محاولة فرض واقع جديد في الساحل.. كيف أفشلت سوريا الجديدة مخطط فلول الأسد؟

مصعب المجبل | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تمكنت الدولة السورية الجديدة من إفشال أكبر مخطط لضباط وعناصر من نظام بشار الأسد البائد في محاولة السيطرة على محافظتي طرطوس واللاذقية على الساحل السوري، لتهديد الانتقال السياسي في البلاد.

فقد بدأ ضباط وعناصر ومليشيات تتبع نظام الأسد المخلوع، في 6 مارس 2025 بعملية منسقة ضد الدولة عبر تنفيذ هجمات على مؤسسات حكومية ومشافٍ وحواجز عسكرية للأمن العام في توقيت واحد بمحافظتي طرطوس واللاذقية. 

وقامت فلول الأسد بعمليات إعدام ميداني لعناصر من الأمن العام الذين ينتشرون في محافظتي طرطوس واللاذقية لحفظ الأمن هناك، واختطفت وآخرين، فضلا عن بعض المدنيين.

تمرد الساحل

وبدا واضحا أن محاولة فلول الأسد فرض واقع جديد في المناطق الساحلية من سوريا، تعود لانتشار قرى وبلدات تقطنها غالبية من الطائفة العلوية والتي كانت تشكل الخزان البشري لجيش الأسد المخلوع وأجهزته الأمنية.

وخلال العملية الفاشلة، تمكنت فلول الأسد من قتل أكثر من 30 عنصرا من الأمن العام الجديد وأسرت آخرين، قبل أن تتدخل قوى الأمن ووزارة الدفاع وترسل تعزيزات عسكرية ضخمة نحو الساحل السوري وتخمد التمرد.

في المقابل، تمكن الأمن والجيش من قتل والقبض على العشرات من فلول نظام الأسد البائد، وبسط السيطرة في اللاذقية وطرطوس خلال ساعات.

كما بدأت قوات الأمن والجيش عمليات تمشيط واسعة في منطقة الساحل لبسط الأمن فيه وملاحقة عناصر من النظام السابق ومليشياته المختبئة في القرى والجبال وبين المدنيين.

ومنذ بداية التمرد الجديد لفلول الأسد ضد الدولة أعلن النفير العام للفصائل العسكرية التي انضوت تحت الجيش السوري الجديد.

وتوجهت أرتال عسكرية من كل المحافظات لتعزيز جبهة الساحل ضد فلول الأسد.

في المقابل، أعلن عشرات الآلاف من السوريين المدنيين حمل السلاح ووضعوا أنفسهم تحت تصرف وزارة الدفاع كمتطوعين، في مشهد تحول فيه الشعب إلى جيش لمساندة عمليات ملاحقة فلول الأسد.

وأكد رئيس جهاز الاستخبارات العامة، أنس خطاب، في 7 مارس 2025 أنه حسب التحقيقات الأولية، فإن "قيادات عسكرية وأمنية سابقة تتبع النظام البائد تقف وراء التخطيط والتدبير لهذه الجرائم في الساحل السوري، عبر توجيهها من قبل بعض الشخصيات الفارة خارج البلاد والمطلوبة للعدالة والقضاء".

ولفت خطاب وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء السورية "سانا" إلى أن هؤلاء "كانوا يخططون ويجهزون لمحاولة ضرب الوجه الجديد لسوريا، المستقبل الذي آلمهم زهوه وازدهاره".

وقال خطاب: "إلى الذين لم يقرؤوا تحذيراتنا لهم في وقت سابق بشكل صحيح أقول: لقد ورطتكم أياد خبيثة بما تفعلونه اليوم، ولن نسامح من تلطخت أيديهم بدماء رجالنا الطاهرة.. وليس أمامكم سبيل إلا أن تسلموا أنفسكم وأسلحتكم لأقرب جهة أمنية، وذلك لضمان سلامة سوريا وشعبها وعودة الأوضاع إلى الاستقرار والأمان".

من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع، العقيد حسن عبد الغني، أن قوات الوزارة "حققت تقدما ميدانيا سريعا، وأعادت فرض السيطرة على المناطق التي شهدت اعتداءات غادرة ضد رجال الأمن العام" في طرطوس واللاذقية.

وحمّل ناشطون سوريون إيران محاولة "خلق فوضى في منطقة الساحل" عبر توفير الدعم لفلول نظام الأسد البائد في محاولة زعزعة الاستقرار في هذا البلد الذي خسرت فيه طهران نفوذها.

لا سيما أن وسائل الإعلام الإيرانية بما فيها الوكالة الرسمية "إرنا" لم تكن حيادية في تغطية الأخبار الواردة من الساحل السوري.

بل راحت تضخ أخبارا "تزيد الاحتقان وتؤجج مشاعر السوريين"، خاصة مع عدم اعتراف طهران بسلطة الدولة الجديدة في سوريا عقب الإطاحة بحكم حليفها الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

ووصفت وكالة "إرنا" قوات الأمن السوري الجديد بأنهم "أتباع الجولاني" في إشارة إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الملقب سابقا بـ"أبو محمد الجولاني".

ونشرت الوكالة تقارير صحفية تحمل عناوين تحريضية منها "الاشتباكات الدامية متواصلة باللاذقية ومقتل 16 عنصرا من أتباع الجولاني".

عمل منظم

إن إعلان العميد في قوات الأسد البائدة غياث دلا، في 6 مارس 2025 تشكيل ما يسمى "المجلس العسكري لتحرير سوريا" بقيادته في الساحل، يؤكد على مدى التخطيط المسبق لتنفيذ العملية.

وعمل غياث قبل سقوط الأسد، في اللواء 42 التابع لمليشيا "الفرقة الرابعة" - دبابات، التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار، قبل أن يتمكن عام 2017 من تأسيس مليشيا خاصة تتبع له بدعم من إيران حملت اسم "قوات الغيث".

ويحسب غياث دلا على المحور الإيراني داخل الهيكلية العسكرية لقوات الأسد، ويوصف بأنه يد ماهر العسكرية على الأرض.

وخلال السنوات السابقة عرف عن دلا المنحدر من بلدة بيت ياشوط بريف اللاذقية بـ"دمويته" واتباعه سياسة الأرض المحروقة في إعادة السيطرة على المدن السورية.

وضمن هذا السياق، حصلت قناة "الجزيرة" القطرية في 6 مارس 2025 على معلومات من مصادر أمنية خاصة عن تحركات خلايا تابعة للنظام السابق، نفذت عمليات بريف اللاذقية شمال غربي سوريا.

وقال مصدر أمني سوري للجزيرة: إن الأسد على علم بالتنسيق الجاري بين جميع المجموعات المسلحة بدعم وإشراف دولة خارجية.

وأضاف المصدر أن المجلس العسكري الذي شكله العميد غياث دلا بدأ في توسيع نفوذه على الأرض، وأنشأ تحالفات مع قيادات سابقة في قوات الأسد البائد.

وأشار إلى أن دلا أنشأ تحالفا مع محمد محرز جابر قائد مليشيا قوات "صقور الصحراء" سابقا، والمقيم حاليا بين روسيا والعراق.

ولفت المصدر إلى أن دلا أقام تحالفا مع ياسر رمضان الحجل الذي كان قائدا ميدانيا ضمن مجموعات سهيل الحسن وهذا الأخير ملقب بـ"النمر"، ويعد رجل روسيا الأول في سوريا.

والحسن شخص دموي متهم بارتكاب جرائم حرب عديدة بحق السوريين خلال العقد الأخير، ويحمل شعار "الأرض المحروقة"، كتكتيك عسكري في استعادة المدن.

وكان يقود "الفرقة 25 مهام خاصة"، هي الأكثر استخدما للأسلحة الروسية المتطورة في المعارك، فضلا عن دعم وإسناد مباشر من الخبراء والضباط الروس.

وبحسب المصدر الأمني للجزيرة، فإن دلا هو اليد التنفيذية لماهر الأسد -القائد السابق للفرقة الرابعة- في العمليات الجارية حاليا بمنطقة الساحل السوري.

كما أكد المصدر أن ماهر الأسد ورجل الأعمال رئيف قوتلي غادرا العراق في الخامس من مارس 2025 متجهين إلى روسيا لمقابلة بشار الأسد.

وأوضح أن المجلس العسكري بقيادة غياث دلا تلقى دعما ماليا من حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية، كما حصل على تسهيلات لوجستية من قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وما تزال مليشيا “قسد” تسيطر على مناطق واسعة من أربع محافظات (الحسكة، الرقة، دير الزور، ريف حلب)، وترفض تسليمها إلى الإدارة الجديدة، لا سيما بعد اندماج كل الفصائل المسلحة في سوريا تحت مظلة وزارة الدفاع والجيش الجديد.

إفشال المخطط

شكل هذا التمرد المنظم من فلول الأسد، أكبر اختبار لقادة سوريا الجدد في القدرة على استعادة النظام العام وحفاظ الأمن ومنع سيطرة طرف ثانٍ على أجزاء من البلاد والتهديد بحدوث تقسيم، وفق المراقبين.

لا سيما أن الدعم الشعبي للدولة السورية الحالية عبر نزول الأهالي إلى الشوارع ودعمها في مكافحة فلول الأسد، أعطى رسالة كبيرة للخارج برفض السوريين الرجوع إلى الوراء.

وضمن هذه الجزئية يؤكد الخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب أن ما جرى في اللاذقية وطرطوس "هو مخطط انفصالي يعتمد على بروباغندا أن الطائفة العلوية هي الأكثرية في الساحل السوري وهذا غير صحيح".

ولفت أيوب لـ"الاستقلال" إلى أن "يد إيران واضحة في دعم من قاموا بمحاولة التمرد على الدولة السورية الجديدة بالسلاح والمال وبشكل معنوي كذلك".

واستدرك: "إلا أن المعطيات الميدانية على الأرض ليست في صالح فلول الأسد، فهم ميدانيا معزولون عن العالم الخارجي وطرق إمدادهم مغلقة وما يحميهم فقط الطبيعة الجبلية والغابات".

ورأى الخبير العسكري، أن "قوة الرد من الأمن والجيش هي دليل على أن الدولة في نمو مطرد يوما بعد يوم، وأنها قادرة على التعامل العسكري مع التهديدات حتى في المناطق الوعرة مثل ما جرى في الساحل”.

وتابع قائلا: “سرعة الاستجابة لهذا الخطر من قبل قوات الأمن والجيش أسهم في إنهاء التمرد العسكري بالساحل من قبل فلول الأسد”.

ولفت أيوب إلى أن "نجاح الدولة السورية في تقليل الضغوطات الأمنية عليها يتوازى مع وجود دعم دولي وعربي في القضاء على الإرهاب".

وأكد أيوب أن "هذه مجموعات خارجة عن القانون والدولة من واجبها حفظ السلم الأهلي والأمن والاستقرار".

وتمكن الجيش الجديد والأمن العام من إفشال أول محاولة "تمرد مسلح" بعد نجاح الثورة، لم يكن لينجح لولا قرار الدولة بتبني الحسم العسكري بدلا من المعالجات الأمنية التي أثبتت وفق المراقبين أنها عملية استنزاف لقوى الأمن الذي يتعرضون لكمائن وهجمات متكررة في الساحل.

وهذا ما أشار إليه الباحث السياسي السوري سعد الشارع، بقوله: إن "قرار الدولة الذهاب نحو خيار الحسم العسكري ليس مرتبطا فقط بضمان أمن واستقرار سوريا بل ما جرى في الساحل كان هدفه إلغاء مكتسبات الثورة بدعم من إيران لهذه الفلول".

وقال الشارع لـ"الاستقلال": إن "حساسية الوضع الطائفي في الساحل هو ما دفع الإدارة السورية لاتخاذ تكتيك عسكري بحق تلك الفلول بعد اتباع التكتيك الأمني في الفترة السابقة وهو الذي فهمه فلول الأسد أنه نابع من ضعف الدولة العسكري".

ورأى أن "ما جرى في الساحل هو عمل عسكري منظم ومدبر من قبل فلول الأسد وهي مرتبطة بشخصيات رئيسة مرتبطة بجيش الأسد وأجهزته الأمنية وذلك بتحريك من إيران".

وشدد الشارع على أن "إيران بدأت تشعر بالقلق مع بدء عملية الاستقرار التدريجي في سوريا وذلك بالتزامن مع الحراك الدبلوماسي الذي تجريه الدولة السورية مع الدول الخارجية ولهذا جرى التخطيط لهذا التمرد".

ورأى أن "الهدف من تمرد الساحل كان محاولة خلق حالة فوضى في سوريا قبيل انعقاد القمة العربية في بغداد المقررة في 17 مايو/ أيار 2025 لما في ذلك من تأثير على الحضور السياسي لحكومة دمشق".