عفو عباس عن دحلان وتعيين نائب رئيس.. مصالحة فتحاوية أم مناورة سياسية؟

"إسرائيل ترى دحلان مرشحا محتملا لحكم غزة"
فجر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في 4 مارس/آذار 2025، مفاجأة أمام القمة العربية بإعلانه العفو عن جميع المفصولين من حركة التحرير الوطني "فتح" التي يرأسها.
وقال عباس أمام القمة العربية الطارئة في القاهرة، والتي خُصِّصت لبحث تطورات القضية الفلسطينية، خاصة في غزة: "حرصا منا على وحدة فتح، قررنا إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من الحركة".
ولم يكتفِ بهذه المفاجأة، بل أعلن استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين، مؤكدا أن السلطة على أتم الجاهزية لإجراء انتخابات عامة خلال العام المقبل (2026) حال توفرت الظروف الملائمة.
فما أسباب وخلفيات هذه القرارات النادرة من نوعها وما دلالاتها على المشهد السياسي الفلسطيني ومستقبل السلطة وحركة فتح في ظل التطورات المتسارعة في قطاع غزة والضفة الغربية؟
دحلان ورفاقه
يخص العفو بالتحديد، محمد دحلان القيادي الذي فصله عباس من فتح عام 2011؛ وكان حينها عضوا في اللجنة المركزية للحركة.
ومنذ ذلك الوقت، تلاحق السلطة دحلان (63 عاما) بتهمة الفساد، بعد أن أصبح أحد أبرز خصوم عباس ومنافسيه بقيادته لما يسمى “التيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة فتح”.
وقضت محكمة جرائم الفساد الفلسطينية عام 2016 بسجن دحلان ثلاث سنوات بتهمة اختلاس 16 مليون دولار خلال توليه منصب منسق الشؤون الأمنية للرئاسة.
ويتهم عباس خصمه دحلان بمحاولة الإطاحة به من رئاسة السلطة، والتورط في تسميم الرئيس الراحل ياسر عرفات مما أدى إلى مقتله.

ويقيم دحلان منذ سنوات في دولة الإمارات ويعد أحد مستشاري الرئيس محمد بن زايد الذي يرغب في توليه رئاسة السلطة كبديل عن عباس وحماس معا.
ولذلك يرى مراقبون أن خطوة عباس لم تأتِ عن قناعة وإنما بضغوط خارجية، وسط تعقد أزمات السلطة جراء عدم تمكينها من الحكم بالضفة وغزة.
وسبق أن قال مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية (إسرائيلي): إن عباس يدرس سبل إعادة توحيد حركة فتح المنقسمة، على افتراض أن السلطة ستلعب في نهاية المطاف دورا في حكم غزة، وذلك على الرغم من معارضة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الفكرة حاليا.
وخلف الكواليس، تشجع الأردن ومصر والإمارات عباس على تعزيز المصالحة داخل فتح في أقرب وقت ممكن، مع دحلان ومع القيادي الفتحاوي المفصول أيضا ناصر القدوة، وزير الخارجية الأسبق وابن شقيقة ياسر عرفات.
وأوضح المركز العبري في 4 سبتمبر/أيلول 2024 أن الدول المذكورة تعتقد أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعزز مكانة سلطة رام الله في الشارع الفلسطيني وفي نظر المجتمع الدولي.
وإلى جانب الفساد المستشري في السلطة، أضعفت هذه الصراعات الداخلية فتح بشكل كبير وعززت قوة حماس بالضفة الغربية.
لذلك، ترى الدول العربية المذكورة أنه يجب على عباس أن يسعى إلى المصالحة لتعزيز فتح والسلطة بهدف إنهاء قوة حماس في غزة والضفة معا.
وجاءت هذه التحركات تزامنا مع بدء وفدين من حركتي فتح وحماس اجتماعات في القاهرة بهدف التوصل إلى تفاهم حول تمكين السلطة من إدارة غزة بشكل كامل بعد الحرب، وفق ما أعلنه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي كلمته خلال المؤتمر الوزاري لإغاثة غزة والذي عُقِد في القاهرة في 2 ديسمبر، قال عبد العاطي: إن الطرفين يناقشان تشكيل لجنة إدارية لإدارة القطاع والإشراف على المساعدات والمعابر، مع ضمان سيطرة السلطة على الأمور الحياتية في غزة بشكل كامل.
ولم يكشف عن مصير اللجنة الإدارية وقتها، بعد الحديث عن رفض فتح لها، لكن، قال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته بالقمة العربية الأخيرة: إن مصر عملت مع دولة فلسطين على تشكيل لجنة إدارية من التكنوقراط توكل إليها إدارة غزة، فيما يبدو تنازلا من عباس.
ولا ترفض حماس اليوم عودة السلطة إلى غزة لكنها تدعو باستمرار إلى إقامة انتخابات عامة بعد تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني.
خطوات متقدمة
وتحسبا لسيناريوهات ما بعد حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، بدأ عباس وللمرة الأولى يخطو خطوات للأمام نحو المصالحة مع منافسيه السياسيين القدامى لتوحيد حركة "فتح" المفكَّكة لنيل الرضا والدعم العربي في ظل الفيتو الإسرائيلي المشدد.
ورغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يناير/كانون الثاني 2025، فشل عباس في إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل في حكم القطاع حتى الآن، ليبدأ في تطبيق خطة بديلة عبر نيل الرضا الإماراتي السعودي من خلال العفو عن دحلان.
ومن أجل دعمها، يطالب البلدان الخليجيان منذ سنوات بإجراء إصلاحات في السلطة التي ينظر إليها في الشارع المحلي والعربي على أنها فاسدة.
وقالت تقارير عديدة في سبتمبر 2024: إن الأردن يضغط أيضا على عباس لحل قضية خلافة القيادة داخل فتح، إما بتعيين نائب له أو إنشاء آلية لاختيار خليفته، لتجنب فراغ القيادة بمجرد تنحيه.
وهو ما استجاب له عباس بإعلان مرسوم دستوري جديد ينص على قيادة روحي فتوح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير)، للسلطة حال شغور المنصب وعدم إجراء انتخابات.
لكن هذه الخطوة لم تكن كافية في نظر الإمارات والسعودية اللتين ترغبان في إنهاء وجود حماس وتعزيز قوة السلطة عبر إجراء تغيير جذري.

ومن هنا جاءت خطوة تعيين نائب للرئيس والمصالحة مع دحلان الذي يتمتع بميزة عدم ارتباطه حاليا بالسلطة “الفاسدة” في نظر المجتمع الدولي.
ويُنظر إلى دحلان على أنه يقف وراء المساعدات الإنسانية الإماراتية لغزة التي أعلن عنها ابن زايد في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ضمن ما يسمى عملية الفارس الشهم 3.
كما أنشأت أبوظبي مستشفى ميدانيا في القطاع ونقلت المرضى والجرحى إلى مستشفياتها.
ومن هذا المنطلق، يرى موقع ميديا لاين الأميركي أن المساعدات عززت صورة الزعيم المدعوم من الإمارات كشخصية براغماتية قادرة على تحقيق نتائج يعجز عنها آخرون.
وبين في ديسمبر/كانون الأول 2024 أن علاقات دحلان الخليجية تمنحه القدرة على الوصول إلى موارد لا تستطيع حماس ولا السلطة أن تضاهيها.
ويمكن توقع استمرار محادثات المصالحة بين فتح ودحلان؛ لأنها تخدم كلا الجانبين، وفق ما يقول مركز “مائير عميت” للاستخبارات والإرهاب.
وأوضح المركز الإسرائيلي في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن المصالحة تمثل فرصة للسلطة، من أجل التقرب من الإمارات وباقي دول الخليج، والتي يتوقع أن تلعب دورا مركزيا في إعادة إعمار غزة بعد الحرب.
أما بالنسبة لدحلان، تساعد هذه العملية في تعزيز مكانته داخل السلطة كزعيم محتمل بعد نهاية عهد محمود عباس.
ولفت المركز إلى أن عباس أبدى استعداده للمصالحة؛ لأنه يدرك نفوذ دحلان وفصيله في غزة ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية ولبنان، فضلا عن رغبته في تأمين الدعم والتمويل من دول الخليج التي تربطها علاقات وثيقة بالقيادي المفصول من فتح.
رغبة عربية
وتسير كل الخطوات الأخيرة في صالح دحلان، ومن خلفه السعودية والإمارات، الذي تحدث أن الحل يكمن في تولي زعيم فلسطيني مستقل للسلطة وكأنه كان يشير إلى نفسه.
ففي فبراير/شباط 2024، قال القيادي الفلسطيني: إن إحدى الخطط المدعومة عربيا تقضي بأن تسلّم إسرائيل وحماس السلطة إلى زعيم مستقل، يكون قادرا على إعادة إعمار غزة تحت حماية قوات حفظ سلام عربية.
وأوضحت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية بعد إجراء مقابلة مع دحلان، أن الأخير قدم نظرة عما يفكر به القادة العرب في حواراتهم الخاصة بشأن خطط ما بعد نهاية الحرب.
وفي الوقت الذي تواجه فيه الخطة تحديات، فإن قادة مصر والإمارات والسعودية مستعدون لدعم عملية قد تقود إلى دولة فلسطينية، كما قال دحلان الذي يقيم أيضا علاقة قوية مع السيسي.
وبحسب الخطة التي تحدث عنها دحلان، وعبر عن مثلها القادة العرب في أحاديثهم الخاصة، فسيتم تعيين زعيم فلسطيني ليقود غزة وأجزاء من الضفة الغربية المحتلة. وتابع: “لا عباس ولا حماس… ناس جدد سيقودون السلطة الوطنية”.

وقال دحلان: إن الإدارة الفلسطينية الجديدة قد تدعو الدول العربية الصديقة لإرسال قوات للمساعدة على حفظ النظام في غزة.
وبين أن دولا عربية مثل الإمارات والسعودية مستعدة للمساعدة وتمويل إعادة الإعمار، لو وافقت إسرائيل على دولة فلسطينية.
ورفضت مصر والسعودية التعليق على تصريحات دحلان، كما لم تتطرق الإمارات لها، لكنها قالت: إن “مساهمتنا في أي جهود لإعادة إعمار غزة ستكون مشروطة بحل الدولتين”، وفق الصحيفة الأميركية.
وعلق عبد الله عبد الخالق المحلل السياسي الإماراتي والمستشار السابق لابن زايد على تصريحات دحلان، بالقول: إنها متماشية مع ما تدعو إليه الإمارات وما يطلق عليه “اليوم التالي” للحرب.
وأكد موقع المونيتور الأميركي في 6 مارس 2025 أن خطوة عباس “تتعلق بمنافسه المنفي محمد دحلان وتأتي في الوقت الذي تدفع فيه الإمارات والسعودية نحو إصلاح السلطة الفلسطينية”.
ولفت إلى أن الخطوة “تمهد الطريق أمام عودة دحلان على تقدير أن السلطة تتطلع إلى لعب دور في غزة؛ حيث يسعى عباس غير المحبوب على نطاق واسع إلى توحيد فتح المنقسمة”.
ويقول موقع عرب أوبزيرفر الذي يبث من لندن: إنه “على مدى أكثر من عقد من الزمان، واجه عباس ضغوطا داخلية وخارجية متزايدة لتنفيذ الإصلاحات، خاصة فيما يتعلق بالتخطيط للخلافة”.
وأوضح خلال تقرير له في 5 مارس 2025: “لطالما دفع الحلفاء الأجانب من أجل تعيين نائب (لعباس) لمعالجة المخاوف بشأن استقرار القيادة”.
وبالتزامن مع ذلك، "أقام دحلان منذ نفيه علاقات وثيقة مع الإمارات ومصر والسعودية، ووضع نفسه كوسيط قوة إقليمي”.
وتابع أن “اسم دحلان ظهر مرارا وتكرارا في المناقشات حول إدارة غزة بعد الحرب؛ حيث تشير التقارير إلى أن إسرائيل عدّته مرشحا محتملا لحكم القطاع”.
المصادر
- A Palestinian Exile Champions an Arab Vision for Gaza
- Arab Countries Urge Mahmoud Abbas to Unite Fatah Movement
- Cairo Considers Ousted Fatah Leader Dahlan’s Role in Postwar Gaza
- Muhammad Dahlan and His Possible Involvement in “The Day After” in the Gaza Strip
- Abbas to Establish Palestinian VP Post, Grants Amnesty to Fatah Rivals
- What’s behind Abbas’ amnesty gesture as Dahlan, others eye role in postwar Gaza?