توطيد التعاون العسكري بين طهران وموسكو.. لهذا يثير قلق الغرب وإسرائيل
“التعاون المتزايد بين روسيا وإيران يثير قلق الدول الغربية وإسرائيل"
تتعزز العلاقات الإستراتيجية الروسية الإيرانية في ظل التطورات الجيوسياسية الأخيرة والتوترات مع الغرب والولايات المتحدة، لا سيما في الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، عُقدت اجتماعات متكررة بين المسؤولين الروس والإيرانيين لتقوية العلاقات، بما في ذلك الجانب العسكري والدبلوماسي.
بدورها، تدعم روسيا إيران عسكريا وتزودها بتكنولوجيا متقدمة، بينما توفر طهران ذخائر وأسلحة لموسكو لدعم عملياتها في أوكرانيا.
في المقابل، زُودت روسيا بطائرات بدون طيار وأسلحة من إيران، مما أسهم في تقليل التكاليف العسكرية الروسية في أوكرانيا.
تعاون غير مسبوق
وقال معهد “دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي إن “التعاون المتزايد بين روسيا وإيران يثير قلق الدول الغربية وإسرائيل، خصوصا مع تصعيد التوترات في مناطق النزاع”.
وأشار إلى أن "اتصالات رسمية أجريت بين كبار المسؤولين الروس والإيرانيين في الأسابيع الأخيرة".
ووصل أمين مجلس الأمن القومي الروسي ووزير الدفاع السابق، سيرغي شويغو، إلى طهران في 18 سبتمبر/ أيلول 2024، والتقى بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للمرة الثانية خلال شهرين.
وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2024، زار رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، العاصمة طهران والتقى بعدد من كبار المسؤولين، من بينهم الرئيس بزشكيان.
وبحسب المعهد، كان من المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنظيره الإيراني نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2024، خلال مؤتمر “البريكس” المنعقد في قازان الروسية.
لكن موعد اللقاء الرسمي الأول بين الاثنين قُدم إلى 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، في المنتدى الدولي لإحياء ذكرى شاعر محلي في تركمانستان.
وفي 23 أكتوبر 2024، كجزء من قمة البريكس، التقى بوتين مع بزشكيان مرة أخرى.
وفي هذا الإطار، أبرز معهد الأمن القومي أن “هذه الاتصالات تعكس رغبة روسيا في تسريع وتيرة التقارب مع إيران، مع التركيز على التعاون العسكري والإستراتيجي، في حين تعمل المصالح المشتركة في الوقت الحاضر على إزالة رواسب الماضي بين البلدين”.
ولفت المعهد النظر إلى أن هناك قلقا روسيا من رغبة بزشكيان في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الغرب وضمان رفع العقوبات المفروضة على إيران.
أعلى المستويات
ومن ناحية أخرى، أوضح أن روسيا تهدف إلى تأطير الارتقاء بالعلاقات بين البلدين من خلال اتفاق جديد بشأن "الشراكة الإستراتيجية الشاملة"، والذي يبدو أنه سيُوقع عليه قريبا، بعد عامين من المناقشات.
ومن العلامات التي تشير إلى هذا التطور -بحسب المعهد- المرسوم الرئاسي الذي أصدره بوتين في 18 سبتمبر/ أيلول 2024، والذي كلف فيه وزارة الخارجية الروسية بتعزيز توقيع الاتفاقية على أعلى المستويات.
جدير بالإشارة إلى أنه اتفاق لم تُعلن بعد معظم تفاصيله، لكن نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودنكو، وصفه بالفعل بـ"التاريخي".
وخلال الاجتماع الذي عُقد في 23 أكتوبر 2024، أكد بوتين وبزشكيان استعدادهما للمضي قدما في توقيع الاتفاقية في أقرب وقت ممكن.
وقدر المعهد أن هناك تشابها بين الاتفاق الروسي الإيراني واتفاقية "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين روسيا وكوريا الشمالية، الموقعة في يونيو/ حزيران 2024، والتي تعهدت بموجبها الدولتان بتقديم المساعدة العسكرية لبعضهما البعض "في حالة العدوان عليهما".
وبغض النظر عن الاتفاق الناشئ، قال المعهد إن "نطاق الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإيران اليوم غير مسبوق بكل المقاييس، وينبغي أن يسبب قلقا عميقا في عواصم الغرب وفي تل أبيب".
وأوضح أن "الارتقاء بالعلاقات الأمنية بين البلدين، بما في ذلك توسعها إلى مناطق جديدة، وتحول إيران إلى مورد مهم للأسلحة إلى روسيا، والترويج للمشروع الإستراتيجي (ممر النقل بين الشمال والجنوب)، كل هذه الأمور تشير إلى التغيير العميق في العلاقات بين البلدين".
وبالنظر إلى هذا التعاون من الناحية الروسية، أفاد المعهد بأن "السبب الرئيس لرفع مستوى التعاون العسكري مع إيران هو الصعوبات التي واجهها الجيش الروسي على الجبهة الأوكرانية".
وفي مقدمة المساعدات الإيرانية، أشار إلى توريد عدد كبير من الطائرات بدون طيار للجيش الروسي، والذي يقدر بأكثر من 8000 وحدة.
كما ساعد الإيرانيون في إنشاء مصنع مستقل لإنتاج الطائرات بدون طيار في مدينة ألابوغا الروسية.
كثافة المساعدات
من جانب آخر، لفت المعهد الإسرائيلي إلى أنه “يمكن رؤية المساعدات الروسية أيضا في دعم وكلاء إيران في المنطقة، حزب الله والحوثيين”.
وذكر أنه “منذ عام 2022، أجرت روسيا تبادلات استخباراتية منتظمة مع حزب الله وزودت المنظمة بصواريخ مضادة للسفن”.
ولفت المعهد إلى أنه "أثناء انتظار رد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني مطلع أكتوبر 2024، أرسل نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، تحذيرا شديد اللهجة إلى إسرائيل بعدم التفكير، ولو حتى افتراضيا، في مهاجمة المواقع النووية في إيران".
وفي الوقت نفسه، أعرب بوتين، في 18 أكتوبر، عن استعداده للتوسط بين إيران وإسرائيل من أجل "إيجاد حلول وسط ووقف، في مرحلة ما، تبادل الضربات المتواصلة".
وفي رأي المعهد، تعكس هذه التصريحات "رغبة روسيا في حماية حليفتها من هجمات إسرائيلية، في ظل التنسيق بين حكومة بنيامين نتنياهو والإدارة الأميركية".
ورأى أن "استهداف إيران ووكلائها يعد مقبولا بالنسبة لروسيا، طالما بقي محدودا ولم يتسبب في حرب إقليمية أو زعزعة نظام الحكم في طهران".
وحسب رد وزارة الخارجية الروسية على الهجوم الإسرائيلي على إيران ليلة 26 أكتوبر 2024، فإن "موسكو تدعو جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس وتجنب تطور الأحداث وفقا للسيناريو الكارثي".
وبعد مرور عامين وثمانية أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، وأكثر من عام على العدوان الإسرائيلي على غزة، ذهب المعهد إلى أن "الحربين تشكلان بالنسبة لروسيا منظومة من الأدوات المشتركة على المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية".
إذ أدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم الصراع بين روسيا والغرب ودفعت روسيا إلى التقارب مع الدول التي تتقاسم معها العداء العميق للغرب، وخاصة إيران وكوريا الشمالية.
وكلا الاتجاهين -ابتعاد روسيا عن إسرائيل واقترابها من إيران- تزايدا نتيجة للحرب في أوكرانيا واحتياجات الجيش الروسي الملحة لإدارتها، وفق ما يعتقده المعهد.
علاوة على ذلك، قال إن "اشتعال النيران في الشرق الأوسط -حيث تتورط إسرائيل على نحو متزايد في حرب استنزاف طويلة الأمد- يتماشى مع المصلحة الروسية في تحويل الموارد الأميركية والأوروبية عن الساحة الأوكرانية".
وحذر المعهد من أنه "طالما لم تقع أي حادثة وتغير هذا الوضع، فمن المتوقع أن تستمر روسيا في مساعدة ومساندة إيران ووكلائها".
ورأى أن "كثافة المساعدات ونطاقها يعتمد بشكل مباشر على درجة التدخل الأميركي في الحرب بين إسرائيل وإيران ووكلائها، أي كلما زاد التدخل الأميركي، زاد التدخل الروسي".