قبل انتخابات 2028.. 5 خطوات مطلوبة لاستعادة الديمقراطيين ثقة العرب الأميركيين

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تساءلت كيف يمكن للديمقراطيين استعادة الناخبين العرب الأميركيين؟
لعدة أشهر أواخر عام 2024، بدا أن ولاية ميشيغان قد تكون العقبة الكبرى أمام الحزب الديمقراطي الأميركي في السباق الرئاسي؛ حيث أدارت شريحة واسعة من الجالية العربية الأميركية ظهرها للحزب، غاضبة من سياسات إدارة الرئيس، جو بايدن، تجاه غزة.
"ورغم أن ميشيغان لم تكن العامل الحاسم في الانتخابات، فإن نسبة تأييد العرب الأميركيين لدونالد ترامب ارتفعت بشكل ملحوظ مقارنة بعام 2020، مما كشف عن هوة متزايدة بين الجالية والحزب الديمقراطي"، وفق مسؤولة أميركية سابقة.
وقالت علياء عوض الله، التي عملت مستشارةً لنائب وكيل الجيش الأميركي في إدارة بايدن، إن ميشيغان "بصفتها ولاية متأرجحة ومحورية، لا يمكن للديمقراطيين تحمل خسارتها على الدوام".
وأضافت، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، أن هذا "يجعل من المتعين على قادة الحزب أن يتخذوا خطوات لاستعادة ثقة الجالية وكسب قاعدة انتخابية قوية لعام 2028".

أخطاء ترامب
وتساءلت: كيف يمكن للديمقراطيين استعادة الناخبين العرب الأميركيين؟
وقالت: "منذ تنصيب ترامب -خاصة بعد إعلانه المفاجئ في أوائل فبراير/شباط عن نية الولايات المتحدة "السيطرة على قطاع غزة"- تصاعد الجدل بين المحللين السياسيين وقادة الجالية حول مدى جدوى ما حدث من تصويت بعضهم لترامب، أو قرار العديد منهم العزوف عن التصويت كليةً".
وأفادت بأنها تتفق مع الرأي القائل بأن دعم بعض أفراد الجالية لترامب أو لمرشحي أحزاب أخرى كان قصير النظر، وسوء تقدير، وتصرفا غير مسؤول.
واستدركت: "لكن هذا لا يعفي الحزب الديمقراطي من أخطائه، ويجب أن تكون انتخابات 2024 درسا قاسيا يدفع الديمقراطيين إلى إعادة التفكير في علاقتهم بالعرب الأميركيين وجعلها أولوية، خاصة في أوقات الأزمات في الشرق الأوسط".
وأكدت أن "على الرغم من أن العديد من العرب الأميركيين بدأوا يفقدون الثقة في ترامب، ينبغي للديمقراطيين ألا يعتمدوا على أخطاء ترامب لاستعادة تأييدهم".
"ففي 2024، تجاهل الكثير من الناخبين العرب الأميركيين إخفاقات ترامب؛ لأنهم يرون أن الديمقراطيين لا يأخذونهم على محمل الجد، ويفتقرون إلى الشجاعة السياسية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط".
وأردفت: "خلال حواراتي المكثفة مع الناخبين خلال موسم حملة 2024، عبّر العرب الأميركيون وقادتهم عن إحباطهم من تصوير الديمقراطيين لترامب بوصفه خيارا خطيرا، دون اتخاذ خطوات جدية لمعالجة مخاوف العرب وكسب دعمهم".
وشددت على أنه "لا يمكن للديمقراطيين استعادة هؤلاء الناخبين بمجرد تسليط الضوء على إخفاقات ترامب، بل يحتاجون إلى تقديم بديل حقيقي".

5 خطوات مهمة
وفيما يلي مجموعة من التوصيات ذكرتها "عوض الله"، لتعزيز تواصل الحزب مع العرب الأميركيين في الدورات الانتخابية القادمة، والتنافس مع الجمهوريين على هذا المكون الانتخابي المتنامي، دون الإضرار بقاعدتهم الديمقراطية الأوسع:
1. الاعتراف بأهمية السياسة الخارجية
وقالت المسؤولة الأميركية السابقة: إن "العرب الأميركيين يهتمون بعمق بالسياسة الخارجية، ويضعونها في مقدمة أولوياتهم عند اختيار المرشح الذي سيدعمونه".
وأضافت: "لم يتأثر العديد من الناخبين في الجالية بالحجج التي تؤيد التصويت لبايدن أو نائبته كامالا هاريس، لتعزيز الرخاء الاقتصادي أو منع التمييز ضد الجالية".
بل إن اللافت -وفق "عوض الله"- أن هذه الحجج لم تكن مقنعة بغض النظر عن هوية من قدمها، فقد كررها مسؤولو الحملات الانتخابية والمحللون السياسيون وأفراد من الجالية العربية الأميركية، بمن فيهم كاتبة المقال، خلال انتخابات 2024.
واستدركت: "لكن الرد الذي تلقيته مرارا في لقاءاتي وحواراتي الخاصة كان موحدا: "نحن نهتم بهذه القضايا، وكثير منا يريد دعم الديمقراطيين، لكن إخفاقات السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تجعل هذا مستحيلا".
وأظهرت استطلاعات جديدة أجراها "المعهد العربي الأميركي" في خريف 2024 أن 81 بالمئة من العرب الأميركيين عدوا قضية غزة عاملا مهما في تصويتهم، فيما صنّف 26 بالمئة الأزمة في غزة كواحدة من أهم قضاياهم الانتخابية.
2. التركيز على السياسات الفعلية بدلا من الخطاب
ترى المسؤولة الأميركية السابقة أن "الحزب الديمقراطي يجب أن يتوقف عن محاولة استمالة الناخبين العرب الأميركيين من خلال الخطاب وحده، دون تقديم التزامات سياسية حقيقية، فهذه الإستراتيجية لا تؤتي ثمارها".
وأفادت بأن "خطاب هاريس بشأن غزة كان أكثر توازنا وتعاطفا مع الفلسطينيين مقارنة ببايدن"، لكنها استدركت بأن "هذا التحول كسب بالفعل بعض التأييد في الجالية، لكنه لم يكن كافيا لاستعادة دعمها على نطاق واسع".
وأكدت أنه "لو ترافق هذا الخطاب الجديد مع التزامات سياسية فعلية، لكان بإمكان هاريس تحقيق مكاسب أكبر بين الناخبين العرب الأميركيين".
وشددت على أن "قادة الحزب الديمقراطي وصناع السياسات عليهم استغلال السنوات القادمة لوضع مقترحات جديدة تعكس التزاما جادا بدعم السلام والأمن والازدهار للفلسطينيين".
3. سرعة الاستجابة
وقالت "عوض الله": "يُعد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أحد أكثر القضايا حساسية في السياسة الانتخابية، ما يدفع الكثيرين إلى تبنّي نهج حذر لتجنّب المخاطر، غير أن هذا الحذر قد يؤدي إلى عملية بطيئة ومفرطة في التروي، مما يجعل الاستجابة بعيدة عن احتياجات اللحظة".
وأوضحت أن ترشّح هاريس أثار في البداية حماسا بين العرب الأميركيين، إذ علّق كثيرون آمالا كبيرة على استجابتها لمطالبهم ومخاوفهم، ورغم أن حملتها نظّمت لاحقا لقاءات مع قيادات الجالية وزادت من جهود التواصل في ميشيغان، إلا أن ذلك استغرق أسابيع.
خلال تلك الأسابيع الحاسمة، التي شكّلت جزءا كبيرا من حملتها، تصاعد إحباط العرب الأميركيين بسبب ضعف التفاعل معهم، ما عده كثيرون إشارة على أن نهج هاريس لن يختلف جوهريا عن نهج بايدن تجاه القضية الفلسطينية، وفق تقييم الكاتبة.
"في المقابل، كان ممثلو حملة ترامب قد بدأوا بالفعل عملهم الميداني في ميشيغان، منخرطين بفعالية مع قادة الجالية".
وأشارت إلى أن "هذا الإحباط تفاقم عندما لم يُسمح لمتحدث فلسطيني أميركي باعتلاء المنصة خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي، رغم تأكيد هاريس في خطابها التزامها بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وبمجرد أن ترسّخ هذا الاستياء، أصبح من الصعب معالجة الضرر".
وعلى هذا، قالت: "في المستقبل يجب على الحملات الديمقراطية التحرك بسرعة والتفاعل مع العرب الأميركيين فورا، وينبغي أن تستغرق الاستجابة ساعات أو أياما، وليس أسابيع، عند حدوث تطورات جديدة في الشرق الأوسط".

4. السعي إلى تغييرات هيكلية
عادةً ما يكون ممثلو الحملات الانتخابية المخصصون للتواصل مع جاليات معينة جزءا من فرق التواصل مع الائتلافات المختلفة أو ضمن فرق السياسات، حيث تؤخذ آراؤهم في الحسبان بشكل روتيني.
لكن سلطة اتخاذ القرار النهائي تبقى بيد كبار مستشاري السياسة الخارجية ومديري الاتصالات ومديري الحملات.
"وبالنظر إلى الطابع السياسي البارز لتفاعل المرشحين مع الناخبين العرب الأميركيين، وأهمية وجودهم في ولايات حاسمة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وفيرجينيا، ينبغي على الحملات الرئاسية ضمّ مستشار عربي أميركي في مرتبة عالية ضمن فرق السياسة أو الاتصالات"، وفق الكاتبة.
حيث ترى أن "من الضروري أن يشارك هؤلاء المستشارون في عملية صنع القرار النهائي بشأن هذه القضية الحساسة، وليس فقط في مراحلها المبكرة".
"كما يجب أن يتمتع المستشارون العرب الأميركيون بإمكانية الوصول المباشر إلى المرشحين الرئاسيين، بحيث ينقلون وجهات نظر الجالية مباشرة دون تصفيتها أو تحويرها من خلال الوسطاء التقليديين الذين قد لا يعبرون بدقة عن مواقف الجالية".
5. زيادة التعاون بين الأميركيين العرب واليهود التقدميين
شهدت الأشهر التي تلت هجوم 7 أكتوبر 2023 والقصف المكثف على قطاع غزة حالة من التوتر السياسي العميق لكل من العرب واليهود الأميركيين؛ حيث سعت المجموعتان للحصول على دعم حملتي بايدن وهاريس.
إحدى الديناميكيات الإيجابية التي لا تحظى باهتمام كافٍ -وفق المقال- هي أن بعض الجهود السياسية والانتخابية الأكثر فاعلية قادها مستشارون وممثلون تقدميون من العرب واليهود الأميركيين يعملون بشكل وثيق معا، ففي كثير من الأحيان، تجمع هؤلاء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والأهداف السياسية المشتركة.
وبحسب "عوض الله"، فإن هذا التعاون يمكن أن يسهم في تقليل المخاطر الانتخابية، وفتح قنوات حوار بين الجاليتين، ومساعدة السياسيين على تبني مواقف سياسية أقوى وإستراتيجيات انتخابية أكثر فاعلية.
على سبيل المثال، يمكن تنظيم مناقشات سياسية يشارك فيها شخصيات بارزة من كلتا الجاليتين، ومن ثم نشر ملخص لهذه الاجتماعات، مما يعكس جدية الطرح وعمقه أمام الناخبين والمتبرعين والمحللين السياسيين.
كما أن هذه الخطوة ستضعف أي هجمات سياسية تسعى لتصوير مواقف المرشحين على أنها منحازة، وستساعد في إحباط محاولات بث الفرقة بين الجانبين، وفق المقال.
وأوضحت أن هذه التوصيات لا تعني أن على الديمقراطيين إعطاء الأولوية للعرب الأميركيين في ميشيغان على حساب المصالح الانتخابية في ولايات أو مجموعات أخرى، فذلك ليس عمليا ولا واقعيا، وفق وصفها.
"لكن إلى أن يدرك الديمقراطيون بالفعل أهمية الصوت العربي في الظرف الحالي ويستثمروا بجِد في الجالية، فإنهم سيواجهون خطر خسارة دعمها بنفس الفارق السابق -أو حتى بهوامش أكبر- في الانتخابات المقبلة".