مرمى النيران.. هكذا تتأثر مصر وسوريا وليبيا بتطورات الأزمة الأوكرانية

منذ ١٢ دقيقة

12

طباعة

مشاركة

أحدثت الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا صدى يتجاوز حدود أوروبا؛ حيث كان للشرق الأوسط نصيب كبير من تداعياتها.

وبينما يتركز الاهتمام العالمي على حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأمن الطاقة والاقتصاد الأوروبي، تبقى آثار الحرب على دول مثل مصر وسوريا وليبيا أقل تغطية.

فهذه الدول -التي تربطها علاقات تاريخية بروسيا وتعتمد بدرجات متفاوتة على الواردات الأوكرانية والروسية- تواجه انعكاسات اقتصادية وسياسية عميقة جراء هذه الحرب المستمرة.

ووصف موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي الشرق الأوسط بأنه “عالق في مرمى النيران مع تغيّر موازين القوى العالمية بفعل حرب روسيا وأوكرانيا”. 

وأشار إلى أن عدم الاستقرار الاقتصادي في مصر، وانسحاب القوات الروسية من سوريا، وتحولات التحالفات في ليبيا تعكس التأثير العميق للحرب على المنطقة.

القمح والحياد

بالنسبة لمصر، تمثّل واردات القمح مصدر القلق الرئيس؛ حيث يعد القمح ركيزة أساسية في إمداداتها الغذائية، وفقا للموقع.

وقبل الحرب، كانت مصر تعتمد على أوكرانيا وروسيا لتوفير نحو 80 بالمئة من احتياجاتها من القمح، لكن الصراع عطّل هذا التدفق بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز وتفاقم التضخم. 

ونتيجة لذلك، اضطرت مصر إلى البحث عن موردين بديلين، مثل فرنسا والهند، لكن غالبا بتكلفة أعلى.

وتحدث الأستاذ السابق في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وليد قزيحة، إلى "ذا ميديا لاين" عن هذا الوضع قائلا: "بالنسبة لأوكرانيا، كانت قضية القمح أساسية للغاية لمصر؛ لأنها تمس قوت الشعب، وكان لا بد من الحفاظ على هذا الإمداد".

واستدرك: “مع ذلك، حافظت مصر على علاقات قوية مع موسكو، مستفيدة من الاتفاقيات الاقتصادية وتدفق السياح الروس”.

وأضاف قزيحة أن "قدرة مصر على الحفاظ على علاقتها مع كلا البلدين تعتمد على وضع السوق الدولية وما إذا كانت تمتلك ميزة مالية تسمح بذلك".

وأوضح الموقع أن "الرأي العام في مصر لا يزال إلى حد كبير بعيدا عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا".

فيما قال قزيحة: "يُنظر إلى الصراع على أنه قضية أوروبية، وليس تهديدا مباشرا، فيما ينشغل المصريون حاليا بالحرب على غزة".

وأضاف "مع ذلك، لم يغب عن القاهرة التباين في السياسة الأميركية، حيث تمارس واشنطن ضغوطا على أوكرانيا للتوصل إلى تسوية، بينما تقدم دعما عسكريا غير مشروط لإسرائيل".

تحول في الأولويات

وفي سوريا، كان للحرب تأثير كبير، خاصة مع تحول التركيز العسكري الروسي، فمع إعادة انتشار القوات الروسية في أوكرانيا، بات نظام بشار الأسد أكثر عرضة للخطر.

وأدى تراجع نفوذ موسكو إلى تصاعد التحركات التركية في الشمال السوري، بحسب الموقع.

بدوره، قال رئيس القسم السياسي والجيوسياسي في شركة "بازلاين" للاستشارات الاستخباراتية بدمشق، أنس الكردي، إن "الحرب في أوكرانيا أضعفت الوجود الروسي داخل سوريا وأجبرت نظام الأسد على البحث عن قنوات دعم جديدة".

وأضاف: "احتاجت روسيا إلى قواتها في أماكن أخرى، مما شجع جماعات المعارضة في إدلب، مثل هيئة تحرير الشام".

ورغم استياء السوريين من روسيا لدعمها الأسد، إلا أن اهتمامهم بالحرب الأوكرانية يبقى محدودا، وفق الموقع الأميركي.

وقال الكردي: "يريد السوريون إضعاف روسيا بسبب علاقاتها السابقة مع الأسد، لكنهم لا يدركون تماما تعقيدات الحرب الأوكرانية، لذا لا يتبنون موقفا حاسما تجاهها".

وأضاف: "مع ذلك، تزداد المخاوف من أن أي تقارب أميركي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يعيد لموسكو قبضتها الإستراتيجية على سوريا".

وأوضح أنه "إذا توصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى صفقة بشأن أوكرانيا، فستستعيد روسيا بعض نفوذها في سوريا، صحيح أنه لن يكون كما كان في السابق، لكننا لا نزال نخشى ذلك".

مشهد متشابك

وبخصوص ليبيا، فإن المشهد الجيوسياسي هناك غارق بالفعل في التدخلات الخارجية، وجاءت الحرب الروسية-الأوكرانية لتزيد المشهد تعقيدا.

وقال الموقع: إن “روسيا تحتفظ بوجود عسكري في شرق ليبيا دعما للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، بينما تدعم تركيا الحكومة الشرعية في الغرب”.

واستطرد: “رغم أن الحرب في أوكرانيا قد شغلت موسكو مؤقتا، مما قلّص نفوذها في ليبيا، إلا أن الخبراء يحذرون من أن هذا الوضع قد يتغير”.

من جهته، استعرض الخبير في الشأن الليبي، مصباح عمر، ثلاثة سيناريوهات محتملة، “اتفاق بين روسيا وتركيا، أو تفاهم بين واشنطن وموسكو، أو استمرار حالة التشرذم، وإذا تحقق السيناريو الأخير، فقد تصبح ليبيا وسوريا ورقتي مساومة في مقابل أوكرانيا”.

وأوضح أن "المزاج العام في ليبيا يعكس حالة من الإنهاك تجاه الصراعات الدولية".

وقال عمر: إن "معظم الليبيين منشغلون بأزماتهم الداخلية إلى حد يجعلهم غير قادرين على تبني موقف حاسم تجاه روسيا أو أوكرانيا".

واستدرك: "مع ذلك، تظل هناك مخاوف بشأن نهج واشنطن، فإذا كان اللقاء بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الأميركي ترامب مؤشرا، فإن التحالفات الأميركية باتت تخضع لمنطق الصفقات، مما يعني أن على كل حليف أن يكون حذرا من الآن فصاعدا".

وأشار عمر أيضا إلى الجهود الأميركية الأخيرة لتوحيد الفصائل المسلحة في ليبيا.

وقال: "حاليا، هناك تحركات من المملكة المتحدة والولايات المتحدة لمحاولة توحيد الفصائل المسلحة الليبية، بل إنهما بدأتا تدريبات عسكرية في سرت"، مضيفا أن "هذا يشير إلى تزايد الاهتمام الغربي بمواجهة النفوذ الروسي في ليبيا".

نفوذ متضائل

ومع استمرار الحرب، سلط اللقاء الأخير بين زيلينسكي وترامب في البيت الأبيض الضوء على تحول كبير في خطاب السياسة الخارجية لواشنطن.

فقد أثارت لهجة ترامب المتشددة تجاه زيلينسكي مخاوف بين الحلفاء بشأن التزام واشنطن بشراكاتها.

وأشار أنس الكردي إلى أن تصريحات ترامب قد تنطوي على صفقة محتملة بين واشنطن وموسكو، قائلا: "إذا كان ترامب يسعى إلى مصالحة مع بوتين، فقد تتمكن روسيا من العودة إلى سوريا بدعم أميركي بشكل أو بآخر".

واتفق عمر مع هذه المخاوف، مضيفا أن "تشدد ترامب مع أوكرانيا، مقابل مضاعفة دعمه لإسرائيل، يجعل التحالفات الأميركية تبدو خاضعة للمساومات".

وقد لخّص الكردي حجم الرهانات والمخاطر بوضوح: "العالم بحاجة إلى إنهاء هذه الحرب، لكن يجب أن تنتهي بانتصار أوكرانيا، لا عبر استرضاء بوتين".

وأضاف عمر أنه "إذا بدأت واشنطن في تقديم الصفقات على المبادئ، فقد يشهد الشرق الأوسط مزيدا من الاضطرابات في المستقبل".

ومن مصر، خلص قزيحة إلى القول بأن "التناقضات في السياسة الأميركية لم تغب عن أنظارنا' حيث نرى الفجوة بين طريقة تعامل واشنطن مع أوكرانيا مقارنة بإسرائيل، وهذا يثير تساؤلات حول طبيعة التحالفات الحقيقية".

ومع استمرار الصراع بين القوى العالمية، تبقى حقيقة واحدة ثابتة -وفق الموقع- وهي أن الشرق الأوسط، الذي كان دائما ساحة للحروب بالوكالة والتدخلات الخارجية، لن يكون بمنأى عن تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية.