إستراتيجية عدوانية.. تأثيرات عودة ترامب على تمدد إيران في المنطقة

يوسف العلي | 6 days ago

12

طباعة

مشاركة

فوز  الجمهوري دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة في الولايات المتحدة، يحمل العديد من التوقعات بخصوص تعامله مع إيران، والتي اتبع معها في ولايته الأولى (2017 إلى 2021) سياسة العقوبات المكثفة، تحت عنوان "الضغط الأقصى".

ومن أبرز الخطوات التي اتخذها ترامب ضد طهران عندما كان رئيسا، هو إعلانه عام 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية مشددة ضدها، والتي طالما تفاخر بها خلال حملته الانتخابية الرئاسية، إضافة إلى اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني مطلع 2020.

وحقق ترامب في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فوزا ساحقا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، في الانتخابات الرئاسية، وذلك بفارق تجاوز أربعة ملايين صوت، كما حصد الجمهوريون الأغلبية في مجلس الشيوخ أيضا.

إستراتيجية عدوانية

وذهبت بعض التوقعات التي نشرتها وسائل إعلام غربية، إلى أن ترامب عازم على العودة إلى سياسة فرض العقوبات المشددة على إيران، وعزلها اقتصاديا ودبلوماسيا بشكل أكبر، بل حتى إلى حد تأييد ضربة عسكرية تستهدف منشآتها النووية.

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن "الرئيس الأميركي المنتخب، يخطط لزيادة العقوبات بشكل كبير على إيران وخنق مبيعاتها النفطية كجزء من إستراتيجية عدوانية، لتقويض دعم طهران لحلفائها في الشرق الأوسط وبرنامجها النووي".

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سابقين في إدارة ترامب إنه من المرجح أن يتلون نهج الأخير تجاه إيران بمعرفة أن عملاءها حاولوا اغتياله ومساعديه السابقين في الأمن القومي بعد مغادرتهم مناصبهم، وذلك انتقاما لقتل قاسم سليماني بغارة أميركية. 

ونقلت عن ميك مولروي، أحد كبار مسؤولي البنتاغون في الشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى، قوله: "يميل الناس إلى أخذ هذه الأشياء على محمل شخصي.. إذا كان سيتخذ موقفا متشددا تجاه أي دولة بعينها، أو خصوم رئيسين محددين، فهي إيران".

وبحسب الصحيفة، فإن الفريق الجديد لترامب سيتحرك بسرعة لمحاولة خنق دخل النفط الإيراني، بما في ذلك ملاحقة الموانئ الأجنبية والتجار الذين يتعاملون مع النفط الإيراني. وهذا من شأنه أن يعيد إنشاء الإستراتيجية التي تبناها الرئيس المنتخب في ولايته الأولى، بنتائج مختلطة.

وقال مسؤول سابق في البيت الأبيض (لم تكشف هويته) "أعتقد سنرى العقوبات تعود، سنرى المزيد، دبلوماسيا وماليا، يحاولون عزل إيران. أعتقد أن التصور هو أن الأخيرة بالتأكيد في موقف ضعيف الآن، وحاليا هي فرصة لاستغلال هذا الضعف".

وقال بريان هوك، الذي أشرف على سياسة إيران في وزارة الخارجية الأميركية خلال فترة ولاية ترامب الأولى وهو حاليا مسؤول في الوزارة عن الانتقال لإدارة الرئيس الجمهوري، في 8 نوفمبر، إن الأخير "ليس لديه أي مصلحة" في السعي للإطاحة بحكام إيران.

لكن هوك، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية أشار إلى أن ترامب تعهد "بعزل إيران دبلوماسيا وإضعافها اقتصاديا حتى لا تتمكن من تمويل كل العنف الذي ارتكبته حركة حماس وحزب الله والحوثيون في اليمن ووكلاء آخرون في العراق وسوريا".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن حليمة كروفت، مديرة قطاع إستراتيجيات السلع الأساسية في شركة "آر بي سي. كابيتال ماركيت" الكندية، قولها إن "كبار مستشاري ترامب أعربوا عن دعمهم القوي لضربة إسرائيلية على المنشآت النووية والطاقة الإيرانية، وإن الرئيس الجديد قد يكون أقل ميلا لمعارضة مثل هذه الخطوة من قبل إسرائيل".

وخلال حملته الانتخابية في ولاية كارولينا الشمالية، أشار ترامب في 5 أكتوبر، إلى سؤال طُرح على الرئيس جو بايدن عن إمكانية استهداف إسرائيل منشآت نووية إيرانية، وقال ترامب: "لقد طرحوا عليه هذا السؤال، وكان ينبغي أن تكون الإجابة: اضربوا النووي أولا، واهتموا بالباقي لاحقا".

وفي وقتها، اعترض بايدن على شن ضربات إسرائيلية على منشآت نووية إيرانية، غداة إطلاق إيران نحو 200 صاروخ على إسرائيل مطلع أكتوبر 2024، ردا على اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، ورئيس حركة "حماس" إسماعيل هنية.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، فإن بعض الملامح الأولية بدأت تظهر لسياسة ترامب المرتقبة في الشرق الأوسط، خصوصا في ظل الأزمة الإنسانية في غزة وتصاعد النزاع بين إسرائيل والجماعات المسلحة المدعومة من إيران.

وذكرت الصحيفة في 9 نوفمبر نقلا عن مصادر أميركية (لم تكشف هويتها) أن "فريق ترامب الانتقالي يدرس خططا لفرض موجة جديدة من العقوبات الاقتصادية الشديدة على إيران، ويبحث كيفية قطع صادرات النفط الإيرانية، إضافة إلى تعزيز الدعم لإسرائيل. 

كما ذكرت أن ترامب يعتزم إعادة إحياء سياسة "الضغط الأقصى" التي تقوم على عزل إيران وتشديد الضغط الاقتصادي عليها، بالإضافة إلى الحفاظ على التهديد العسكري كعامل ردع موثوق.

ترهيب إعلامي

وبخصوص السيناريوهات التي تتكهن بها وسائل إعلام غربية ومدى تطبيقها في ولاية ترامب الثانية، قال الباحث العراقي في السياسات الإعلامية، حامد العبيدي، إن "سياسة الترهيب الإعلامي المسبق التي يتبعها الإعلام الأميركي، ربما تقف عند هذا الحد، وليست بالضرورة أن تطبق على الأرض".

وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "ترامب قد لا يلجأ إلى تشديد العقوبات ضد طهران، إلا إذا تصرفت الأخيرة بشكل يهدد الأمن القومي الأميركي، لأنه لم يكن يصعد في ولايته الأولى لقتل قاسم سليماني لولا اقتحام سفارة واشنطن ببغداد من عناصر المليشيات الموالية لإيران نهاية ديسمبر 2019".

وبحسب رأي العبيدي، فإن "ترويج الإعلامي الغربي روايات تتعلق بعقوبات شديدة تنتظر إيران في ظل ولاية ترامب الثانية، ربما يكون الغرض منها الترهيب ليس أكثر، حتى يقدّم النظام الإيراني تنازلات، وتجبره على عدم التصعيد العسكري في المنطقة".

من جهته، قال الكاتب المصري، وليد عباس، إنه "إذا كان ترامب هو الذي أشعل العلاقات الغربية مع إيران بانسحابه من الاتفاق النووي عام 2018، فإنه ليس من المؤكد أن يطبق نفس السياسة في 2024، نظرا لأن أوضاع جميع الأطراف على المستويات الداخلية والتوازنات الدولية اختلفت بصورة جذرية".

وأضاف الكاتب في مقال نشره موقع إذاعة "مونت كارلو" الدولية في 11 نوفمبر، أن "المحور الرئيس لسياسة الرئيس المنتخب والذي ركز عليه خلال حملته الانتخابية، يظل هو الانكفاء على الذات لعلاج وضع اجتماعي صعب، ومحاولة ردم الهوة التي قسمت الأميركيين إلى فريقين متعارضين بقوة".

وأردف: "يبقى مصدر الخطر الرئيس في نظر المسؤولين الأميركيين، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، هو الصين والحرب التجارية التي قد تشتعل مع هذا البلد".

ويرى عباس أن "ترامب بحاجة ماسة لإطفاء البؤر المشتعلة لمواجهة وضع اقتصادي واجتماعي داخلي، والخطر الاقتصادي الصيني خارجيا، وقد بدأ أثناء حملته الانتخابية بالإعلان عن عزمه حل أزمة الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة".

وتابع: "ويعرف الجميع أن هذا الحل الأميركي سيكون على حساب أوكرانيا، وأن ترامب سيفرضه على كييف، بتقدير أنه الجهة الأولى التي تقدم السلاح والمال لأوكرانيا".

ولفت إلى أن "الإدارة (الأميركية) الجديدة، قد ترى أن الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط منذ أكثر من عام، حددت من قدرات حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وكشفت عن توجهات إستراتيجية جديدة لإيران لا تتناقض مع رؤية هذه الإدارة لاستقرار المنطقة".

وأشار عباس إلى أن "الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة واختيار الإصلاحي مسعود بزشكيان، كانت مؤشرا على أن طهران بصدد إجراء تعديل هام في توجهها نحو الغرب، على أساس رغبة حقيقية في العودة إلى طاولة المفاوضات".

وبحسب الكاتب، فإن هذا "الأمر أصبح جليا من خلال مواقف طهران تجاه حماس وحزب الله في الحرب التي يخوضها التنظيمان ضد إسرائيل، بل وفي سياسة ضبط النفس الشديدة التي مارستها إثر ضرب قنصليتها في سوريا، واغتيال هنية في طهران وتوجيه تل أبيب ضربات قوية لمواقع عسكرية على الأراضي الإيرانية".

وأردف قائلا: "من المؤكد أن إيران تريد الحوار مع الغرب، للخروج من عزلتها، وأنها مستعدة لدفع ثمن العودة إلى طاولة المفاوضات، إن لم نقل إنها سددت مقدم صفقة من هذا النوع، بالفعل، في لبنان".

وأشار إلى أن "ساحة حوار من هذا النوع، وبامتياز، هو البرنامج النووي الإيراني، ولكن الاتفاق على هذا الملف بحاجة إلى مفاوضات جديدة في ظل شروط تأخذ في عين الاعتبار المتغيرات الدولية، والخطوات التي قطعتها إيران نحو امتلاك القنبلة الذرية".

وشدد عباس على أنه "لا يمكن الحديث عن حوار أو مفاوضات إيرانية – غربية، دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف الإسرائيلي، والتحركات التي قد يقوم بها بنيامين نتنياهو، ذلك أن العدوان الذي يشنه في غزة ولبنان، والضربات التي وجهها لإيران، جعلت منه لاعبا أساسيا في هذا المجال".

تغييرات جذرية

على صعيد تدابير طهران، قال الباحث في معهد "جنيف للدراسات العليا"، فرزان ثابت، إنه "سيتعين على إيران التفكير في تغييرات جذرية في سياستها الخارجية وأمنها القومي من أجل درء أزمات أكبر يمكن أن تأتي نتيجة لرئاسة ترامب"، وفقا لموقع قناة "الحرة" الأميركية في 11 نوفمبر. 

ونقل الموقع عن ثابت قوله إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض يمكن أن تشهد جولة ثانية من سياسة "الضغط الأقصى" بهدف "إضعاف النظام الإيراني"، وقد يعمد هذه المرة إلى وضع نوع من السياسة التي لا يمكن تغييرها أو التراجع عنها مستقبلا في حال تغيّرت الإدارة الأميركية.

وفي أبريل/ نيسان 2019، أوضحت وزارة الخارجية الأميركية في بيان تفاصيل سياسة "الضغط الأقصى" التي اتخذها ترامب ضد إيران، إذ واصلت الولايات المتحدة بناء قدرات الشركاء في دول إقليمية عدة للدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الإيرانية، وستواصل استهداف التحركات الإيرانية وعمليات الحرس الثوري مع حلفائه في دول المنطقة.

وأضافت أن "العقوبات الأميركية قطعت طريق إيران للحصول على مليارات الدولارات من الإيرادات النفطية، وخفضت صادراتها أكثر من أي وقت مضى. وتم سحب 1,5 مليون برميل من النفط الإيراني الخام"

"كما تم تقييد وصول إيران إلى الإيرادات من بيع النفط الخام على الفور عند البدء بإعادة فرض العقوبات (نوفمبر 2018) التي حرمت النظام من الوصول المباشر إلى ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الإيرادات النفطية منذ مايو 2018"، وفقا للخارجية الأميركية.

وبحسب ما نقلت قناة "سي إن إن"، فقد فرضت إدارة ترامب في حينه، عقوبات على أكثر من 970 كيانا وفردا إيرانيا في خلال أكثر من 26 جولة من العقوبات، ويفوق هذا العدد نظيره في أي إدارة في تاريخ الولايات المتحدة، حتى وقت نشر البيان.

هذه الحملة، بحسب بيان الخارجية، أدت إلى "هبوط الاقتصاد الإيراني بشكل مستمر وفقد الريال (التومان) الإيراني ثلثي قيمته"، فضلا عن أن “الجمهورية شهدت ركودا اقتصاديا وبلغ التضخم مستوى غير مسبوق قدره 40 بالمئة منذ مارس 2018 وحتى أبريل 2019”.

وخلال الحملة الانتخابية، أرسل ترامب رسائل مختلطة بشأن إيران، وهدد بتفجير البلاد إلى "أشلاء"، لكنه قال أيضا إنه منفتح على إجراء محادثات مع طهران. 

وقال ترامب أيضا إنه يريد أن تكون إيران "ناجحة"  رغم تأكيده أنها "لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا".

وفي 7 نوفمبر، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إن فوز ترامب في الانتخابات "لا يحدث فرقا" بالنسبة لطهران، التي "أعطت الأولوية لتطوير العلاقات مع الدول الإسلامية والمجاورة".

وتعهد الرئيس المؤيد للإصلاح بإشراك الغرب لرفع العقوبات قبل توليه منصبه في يوليو 2024، خلفا لإبراهيم رئيسي الذي لاقى مصرعه في حادث تحطم طائرة مطلع أغسطس/ آب من العام نفسه.