رمضان وسط الركام.. غزة تصوم على الجوع وتفطر على المعاناة

خالد كريزم | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

مع دخول شهر رمضان، تبدو شوارع غزة كأنها فقدت جزءا من روحها؛ حيث تغيب روائح الخبز الساخن والقطايف والمقبلات الرمضانية عن الأزقة التي اعتادت أن تَعْبَق بنكهاتها. 

لم يكن رمضان هذا العام كسابقيه؛ فالحصار المتواصل والدمار الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي الأخير جعلا موائد الإفطار أقرب إلى محاولات للبقاء على قيد الحياة، بدلا من أن تكون لحظات تجمع واحتفاء.

ففي الأسواق، التي لطالما ضجت بالحركة قبل الإفطار، بات المشهد مختلفا؛ بضائع قليلة، وأثمان باهظة، ووجوه مرهقة تبحث عن أبسط مقوّمات العيش. 

كما تلاشت الألوان التي كانت تزين الشوارع، واستُبدلت بها ركام وأنقاض تمتد على مدّ البصر، في مشهد يلخص حجم المعاناة التي تعيشها غزة.

تأمين الغذاء

وتكافح العائلات اليوم لتأمين الحد الأدنى من الغذاء وسط ارتفاع كبير في الأسعار، وشحٍّ في المساعدات الإنسانية، وانهيار اقتصادي غير مسبوق.

وفي آخر تقرير له بالخصوص، ذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (رسمي) في ديسمبر/كانون الأول 2024، أنه بعد مضي 13 شهرا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ارتفع مؤشر غلاء المعيشة هناك بشكل حاد بلغت نسبته 490 بالمئة.

ولم تعد المشكلة تقتصر على القدرة الشرائية، بل امتدت إلى توفر السلع الأساسية؛ حيث أصبح العثور على الخبز إنجازًا في حد ذاته.

وتتلخص المعاناة الأساسية اليوم في الحصول على مكان آدمي للعيش وسط دمار كبير نال كل أنحاء القطاع، وفق ما يقول الصحفي محمد أبو شحمة.

ويتابع لـ"الاستقلال": "إذا وجدت مكانا يؤويك اليوم، فستحتاج للتفكير في كيفية إضاءته للاستمتاع بوجبة الإفطار، مع غياب الكهرباء بالكامل عن قطاع غزة منذ أكثر من 15 شهرا".

وتعيش غزة في ظلام دامس منذ تنفيذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد أن قررت إسرائيل قطع الكهرباء عن القطاع ومنع إدخال الوقود اللازم لعمل محطة التوليد الوحيدة.

ولجأ السكان إلى المولدات الكهربائية التي تعمل على الوقود، لكن المخزون نفد مع استمرار الحصار، وحتى الطاقة الشمسية، التي كانت بديلا لبعض العائلات، كانت مستهدفة بالقصف الإسرائيلي، ما جعل الحياة أكثر صعوبة.

محمود عبد العال (39 عاما)، أحد سكان شمال غزة، يوضح مدى تأثير هذا الوضع قائلا: "الحياة هنا عادت إلى العصر الحجري؛ لا كهرباء، لا مياه، لا غذاء كافيا".

وأضاف لـ"الاستقلال": “اعتدنا في رمضان على التجول في الأسواق المزدحمة والمضيئة بالفوانيس؛ حيث كان هذا الشهر يضفي حياة مؤقتة على مدينة تعيش أزمات متتالية. اليوم، كل شيء مختلف”.

ويوضح عبد العال من شمال قطاع غزة أن غياب مقومات الحياة من مسكن وغذاء ودواء وماء أثر بشكل كبير على الناس خلال رمضان.

وأردف: "رغم سوء الوضع الاقتصادي والمعيشي منذ بدء الحصار على غزة، كان رمضان دائما مختلفا؛ حيث التكافل والتراحم والزيارات تخفف عن الناس معاناتهم".

تعميق الأزمة

إلى جانب نقص الغذاء والكهرباء، يعاني السكان من أزمة مياه حادة؛ حيث تصل المياه إلى 40 بالمئة فقط من إجمالي مساحة مدينة غزة، وفق تصريحات رسمية.

وقال المتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه في تغريدة على إكس نهاية يناير/كانون الثاني 2025، إن “كميات المياه التي تصل للمواطنين شحيحة ولا تلبي احتياجاتهم، وهناك أضرار هائلة في شبكات المياه خاصة في المناطق التي انسحب منها الاحتلال”.

وذكر أن “75 بالمئة من إجمالي آبار المياه المركزية تعرضت لأضرار خلال العدوان”، مضيفا: “نحتاج بشكل عاجل وفوري لقائمة مواد ومعدات خاصة بصيانة آبار وشبكات المياه حتى نتمكن من تخفيف معاناة المواطنين”.

ولم يلتزم الاحتلال بإدخال تلك الاحتياجات بل عمق الأزمة أخيرا بعدما قطع الكهرباء عن محطتي تحلية المياه اللتين تزودان نحو 70 بالمئة من سكان دير البلح وسط قطاع غزة بالمياه الصالحة للشرب.

وهو ما سيؤثر بشدة على المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء، وسط بدائل شبه معدومة نتيجة تدمير أكثر من ثلاثة أرباع آبار المياه في قطاع غزة.

وقالت بلدية دير البلح، في 3 مارس/آذار 2025: إن "المحطتين معا تنتجان نحو 20 ألف متر مكعب من المياه المحلّاة يوميا".

وبدوره، حذر مدير التخطيط والمياه والصرف الصحي في بلدية غزة، ماهر عاشور، من أن "كمية المياه المتوفرة حاليا في القطاع لا تتجاوز 25 بالمئة من المعدل الطبيعي، وأن أكثر من 70 بالمئة من مصادر المياه دُمّرت بفعل العدوان".

وأضاف في 3 مارس أن "الخطر الأكبر سيكون إذا قطع الاحتلال مياه ميكروت (شركة مياه إسرائيلية)، التي تمثل 80 بالمئة من المياه المتاحة حاليا، مما سيؤثر بشكل كارثي على المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء".

وجاء قرار الاحتلال الإسرائيلي الأخير في وقت يواجه فيه قطاع غزة أزمة إنسانية متفاقمة؛ إذ تسبب عدوان الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر أكثر من 15 شهرا والقصف المتواصل في شلل شبه تام للبنية التحتية، لا سيما قطاع المياه.

وفي الثاني من مارس 2025، قرر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، عقب ساعات من انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وعرقلة الاحتلال الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.

وفي 19 يناير/كانون الثاني، بدأ سريان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ويتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما.

المنتجات وأسعارها

وبمجرد إعلان الاحتلال وقف إدخال المساعدات وإغلاق معبر كرم أبو سالم، شهدت أسعار السلع الأساسية قفزة هائلة، لتصبح بعيدة عن متناول معظم العائلات الأمر الذي فاقم من معاناة السكان في بدايات شهر رمضان.

وقال عبد العال: إن الأسعار كانت مرتفعة عن الطبيعي حتى قبل هذا الإغلاق، لكنها ارتفعت مباشرة بعد الإعلان عن وقف إدخال المساعدات.

وعلى سبيل المثال، روى أن سعر كيلو الدجاج المجمد قفز من 21 إلى 38 شيكلا بعد الإغلاق مباشرة، (1 دولار = 3,63 شيكلا).

وخلال العدوان، واجه التجار في قطاع غزة اتهامات عديدة بالاحتكار والابتزاز، خاصة أن الأسعار ترتفع مباشرة بعد أي تطور ميداني جديد.

وبالحديث عن طبيعة المواد الغذائية وأسعارها، قال الصحفي أبو شحمة: "لم يدخل بعد الهدنة منتجات جديدة سوى بعض الأمور غير الأساسية مثل بعض أنواع الشوكولاتة والمشروبات".

وأكد أن غزة ما تزال محرومة من اللحوم الطازجة؛ حيث يمنع الاحتلال إدخال الدواجن والأبقار حتى الآن، وفي المقابل يسمح بالمجمدات فقط.

وتابع: "يُدخل الاحتلال الدجاج المجمد فقط وهو غير مراقب (من قبل أي لجنة اقتصادية أو صحية) وبدون تاريخ صلاحية ولا قيمة غذائية".

ويبلغ سعر كيلو اللحمة الحمراء المجمدة 50 شيكلا أما كيلو الدجاج المجمد فيصل سعره إلى 35 شيكلا في المتوسط. أما السمك فيبلغ سعر أقل كيلو منه 100 شيكل، وفق أبو شحمة.

وتابع: "تحتاج عائلة مكونة من 5 أشخاص إلى أكثر من 50 دولارا لتحضير وجبة إفطار وذلك بسبب الغلاء الكبير".

وبحسب البروتوكول الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار، كان يفترض إدخال ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات يوميا، لكن المعدل كان أقل من 300، وفق ما أكد سابقا مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة.

وأشار إلى أن الاحتلال منع إدخال المواد الغذائية الأساسية بكميات كافية، مما فاقم الجوع وسوء التغذية، مشددا على أن ما كان يدخل قبل إغلاق المعابر لم يكن يكفي لسد 20 بالمئة من احتياجات الشعب الفلسطيني، وهو ما يفاقم الأزمة الإنسانية يوما بعد يوم.

وفي ظل هذا الوضع، يكاد المخزون الغذائي في غزة ينفد تماما؛ حيث تعتمد أكثر من ربع مليون عائلة بإجمالي مليوني إنسان على مساعدات محدودة لا تسد الاحتياجات الأساسية.

واليوم، يعتمد 80 بالمئة من أهالي غزة بالكامل على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، بعد أن دُمّرت أعمالهم، في ظل حصار خانق ودمار من كل جانب، مع ضبابية الرؤية بشأن مستقبل القطاع.