"خطة مارشال جديدة".. هل تسهم في بناء الاقتصاد الفلسطيني وإعمار غزة؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

أكد خبراء اقتصاديون على ضرورة وجود اتفاق اقتصادي جديد بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، نظرا لحجم الدمار في غزة والتدهور الحاد في الثقة بين الطرفين.

ويعتقد هؤلاء أن هناك حاجة إلى "خطة مارشال جديدة" لإنعاش اقتصاد غزة، وإعادة الإعمار، واستعادة الاستقرار الإقليمي.

دور حاسم 

وقال موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي: إنه "في ظل وقف إطلاق النار الهش في غزة والمواجهات المستمرة في الضفة الغربية، قد يبدو الحديث عن العلاقات الاقتصادية بين الإسرائيليين والفلسطينيين سابقا لأوانه".

واستدرك: "مع ذلك، فإن أي خطط لتحقيق الاستقرار والسلام الدائم ستتطلب حتما علاقات اقتصادية؛ حيث سيكون للتعاون أو غيابه دور حاسم في تشكيل المشهد ما بعد الحرب ومستقبل المنطقة".

وبحسب الموقع، فإن “التكامل الاقتصادي والاستثمار والتجارة يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار، في حين أن استمرار العزلة الاقتصادية قد يؤدي إلى تأجيج التوترات وإشعال المزيد من الصراعات”.

وقال الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الإسرائيلية-الفلسطينية، غاي هيتزروني: إن "الاستقرار الاقتصادي وتواصل الناس وتفاعلهم مع بعضهم البعض يقللان من التوتر ويعززان الثقة".

وقد حدد بروتوكول باريس لعام 1994، الذي وُقّع ضمن اتفاقات أوسلو، الإطار الاقتصادي الحالي بين الجانبين، من خلال إنشاء اتحاد جمركي تسيطر فيه إسرائيل على الواردات وجمع الضرائب والتحويلات المالية إلى السلطة الفلسطينية.

لكن بعد ثلاثة عقود، بدلا من تعزيز التعاون، أدى هذا الترتيب إلى تعميق تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل وزيادة مشاعر السخط تجاهها، وفق الموقع.

وطرح "ذا ميديا لاين" تساؤلات على الخبراء حول ما إذا كان من الممكن ظهور إطار اقتصادي جديد، أم أن المنطقة ستعود إلى ديناميكيتها السابقة.

وقال: "سواء كان ذلك من خلال مراجعة بروتوكول باريس أو مبادرة اقتصادية إقليمية جديدة، فإن الأمر الواضح هو أن تجاهل الحقائق الاقتصادية لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الاضطرابات".

وقد أدت البنية غير المتكافئة لبروتوكول باريس إلى بقاء الواردات والصادرات والتدفقات المالية الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية.

وعلق الرئيس التنفيذي لمركز "ماكرو للاقتصاد السياسي"، روبي ناثانسون، قائلا: "كان من المفترض أن يوفر بروتوكول باريس استقرارا اقتصاديا، لكنه في الواقع عزز تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل".

وأشار أستاذ مساعد في الاقتصاد والتمويل في “جامعة فلسطين التقنية – خضوري”، نمر بدوان، إلى أن إسرائيل حافظت على سيطرة اقتصادية ساحقة على الفلسطينيين.

وقال: إن "العلاقات الاقتصادية السابقة بين إسرائيل من جهة والضفة الغربية وغزة من جهة أخرى، تشكلت وفقا لأوامر السلطات الإسرائيلية التي كانت تخدم مصالحها، وأي مكاسب حققها الفلسطينيون كانت في الغالب نتائج غير مقصودة".

سيطرة كاملة

من جانبه، رأى أستاذ التمويل والاقتصاد في كلية الدراسات العليا بـ"الجامعة العربية الأميركية – رام الله"، ناصر عبد الكريم، أن “بروتوكول باريس فقد فعاليته إلى حد كبير منذ أكثر من عقدين، لا سيما بعد الانتفاضة الثانية”.

وأوضح أن "إسرائيل طبقت بعض بنود بروتوكول باريس بشكل انتقائي، بينما تجاهلت أخرى".

ووفقا لعبد الكريم، فإن البروتوكول الذي كان يُفترض أن يشكل إطارا للتعاون الاقتصادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، “بات خاضعا للسيطرة العسكرية والسياسية الإسرائيلية”.

وأوضح أن "التجارة والاستثمار وحركة العمال وحتى عائدات المقاصة، التي ينص عليها البروتوكول، أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة".

وأدت هذه السيطرة إلى تداعيات اقتصادية على الفلسطينيين؛ حيث تستخدم إسرائيل النفوذ المالي كأداة سياسية، ومن الأمثلة على ذلك تعاملها مع عائدات المقاصة، وهي الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية.

وبيّن عبد الكريم: "أخيرا، حولت إسرائيل فقط 40 بالمئة من عائدات الضرائب الخاصة بشهر يناير/كانون الثاني 2025 إلى السلطة الفلسطينية، وذلك بعد تأخير الدفع لمدة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، ونتيجة لهذا التأخير لم تتمكن السلطة من دفع 70 بالمئة من رواتب موظفيها إلا بعد الحصول على قرض مصرفي".

وبدلا من تعزيز النمو الاقتصادي المتبادل وتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية، أدى بروتوكول باريس إلى "إضفاء الطابع المؤسسي على التبعية الاقتصادية، مما ضمن بقاء الأدوات المالية الرئيسة، مثل جباية الضرائب، وأسواق العمل، والواردات، تحت السيطرة الإسرائيلية"، وفقا لما أوضحه بدوان.

ورغم أن السيطرة الإسرائيلية على التجارة والضرائب وحركة العمال قد قيدت النمو الاقتصادي الفلسطيني، إلا أن "الفساد الداخلي وسوء الإدارة وغياب إستراتيجية اقتصادية واضحة أسهمت أيضا في تعميق الأزمة"، وفق الموقع.

ولطالما واجهت السلطة الفلسطينية اتهامات بسوء الإدارة المالية، إلى جانب تقارير عن تخصيص غير فعال للأموال، وشبكات محسوبية، وقطاع عام متضخم يستنزف الموارد دون أن يعزز الاستقلال الاقتصادي، مما يجعلها تعتمد على الأسواق الإسرائيلية والوظائف فيها.

وأشار بدوان إلى أن "أكثر من 90 بالمئة من العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات فُصلوا من عملهم، ما أدى إلى قطع مصدر دخل أساسي للاقتصاد الفلسطيني".

وأردف: "بالتزامن مع الحرب، تسبب ذلك في ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة والفقر، خاصة مع انهيار قطاعات مثل البناء والخدمات".

من جانبه، أوضح ناثانسون أنه "حتى السابع من أكتوبر، كان نحو 150 ألف عامل فلسطيني يعملون في إسرائيل، لا سيما في قطاعات البناء والخدمات والزراعة".

وزاد من تعقيد هذه الأوضاع اعتماد السلطة الفلسطينية على المساعدات الخارجية بدلا من تبني إستراتيجيات تنموية مستدامة، مما جعل اقتصادها عرضة للضغوط السياسية والتغيرات الخارجية.

وكما يرى عبد الكريم، فإن "الاستقلال الاقتصادي الحقيقي مستحيل دون سيادة سياسية وإدارة اقتصادية كفؤة وشفافة".

ويستلزم ذلك إصلاحات مؤسسية عميقة، وإجراءات صارمة لمكافحة الفساد، والالتزام برؤية اقتصادية طويلة الأمد، بغض النظر عن أي إطار اقتصادي محسّن مع إسرائيل، وفق الموقع.

ويُعد توسيع الروابط الاقتصادية مع الأردن ومصر، بما يتيح للفلسطينيين التجارة بحرية أكبر بعيدا عن المسارات التي تسيطر عليها إسرائيل، جزءا أساسيا من أي ترتيب اقتصادي جديد.

وفي هذا السياق، أشار بدوان إلى أن "الفلسطينيين سيواصلون السعي لتعزيز العلاقات التجارية مع الأردن ومصر لتقليل الاعتماد على إسرائيل".

مارشال جديدة

ونظرا لخطورة الوضع، شدد بدوان على أن "هناك حاجة إلى خطة مارشال جديدة من أجل تعافي غزة اقتصاديا، وإعادة إعمارها، وإنعاشها من جديد".

وقال الموقع: إن "خطة مارشال، التي أطلقت بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن مجرد مشروع لإعادة إعمار أوروبا، بل كانت أيضا أداة لإزالة النفوذ النازي في ألمانيا".

وأوضح أنه "من خلال تقديم أكثر من 13 مليار دولار كمساعدات، ربطت الولايات المتحدة التعافي الاقتصادي بإصلاحات ديمقراطية، مما ضمن استبعاد المسؤولين النازيين من الحكومة والصناعة، وتعزيز اقتصاد السوق الحر".

واستطرد: "كما أسهمت الخطة في دمج ألمانيا في الاقتصاد الأوروبي، مما عزز التعاون مع الأعداء السابقين لكبح أي نزعة قومية متطرفة، ووضع أسس نجاح اقتصادي مستدام".

أما بالنسبة لغزة، فإن تطبيق خطة مارشال جديدة سيتطلب التزاما دوليا غير مسبوق.

ووفقا لتقييم حديث صادر عن البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن إعادة إعمار غزة والضفة الغربية ستتطلب 53.2 مليار دولار خلال العقد المقبل، من بينها 20 مليار دولار في السنوات الثلاث الأولى.

لكن يبقى السؤال: من سيمول إعادة إعمار غزة؟

في هذا السياق، أشار الموقع إلى أن العديد من الفلسطينيين يطالبون بأن تتحمل إسرائيل التكاليف، إلا أنها من غير المرجح أن تقبل بذلك، لأن ذلك يعني ضمنيا اعترافها بالمسؤولية.

في المقابل، خفضت الولايات المتحدة، أحد أكبر المانحين للاقتصاد الفلسطيني، مساعداتها في ظل السياسات الجديدة التي تبناها ترامب.

أما الاتحاد الأوروبي، الذي قدم 20 مليار دولار على مدار السنوات الماضية، فقد يواجه تحديات في استمرار دعمه بسبب الإرهاق الذي أصاب المانحين الأوروبيين وتغير أولوياتهم.

من جهة أخرى، أبدت دول الخليج، لا سيما قطر والسعودية والإمارات، اهتماما بتمويل إعادة الإعمار بعد العدوان، لكن غالبا ما يكون ذلك مشروطا بقيود معينة.

وفي حين أن التعاون الاقتصادي قد يمهد الطريق للسلام على المدى البعيد، يحذر الخبراء من أن تحقيق الازدهار الاقتصادي وحده لن يكون كافيا لحل الصراع دون معالجة مسألة السيادة الفلسطينية.

وأوضح عبد الكريم أنه "طالما أن إسرائيل تسيطر على المعابر الرئيسة، فإن الاستقلال الاقتصادي الحقيقي سيظل مستحيلا، والسلام يجب أن يكون أولا، وعندها فقط يمكن للعلاقات الاقتصادية أن تزدهر".