خياران بلا ثالث.. ماذا سيفعل "حزب الله" مع توالي صفعات إسرائيل؟
"إسرائيل تستغل الخط الإيراني الأحمر المرسوم لحزب الله في عدم الذهاب باتجاه الحرب"
مع التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله اللبناني، برزت تساؤلات عن أهداف "تل أبيب" من إصرارها على جرّ المحور الإيراني إلى الحرب المباشرة، وسط أحاديث عن مساعيها لترميم صورتها التي دمرتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ورغم انتهاك إسرائيل سيادة إيران واغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها، واستهداف قادة إيرانيين في سوريا، وقتل أبرز قادة حزب الله اللبناني، مع توجيه ضربات مؤلمة إلى الحوثيين في اليمن، لكن رد المحور الإيراني تجاه كل ذلك كان خجولا.
وفي ظل اشتداد الهجمات الإسرائيلية ضد المحور الإيراني، لا سيما في لبنان، تصرّ إيران على عدم رغبتها بالدخول في حرب مع الاحتلال، ما أثار تساؤلا ملحًا عن مدى بقاء حزب الله اللبناني متمسكا برغبة طهران هذه، أم أن الأخيرة راضية بما يحدث للحزب؟
رفض الحرب
وفي خطاب ليس بالجديد، واصلت إيران تهديداتها بالردّ على إسرائيل بشكل غير مسبوق، أعلن عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، في 22 سبتمبر/ أيول، أن "المرشد علي خامنئي لا يريد إشعال حرب مع تل أبيب في الظروف الحالية".
وفي تصريحات له خلال مؤتمر تخليد قتلى الحرب الإيرانية– العراقية التي جرت في ثمانينيات القرن العشرين، نقلت وكالة "تسنيم" عن قائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي قوله، إن "إسرائيل تسعى إلى أن تشعل حربا من الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية".
وبشأن الرد الإيراني على اغتيال هنية في 31 يوليو/ تموز، قال رضائي: "نحن في حالة ترقب وسنتحرك في الوقت المناسب بحكمة وقوة".
وقال رضائي: "لم نكن ننوي دخول الحرب، لكنهم حرّضوا أحد المتنمرين للهجوم على إيران". مشيرا إلى أن "نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي)، الذي يشبه صدام (الرئيس العراقي السابق) في جنونه، قد تم تحريضه الآن لشن حرب ضد إيران، وهاجم قنصليتنا في دمشق".
وأوضح أن بلاده ردت على الهجوم الإسرائيلي الذي طال قنصليتها في دمشق مطلع أبريل/ نيسان 2024، "بطريقة لا تؤدي إلى نشوب حرب"، مضيفا: "لقد اغتالوا هنية في أراضينا ويجب علينا القيام بشيء الآن".
وأردف: “إسرائيل تفعل ما بوسعها لإدخال إيران في الحرب، وإفشال السياسة الحكيمة للمرشد”، مؤكدا أن "حزب الله لن يسمح للكيان الصهيوني بالتحرك بحرية".
وتلقى حزب الله ضربة قوية بمقتل العشرات وإصابة الآلاف من عناصره بتفجير إسرائيل نحو 4 آلاف من أجهزة البيجر واللاسلكي في 17 و18 سبتمبر/ أيلول 2024، ثم قصفت بعدها بومين الضاحية الجنوبية، وقتلت قائد قوة "الرضوان" إبراهيم عقيل، وأحمد وهبي مسؤول التدريب في وحدة "النخبة".
وردا على استهدافه المستمر، شن حزب الله، هجوما على إسرائيل في 22 سبتمبر، أطلق خلالها أكثر من مئة صاروخ وجهت إلى خمسة مواقع في الأراضي المحتلة، ما أدى إلى إصابة 5 إسرائيليين في حيفا، حسبما أفادت صحيفة "هآرتس" العبرية.
خياران لا ثالث لهما
بخصوص خيارات حزب الله أمام ما يتعرض له من هجمات إسرائيلية مستمرة، ورفض إيران للدخول في الحرب، قال الباحث المختص بالشأن الإيراني، فراس إلياس، إن "السلوك الإسرائيلي وضع حزب الله اللبناني أمام خيارين لا ثالث لهما".
وأوضح إلياس في تدوينة على منصة "إكس" في 20 سبتمبر، أن "الخيارات أمام الحزب اللبناني، هو إما الرد وتحمل تبعات هذا الرد، وهذا يعني أننا قد نكون أمام غزة ثانية، أو عدم الرد وهذا يعني تآكل حزب الله من الداخل، بفعل الاختراق الاستخباري المستمر، والذي كلفه قياداته وكوادره".
وتابع: "لا يختلف أحد أن رغبة إيران بعدم خوض حرب جديدة في المنطقة، قيدت كثيرا من سلوك حزب الله، وتحديدا بالحفاظ على قواعد الاشتباك مع إسرائيل"، متسائلا: “إلى أي مدى سيبقى الحزب متمسكا برغبة إيران، أم أن إيران راضية بما يحدث للحزب؟”
وفي السياق ذاته، رأى الباحث العراقي، إياد ثابت، أن "إسرائيل تريد تجريد حزب الله من قيادته ومنصاته وتدمير صواريخه، إضافة إلى أنها تسببت في تعويق نحو 4 آلاف من عناصره، وبذلك هي ذاهبة باتجاه توسيع دائرة أهدافها ضد الحزب اللبناني".
وأوضح الباحث لـ"الاستقلال" أن "إسرائيل تستغل بذلك، الخط الإيراني الأحمر المرسوم لزعيم حزب الله في عدم الذهاب باتجاه الحرب، وإذا فعل خلاف ذلك فإن هذا سيكون مبررا إسرائيليا لتوسيع الهجوم في الأراضي اللبناني، وبدعم من الولايات المتحدة".
وأشار إلى أن "إسرائيل إذا دخلت في حرب مع حزب الله، سيكون هدفها دفع الأخير إلى ما بعد حدود الليطاني جنوب لبنان، ولا نستبعد أن يقدم الاحتلال على قتل حسن نصر الله، وتقديمه قربنا لدول الخليج وباقي الدول العربية التي تريد التطبيع، وتراجعت بعد السابع من أكتوبر 2023".
وبحسب ثابت، فإن "إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة تتجه إلى مقاتلة الحوثيين في اليمن، وتدميرهم وربما طوي صفحتهم أيضا، وذلك من أجل إتمام التطبيع مع دول المنطقة، لا سيما السعودية".
ورأى الباحث أن "إيران لن تحرك ساكنا وذلك حفاظا على عدم اقتراب النيران إليها، باستهداف ينالها بشكل مباشر ويجرّها إلى الحرب، فهي تعتمد بالدرجة الأساس على أذرعها، وأن فقدان هذه الأذرع بالنسبة لها أهون من خلخلة النظام الإيراني، والتي ربما تؤدي إلى سقوطه بشكل تام".
"حشر بالزاوية"
وعلى صعيد التفسيرات العبرية، قال الخبير العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور، خلال مقال له في 22 سبتمبر، إن "المحاولة الإسرائيلية لإخراج حزب الله اللبناني عن التوازن بهدف تغيير الواقع في الشمال تتسبّب في ضربات قاسية للمنظمة في الأيام الأخيرة".
وأكد ليمور في مقاله، أنه "رغم الضربة التي تلقاها حزب الله فإنه متمسك بسياسته ويبقي المعضلة متعلقة بمدى شدة التصعيد في العمليات من الجانب الإسرائيلي، وذلك في ظل خطر دائم للتدهور إلى معركة شاملة لا يزال الطرفان يسعيان للامتناع عنها".
وأشار الخبير الإسرائيلي إلى أن "تصفية إبراهيم عقيل تأتي استمرارا لهجمة أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال المنسوبة لإسرائيل، وتدل على قدرة استخبارية وعملياتية مبهرة وعلى استعداد إسرائيلي لأخذ مخاطر كبيرة بمجرد الهجوم في بيروت".
وذكر أنه في "المرة الأخيرة التي هاجمت فيها إسرائيل العاصمة اللبنانية، في يوليو 2024، في تصفية فؤاد شكر الذي كان الشخصية العسكرية الأعلى في المنظمة، فإنها كانت ردا على قتل 12 طفلا في مجدل شمس وليس كجزء من تغيير السياسة كما يجرى الآن".
ورأى الخبير أنه من الواضح أن "إسرائيل ترفع عن قصد الرهان إزاء حزب الله وتسعى إلى حشره في الزاوية كي يصل إلى اتفاق يسمح بإبعاد رجاله عن الحدود وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، وهذا خط كفاحي يختلف جوهريا عن الطريقة المنضبطة والحذرة التي اتبعتها تل أبيب".
ورأى أن "فضائل هذه الطريقة البارزة هي استعادة إسرائيل للمبادرة، في إلغاء سياسة المعادلات في الشمال للمناطق وطرق العمل المحددة والمحصورة وفي نزع ذخائر ذات مغزى من أيدي حزب الله، أما نواقصها فهي في إضاعة أوراق كان يفترض أن تستخدمها إسرائيل في الحرب، وأساسا في إمكانية أن تحشر المنظمة في الزاوية وتبدأ حربا شاملة".
وفي مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 31 أغسطس، رأى المسؤول الإسرائيلي السابق، ديفيد واينبرغ أن تردد إيران وحزب الله في الرد على الاغتيالات الأخيرة "ينبع من التهديدات الإسرائيلية والدبلوماسية الأميركية".
وقال واينبرغ الذي عمل مستشارا لنائب رئيس الوزراء الأسبق، ناتان شارانسكي، إن "جزءا من الإجابة يتلخص في التهديد الصريح الذي أطلقته تل أبيب بإلحاق الدمار بهؤلاء الأعداء إذا ما صعّدوا الصراع".
وأضاف المسؤول الإسرائيلي السابق أن "جزءا آخر يتلخص في الوجود البحري الأميركي غير المسبوق في المنطقة، والذي يدعم إسرائيل"، مؤكدا أن "في الوقت الحالي، يبدو أن نصر الله وخامنئي قد رُدعا عن تصعيد الصراع".
المصادر
- رضائي: لا يمكننا تجاهل الانتقام لدماء ضيفنا
- محسن رضايي: إسرائيل تسعى لإفشال سياسة المرشد بتجنب الحرب
- إصابة 5 إسرائيليين بقصف مستمر لحزب الله.. الاحتلال يوسع نطاق الطوارئ بالشمال
- פסע ממלחמת לבנון השלישית - ישראל מגדילה במתכוון את ההימור מול חיזבאללה
- Why Iran and Hezbollah haven’t retaliated: Israel’s threats and US diplomacy - opinion