المفاوضات الأميركية الإيرانية بشأن "النووي".. إلى أين وصلت؟ وإلى أين تتجه؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم الأجواء الإيجابية، إلا أنه بعد ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وتأجيل الجولة الرابعة، يمكن القول إن عقبات كثيرة لا تزال تواجه الجانبين للتوصل إلى اتفاق يُرضيهما.

في السياق، يتحدث تقرير المعهد الإيطالي للشؤون الدولية "IARI" عن مستقبل الملف النووي الإيراني مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. 

ويركز التقرير على المبادرات الجديدة التي أطلقها ترامب لإعادة التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، معتمدا على نهج أكثر صرامة مقارنة بالإدارات السابقة.

وبحسب المعهد الإيطالي، تتضمن هذه المبادرات فرض عقوبات جديدة على إيران والضغط من خلال شركاء إقليميين لإجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أكثر صرامة.

من ناحية أخرى، يناقش التقرير التحديات التي تواجه هذه المبادرات، بما في ذلك مقاومة إيران لأي تنازلات جديدة، والشكوك حول مدى فعالية العقوبات في تغيير سلوك طهران. 

كيف بدأ البرنامج النووي الإيراني؟

يستهل المعهد الإيطالي تقريره بالإشارة إلى أنه في 12 أبريل/ نيسان 2025، عُقدت الجولة الأولى من المحادثات بين إدارة ترامب والوفد الإيراني لـ "مناقشة إمكانية فتح مفاوضات جديدة بشأن الاتفاق النووي الإيراني". 

وهنا، يلفت المعهد إلى أن محاولات للتوصل إلى اتفاق مع إيران، جرت على مدى عقود، لمراقبة إنتاج اليورانيوم المخصب، وهو نقطة محورية في إنتاج الطاقة النووية.

وبحسب المعهد، حُققت أول نتيجة حقيقية فقط مع اعتماد خطة العمل الشاملة المشتركة "JCPOA" عام 2015، والتي كان الأميركيون من أبرز مؤيديها، وكانوا أيضا أول من انسحب منها خلال إدارة ترامب الأولى في عام 2018.

وفي هذا السياق، يوضح المعهد أن أصل البرنامج النووي الإيراني يعود إلى خمسينيات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك عندما بدأ العالم يتحدث عن إمكانية استخدام الطاقة الناتجة عن انشطار اليورانيوم لأغراض مدنية، بعد الكوارث التي شهدتها هيروشيما وناغازاكي. 

كما ورد عن المعهد، كان أول الداعمين لهذا التوجه البحثي الولايات المتحدة بقيادة الرئيس أيزنهاور، الذي قدم في خطابه الشهير، في ديسمبر/ كانون الأول 1953 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خطة "الذرات من أجل السلام".

جدير بالذكر أنها خطة تسمح لأي جهة مهتمة بتطوير البحث في المجال النووي، مع إنشاء منظمة دولية مختصة لهذا الغرض، وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية "IAEA"، لتراقب عمل الدول وتضمن أن يُستخدم فقط لأهداف مدنية.

ولمواجهة الخوف من سباق نحو التسلح النووي، بُني -تدريجيا وبصعوبة- نظام لعدم انتشار الأسلحة النووية، والذي يقوم أساسا على معاهدتين، بحسب المعهد.

وتتمثل المعاهدة الأولى في حظر التجارب النووية في الغلاف الجوي والفضاء الخارجي وتحت الماء، والتي وُقعت في موسكو، في 5 أغسطس/ آب 1963، من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي.

أما فيما يخص المعاهدة الثانية، يذكر المعهد أنها تتمثل في "عدم انتشار الأسلحة النووية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970، ووقعتها في البداية 43 دولة فقط؛ أما اليوم فقد بلغ عدد الدول الأطراف فيها 191 دولة".

ومن جهة أخرى، يفصل المعهد الإيطالي كيف نشأ البرنامج النووي الإيراني، إذ بدأ من إدراك الشاه محمد رضا بأن إيران لا يمكنها الاستمرار في الاعتماد على النفط لتلبية احتياجاتها من الطاقة ولأغراض التصدير.

ولأن الموارد ستنفد عاجلا أم آجلا، قرر الشاه -بحسب المعهد- أن يسير على النهج الدولي ويطور برنامجا نوويا خاصا به. 

وبالاستفادة من برنامج "الذرات من أجل السلام"، يشير المعهد إلى أن محمد رضا وقع اتفاقا مع الرئيس الأميركي، أيزنهاور، عام 1957، تلتزم بموجبه الولايات المتحدة بـ "دعم إيران في برنامجها للحصول على الطاقة النووية لأغراض مدنية". 

ثم في عام 1968، صادقت إيران على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأصبحت رسميا جزءا من نظام الأمن الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية.

انهيار البرنامج النووي الإيراني

وفي هذا الإطار، يسلط المعهد الإيطالي للشؤون الدولية الضوء على أن التعاون مع الولايات المتحدة ودول أوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، كان قويا ومستمرا حتى اندلاع الثورة الإسلامية.

موضحا أن "الثورة أدت إلى قطع العلاقات التجارية والدبلوماسية وظهور مناخ من عدم الثقة بين الطرفين". 

حيث فُرضت على إيران عقوبات اقتصادية قاسية تسببت في تدهور كبير في الوضع الاقتصادي للبلاد، كما أعاقت فتح قنوات للحوار. 

وكانت الولايات المتحدة -على حد قول الصحيفة- أول وأكبر من استخدم أداة العقوبات ضد إيران.

مقتنعة بأن "الضغط الاقتصادي سيدفع البلاد إلى الانفتاح على الحوار والخضوع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وهو ما يسمح بالتحقق من أن تطور البرنامج النووي الإيراني يتم في الإطار المدني.

ولكن في الواقع، يعتقد المعهد أن هذه السياسة "لم تؤد إلى النتائج المرجوة، بل زادت التوترات".

علاوة على ذلك، اتجهت إيران إلى زيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب، مما أثار مخاوف المجتمع الدولي بشأن الأمن الإقليمي والعالمي. 

وفي هذا السياق، يقول المعهد إن "إيران لو حصلت على السلاح النووي، لاختل التوازن الإقليمي لصالحها"، منوها أن "هذا أثار قلق إسرائيل، وأيضا المملكة العربية السعودية، خصمها التاريخي، من أجل بقائهما وأمنهما".

وفي هذا الصدد، يبرز المعهد أن "مسألة الثقة المتبادلة ومناخ انعدام الأمن العام كانت محورية في العقود التالية، وقد أدت إلى تصعيد العلاقات وتزايد التوتر بين إيران والمجتمع الغربي، وكذلك مع الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها". 

وتابع: "وحتى اليوم، يُعد الاتفاق النووي لعام 2015 "JCPOA" أول نجاح حقيقي في المفاوضات مع إيران، وهو اتفاق شاركت فيه ثلاث من القوى الأوروبية الكبرى، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب الولايات المتحدة التي لعبت دور الوسيط والداعم الأساسي له".

ووفق ما يشير إليه المعهد، فإن "تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تظهر أن إيران التزمت في السنوات الأولى من تنفيذ الاتفاق، بما نصت عليه بنوده".

إلا أن العودة إلى سياسة التشدد التي انتهجتها إدارة ترامب أدت إلى انهيار الاتفاق، بحسب ما يوضحه المعهد.

فبعد انسحاب الداعمين الرئيسين للمعاهدة وفرض حزمة جديدة من العقوبات، والتي أُضيفت إليها العقوبات الأوروبية عند اندلاع النزاع في أوكرانيا بسبب دعم إيران لروسيا، انهارت الآمال -على حد وصف المعهد- في إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى إطار نظام عدم الانتشار الدولي.

إيران في وضع حساس

وبالحديث عن محاولة ترامب الأخيرة، يحلل المعهد محاولته لإعادة فتح المفاوضات النووية في ضوء التطورات الجيوسياسية الراهنة. 

إذ تلقت إيران -بحسب المعهد- في عام 2024 ضربات قاسية على مستوى نفوذها الإقليمي، أبرزها الضربة الإسرائيلية لحزب الله اللبناني، وكيلها الرئيس في المنطقة.

إضافة إلى سقوط نظام الأسد، أهم حلفائها من الدول، مما عرض "محور المقاومة" لاهتزاز كبير، على حد وصف المعهد.

وفي المقابل، يعكس المعهد أن "ترامب يحتاج إلى تحقيق إنجاز سياسي-دبلوماسي في الأشهر الأولى من ولايته، بعد الإخفاقات الجزئية التي واجهها على الساحتين الأوكرانية والفلسطينية".

ونتيجة لذلك، يرى المعهد الإيطالي للشؤون الدولية أن "الظرف السياسي والتاريخي الحالي مناسب لإعادة فتح قنوات الحوار".

وبالفعل، أُجريت المحاولة الأولى في سلطنة عمان، بينما عُقدت الجولة الثانية من المحادثات في روما في 19 أبريل/ نيسان 2025، تلتها جولة ثالثة عادت إلى عُمان.

ومن ناحية أخرى، ينوه المعهد أن "إيران تجد نفسها في وضع حساس من الناحية الجيوسياسية الإقليمية، وأيضا على صعيد السياسة الداخلية بسبب الاحتجاجات الأخيرة ضد التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية من قبل النظام".

إضافة إلى ذلك، يشير المعهد إلى الوضع الاقتصادي المتدهور نتيجة العقوبات الشديدة المفروضة على البلاد. 

وعلى الرغم من أن السلطات الإيرانية تلتزم الحذر في التعليق على سير المحادثات الجارية، فإن مجرد تنظيم محادثات غير مباشرة بين الأطراف يُعد إشارة إيجابية على وجود رغبة متبادلة في التوصل إلى اتفاق يخدم مصالح الطرفين.

وبحسب المعهد الإيطالي، من المرجح أن تتمحور المفاوضات حول الرفع الجزئي والتدريجي للعقوبات الأميركية.

وذلك في مقابل زيادة الرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية "IAEA" بشأن مدى تقدم البرنامج النووي، من خلال زيارات ميدانية إلى منشآت تخصيب اليورانيوم ومواقع إنتاج الطاقة النووية. 

ومن المحتمل -وفق ما ورد عن المعهد- ألا تتجاوز المفاوضات هذه المواضيع نظرا لحساسية الوضع الإقليمي، حيث إن إيران "لن تكون مستعدة لتقديم تنازلات إضافية بسبب هشاشة التوازن الأمني الداخلي والخارجي".

وفيما يخص الساحة الفلسطينية، لا يرجح المعهد "احتمال نجاح ترامب في دفع إيران إلى سحب دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية أو غيرها من القوى المحلية التي تزعزع استقرار المنطقة لصالح إسرائيل".

ومع ذلك، يرى المعهد أن "إسرائيل قد تستفيد أيضا من نجاح هذه المفاوضات، من خلال الحصول على ضمانات أمنية أكبر في هذا السياق".

أمل أوروبي

وبالعودة مرة أخرى إلى الحديث عن جولات المحادثات، يجد المعهد الإيطالي أنه من اللافت أن الجولة الثانية من المحادثات عُقدت في روما.

فعلى حد قوله، لم تُشرك القوى الأوروبية حتى الآن في هذه العملية، نظرا لأن الملف لا يزال في مراحله الأولية. 

ولكن استعداد إيطاليا لاستضافة اللقاء الثاني بين الوفدين الدبلوماسيين كان إشارة قوية للطرفين، بحسب المعهد.

وختم الموضوع موضحا: “فمن جهة تؤكد إيطاليا التزامها بعلاقتها مع الحليف الأطلسي، وهو ما تدفع الحكومة باتجاهه بقوة بعد سياسة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب”. 

و"من جهة أخرى، تؤكد الدولة الأوروبية على قربها من إيران، التي لطالما احتفظت معها بعلاقات إيجابية وإن كانت محدودة، خاصة بعد الثورة الإسلامية".