سقوط الثلاثية.. هل بدأت حكومة لبنان في تطبيق قرارات نزع سلاح حزب الله؟

يوسف العلي | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع منح البرلمان اللبناني حكومة نواف سلام، الثقة بأغلبية 95 صوتا من أصل 128، تحدث رئيس البلاد، جوزيف عون، عن الالتزام بتطبيق القرار رقم 1701، القاضي بنزع سلاح الأحزاب وحصره بيد الدولة، وأن هذا الشيء جرى في "المخيمات غير الرسمية".

وفي غضون ذلك، طالب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في 16 فبراير/ شباط 2025، بتطبيق القرارين الأمميين (1559) و(1701)، لنزع سلاح حزب الله بالكامل، مضيفا: أن إسرائيل تفضل أن يقوم جيشها بذلك.

وفي عام 2004، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1559، والذي ينص على أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية، وحل جميع “المليشيات اللبنانية” ونزع سلاحها، إضافة إلى ضمان انسحاب جميع القوات غير اللبنانية من لبنان.

أما القرار 1701 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 2006، بهدف إنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله في العام نفسه، فهو يلزم بضرورة تطبيق بنود القرار 1559، والذي يقضي بنزع السلاح، وإرسال الجيش إلى جنوب نهر الليطاني.

فهل تنجح الحكومة الجديدة في لبنان في تحقيق ما عجزت عنه حكومات عديدة من قبل في ظل متغيرات دولية وإقليمية متباينة ومتلاحقة؟

"نزع السلاح"

بعد نيل حكومة سلام الثقة، في 25 فبراير/شباط 2025، قال رئيس الجمهورية اللبناني، جوزيف عون، خلال مقابلة صحفية، إنه "إذا أردنا أن نتحدث عن مفهوم السيادة، فمفهومها حصر قرارَي الحرب والسلم بيد الدولة، واحتكار السلاح أو حصر السلاح بيد الدولة". 

وعند سؤاله عن حصر السلاح بيد الدولة، قال عون لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودي في 2 مارس/آذار 2025، إن "الظروف تتحكم في تحقيق الهدف الأساسي، وأكيد مع انتشار الجيش على مساحة الأراضي اللبنانية كافة. لم يعد مسموحا لغير الدولة بحماية الأرض".

وأشار عون إلى أن "السياسة بنت الظروف، وأن الظروف هي من تفرض نفسها. أكيد هذا هدفنا (حصر السلاح بيد الدولة). بالأمس الحكومة نالت الثقة، ومؤكد سنبدأ العمل لتحقيق هذه الأهداف".

وبخصوص تطبيق قرار (1701)، قال عون: إن "رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب ملتزمون بتطبيقه منذ عام 2006، فإذن هذا ليس محل بحث. وبدأنا به في الجنوب وأعطيناه الأفضلية".

وتابع: "وإذا نظرت إلى الأراضي اللبنانية كافة؛ فالمخيمات التي هي خارج ما يسمى (المخيمات الطبيعية) كلها تم تفكيكها ونزع السلاح منها. نتابع التركيز على الجنوب وهناك تعاون من الجميع، ولاحقا نعود إلى مرحلة أخرى؛ لأننا نريد أن نمشي خطوة بخطوة لنحقق هذا الشيء".

وأردف: "أعود لأؤكد أن الدولة بمؤسساتها كافة ملتزمة بتطبيق القرار 1701. ولكن لا يمكنني إعطاء توقيت محدد. فكيفما تتحرك الظروف نحن جاهزون، نريد سرعة وليس تسرعا".

وعن مدى تجاوب جميع الأطراف مع تطبيق القرار 1701، أوضح عون أنه "في الجنوب التجاوب كامل"، مشيدا في الوقت نفسه بخطاب الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الذي أشار في محطات عدة بكلمته إلى "الدولة"، وحديثه أيضا عن دور الجيش الكبير في الدفاع عن السياسة والأمن". 

ولم يستبعد الرئيس اللبناني تعرض لبنان إلى ضغوط أميركية، لكنه أكد أن "التعامل معه يخضع للتوافق الوطني. وحتى الآن لم نرَ أي ضغط أساسي بكل صراحة. كل المطلوب تطبيق القرار 1701، والإصلاحات. وهذه نراها مطالب وليست ضغوطا".

ولدى تلاوته البيان الوزاري أمام البرلمان لنيل الثقة، أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على وجوب "احتكار الدولة حمل السلاح وتطبيق القرار 1701 كاملا دون اجتزاء أو انتقاء".

وشدد على أن "احتكار السلاح حق للدولة فقط ونريد دولة تملك قرار الحرب والسلم، ونريد دولة وفية للدستور والوفاق الوطني والشروع في تطبيق ما بقي في هذه الوثيقة من دون تأخير".

وأكد سلام التزام حكومته بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها حصرا".

"سقوط الثلاثية"

شكل خطاب رئيس الحكومة نواف سلام، تطورا لافتا في انتقاء المفردات، وذلك باستبعاد ما كان يُعرف ببند "المقاومة" من بيانه الوزاري، بعد أن كانت معادلة "الجيش، الشعب، المقاومة" حاضرة في بيانات الحكومات السابقة.

وطالما أدرجت هذه المعادلة بشكل مباشر أو غير مباشر، في جميع البيانات الوزارية على مدى سنوات، في محاولة لمنح شرعية لسلاح "حزب الله" اللبناني، الذي تزداد المطالبات بنزعه، خصوصا في ظل المرحلة الحالية.

ورغم هذا التغيير، منح "حزب الله" عبر كتلته البرلمانية الثقة للحكومة الجديدة، في خطوة تعكس مقاربته الحذرة للمتغيرات الداخلية والإقليمية، إثر الخسائر التي تكبدها الحزب والمشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

وفي هذه النقطة تحديدا، رأى المحلل السياسي اللبناني، جورج العاقوري، أن غياب المصطلحات التي كانت تستخدم سابقا لإضفاء شرعية على سلاح "حزب الله" في البيانات الوزارية هو تطور طبيعي في ظل المرحلة الحالية.

ورأى العاقوري خلال تصريح لموقع قناة "الحرة" الأميركية، أن "الحزب نفسه أسقط ثلاثيته المعهودة عندما خاض حرب 8 أكتوبر منفردا، دون العودة إلى الجيش أو الشعب عبر النواب في البرلمان الذين منحهم أصواته".

وأكد الخبير اللبناني أن "هذه المعادلة لم تكن سوى غطاء سياسي يبرر تفرده بقرار السلاح، بعيدا عن أي شراكة حقيقية مع مؤسسات الدولة وشعبها".

وحسب العاقوري، فإن "المرحلة الحالية فرضت تجاوز هذه المعادلة نهائيا، خاصة مع حكومة سلام، التي تشكلت وفق معايير تعكس اتجاها واضحا نحو احتكار القوى الشرعية للسلاح وحصيرته بيد الدولة التزاما بالدستور واتفاق الطائف والقرارات الدولية وخطاب قسم الرئيس جوزيف عون".

وأشار إلى أن "الأمر يعني عمليا طي صفحة حزب الله على الصعيد العسكري. ولم يكن الأخير ليقبل بشطب المقاومة من البيان الوزاري، لو كان حقق انتصارا في معركته الأخيرة مع إسرائيل".

وأعرب الخبير عن اعتقاده بأن "حزب الله وافق على اتفاق وقف إطلاق النار لعدم قدرته على فرض إيقاعه في المعركة، وموافقته على الهدنة تعكس التزاما واضحا بالقرارات الدولية، بما فيها القرار 1701".

وبيّن العاقوري أن "خضوع الحزب يعكس إدراكه "لحدود قدراته العسكرية، وتصريحات الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، خلال تشييع حسن نصر الله، أكدت هذا الواقع، حين أقر بأن موافقتهم على الاتفاق جاءت انطلاقا من عدم وجود أفق سياسي أو عسكري لاستمرار المواجهة".

ولفت إلى أن إسقاط هذه المعادلة من البيان الوزاري "لا يقتصر على كونه مطلبا داخليا للقوى السيادية، بل يأتي أيضا نتيجة ضغوط دولية متزايدة لإنهاء الدور العسكري للحزب كشرط لاستعادة الثقة بلبنان ولتقديم أي مساعدة جدية له إلى جانب اشتراط سيره بالإصلاحات".

وشدد العاقوري على أن "هذا التوجه بدأ في التبلور منذ الحكومات الأخيرة؛ حيث لم تعد الصيغة تذكر حرفيا، بل تم استبدالها بالتأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وردّ اعتداءاته، واسترجاع الأراضي المحتلة".

"نزع تدريجي"

وفي السياق ذاته، قالت "مجموعة الأزمات الدولية" خلال تقرير لها في 27 فبراير/شباط 2025، إن "اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان لا يزال هشا، مما يطرح تساؤلات بشأن تداعيات الحرب، وتمتد لتشمل مدى تمسك القوى المعارضة للحزب بمطلب نزع سلاحه وفقا لما ينص عليه الاتفاق".

وأضافت المجموعة أن "تداعيات الحرب مع إسرائيل أعادت النقاش بشأن دور حزب الله العسكري في لبنان؛ إذ يرى الأخير أنه انتصر في المعركة رغم تفوق إسرائيل عسكريا، لكن خصومه يرون أنه مسؤول عن جر البلاد إلى حرب مدمرة، قبل أن يوافق لاحقا على شروط هدنة قاسية".

وأفاد التقرير بأن “الضربات التي تلقاها حزب الله من إسرائيل لم تؤدِ إلى انهيار قدراته العسكرية بالكامل، وأن الأخير لا يزال يحتفظ بقوة قتالية معتبرة مقارنة بمنافسيه المحليين، كما أنه وحليفه الرئيس "حركة أمل” لا يزالان يتمتعان بنفوذ سياسي واسع داخل البرلمان والحكومة الجديدة رغم تقديمهما بعض التنازلات".

ورأت مجموعة الأزمات أن "محاولة فرض نزع سلاح حزب الله بالقوة لن تكون ناجحة، ومن غير المرجح أن يرضخ الحزب لمثل هذه الضغوط".

وعدد تقرير المجموعة الأسباب التي تجعل الحزب يرفض التخلي عن سلاحه، ومنها: 

  • القدرة على مواجهة التهديد الإسرائيلي: حزب الله يرى أن إسرائيل لا تزال تشكل تهديدا مباشرا للبنان، خاصة بعد تدخلها العسكري في سوريا وسعيها لتغيير موازين القوى في المنطقة.

  • عدم الثقة في الدولة اللبنانية: الحزب يعتقد أن الدولة غير قادرة على حماية البلاد من التهديدات الخارجية، مما يجعله يرى في المقاومة ضرورة لحماية لبنان.

  • الدعم الشعبي داخل الطائفة الشيعية: رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها الحزب فإنه لا يزال يتمتع بدعم قوي داخل بيئته الحاضنة، مما يعزز موقفه في رفض التخلي عن سلاحه.

وأوصى تقرير مجموعة الأزمات "القوى السياسية اللبنانية بالتحرك بحذر وتدريجيا في مسألة نزع سلاح حزب الله لتجنب التصعيد"، داعيا "الدول الأجنبية إلى الامتناع عن التدخل المباشر في هذا الملف".

وأشارت المجموعة إلى أن تعزيز الاستقرار اللبناني يتطلب "العمل مع الحكومة الجديدة على تقديم المساعدات الإنسانية ودعم جهود إعادة الإعمار. ويمكن للجهات المانحة دعم الجيش من خلال تقديم مخصصات مالية لتعويض الرواتب المنخفضة، إضافة إلى الضغط الدبلوماسي على جميع الأطراف للالتزام بشروط اتفاق وقف إطلاق النار".