بعد انتكاسها في سوريا ولبنان.. كيف تبني إيران إستراتيجية عسكرية جديدة؟

منذ ١٨ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تحدث موقع دراسات إيراني عن محاولات طهران توسيع نفوذها العسكري والاقتصادي من خلال إستراتيجية بحرية متقدمة، مبينا أنها تواجه تحديات اقتصادية وإدارية قد تعيق تنفيذ مشاريعها الكبرى. 

وقال مركز الدراسات الإيرانية "إيرام" في مقال للكاتب التركي "أورال توغا": إن مفهوم "الدفاع المتقدم" يعد إحدى الركائز الأساسية للعقيدة العسكرية لطهران.

التوجهات والتحديات

وهذا المفهوم لا يقتصر على الدفاع داخل الحدود؛ بل يهدف إلى مواجهة التهديدات قبل وصولها إلى الأراضي الإيرانية.

وهو ما أكده المرشد الأعلى علي خامنئي بقوله: "يجب ألا نحصر أنفسنا داخل منازلنا، بل علينا أن نعد مهمة تحديد هوية من يقف وراء الجدران والتهديدات المحتملة مسؤوليتنا".

ويرتبط هذا المفهوم عادةً بعدة إستراتيجيات وأدوات عسكرية وأمنية، من أبرزها: القوى الوكيلة، وأنشطة فيلق القدس، وعمليات الاستخبارات عبر الحدود.

ويشمل أيضاً الفضاء السيبراني والصواريخ الباليستية، والطائرات بدون طيار؛ فضلا عن القوة البحرية التي تشكل جزءا أساسيا من هذا المفهوم.

فمع تراجع النفوذ اللوجستي الإيراني في محور لبنان-سوريا (بعد سقوط نظام الأسد وتراجع نفوذ حزب الله)، أصبحت إيران تركز بشكل متزايد على الخليج العربي، وبحر عمان، وشمال المحيط الهندي لتعزيز نفوذها الإقليمي. 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن مشاهدة تصاعدٍ ملحوظٍ في الحديث عن القوة البحرية وخطط التنمية البحرية في وسائل الإعلام الإيرانية، بما في ذلك إمكانية نقل العاصمة إلى جنوب إيران (مكران).

وتدرس إيران نقل العاصمة إلى مكران على ساحل خليج عمان في إطار سعيها لحلّ جذري لمشاكل كثيرة تواجه عاصمتها الحالية طهران، من ذلك الاختناقات المرورية وانخساف الأرض وشح المياه وسوء إدارة الموارد، وهو مقترح لم يتم تطبيقه بعد ولكنه يخضع لنقاشات مكثفة.

لكن وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها إيران لتعزيز موقعها الإقليمي، فإن إستراتيجيتها تواجه تحديات كبيرة أبرزها: أولا: تراجع تأثير شبكات القوى الوكيلة.

إذ فقدت بعض الجماعات المرتبطة بإيران ثقتها بها، متهمةً إياها بالجمود وعدم الفعالية، خاصة في ظل موقفها غير الحاسم تجاه حزب الله. 

ثانيا، الاضطرابات الداخلية: مثل احتجاجات سبتمبر/ أيلول 2022 بعد مقتل الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء.

وكذلك التقديرات السياسية وأبرزها وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في 19 مايو/أيار 2024 في ظروف غير واضحة تماما. 

وأيضا اغتيال إسرائيل رئيسَ المكتب السياسي الأسبق لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في 31 يوليو/تموز بطهران. 

وقال الكاتب التركي: إن “كل ذلك قد دفع إيران إلى التركيز بشكل أكبر على الأمن الداخلي”.

من ناحية أخرى، تُظهر التدريبات العسكرية المتكررة التي تُجرى كل أسبوع تقريبا في الأشهر الأخيرة أن إيران تشعر بتهديدات عالية. 

وفي ظل هذه التحديات، تجد إيران نفسها أمام معادلة معقدة تجمع بين تعزيز نفوذها الإقليمي والتعامل مع الضغوط الداخلية. 

ورغم أن إستراتيجية "الدفاع المتقدم" لا تزال أحد الأعمدة الأساسية لسياستها العسكرية، فإن إيران تواجه اختبارا صعبا في الحفاظ على توازنها بين البعدين الداخلي والخارجي.

تحول إستراتيجي

واستدرك الكاتب التركي: شكلت هزيمة إيران في سوريا نقطة تحوّل إستراتيجية مهمة في السياسة الإيرانية، حيث دفعتها إلى إعادة النظر في العديد من توجهاتها العسكرية والدبلوماسية. 

فقد أثرت هذه الهزيمة بشكل عميق على إستراتيجيات إيران في المنطقة، لتتبعها تحولات ملموسة في الخطاب السياسي والإعلامي.

ففي الفترة الأخيرة، برز في الإعلام الإيراني خطاب جديد يعكس العودة إلى الفكر الصفوي (عقيدة الولاء لإيران عبر انتماء مذهبي مرتبط بنوع من التشيع).

وقال الكاتب: إنه “بدأ التركيز على الفروق الهوياتية بين الأتراك في إيران والأتراك الأناضوليين في تركيا”. 

وهذا التوجه لم يكن مجرد محاولة لتعزيز الهوية الإيرانية؛ بل كان بمثابة رد فعل ضد التأثير المتزايد لتركيا في المنطقة، مع محاولة خلق حاجز هوياتي يميز إيران عن تركيا. 

ومن خلال السرديات التي تشبه معركة جالديران بكربلاء، سعت إيران إلى تسليط الضوء على العلاقات المعقدة والمشاكل التاريخية بين "الأتراك الأناضوليين" وسوريا.

وفي معركة جالديران، قطع الجيش العثماني مسيرة 5 أشهر وهزم الجيش الصفوي بقيادة الشاه إسماعيل بعقر داره بمدينة تبريز في 23 أغسطس/آب 1514، وذلك بعد محاولة الأخير فرض المذهب الشيعي وتهديد أمن الدولة العثمانية.

ويتابع الكاتب: “سعت طهران من خلال هذا الخطاب الجديد إلى تقليص النفوذ التركي في المنطقة، عبر خلق حاجز هوياتي يجعل العلاقة بين طهران وأنقرة أكثر تعقيدا، وبالتالي يصعب على تركيا تعزيز نفوذها في الدول المجاورة لإيران مثل سوريا والعراق”.

ومن خلال التركيز على العلاقات التاريخية المعقدة بين الأتراك الأناضوليين وسوريا، تسعى إيران إلى تقويض الصورة التي تحاول تركيا رسمها عن نفسها كقوة إقليمية رائدة، مع التأكيد على أن العلاقات التركية مع الدول العربية، مثل سوريا، قد تكون مليئة بالتحديات والمشاكل التاريخية.

ويمكن عد هذا التحول في الخطاب الإيراني خطوة إستراتيجية تهدف إلى مقاومة التوسع التركي في المنطقة، وفق الكاتب. 

فمن خلال العودة إلى التاريخ واستخدام السرديات الثقافية والدينية، تسعى إيران إلى تعزيز هويتها القومية والسياسية كوسيلة لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في الشرق الأوسط.

توسع البحرية الإيرانية

وأردف الكاتب: بعد التطورات الأخيرة في سوريا، تحولت إيران إلى منح الأولوية لإستراتيجيتها البحرية التي أطلق عليها "اليد الطويلة". 

هذه الإستراتيجية تهدف إلى توسيع نطاق تأثير البحرية الإيرانية بعيدا عن الخليج العربي لتشمل البحار المفتوحة والمحيطات، وتعد جزءاً من محاولة إيران لتعزيز حضورها العسكري في المنطقة والتصدي لأي تهديدات قد تطرأ في المستقبل.

وبيّن أن الأهداف الرئيسة للإستراتيجية تشمل تعزيز الوجود بالمياه الدولية والاستعداد لأسوأ السيناريوهات في مواجهة تحالفات عسكرية محتملة. 

كما جرى تطوير العديد من المفاهيم الدفاعية التي تهدف إلى تمكين إيران من التصدي لأي هجمات قد تأتي من بحر عمان أو المحيط الهندي. 

إضافة إلى ذلك، تسعى إيران إلى تطوير قدرتها على مواجهة التهديدات في البحار المفتوحة قبل أن تصل إلى سواحلها. 

وتهدف من خلال هذه الإستراتيجية إلى بناء قوة بحرية "عابرة للحدود" تمكنها من الحفاظ على وجود عسكري دائم في أي نقطة تشهد وجودا للبحرية الأميركية مما يعكس طموحاتها في توسيع نفوذها العسكري بعيدا عن حدودها الإقليمية.

وفي إطار هذه الإستراتيجية، تطور إيران قدراتها العملياتية البحرية، بما في ذلك إدخال سفن حربية طويلة المدى؛ مثل سفينة "شهيد رودكي"، والتي تتمتع بقدرة على حمل الطائرات المروحية والصواريخ. 

وأضاف الكاتب: إلى جانب الأبعاد العسكرية، تسعى طهران إلى تحقيق أهداف اقتصادية وتنموية من خلال مشاريع كبيرة؛ تشمل بناء خطوط نقل الطاقة، وإطلاق مبادرات سياحية (مثل السياحة الصحية)، وإنشاء مدن جديدة، واستيطان الجزر. 

وهذه الأهداف تتطلب تعاونا متعدد الأطراف بين عدة وزارات وجهات حكومية مختلفة لتحقيقها. 

كما تسعى إيران إلى تأمين الدعم الدولي عبر التفاوض مع دول مثل عمان والهند والصين وروسيا، بهدف تنفيذ هذه المشاريع التنموية الضخمة.

ومع ذلك، تبقى إيران اليوم في موقع دفاعي، حيث تواجه تحديات داخلية عديدة تتعلق بالاستقرار السياسي والاقتصادي. فالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تمثل أكبر العقبات أمام تنفيذ هذه المشاريع التنموية. 

لكن المشكلة الأكبر ليست العقوبات فقط؛ بل تشمل أيضا مشاكل الحكم الداخلي مثل ضعف الإدارة والمنافسة السياسية بين الفصائل الحاكمة وفقدان الثقة في النظام القضائي، وهو الأمر الذي يجعل الاستثمار الأجنبي أمرا صعبا للغاية.

فالاستثمارات الأجنبية التي كان من المتوقع أن تنهمر على إيران، لا تزال محدودة جدا، خاصة بعد تجارب سابقة غير ناجحة مع دول مثل الهند والصين. 

على سبيل المثال، استثمرت الهند في ميناء "تشاباهار" الإيراني بمبالغ لا تتجاوز بضع مئات من الملايين من الدولارات، وهو مبلغ ضئيل مقارنةً بالاستثمارات الصينية في ميناء "جوار" الباكستاني. 

كما أن العديد من المشاريع الإيرانية الكبرى، مثل "توسعة حقل جنوب فارس للغاز الطبيعي" و"مشروع سكة حديد بندر عباس-بوشهر"، شهدا انسحاب المستثمرين بسبب ضعف البيئة الاستثمارية في البلاد.

وتابع الكاتب: بينما تواجه إيران العقوبات الاقتصادية، فإن قضايا مثل مشاكل الطاقة، وأزمة المياه بسبب السدود المدمرة، والمشاريع الصناعية التي أُنشئت لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل هي التحديات الكبرى التي تحول دون تنفيذ المشاريع الإستراتيجية. 

لذلك، تظل الإرادة السياسية في إيران هي العامل الحاسم في تحديد ما إذا كانت البلاد قادرة على تنفيذ هذه المشاريع الضخمة أم لا.

وتسعى إيران جادّة لتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي من خلال إستراتيجية الدفاع المتقدم وتعزيز وجودها البحري في المحيط الهندي. 

لكنها، ورغم هذه الطموحات، تواجه مشاكل اقتصادية حادة تعيق تنفيذ مشاريعها الكبرى؛ سواء كانت مرتبطة بالبنية التحتية أو بالاستثمارات الأجنبية. 

ويظل السؤال الأبرز هو ما إذا كانت إيران قادرة على التغلب على تحديات الحكم الداخلي وتنفيذ إستراتيجياتها طويلة المدى في ظل المعوقات السياسية والاقتصادية.