موقع عبري: إسرائيل طبقت إستراتيجيتها الثلاثية في لبنان لكنها فشلت بغزة
"الطبيعة الطائفية والجغرافية لعبت دورا كبيرا في هذه السياسة"
مع موافقة الكيان الإسرائيلي على إبرام اتفاق وقف إطلاق نار مع "حزب" الله" اللبناني، تساءل كثيرون عن سبب عدم خوضه نفس المسار مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة.
وفي السياق، تساءلت صحيفة “زمان” عن “الأسباب التي دفعت حزب الله إلى الموافقة على وقف إطلاق النار تحت تأثير الضربات العسكرية، بينما في قطاع غزة، الذي تلقى ضربة أقوى بكثير، لم تتزحزح حماس عن مواقفها إلا بالكاد؟”
حيث ترى الصحيفة العبرية أن “النهج الإسرائيلي في القطاع هو ما يحول دون الوصول إلى صفقة إطلاق نار”، موضحة أن "الممارسات الإسرائيلية في غزة هي التي تدفع أهالي القطاع إلى التمسك بحماس كخيار وحيد في غزة".
في ضوء هذا، تبين عدة أساليب إستراتيجية أساسية لمحاربة المنظمات المسلحة المتأصلة داخل السكان المدنيين، موضحا مدى اتباع الاحتلال لهذه الأساليب خلال الحرب في غزة ولبنان.
كما تشرح أبرز الفروقات بين حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، مبينا كيف أثرت هذه التباينات على عملية صنع القرار في المنظمتين، وعلاقة كل منهما بالحاضنة الشعبية في بيئته.
ثلاث إستراتيجيات
يستهل الموقع العبري تقريره موضحا السبب الرئيس الذي دفع حزب الله للقبول بوقف إطلاق النار، في مقابل صمود حماس في غزة، إذ يرى التقرير أن السر يكمن في ما يُعرف بـ "الحاضنة الشعبية".
حيث رأى أن "الحركات المسلحة مثل حزب الله وحماس، تحتاج للحفاظ على الحد الأدنى من الشرعية الشعبية، الذي بدونه لن يتمكن التنظيم من الاستمرار في الوجود، بغض النظر عن مدى عنفه وقمعه".
وتابع: "تعتمد الشرعية الشعبية للتنظيمات المسلحة، من بين أمور أخرى، على الخيارات المتاحة أمام السكان الذين يعيشون في محيطها، وعلى الكيفية التي يُنظر بها إلى الطرف الآخر".
في هذا الإطار، يوضح الموقع ثلاث إستراتيجيات رئيسة لمواجهة التنظيمات المسلحة المندمجة داخل السكان المدنيين.
أولى هذه الإستراتيجيات، بحسب الموقع، تعتمد على "القضاء على أكبر عدد ممكن من القادة والمقاتلين في هذه التنظيمات، حتى يتم تدمير التنظيم أو إخضاعه".
بينما تعمل الإستراتيجية الثانية على "دق إسفين بين السكان المحليين والتنظيمات المسلحة، مما يؤدي إلى أزمة شرعية لهذه التنظيمات".
أما الإستراتيجية الثالثة، فيلجأ البعض "لإنشاء هيكل حوافز يجعل النشاط السياسي غير العنيف، يعد وسيلة أفضل وأكثر فعالية لتحقيق أهداف التنظيم، أو التوصل إلى تسوية يمكنه قبولها".
ويستطرد التقرير: "الخيار الأول نادر للغاية، وغالبا ما تحقق في الحالات التي كانت فيها التنظيمات صغيرة جدا، وتفتقر إلى أي دعم شعبي (مثل الحركات الماركسية السرية في الغرب)".
وبالعودة إلى المشهد في قطاع غزة، يتحدث التقرير عن أن "الحكومة الإسرائيلية الحالية لم تذهب إلى اتباع الخيارين الثاني والثالث، على الأقل فيما يتعلق بقطاع غزة".
وينتقد التقرير عدم اتباع الحكومة للخيار الثاني قائلا: "وبالنسبة للحالة الغزاوية، فإن خلق أزمة شرعية بين التنظيم والسكان المحليين يُعد الإستراتيجية الأكثر واقعية، نظرا لأن قتلى حماس يتم استبدالهم بسرعة. والتنظيم، على الأقل في الوقت الحالي، لا يميل إلى تقديم تنازلات أيديولوجية معقولة".
ويتابع: "بشكل عام، تزداد احتمالية خلق أزمة شرعية عندما يدرك السكان المحليون أن الحرب التي بدأتها التنظيمات المسلحة تُلحق بهم معاناة كبيرة، ولكن بشرط أن يُنظر إلى هذه المعاناة على أنها ناتجة عن طبيعة الحرب نفسها وليس بسبب كون الطرف الآخر شريرا أو عديم الرحمة".
وأضاف: "أما الشرط الثاني، فهو أن يكون لدى السكان أفق إيجابي يمكن تحقيقه بطرق غير عنيفة، مما يجعل الإصرار على استمرار العدوان يبدو غير ضروري وكارثيا".
بين اللبناني والفلسطيني
ويطبق التقرير هذه الإستراتيجيات على الحالتين اللبنانية والفلسطينية، فيقول: "في الحالة اللبنانية، تسببت إسرائيل بالفعل في معاناة كبيرة للسكان ككل، بسبب طبيعة الحرب".
واستدرك قائلا: "لكنها، نسبيا، أوقعت خسائر أقل في صفوف المدنيين غير المشاركين، وركزت هجماتها بشكل أكبر على معاقل حزب الله (الشيعية)، مقارنة بالخسائر المدنية الواسعة التي وقعت في قطاع غزة".
وأكمل موضحا: "إذ يصعب تجاهل الشك بأن النهج السائد الذي يفترض أن (كل الفلسطينيين غزة هم حماس)، مقارنة بإدراك أن العديد من اللبنانيين مهددون من قبل التنظيم الشيعي ويعادونه، قد تسرب إلى أسلوب عمل الجيش الإسرائيلي وأسهم في هذا التباين".
وعزا التقرير هذه التباينات إلى عوامل أخرى، فيقول: "ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بصراحة أن الفرق يعود أيضا إلى الطبيعة الطائفية والجغرافية للبنان، مما يسهل مثل هذا التباين".
ولذلك "اختلفت النتيجة في لبنان عن غزة، فمن المرجح أن المواطن اللبناني -مقارنة بالغزي- ينسب الدمار والموت والمعاناة إلى طبيعة الحرب نفسها، وليس إلى شر أو قسوة الطرف الآخر، وهو إسرائيل"، حسب التقرير.
أفق مسدود
من جهة أخرى، توضح الصحيفة أن "انتهاء القتال في لبنان، يوفر أفقا يتمثل في الانسحاب الإسرائيلي من أراضي دولة الأرز، واستعادة اللبنانيين حريتهم وسيادتهم".
"أما في غزة، فإن الأفق الذي تقدمه إسرائيل للفلسطينيين في القطاع في نهاية القتال، يبدو أنه يتضمن سيطرة عسكرية إسرائيلية مستمرة في المستقبل المنظور، دون أفق سياسي، ومع خطر ملموس بعودة المستوطنات وربما حتى التهجير القسري"، كما يوضح التقرير.
ويبين التقرير تأثير هذا النهج الإسرائيلي على مسار الصراع، قائلا: "في ظل هذه الظروف، يصبح من السهل على حماس أن تُظهر نفسها كمدافع عن الفلسطينيين بغزة في حرب لا خيار فيها".
وأردف: "صحيح أن العديد من الغزيين يعبرون علنا عن غضبهم من حماس، لكن هذا الغضب لم يصل إلى كتلة حرجة، كما أن الغضب تجاه إسرائيل ليس غائبا أيضا عن مشاعرهم".
وزعم التقرير أن "العديد من سكان القطاع وجدوا أنفسهم في حالة من الارتباك والتناقض؛ غاضبين من كلا الطرفين".
وهاجم التقرير مسار الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع الوضع في غزة، قائلا: "كان بإمكان الحكومة أن تتبنى نهجا يدعمه الكثيرون: السماح لقوة فلسطينية معتدلة، بدعم دولي، بتولي السيطرة على القطاع، ضمن إطار تحالف إقليمي ضد المحور الإيراني كبديل لحماس والسيطرة الإسرائيلية، وبطريقة تقوض شرعية الوكيل الإيراني، لكن الحكومة اختارت رفض هذا الخيار تماما".
وتابع: "في غياب مثل هذا البديل، يجد الفلسطينيون في غزة أنفسهم في وضع محاصر، حيث لا يقدم لهم أي أفق سوى حماس".
وتختتم الصحيفة ادعاءاتها بالقول: "وبهذا، تستطيع حماس الاستمرار في الإصرار على القتال، ومواصلة المواجهات، بل وحتى إطلاق الصواريخ على المستوطنات المحاذية لغزة بعد أكثر من عام على هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".