بوتين وأردوغان ومودي وشي.. هكذا يدير ترامب علاقاته بقادة العالم

منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

في العقدين التاليين لانتهاء الحرب الباردة، تفوقت العولمة على النزعات القومية، فيما طغت الشبكات والأنظمة المعقدة المؤسسية والمالية والتكنولوجية على دور الأفراد في السياسة.

لكن مع بداية العقد الثاني من الألفية، بدأ تحول عميق؛ إذ نجح جيل من الشخصيات الكاريزمية في تسخير أدوات هذا العصر لإحياء نماذج الماضي: القائد القوي، والأمة العظيمة، والحضارة المتفردة.

وفي هذا العالم الذي يحكمه جيل من الشخصيات الكاريزمية، سلط “مايكل كيميج”، مدير "معهد كينان" التابع لـ "مركز ويلسون"، الضوء على كيفية إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لعلاقاته مع قادة العالم، ويرى أن هذه الطريقة قد تكون فرصة للولايات المتحدة.

نزعة شعبوية مستفحلة

وفي مقال له نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، قال كيميج: "يمكن القول: إن هذا التحول بدأ في روسيا، ففي عام 2012، أنهى فلاديمير بوتين تجربة قصيرة تخلى خلالها عن الرئاسة ليشغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربع سنوات، بينما تولى حليف مطيع منصب الرئيس".

"لكنه سرعان ما عاد إلى سدة الحكم، وأحكم قبضته على السلطة، وسحق كل معارضيه، مكرسا جهوده لإحياء "العالم الروسي"، واستعادة مكانة بلاده كقوة عظمى بعد أن تلاشت بسقوط الاتحاد السوفيتي، والتصدي لهيمنة الولايات المتحدة وحلفائها".

وأضاف أنه "بعد ذلك بعامين، وصل شي جين بينغ إلى قمة السلطة في الصين، بأهداف مشابهة لبوتين، لكنها أوسع نطاقا بكثير، مع امتلاك الصين قدرات تفوق بكثير ما تملكه روسيا".

"وفي عام 2014، أكمل ناريندرا مودي صعوده السياسي الطويل إلى منصب رئيس وزراء الهند، حاملا معه طموحات هائلة لبلاده، ومرسخا القومية الهندوسية كأيديولوجيا مهيمنة. وفي العام نفسه، انتقل رجب طيب أردوغان، الذي أمضى أكثر من عقد كرئيس وزراء قوي، إلى موقع الرئاسة في تركيا".

ربما كانت اللحظة الأكثر تأثيرا في هذا التحول العالمي -وفق المقال- هي فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة عام 2016، حيث رفع شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددا" و"أميركا أولا"، معبرا عن نزعة شعبوية قومية مناهضة للعولمة كانت تتنامى داخل الغرب وخارجه، حتى في ظل ترسخ النظام الدولي الليبرالي بقيادة واشنطن.

لكن ترامب لم يكن مجرد راكب لموجة عالمية -بحسب المقال- بل استمد رؤيته لدور الولايات المتحدة من مصادر أميركية خالصة، منها حركة "أميركا أولا" الأصلية التي بلغت ذروتها في ثلاثينيات القرن الماضي، والتيار اليميني المناهض للشيوعية في الخمسينيات.

وتابع: "لبرهة، بدا أن هزيمة ترامب أمام جو بايدن في انتخابات 2020 تمثل عودة إلى المسار السابق، حيث استأنفت الولايات المتحدة دورها ما بعد الحرب الباردة، مستعدة لتعزيز النظام الليبرالي وكبح المد الشعبوي".

"لكن في أعقاب عودة ترامب الاستثنائية، يبدو الآن أن بايدن، وليس ترامب، كان مجرد استراحة قصيرة عن المسار الفعلي، حيث بات ترامب ونظراؤه من دعاة العظمة الوطنية هم من يحددون الأجندة العالمية".

قادة متسلطون

ووصفهم كيميج بأنهم "قادة متسلطون يرون في الأنظمة القائمة على القواعد والتحالفات والمنتديات الدولية عوائق لا قيمة لها، يحتفون بالمجد السابق والمستقبلي لبلدانهم، ويستندون إلى تفويض شبه أسطوري لحكمهم".

"ورغم أن برامجهم قد تتضمن تغييرات جذرية، فإن إستراتيجياتهم السياسية تستند إلى نزعات محافظة، متجاوزة النخب الليبرالية الحضرية الكوزموبوليتية، ومتوجهة إلى قواعد شعبية تحركها نزعة إلى التقاليد وتوق إلى الانتماء"، وفق المقال.

وأردف أنه "في بعض الجوانب، تعيد رؤى هؤلاء القادة صدى نظرية "صدام الحضارات" التي تصورها عالم السياسة صامويل هنتنغتون في أوائل التسعينيات كمحرك للصراعات العالمية بعد الحرب الباردة".

وأكد أنهم "يجسدونها بأسلوب استعراضي ومرن أكثر منه قاطعا أو متعصبا، أي أنه نسخة مخففة من صدام الحضارات، عبارة عن سلسلة من الإيماءات وأسلوب قيادة يعيد تشكيل التنافس على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في صورة صراع بين دول حضارية تحمل طابع الحملات العقائدية".

وأفاد بأن "هذا الصراع يأخذ طابعا بلاغيا في بعض الأحيان، مما يمنح القادة حرية توظيف لغة الحضارة وسردياتها دون الالتزام الصارم برؤية هنتنغتون أو بتقسيماته المبسطة، فعلى سبيل المثال روسيا الأرثوذكسية في حرب حاليا مع أوكرانيا الأرثوذكسية، وليس مع تركيا المسلمة".

وفي المؤتمر الجمهوري لعام 2020، قُدِّم ترامب بصفته "حارس الحضارة الغربية"، أما القيادة في الكرملين، فقد طورت مفهوم "الدولة الحضارية" لتبرير سعيها للهيمنة على بيلاروسيا وإخضاع أوكرانيا.

وفي قمة الديمقراطية لعام 2024، وصف مودي الديمقراطية بأنها "شريان الحياة للحضارة الهندية"، بينما أعلن أردوغان في خطاب عام 2020 أن "حضارتنا هي حضارة الفتح".

وفي خضم هذا المشهد، يشير الكاتب إلى أن ترامب "يفضل الأفراد على الحكومات، والعلاقات الشخصية على التحالفات الرسمية".

وأضاف أنه "على الرغم من أن ألمانيا حليف للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وروسيا خصم تقليدي، فقد اصطدم ترامب بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال ولايته الأولى، بينما عامل بوتين باحترام".

لا لبناء الأمم

"والدول التي يتصارع معها ترامب أكثر من غيرها، هي تلك الواقعة داخل الغرب نفسه، ولو كان هنتنغتون حيًّا لوجد ذلك محيرا"، بتقدير أنه يرى الصدام بين حضارة وغيرها، وليس داخل الحضارة الواحدة.

وقال: "في ظل إدارة بايدن وسابقيه، باراك أوباما وجورج بوش الابن، واجهت روسيا والصين ضغوطا ممنهجة من واشنطن، فقد بقيت موسكو وبكين خارج النظام الدولي الليبرالي، جزئيا باختيارهما، وجزئيا لكونهما ليستا ديمقراطيتين".

"وقد بالغ القادة الروس والصينيون في تصوير هذه الضغوط، وكأن تغيير الأنظمة كان سياسة أميركية فعلية، إلا أنهم لم يكونوا مخطئين في استشعار تفضيل واشنطن للتعددية السياسية، والحريات المدنية، والفصل بين السلطات"، وفق المقال.

واستدرك: "مع عودة ترامب إلى السلطة، تلاشت تلك الضغوط، فشكل الحكومات في روسيا والصين لا يشغل باله، إذ يرفض تماما بناء الأمم وتغيير الأنظمة".

"ورغم بقاء مصادر التوتر، فإن الأجواء العامة ستكون أقل احتداما، ما قد يتيح مزيدا من التبادل الدبلوماسي، وقد يشهد المثلث "بكين-موسكو-واشنطن" مزيدا من المساومات في القضايا الثانوية، وانفتاحا أكبر على التفاوض وإجراءات بناء الثقة في مناطق الصراع والتنافس".

وتابع أنه "إذا تمكن ترامب وفريقه من تبنّيها، فقد تثمر الدبلوماسية المرنة- القدرة على إدارة التوترات المستمرة والصراعات المتغيرة- مكاسب كبيرة"

"فهو أقل الرؤساء الأميركيين تمسكا بعقيدة وودرو ويلسون منذ ويلسون نفسه، إذ لا يجد فائدة تُذكر في الهياكل الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا".

"وبدلا من ذلك، قد يتعامل هو ومستشاروه، خاصة القادمين من عالم التكنولوجيا، مع الساحة الدولية بعقلية الشركات الناشئة، أي بصفتها كيانات تُبنى سريعا وقد تزول سريعا، لكنها تملك القدرة على التكيف السريع والإبداعي مع متغيرات اللحظة".

وأوضح أن "الأسلوب الدبلوماسي العفوي قد يجعل من السهل استثمار الحظ الإستراتيجي، وتقدم الثورات التي شهدتها أوروبا عام 1989 مثالا جيدا على ذلك".

"إذ غالبا ما يُنظر إلى انهيار الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي على أنه إنجاز مُخطط له بإحكام من قبل واشنطن، لكن سقوط جدار برلين لم يكن نتيجة لإستراتيجية أميركية، كما أن انهيار الاتحاد السوفيتي لم يكن متوقعا من قبل الحكومة الأميركية؛ بل كان الأمر محض صدفة وحظ".

وقال: إن "فريق الأمن القومي للرئيس جورج بوش الأب كان متميزا ليس في التنبؤ بالأحداث أو السيطرة عليها، بل في التعامل معها بذكاء، متجنبا المبالغة التي قد تستفز الاتحاد السوفيتي، أو التراخي الذي قد يؤدي إلى خروج ألمانيا الموحدة من حلف الناتو".

وأكد أن "بهذه الروح، ينبغي لإدارة ترامب أن تكون جاهزة لاقتناص اللحظة، ولتحقيق أقصى استفادة من الفرص التي قد تلوح في الأفق، فإن عليها ألا تُقيد نفسها بالنظم والهياكل، وألا تنشغل بها على حساب المرونة في اتخاذ القرار".


المصادر