داخليا وخارجيا.. كيف سيتعامل "حزب الله" اللبناني مع خسائره الإستراتيجية؟

"نتابع موقف القيادة الجديدة في سوريا تجاه إسرائيل، وهو موقف يثير التساؤلات"
يواجه “حزب الله” اللبناني أوقاتا عصيبة غير مسبوقة، بعدما فقد جزءا كبيرا من قيادته العليا في حربه الأخيرة مع الكيان الإسرائيلي، إسنادا لقطاع غزة.
وزادت التطورات في سوريا من تعقيد خسائره؛ إذ لم يقتصر الأمر على فقدان ممره الرئيس لنقل الأسلحة بسقوط نظام بشار الأسد، بل بات عليه التكيّف مع واقع جديد يتمثل في قيادة جديدة في دمشق، حاربها الحزب دعما للنظام السابق.
ومع ذلك، جاء التشييع الحاشد للأمين العام السابق للحزب، حسن نصر الله، ليؤكد أن الحزب لا يزال يتمتع بدعم شعبي واسع.
فقد كان الحدث من بين الأضخم في تاريخ لبنان؛ حيث خرج مئات الآلاف في مسيرة وداعٍ غصّت بها الشوارع، وفق وصف مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية.

مستقبل الحزب
وناقشت المجلة مستقبل “حزب الله” داخليا وخارجيا مع عضو البرلمان عن الحزب، علي فياض، الذي أكد أن "الأمين العام الجديد، نعيم قاسم، يميل أكثر إلى أن تلعب المؤسسات دورها في صنع قرار الحزب".
ويُعد "فياض" من الأعضاء البارزين في حزب الله منذ تأسيسه، وقد تولى سابقا رئاسة مركز الدراسات التابع للحزب: "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق".
وأكد "فياض" أن الحزب يرى في الظروف الحالية أن على الدولة اللبنانية التعامل مع الوضع مع إسرائيل -التي لا تزال تحتل أجزاءً من الأراضي اللبنانية- لكنه شدّد في الوقت ذاته على أن لبنان يحتفظ بحق استخدام القوة، إذا لزم الأمر، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
كما وصف أي حديث عن دمج حزب الله عسكريا في مؤسسات الدولة بأنه سابق لأوانه، مؤكدا أن الأمر مرهون بعوامل عدة، منها تطوير الدولة لقدراتها الدفاعية.
وفيما يتعلق بسياسات إدارة ترامب تجاه لبنان، يرى "فياض" أن محاولات تهميش حزب الله لن تؤدي إلى استقرار البلاد، محذرا من أن واشنطن قد تسعى لإشعال مواجهة بين الجيش اللبناني والحزب، وهو سيناريو يحمل عواقب وخيمة.
وأوضح أن خلافات حزب الله مع الولايات المتحدة ليست ذات طابع ثنائي، بل تنبع من دعم واشنطن لإسرائيل وما وصفه بـ "الهيمنة الجائرة" على الشؤون الدولية.
أما بشأن الوضع في سوريا، فلم يتردد في الإقرار بأن سقوط نظام الأسد شكّل نكسة كبيرة للحزب، متسائلا عن موقف القيادة السورية الجديدة تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي معرض ردّه على سؤال حول مستقبل حزب الله بعد رحيل "نصر الله"، أكد علي فياض أن الحزب ملتزم بنهجه وثوابته، وبالدور الذي اضطلع به في المقاومة ورؤيته للأوضاع في لبنان والمنطقة.
لكنه أشار إلى أن تطورات كبيرة شهدها لبنان والإقليم لا يمكن إغفالها، وأن الحزب يولي اهتماما عميقا لفهم هذه المتغيرات والتفكير في كيفية التعامل معها.
وأضاف "فياض" أن القيادة الكاريزمية لنصر الله لعبت دورا محوريا في توجيه الحزب وإدارته على المستويين السياسي والعسكري.
ومع تولي "قاسم" منصب الأمين العام الجديد، من المتوقع أن يتجه الحزب نحو هيكلية أكثر مؤسسية، بدلا من أن يكون حزبا متمحورا حول شخصية القائد، وهو توجه ينسجم مع قناعات "قاسم" نفسه.
وفي إجابته على سؤال حول ما إذا كان "حزب الله" يتحول إلى حزب سياسي بحت، أكد "فياض" أن الحزب، رغم التحولات التي شهدها، لا يزال يجمع بين كونه مقاومة وحزبا سياسيا في آنٍ واحد، غير أن لكل مرحلة أسلوبها الخاص في العمل المقاوم، والحزب لا يزال ملتزما بالمقاومة.
لكنه أضاف أن هذه المرحلة، بظروفها وتحولاتها الفريدة، قد تتطلب نهجا مختلفا. مشيرا إلى أن من أبرز التطورات في هذه المرحلة هو تقدم الدولة اللبنانية لتولي إدارة المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وهو ما قبله "حزب الله"، مانحا الدولة الفرصة لتولي زمام الأمور في هذا الملف.
غير أنه شدّد على أن ذلك لا يعني تخلي الحزب عن دوره المقاوم.

سلاح "حزب الله"
وعند سؤاله عن موقفه من دعوة رئيس البلاد، جوزيف عون، لمعالجة قضية سلاح حزب الله عبر الحوار، رأى "فياض" أن هذا الطرح يتماشى مع ما يريده الحزب.
أما بشأن إمكانية اندماج حزب الله عسكريا في الدولة في حال التوصل إلى تفاهم حول السلاح، فقد رأى فياض أن الحديث عن ذلك لا يزال مبكرا. مشيرا إلى أن هذه المسألة مترابطة مع قضايا أخرى ولا يمكن معالجتها بمعزل عنها.
وأضاف أن أي مقاربة لهذا الملف يجب أن تكون شاملة، بما يضمن قدرة الدولة على القيام بدورها في الدفاع عن الأرض والشعب اللبناني.
وعند سؤاله عن موقف الحزب من الدور الأميركي، خاصة إدارة الرئيس، دونالد ترامب، وتصريحات المبعوثة الأميركية، مورغان أورتاغوس، بأن حزب الله قد هُزم ويجب استبعاده من الحكومة، وصف فياض هذه المواقف بأنها غير مسؤولة.
وأشار إلى أن الموقف الأميركي يتجاهل إرادة شريحة كبيرة من اللبنانيين ووجود كتلة برلمانية منتخبة تمثل الحزب ديمقراطيا.
وأكد فياض أن حزب الله هو الحركة السياسية الأكثر شعبية في لبنان، وأن يلعب دورا بارزا في المشهد السياسي، كما أنه يحظى بدعم واسع بصفته مقاومة.
ونوَّه إلى أن "أورتاغوس" اشترطت عدم تمثيل حزب الله في الحكومة، في حين أن الحزب كان يشارك فعليا في عملية تشكيلها خلال إصدارها لهذا التصريح من قصر بعبدا، وهو ممثل في الحكومة بوزيرين.
وقال: "نخشى أن يكون الهدف الأميركي هو الدفع نحو مواجهة بين الجيش اللبناني وحزب الله ومناصريه، وهو أمر في غاية الخطورة على لبنان ولا نريده على الإطلاق ونسعى إلى تجنبه، بل على العكس، نحرص على إقامة أفضل العلاقات الممكنة مع الجيش اللبناني، وندعمه بشكل كامل".

خسارة إستراتيجية
وتساءل مراسل المجلة الأميركية، قائلا: "إلى أي مدى شكّلت الأحداث في سوريا ضربة قاسية لحزب الله؟ وكيف تقيّمون تداعياتها على الوضع الداخلي في لبنان وعلى أنصار الحزب، خاصة في ظل المواجهات التي شهدتها الحدود اللبنانية-السورية؟"
ليجيب فياض بأنه "ما من شك في أن التحول السياسي الذي شهدته سوريا مثّل خسارة إستراتيجية كبرى، ولا يمكن إنكار ذلك".
وأضاف: "لم نكن مؤيدين للنهج الذي اتُّبع في التعامل مع العلاقات المعقدة بين النظام السوري السابق والشعب السوري، كما أننا لا ندعم أي شكل من أشكال القمع أو الفساد أو الممارسات الطائفية".
ليرد عليه المراسل قائلا: إذن، لماذا دعمتم النظام؟
حينها قال "فياض": "كانت علاقتنا السابقة بالنظام مرتبطة بمسألة محددة تتعلق بضرورة تحقيق توازن في مواجهة إسرائيل ضمن صراع إقليمي معقد؛ حيث تحظى إسرائيل بكل أشكال الدعم الدولي، كما أن هذا الارتباط كان بدافع الحاجة إلى عمق إقليمي، وكانت علاقتنا بالنظام محددة بهذه التقديرات حصرا".
وحول المواجهات على الحدود، أوضح فياض: "نحن لا نسعى إلى إثارة المشكلات، ونتبنى موقف الدولة اللبنانية الداعي إلى إقامة علاقات متوازنة مع سوريا، لكننا نؤكد على ضرورة حماية الأقليات، واحترام الحريات، وعدم تكرار أنماط الحكم القمعي".
واستطرد: "كما أننا نتابع موقف القيادة الجديدة في سوريا تجاه إسرائيل، وهو موقف يثير التساؤلات، إذ إن الاحتلال الإسرائيلي توغل في الأراضي السورية دون أي رد فعل واضح، وهو أمر غير مألوف قانونيا وسياسيا في أي دولة أخرى".
وأردف: "أما المواجهات على الحدود اللبنانية-السورية، فقد ارتبطت بأنشطة التهريب وشبكات المهربين، لكننا نرى أن المسألة تحمل أبعادا سياسية تهدف إلى الضغط على لبنان، وما نطمح إليه هو استقرار الحدود الشمالية الشرقية وتحصينها من أي تهديدات".