزة بنقل قسري لسكانها إلى الدول المجاورة، دون عودتهم لاحقا.
وسعى ولي العهد إلى جانب القادة العرب الآخرين، إلى تقديم خطة بديلة يكون محورها الأساسي تأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها “القدس الشرقية”.
كما شدد -وفق ما ورد عن الموقع- على أن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب لن يكون ممكنا دون تحقيق هذا الهدف.
وفي هذا الصدد، يقول: إن "ابن سلمان قد ينجح في منع التهجير القسري للفلسطينيين إلى الدول المجاورة مثل مصر والأردن، أو حتى السعودية".
وجاء في البيان الختامي للقمة العربية الطارئة التي عقدت بالقاهرة في 4 مارس/آذار 2025، الإعلان عن اعتماد خطة عربية (طرحتها مصر) لإعادة إعمار غزة وفق مراحل محددة، تعد بديلا لخطة ترامب لتهجير أهالي القطاع.
واتفق المجتمعون على عقد مؤتمر دولي لإعمار غزة، في أبريل/نيسان 2025، مع اقتراح بـ"إنشاء صندوق ائتماني لإدارة التعهدات المالية لإعادة بناء القطاع، والمحافظة على الاتصال بينه وبين الضفة الغربية”.
لكن التحدي الأساسي الذي يواجه هذا الاجتماع هو إيجاد بديل لإدارة غزة، كما يرى الموقع.
وتطرق البيان الختامي للأمر دون تفصيل أو آليات عملية، حيث أكد دعم تشكيل هيئة حاكمة انتقالية في غزة بقيادة فلسطينية وتشجيع المصالحة الوطنية والإصلاحات السياسية في فلسطين.
دوافع التطبيع
وبالحديث عن اهتمام ولي العهد السعودي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يبرز الموقع أن هذا الأمر يرجع في المقام الأول إلى تقديرات داخلية.
إذ ترغب السعودية في الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية، إلى جانب المعدات العسكرية والاستخباراتية، وتسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية معها.
والأهم من ذلك، يأمل محمد بن سلمان في أن يؤدي هذا التقارب إلى تعزيز العلاقات الأمنية بين الرياض وواشنطن.
وعلى المدى الطويل، يواجه ولي العهد تحديين رئيسين لتحقيق نجاح إستراتيجي في اتفاقه مع إسرائيل.
يتمثل التحدي الأول في مقاومة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو؛ حيث يعد الأخير عقبة رئيسة أمام أي حل يتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
إذ يرفض بشكل قاطع أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية، مما يجعل تنفيذ رؤية ابن سلمان لإقامة دولة فلسطينية أكثر صعوبة، وفق الموقع.
أما بالنسبة للتحدي الثاني، فيتمثل في إخراج حركة حماس من معادلة السلطة في قطاع غزة.

وابن سلمان معروف بعدائه الشديد لكثير من الحركات الإسلامية، ويتبنى موقفا أكثر تشددا تجاه حماس، عادّا إياها العائق الرئيس أمام خطته لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وهنا، يرى الموقع أنه "حتى لو وافقت حماس على التنازل عن الإدارة المباشرة لغزة مقابل إعادة إعمارها، فإن ذلك لا يعني اختفاءها من المشهد".
ويؤكد أنه على عكس ما حدث عام 1982، عندما أُبعدت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات إلى تونس بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فإن حماس متجذرة في غزة.
وشدد على أن "الذاكرة الجماعية الفلسطينية لا تزال تحمل آثار مجزرة صبرا وشاتيلا (سبتمبر/ أيلول 1982) التي ارتكبتها المليشيات المسيحية (مليشيا حزب الكتائب اللبنانية المسلحة، وجيش لبنان الجنوبي) بعد خروج منظمة التحرير، وهو ما يجعل الفلسطينيين أكثر تمسكا بوجودهم في أراضيهم".
"وبالتالي، لن تقبل حماس بأي خطة تؤدي إلى طمس الهوية الفلسطينية، حتى لو كلفها ذلك تحمل معاناة تفوق 15 شهرا من الحرب والدمار"، وفق الموقع.
المصالح السعودية
ونتيجة لرفض السعودية خطة ترامب، يقول: إن "المقترح السعودي البديل لحل أزمة غزة يعتمد بشكل أساسي على مصالح المملكة الداخلية، إضافة إلى تقليل مخاطر عدم الاستقرار في عدد من الدول العربية، بما في ذلك الرياض نفسها".
وتابع: "التهجير القسري للفلسطينيين من غزة وإعادة توطينهم في الدول المجاورة لن يؤدي فقط إلى زيادة نفوذ حماس في هذه الدول، بل قد يخلق أيضا تحديات أمنية جديدة للأنظمة الحاكمة في المنطقة".
وأردف: "أيديولوجية الإخوان المسلمين، التي تقوم على الحكم الإسلامي وتتبنى شكلا من الديمقراطية، تمكنت من استقطاب عدد كبير من الشباب المسلمين، بمن فيهم السعوديون".
وهؤلاء الشباب "يسعون إلى نظام إسلامي ديمقراطي يعكس رؤيتهم الخاصة لمفهوم الإسلام والحكم الشعبي، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للنظم الملكية في المنطقة".
وأكمل: "يركز ابن سلمان بشكل خاص على برامج التحرير الاقتصادي والاجتماعي، عادّا قمع الحركات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين، جزءا أساسيا من هذه السياسة".
ومع ذلك، ينوه الموقع إلى أن "أي محاولة للقضاء على حماس، خاصة إذا أدت إلى تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين من أراضيهم، قد تؤدي إلى إحياء موجة جديدة من الإسلام السياسي في المنطقة، مما قد يزيد من حالة السخط الشعبي".
كما يؤكد أن "محمد بن سلمان يشعر بقلق عميق إزاء ردود فعل الرأي العام السعودي".
ولفت إلى أنه "في حال هُجر الفلسطينيون على نطاق واسع، سيُنظر إلى ولي العهد على أنه باع القضية الفلسطينية، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية بالسعودية تؤثر على استقرار المنطقة بأكملها".
قضية فلسطين
وفي هذا السياق، يلفت الموقع إلى أنه "على عكس السياسات الرسمية للحكومة السعودية، لطالما أظهر الرأي العام تضامنا ملحوظا مع القضية الفلسطينية".
ففي الفترات التي كانت تقتضي فيها المصالح السعودية ذلك، قدمت الرياض نفسها كمدافعة عن القضية الفلسطينية وزعيمة للعالم العربي والإسلامي.
لكن في السنوات الأخيرة، تبنى ابن سلمان نهجا مختلفا، مستندا إلى شعارات مثل "السعودية للسعوديين" و"اجعلوا السعودية عظيمة".

"وهي شعارات تعكس توجها مشابها لسياسات ترامب، حيث تسعى السعودية الجديدة إلى تقليل الالتزامات الإقليمية والتركيز على الشؤون الداخلية".
ومع ذلك، يؤكد الموقع الإيراني أن "القضية الفلسطينية لا تزال تحتل مكانة خاصة لدى شريحة واسعة من المجتمع السعودي، كما أنها مسألة ذات أبعاد دينية وأخلاقية بالنسبة لكثير من السعوديين".
وفي هذا السياق، عمل ابن سلمان على التحكم في هذا التضامن؛ حيث أصبح قمع المعارضين واعتقال من يعبرون علنا عن دعمهم للفلسطينيين أو يدعون إلى الاحتجاجات المؤيدة لهم إحدى الأدوات الأساسية للحكومة لكبح هذا التوجه داخل المملكة.
وفي النهاية، يبرز الموقع أنه "رغم الدمار الواسع الذي لحق بغزة، لا تستطيع أي دولة عربية، بما في ذلك السعودية، اتخاذ قرار بشأن مستقبل القطاع دون تفاعل مباشر مع الفلسطينيين أنفسهم".
وأردف: "رغم أن العديد من الدول العربية وقعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، لم تؤد هذه الخطوات إلى السلام، بل زادت التوترات".
والسبب وراء فشل هذا التطبيع واضح، وهو تهميش الفلسطينيين في هذه المعادلات، وفق قول الموقع.
وبين أن “اتفاقا حقيقيا بين إسرائيل والفلسطينيين يضمن استقلالهم وسيادتهم، هو السبيل الوحيد فقط لتحقيق سلام دائم”.
ويختتم بالقول إن "السلام لن يكون ممكنا إلا إذا أُشركت جميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس، في المفاوضات".