"لا أرض أخرى".. لماذا أغضب الفيلم الوثائقي الفائز بالأوسكار حكومة نتنياهو؟

أهمية الفيلم أنه بمثابة دعوة فلسطينية عبر السينما لوقف التطهير العرقي الصهيوني
في قاعة مليئة بالصهاينة من صناع السينما الأميركية، فاز فيلم فلسطيني، شارك فيه مخرج وصحفي استقصائي إسرائيلي معارض لنهج حكومة الاحتلال، بجائزة "الأوسكار" لأفضل فيلم وثائقي طويل.
ووسط تصفيق حار في مسرح هوليوود، أعلن فوز فيلم "لا أرض أخرى" No Other Land، وهو عنوان يُعبر عن رفض أي مكان آخر للفلسطينيين سوى أرضهم الأصلية.
ألقى الفيلم الضوء، على الممارسات الإسرائيلية في صورة قصة أسرة فلسطينية، من مئات الأسر التي تتعرض للتهجير ونهب منازلها في الضفة الغربية المحتلة، مع ما يواكب ذلك من جرائم يرتكبها جنود الاحتلال ومستوطنوه.
وأعد الفيلم المخرجان الفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، الذي قال: إنه تلقى تهديدات بالقتل من المستوطنين المتطرفين في إسرائيل لأن الفيلم يفضح جرائمهم ضد الفلسطينيين.

القصة والأهمية
أهمية الفيلم أنه بمثابة دعوة فلسطينية، عبر السينما لوقف التطهير العرقي الصهيوني ضد الفلسطينيين وإنهاء طردهم من أرضهم؛ ما أسهم في محو وفضح الرواية الإسرائيلية المزيفة.
كما أن مشاركة إسرائيلي يعارض الحرب وإبادة غزة، في الفيلم بصورة مشتركة مع المخرج الفلسطيني، جعل له أرضية قبول أكبر في الغرب.
وربما أسهم في فوزه بدون خشية من اتهامات "معاداة السامية"، السيف المسلط على الفنانين والطلاب وغيرهم، وفق صحف أميركية.
وصدر الفيلم في نفس يوم بدء حرب تجويع أهالي غزة في ثالث أيام رمضان من قبل حكومة الاحتلال بعد إغلاق المعابر ومنع المساعدات الإنسانية.
وكانت دعوة صُناع الفيلم الوثائقي، لوقف جرائم الاحتلال في غزة والضفة بل وانتقادهم السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل أمام جمهور الأوسكار، مكسبا كبيرا دحض السردية الإسرائيلية الكاذبة عما يجرى في الأرض المحتلة.
لذا أثار الفيلم غضبا في إسرائيل، وأحرج يهود أميركا، ليجرى التضييق عليه لمنعه من العرض في أميركا ودول أوروبية؛ حيث يمتلك اليهود غالبية قاعات العرض وشركات التوزيع في هوليوود.
واتهموا السياسة الخارجية الأميركية بأنها "تساعد في عرقلة الطريق إلى السلام" بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية 3 مارس/آذار 2025.
يلخص الفيلم الوثائقي ما يفعله الاحتلال والمستوطنون يوميا من طرد الفلسطينيين من أرضهم ومنازلهم، وما يجرى من إبادة وتطهير عرقي، ويرد بذلك بصورة وثائقية على الدعاية الإسرائيلية.
يصور قصة أسرة فلسطينية تُهجرها حكومة الاحتلال من منزلها في قرية مسافر يطا، الواقعة في الضفة الغربية ضمن سياسات التوسع الاستيطاني، وتهويد الأرض المحتلة عام 1967.
ويظهر الفيلم الشاب الفلسطيني "باسل عدرا" وهو يقاوم التهجير القسري لشعبه على يد الجيش الإسرائيلي في "مسافر يطا" بالضفة الغربية.
وأيضا يظهر كيف يعمل الاحتلال على طرد الفلسطينيين خارج منازلهم ثم هدمها بالبلدوزر بحجة إنشاء منطقة تدريب عسكرية، أو مستوطنة جديدة.
وتحاول سلطات الاحتلال منذ عقود إخلاء سكان التجمع الفلسطيني "مسافر يطا" البالغ عددهم نحو ألف نسمة من أجل إنشاء "منطقة إطلاق نار" عسكرية، أو أرض تدريب للقوات الإسرائيلية.
وخلال الفيلم، يتعاطف الصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام، المعارض لنهج حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، ويصبح صديقا للفلسطيني "عدرا"، لكن علاقتهما تواجه تحديات بسبب الفجوة بين ظروف معيشتهما.
إذ يعيش الفلسطيني في الضفة محكوما بقانون الطوارئ العسكري الإسرائيلي وبالتالي فهو بلا حقوق.
بينما الإسرائيلي في نفس المكان يعيش متمتعا بالقانون المدني التابع للاحتلال وله حقوق وحريات كاملة، في أبلغ تعبير عن الفصل العنصري.
وحرص صناع الفيلم خلال الأحداث على إبراز توفر عوامل الأمان ومقومات الحياة للمستوطنات الموجودة في المنطقة المحتلة، مقابل هدم منازل الفلسطينيين بالجرافات وقطع مواسير المياه وخطوط الكهرباء التي تغذي مساكنهم المتواضعة.

نداء ورفض
لم يكتف مخرجا الفيلم بالوقوف فوق المسرح لتسلم جائزة الأوسكار؛ بل حرصا على توجيه نداء عالمي من أجل العدالة للفلسطينيين ووقف التطهير العرقي ضدهم.
وتحولت خطاباتهم في حفل توزيع جوائز الأوسكار، لخطب سياسية تنتقد ليس فقط سياسات الاحتلال ولكن أيضا السياسة الخارجية الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، وفق صحيفة "هوليود ريبوتر" 2 مارس 2025.
باسل عدرا وقف يخطب قائلا: "ندعو العالم إلى اتخاذ إجراءات جادة لوقف الظلم ووقف التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني".
بدأ خطاب تسلمه لجائزة الأوسكار قائلًا: "منذ حوالي شهرين، أصبحت أبًا، وأملي لابنتي ألا تعيش نفس الحياة التي أعيشها الآن، حيث الخوف الدائم من عنف المستوطنين وهدم المنازل والخوف من التهجير الذي يعيشه مجتمعي ويواجهه كل يوم".
وطالب العالم بـ"وقف الظلم والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني"، ما نال استحسان وتعاطف الحاضرين وصفقوا له بحرارة، حيث كان حاضرا عدد من مؤيدي فلسطين من الفنانين وصناع السينما الأميركية.
أما الإسرائيلي "أبراهام"، المعارض لليمين الصهيوني الحاكم، فقال: "صنعنا هذا الفيلم، فلسطينيون وإسرائيليون، لأن أصواتنا معا أقوى، ونرى مع بعضنا البعض الدمار الوحشي الذي حل بغزة وشعبها، والذي يجب أن ينتهي"، وفق قوله.
ومع أنه لم ينس أن ينتقد احتجاز المقاومة أسرى إسرائيليين في غزة، قال "أبراهام: "عندما أنظر إلى باسل، أرى أننا غير متساويين".
"نعيش في نظام حاكم (إسرائيل)، حيث أنا حر بموجب القانون المدني وباسل يخضع للقانون العسكري الذي يدمر حياته ولا يمنحه أي سيطرة على مصيره".
وحرص كل من باسل وأبراهام على انتقاد السياسة الأميركية التي قالا إنها تساعد في عرقلة الطريق للحل والسلام في الأرض المحتلة.
كان لافتا أن "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، انتقدت الفيلم، وبررت ذلك بأن الفيلم كان بقيادة فلسطينيين وإسرائيليين.
أكدت في بيان أن الفيلم "ينتهك المبادئ التوجيهية المناهضة للتطبيع لحركة المقاطعة؛ لأن بعض أعضاء فريق الإنتاج الإسرائيليين "ليسوا من الداعمين للحقوق الشاملة للشعب الفلسطيني".
لكن مجلة "972+" التي يصدرها إسرائيليون وفلسطينيون وتعارض الاحتلال، قالت في تقرير نشرته 7 مارس 2025: إن فيلم "لا أرض أخرى" هو انتصار للنضال الفلسطيني، ويجب عدم اتهامه بالتطبيع، لمشاركة إسرائيليين فيه، مؤكده دعم الناشطين منهم للمقاومة المشتركة لحكومة تل أبيب.
ورغم فوزه بجائزة أوسكار الثمينة، لا يزال الفيلم الفلسطيني يواجه عراقيل سياسية وإعلامية تمنع عرضه بشكل واسع، خاصة في الولايات المتحدة وإسرائيل.
فاز بعدة جوائز دولية، بخلاف الأوسكار؛ مثل جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، إلا أنه لم يجد شركة تطلب توزيعه ولا قاعة لعرضه، حيث يسيطر الصهاينة على السينما في أميركا ويمتد ذلك إلى دول أوروبية.
وبحسب شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية 2 مارس 2025، يرجع عدم حصول الفيلم على حقوق توزيع أو سينما لعرضه، إلى "الحساسيات السياسية التي تحيط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أميركا".
إذ تخشى جهات الإنتاج والتوزيع من ردود الفعل السياسية وضغوط اللوبيات المؤيدة لإسرائيل.

غضب صهيوني
وحاول المسؤولون الإسرائيليون وصحف الاحتلال تجاهل الفيلم، وهاجموا صناعه واتهموهم بـ "معاداة السامية".
واتهم وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار الفيلم بـ "التشهير" و"تشويه صورة إسرائيل"، وحث دور السينما في تل أبيب على الامتناع عن عرضه.
وسارع العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى إدانته ووصفه بأنه "دعاية" و"أسوأ من الكذب"، في حين تلقى المخرجون وابلًا من الكراهية السامة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتجاهلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تغطية الفيلم، واقتصرت التغطية على بعض الصحف المعارضة اليسارية.
وهو ما عدته تقارير أجنبية "تناقضا صارخا مع التغطية الإعلامية المعتادة للأفلام الإسرائيلية المرشحة للأوسكار".
مع هذا أكد صناع الفيلم أنهم مصممون على إيصال رسالتهم حول الواقع الفلسطيني. وقال باسل عدرا: "قد يُمنع الفيلم من العرض، لكن الحقيقة لا يمكن إسكاتها".
أما يوفال أبراهام، فقال: "نعيش في عصر تُستخدم فيه السياسة لإسكات الأصوات التي تنادي بالعدالة، لكننا سنواصل المقاومة من خلال الفن والسينما".
ونقلت صحف إسرائيلية عن أستاذة السينما والصدمات النفسية بجامعة القدس العبرية "رايا موراج"، أن “توقيت عرض الفيلم حساس للغاية”.
إذ يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من الصدمة والحداد، بسبب هزيمة "طوفان الأقصى"، لذا من الصعب تقبلهم الأمر.
أضافت أن النقاش حول الفيلم قد يجد مكانا في المستقبل، لكن فقط بعد انتهاء الحرب، واستعادة المحتجزين وإجراء انتخابات إسرائيلية جديدة.
وقال يوفال أبراهام، إنه تلقى تهديدات بالقتل بعد تصريحاته الداعمة لحقوق الفلسطينيين.
وفي فبراير/شباط 2024، كشف عن تعرض منزله لهجوم من قبل حشد يميني متطرف في إسرائيل، ما دفع عائلته إلى الفرار ليلا إلى بلدة أخرى.
أيضا أكد أبراهام أنه تعرض لهجمات سياسية في ألمانيا؛ حيث وُصف خطابه في مهرجان برلين السينمائي عن الفيلم بأنه "معاد للسامية" على الرغم من كونه إسرائيليا؛ وذلك لأنه وصف إسرائيل بأنها "نظام فصل عنصري".
وقال أبراهام: "أنا حفيد ناجين من المحرقة، قُتل معظم أفراد عائلتي خلال الهولوكوست، وأجد من المثير للغضب أن يُستخدم مصطلح معاداة السامية لإسكات دعواتي للمساواة ووقف إطلاق النار".
صعوبات في التوزيع
وكان "أبراهام" قال لصحيفة "نيويورك تايمز" 18 ديسمبر/كانون الأول خلال عرض الفيلم في مهرجان برلين، إنه واجه صعوبات عديدة أثناء محاولته توزيعه في الولايات المتحدة، ربما لأن فكرته حساسة.
وقالت الصحيفة إنه على الرغم من قلة التوزيع، وجد الفيلم دعما كبيرا بين مجتمع الأفلام الوثائقية، وحصل على العديد من الجوائز، وتفوق على أفلام مهمة.
وأكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية 3 مارس 2025 أن الفيلم رغم أنه "تم توزيعه ذاتيا"، فقد تفوق على فيلمي "حرب البورسلين" و"قصب السكر" الشهيرين.
ولكن استدرك أبراهام لموقع "ديدلاين" الأميركي 3 مارس 2025 أن عدم التوزيع الرسمي للفيلم وعدم تحمس شركات توزيع أميركية لتوزيعه لأسباب سياسية، دفع لزيادة الطلب عليه في الولايات المتحدة.
أكد أن الطلب "أصبح مرتفعا للغاية الآن، ونحن نعرضه الآن فيما يقرب من 100 دار عرض مستقلة، ونفدت تذاكره"، وهو ما يرجع لحركة التعاطف القوية في أميركا مع غزة والمظاهرات الداعمة لها باستمرار.
وأكدت صحف أجنبية أنه رغم التضييق على عرضه، سيظل فيلم "لا أرض أخرى"، وثيقة سينمائية تُسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتُشكل صرخة عالمية من أجل العدالة والحرية.
وبالتزامن مع أنباء رفض دور سينما أميركية وأوروبية، عرض الفيلم بحسب الحساسيات السياسية واتهام مخرجيه بـ "معاداة السامية" في بعض الدول، طرحت صحيفة "ذا نيشن" المستقلة 26 فبراير 2025 تساؤلات عن عودة المكارثية ولكن في هوليود.
ويقصد بالمكارثية (McCarthyism) شيطنة الفكر المعارض، وتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون أدلة، وظهرت في أميركا خلال فترة الحرب الباردة، في إطار حملة لشيطنة معارضي سياسات أميركا بدعوى "الخطر الشيوعي".
صحيفة "ذا نيشن" علقت على وضع ممثلين وأفلام في قائمة سوداء، وردود الفعل العنيفة التي واجهها الناشطون المؤيدون للفلسطينيين في هوليوود خلال 18 شهراً، بقولها إن "المكارثية عادت إلى الظهور من جديد في هوليوود".
نقلت عن الممثلة بوبي ليو، وهي منتقدة صريحة للحرب في غزة، وتجمع تبرعات لعائلات نازحة في القطاع إن "هناك الكثير من تكتيكات التخويف في صناعة السينما في هوليود وممارسة الرقابة الذاتية خشية العواقب من رفض الإبادة في القطاع.
وتقول الصحيفة الأميركية المستقلة: إن "القائمة السوداء" التي انتشرت في فترة المكارثية، وكانت بمثابة إرث قبيح من الحرب الباردة، لمنع ممثلين وكتاب ومخرجين لهم أراء حرة، بحجة أنهم "يساريون"، يبدو أنها تعاود الظهور الآن بسبب غزة.
أكدت أنه "في أميركا ما بعد (عودة الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، عادت القوائم السوداء وحملات الهمس، والتضييق على فرص عمل فنانين ومخرجين مثل سوزان ساراندون وميليسا باريرا وإنهاء الحياة المهنية لبعضهم، بحجة التحدث بصراحة.
لكن الهدف هو إسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين في صناعة الترفيه مثل الجامعات وغيرها.
وكانت نقابة ممثلي الشاشة (SAG-AFTRA) المعنية بالأعضاء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نشرت عريضة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وتبعها "قمع مكارثي جديد" استهدف حرمان الفنانين المؤيدين للفلسطينيين من العمل.
وتقول الممثلة "بوبي ليو": "إن هذه الصناعة صهيونية إلى حد كبير". مؤكده أن لديها قصصا عديدة لفنانين وصناع سينما ونجوم صاعدين تم العصف بحياتهم المهنية بسبب معارضتهم ما يجرى في غزة.
المصادر
- Palestinian-Israeli Doc ‘No Other Land’ Wins Best Doc Feature, Director Calls Out American Foreign Policy
- No Other Land directors criticise US as they accept documentary Oscar: ‘US foreign policy is helping block the path’ to peace
- ‘No Other Land’ Directors Denounce Trump Gaza Takeover Plan: “It Is So Irresponsible, It’s So Immoral”
- Make no mistake: ‘No Other Land’ is a victory for the Palestinian struggle
- Backlash or Blacklist? Hollywood’s Pro-Gaza Protesters Feel the Heat
- Documentaries Ripped From the Headlines Are Becoming Harder to See
- No Other Land': Israeli-Palestinian film wins Oscar for best documentary feature