عبر تصفية الخصوم.. هكذا أصبح أوزغور أوزيل زعيما لأكبر أحزاب المعارضة التركية

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في أجواء سياسية مشحونة، أعيد انتخاب أوزغور أوزيل زعيما لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، للمرة الثانية، خلال الجمعية العامة الاستثنائية التي عقدت في أنقرة مطلع أبريل/ نيسان 2025 بعد أن نال ثقة 1171 مندوبا من أصل 1276.

وجاء فوزه بعد انسحاب أوميت أويصال، رئيس بلدية مراد باشا في أنطاليا، من السباق، بينما فشل المرشح الآخر، برهان شيمشيك، الرئيس السابق للحزب في إسطنبول، في حصد عدد كاف من الأصوات، بينما لم يترشح رئيس بلدية إسطنبول المعتقل أكرم إمام أوغلو.

وفي السياق، نشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالا للكاتب "عبد القدير سيلفي" المقرب من دوائر صنع القرار في تركيا سلط فيه الضوء على التغييرات الأخيرة التي شهدها حزب الشعب الجمهوري.

تصفية الخصوم 

في مستهل التقرير يقول “سيلفي”: إنه في الساحة السياسية التركية يتصدر أوزغور أوزيل مشهدا يُشبه لعبة تصفية ممنهجة للخصوم داخل حزبه.

حيث يطيح بكل من يملك طموحا رئاسيا، وتحوّل بشكل ملحوظ من الخطاب العاطفي إلى الممارسة السياسية الحادة.

فبدأ أوزيل مسيرته بالبكاء خلف كمال كليتشدار أوغلو ليقدمه كزعيم وفيّ، ثم انقلب عليه بمجرد أن توفرت له الفرصة والدعم الداخلي. 

ثمّ تكرّر نفس السيناريو مع أكرم إمام أوغلو، الذي استخدمه أوزيل لتحريك الحزب وعقد مؤتمر استثنائي، قبل أن يقضي على طموحه الرئاسي بتصريحات أوحت ببقائه في سجن سيليفري حتى الانتخابات مستبعدا احتمال ترشحه.

وبعد استبعاد إمام أوغلو تشير كل المؤشرات إلى أن الدور جاء على منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة، الذي اختار الصمت بعد تصريحات أوزيل في وقت تتحدث فيه الأوساط السياسية عن بداية مسار تصفية جديدة. 

والمثير للجدل هو أن يافاش لم يقم بأي تصريح حتى الآن، ولم يقم بنشر أي تغريدة على موقع إكس. 

وهذا الصمت لا يعكس إلا حالة ترقب وحذر؛ إذ يعلم يافاش جيدا أن أوزيل يطحن الطموحات الرئاسية في مطحنته الحزبية دون هوادة. 

وهكذا، يتحول المشهد السياسي في تركيا إلى ما يشبه ساحة لعب، فيها اللاعب الأذكى ليس من يقدم البرامج الأفضل، بل من يعرف كيف يُخرج الآخرين من اللعبة في اللحظة المناسبة. 

وفي خطوة أثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية التركية، خرج أوزيل بتصريح يُعدّ نقطة تحول حاسمة في مصير أكرم إمام أوغلو السياسي.

حيث أعلن بشكل غير مباشر أن إمام أوغلو لن يكون مرشحا للرئاسة في الانتخابات المقبلة. 

وأشار أوزيل أيضا إلى سيناريو بديل يقضي بالانتقال إلى النظام البرلماني بعد الانتخابات، حيث يصبح منصور يافاش رئيسا للجمهورية، وإمام أوغلو رئيسا للوزراء، في حال بقائه في سجن سيليفري. 

ولفت الكاتب النظر إلى أن هذا التصريح شكّل لحظة انكسار في طموحات إمام أوغلو الرئاسية، خاصة أن أوزيل أقر ضمنيا بعدة أمور:

أولها: أعلن في تصريحه أن إمام أوغلو لن يكون مرشحا للرئاسة. كما أقر ضمنيا بأن إمام أوغلو سيبقى في سجن سيليفري حتى موعد الانتخابات الرئاسية. 

وأخيرا، وبشكل غير رسمي أعلن بأن اعتراضات إمام أوغلو القانونية ضد إلغاء شهادته الدراسية لن تسفر عن نتيجة، وبالتالي لن يتمكن من الترشح للرئاسة. 

والمفارقة اللافتة هو أن أوزيل كان قد أدلى بتصريح معاكس قبل 24 ساعة فقط من أمام سجن سيليفري نفسه، حيث قال: “حتى إمام أوغلو نفسه لا يمكنه الانسحاب من الترشح بعد الآن”.

وأكد ثقته في فوزه بالانتخابات. ولهذا، فإن التناقض بين التصريحين في أقل من يوم يثير تساؤلات حول ما حدث في الكواليس خلال تلك الساعات القليلة. 

تحوّل مفاجئ

ولفت الكاتب التركي إلى أن إعلان أوزيل بأن ترشح إمام أوغلو للرئاسة لم يعد واردا يشير إلى أن غياب إمام أوغلو يمكن تعويضه بأي شخص آخر، بغض النظر عن اسمه أو وزنه السياسي. 

ولذلك فقد شبّه الكاتب الأحداث التي تحصل داخل الحزب بما يحدث في مباريات كرة السلة، حيث يتمّ إخراج اللاعبين الأقوياء من الملعب لتمهيد الطريق للنصر. 

وهكذا فعل أوزيل بإمام أوغلو، فاستبعده وأدخل منصور يافاش إلى "اللعبة"، رغم أن الأخير كان قد تعرض سابقا لهزات سياسية بسبب بعض المواقف والتصريحات. 

لكن دخول يافاش يبدو وفقا لبعض المراقبين بداية لمرحلة تصفيته هو الآخر، وذلك ضمن خطة لإضعاف كل من يشكل تهديداً لقيادة أوزيل أو طموحاته الخاصة. 

المثير للاهتمام هو أن أوزيل الذي ذرف الدموع خلف كمال كيلتشدار أوغلو وسوّق إمام أوغلو كمرشح لا يُهزم لم يتردد اليوم في التخلي عنه، بل والإشارة إلى أنه سيبقى في السجن، وكأن ذلك أمر مفروغ منه سياسيا وقانونيا. وهذا التصرف قد كان مفاجئا فعلا. 

في ظل هذه المعادلات، لم يعد واضحاً إن كانت المعارضة تتجه نحو تقوية صفوفها استعداداً للانتخابات، أم أنها تعيد ترتيبها لصالح مصالح ضيقة وصراعات داخلية. 

لكنّ المؤكد هو أن أوزغور أوزيل بات الآن شخصية يُحسب لها ألف حساب، ليس بسبب رؤيته السياسية، بل بسبب مهارته في تحييد الخصوم داخل البيت الواحد.

وهو يحاول رسم مشهد سياسي جديد قائم على فكرة "الرئيس الرمزي ورئيس الوزراء الفعلي"، حيث وضع منصور يافاش في موقع رئاسة الجمهورية وأكرم إمام أوغلو في رئاسة الوزراء بعد تعديل محتمل للدستور والعودة إلى النظام البرلماني. 

لكنّ ما يبدو في ذهن أوزيل كـ"سيناريو ذكي"، يصطدم بوقائع دستورية وسياسية وشعبية. فلا يمكن تحقيق هذا التصور إلا من خلال تعديل دستوري شامل. 

والثقة التي يبديها أوزيل بفوز المعارضة بنسبة 70 بالمئة في الانتخابات هي أقرب إلى الوهم منها إلى التحليل الواقعي، خاصة أن وعودا مماثلة بالعودة إلى النظام البرلماني أُطلقت سابقا من "الطاولة السداسية"، ولم تجد صدًى لدى الرأي العام التركي.

والسؤال المنطقي هنا: هل سيقف منصور يافاش أمام الشعب ليطلب منه التفويض لخمس سنوات، ثم يقول لهم إنه سيعدّل الدستور ليصبح رئيسا رمزيا وينقل صلاحياته إلى إمام أوغلو؟ 

هذا خطاب لا يمكن تسويقه سياسيا، ولا يُعقل أن يطلب السياسي من ناخبيه منحه السلطة ليتنازل عنها لاحقاً. 

وكما يُقال: "من يحمل الختم هو الحاكم الفعلي"، فلماذا يفترض أوزيل أن يافاش سيتخلى عن صلاحياته إن فاز بها؟

ورغم ما في الساحة السياسية من التباسات، فإن هناك بصيص أمل يتجاوز كل هذه الحسابات. فتركيا على أعتاب لحظة تاريخية حقيقية قد تشهد فيها إعلان حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح وحلّ نفسه. 

هذه لحظة فارقة، تنهي خمسين عاما من الدماء والدموع، ومن الفقد والوجع الذي مسّ كل بيت في تركيا. 

وما تحتاجه الآن هو خطاب يليق بهذه المرحلة، خطاب يوحد لا يفرق، يعزز السلام لا يعبث بالاستقرار. 

وعسى أن تُطوى هذه الصفحة السوداء من تاريخنا، ويُمحى من أجندة تركيا اسم تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي، ويعلو صوت العقل والسلام فوق لغة السلاح".

وختم الكاتب مقاله بالقول: بالطبع ستنتهي مرحلة، وتبدأ أخرى. لن تكون النهاية، بل البداية الحقيقية لعهد تُبنى فيه السياسة على المصارحة لا المناورة، وعلى الاستقرار لا الطموحات الفردية. 

ومضى يقول: "وحين يُعلن عن نهاية السلاح، سنزرع نصبا تذكاريا للسلام، لأجل أن لا تبكي الأمهات بعد اليوم".