تعاون عسكري متواصل بين الرباط ونواكشوط.. ما رسالته السياسية؟
“الشراكة الموريتانية المغربية أمل مستقبلي لمنطقة الساحل والصحراء بكاملها”
يسارع المغرب خطوات تعاونه العسكري مع جارته الجنوبية موريتانيا؛ حيث قضايا الأمن والهجرة والتهريب على الطاولة، فيما تبقى قضية إقليم الصحراء الغربية في عمق هذه التحركات.
ومن آخر هذه الخطوات، إعلان الرباط عن عقد الاجتماع الخامس للجنة العسكرية المختلطة المغربية الموريتانية، ترأسه المفتش العام للقوات المسلحة المغربية وقائد المنطقة الجنوبية، الفريق أول محمد بريظ، مع قائد الأركان العامة للجيوش الموريتاني الفريق المختار بلة شعبان.
توطيد العلاقات
ورأت القوات المسلحة المغربية في بيان صادر عنها، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن اللقاء يشهد على متانة روابط التعاون العسكري بين البلدين، وأنه "فرصة للطرفين لعمل تقييم لحصيلة التعاون لعام 2024، وتداول الأنشطة المزمع إدراجها في برنامج التعاون لعام 2025".
وذكر البيان أن المسؤولين العسكريين "أشادا بتميز التعاون المغربي الموريتاني ونتائجه الإيجابية في مختلف المجالات، خاصة المتعلقة بالأمن والدفاع وبالتكوين وتبادل الخبرات".
واسترسل: "كما أكدا على ضرورة تعزيز التعاون بين القوات المسلحة للبلدين فيما يخص أمن الحدود ومحاربة الهجرة غير النظامية والأنشطة غير المشروعة العابرة للحدود، وبالتالي المساهمة في استقرار المنطقة حتى تكون قادرة على مواجهة التحديات المشتركة".
وفي اليوم نفسه، استقبل الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، بمقر هذه الإدارة بالرباط، الفريق المختار بلة شعبان.
وأعرب المسؤولان، عن ارتياحهما لمستوى علاقة الصداقة والتعاون المتميزة التي تجمع البلدين، مؤكدين على طموحهما المشترك ورغبتهما في ترسيخ هذه الروابط النموذجية في المستقبل.
يُذكر أن التعاون العسكري بين المغرب وموريتانيا، الذي بدأ منذ عام 1971، توّج في يوليو/ تموز 2006، بالتوقيع في الرباط على مذكرة تفاهم تتعلق بإحداث اللجنة العسكرية المشتركة لتوطيد التعاون الثنائي بين البلدين في مجال الدفاع.
ومطلع نوفمبر 2024، حدث لقاء عسكري ثنائي إثر فعاليات المعرض الدولي للطيران والفضاء "مراكش إير شو 2024"، المنعقد خلال الفترة ما بين 30 أكتوبر/تشرين الأول، و2 نوفمبر 2024.
ووفق بيان القيادة العامة للجيش المغربي، فاللقاء جمع بين المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، الفريق أول محمد بريظ، ووزير الدفاع الموريتاني، حننا ولد سيدي، رفقة قائد أركان الجيش الجوي، اللواء محمد الشيخ بيده.
وذكر أن هذا اللقاء أتاح الفرصة للتطرق إلى مواضيع مهمة لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، مع استكشاف آفاق جديدة للتعاون في مجالات الدفاع.
وأضاف البيان أنه “تم التأكيد خلال هذا اللقاء على عمق ومتانة العلاقات العسكرية التي تربط البلدين الجارين في ظل التحديات والرهانات التي تعرفها المنطقة”.
وأشار إلى أن المسؤولين أكدا التزامهما المشترك بتوطيد علاقات التعاون العسكري والرقي بها إلى مستوى تطلعات البلدين.
أهداف مشتركة
وفي تحليله لهذه اللقاءات، أكد الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، محمد الطيار، أن "اجتماع الفريق أول محمد بريظ مع قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، وقبله اللقاء الذي جمع بريظ مع وزير الدفاع الموريتاني، يتزامن مع المتغيرات الأمنية والجيوسياسية على مستوى منطقة الساحل والصحراء".
وأوضح الطيار لـ"الاستقلال"، أن "هذه الدينامية بين الجانبين تروم إلى تعزيز التنسيق الأمني والعسكري ووسائل مراقبة الحدود الشرقية لموريتانيا، التي تشكل منطقة جغرافية خصبة لسيطرة عصابات التهريب والجريمة المنظمة، وعناصر التنظيمات الإرهابية العاملة بشمال ووسط مالي".
وذكر أن "تعزيز الإجراءات الأمنية المشتركة بين الدولتين، يهدف للحد من التهديدات المشتركة وتجاوز مشكلة محدودية إمكانيات موريتانيا والوجود الكثيف لعناصر جبهة البوليساريو على الأراضي الجزائرية المحاذية للحدود الموريتانية الشمالية".
وتنشط جبهة "البوليساريو" على الحدود الشرقية من إقليم الصحراء الغربية، حيث تقع بعض المناوشات العسكرية مع الجيش المغربي، وتتخذ من تندوف الجزائرية مركزا لتحركاتها المطالبة بتقرير المصير، فيما يقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا تحت سيادة الرباط لحل النزاع القائم حول المنطقة.
ويرى الطيار أن "اللقاء الذي جمع المسؤولين العسكريين لكلا البلدين، يشير إلى أن المغرب مهتم بمساعدة موريتانيا على السيطرة على مناطقها الشمالية، حتى تمنع محاولات استهداف أراضي البلدين على حد سواء من طرف مليشيات البوليساريو بشكل خاص، الأمر الذي يجعل ضبط ومراقبة الحدود نقطة غاية في الأهمية وحيوية في جدول أعمال الطرفين".
من جهته، أكد أستاذ العلاقات الدولية، محمد لكريني، أن "اللقاء على هذا المستوى العالي عسكريا يؤشر على استيعاب الطرفين لحجم التحديات الأمنية والعسكرية التي تهدد مصالح الجانبين وخطورتها على مستوى الحدود".
وأضاف لكريني لموقع "العرب" اللندني، في 14 نوفمبر 2024، أن "اللقاء أيضا يتماشى مع سياسة المغرب الرامية إلى بناء شراكات قوية مع الدول الصديقة والحليفة في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية، بما يعزز مكانة البلدين على الساحة الإقليمية ويضمن الأمن والسلم في المنطقة".
وأكد أن "اللقاءات الدورية بين الهيئات العسكرية والأمنية للبلدين تحظى بأهمية بالغة في توسع مجالات التعاون الثنائي في المجال العسكري والأمني، وما يمثله كنموذج فعال للتعاون جنوب – جنوب، ويترجم العزم الراسخ وبكل الوسائل لمواجهة التحديات والمخاطر الأمنية على الحدود من منظور مشترك".
أولويات إستراتيجية
وعن أهمية هذه اللقاءات، أكد العقيد الموريتاني المتقاعد، البخاري محمد مؤمل، أن “المنطقة تعرف مرور الجريمة عابرة الحدود، وأشكال أخرى متطورة، مما يستدعي مزيدا من التعاون الثنائي لتعويض ما خسرته المنطقة بسبب تركز القوة بين الدول الكبرى وحلفائها”.
وأضاف مؤمل لقناة “TTV” الموريتانية في 14 نوفمبر 2024، أن بلاده "لها حدود مشتركة مع المغرب، عبر الصحراء التي تسيطر عليها الرباط، ولذلك تشهد هذه الحدود ظروفا خاصة".
وأفاد بأن "الحرب لم تتوقف بين البوليساريو مدعومة من الجزائر وبين المغرب من جهة، والحرب أيضا ضد المهربين والمنقبين غير الشرعيين (عن الذهب)، والهجرة غير النظامية، وأيضا الجريمة الرقمية والإلكترونية".
واستطرد: "ينضاف إلى ذلك خصوصية موريتانيا، أي حاجتها إلى أن تقييم علاقات متوازنة بين أطراف النزاع في المنطقة، وهما تحديدا الجزائر والمغرب".
وأشار العقيد المتقاعد إلى أن “لقاء الرباط سبقه لقاء لقائد الجيش الموريتاني مع رئيس أركان الجيش الوطني الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة، منتصف أكتوبر 2024”.
وتابع: "حيث ركّز شنقريحة على ضرورة تعزيز العمل المشترك بين الطرفين بروح التعاون والتنسيق الدائمين حول المسائل ذات الاهتمام المشترك والتحديات الأمنية التي تعرفها المنطقة والعالم".
وشدد مؤمل على أن “هذا التوازن في العلاقات بين الجانبين وُفقت فيه موريتانيا إلى درجة كبيرة، خاصة أن كلتا الدولتين تريد أن تكون هي الأولى في علاقتها مع موريتانيا”، ونواكشوط تعي هذا، لكنها تريد علاقات متوازنة معهما".
وذكر أن "على موريتانيا العمل على هذا المحور، من أجل هذا التوزان مع جميع الأطراف، وأيضا مع غيرهما من الدول".
ونبَّه إلى أن بلاده “يمكن أن تستفيد من سعي المغرب لاستثمار قدراته الاقتصادية خدمة لدبلوماسيته الخارجية، كما أن نواكشوط بحاجة للاستفادة من الخبرة المغربية في مجموعة من المجالات”.
واسترسل: "سواء في الطاقة النظيفة أو اليورانيوم أو في المجال الفلاحي أو الكفاءات البشرية أو في المُسَيّرات العسكرية التي يحقق فيها المغرب تقدما مستمرا، وسيصبح قريبا من الدول المصدرة لها".
من جانبه، يرى أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجماعة العلوم الإسلامية بموريتانيا، أحمد محمد الأمين أنداري، أن "موقف الحياد الموريتاني تجاه قضية الصحراء ليس جديدا".
وأوضح أنداري لـ"الاستقلال" أن "موريتانيا تبنت الحياد من الناحية الشكلية منذ عام 1979، وتبنته فعليا منذ أواخر عام 1984، وتحديدا منذ وصول الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع إلى الحكم".
وشدد على أنه "رغم كل ما قد يقال عن هذا الموقف، فهو من ناحية أولى قد صمد أمام العديد من الاختبارات التي تعرض لها سابقا في مراحل تاريخية مختلفة، خاصة مع حالات عدم الاستقرار السياسي الكثيرة التي عرفتها موريتانيا".
وتوقع أنداري أن "يصمد هذا الموقف مستقبلا ما لم يحصل أمر غير متوقع، كأن تقع حرب في المنطقة لا قدر الله، ويتم جرّ موريتانيا إلى أُتونها، فحينئذ فقط يمكن أن يتغير هذا الموقف".
وتابع: "كما يمكن أن يتغير في حال حدوث تحول كبير في نظام الحكم في موريتانيا تتم بموجبه إعادة هيكلة كاملة للسياسة الخارجية".
وسجل أنداري أن "حياد موريتانيا بشأن النزاع حول الصحراء، بغض النظر عن رضا أطراف النزاع عن هذا الموقف القائم أو عدم رضاها عنه، هو موقف أثبت نجاعته بالنسبة لصانع القرار الموريتاني".
واستطرد: "لا أعتقد أن موريتانيا قد تتخلى عن هذا الموقف قريبا، نظرا لأنه ينبع من تقديرات عديدة تاريخية واجتماعية وإستراتيجية، علاوة عن كونه من وجهة نظر صانع القرار هو الأفضل بالنسبة لموريتانيا والأكثر تعبيرا عن مصالحها العليا".
ووفق المتحدث ذاته، "تطبق موريتانيا هذا الحياد بشكل عملي، خاصة منذ عهد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع، ولم يسبق لها أن تخلت عنه أو انحازت إلى أي من أطراف القضية على حساب طرف آخر، كما أنه، مع مرور كل هذه السنوات، أصبح يجد قدرا كبيرا من القبول لدى مختلف أطراف القضية".
ولفت أنداري إلى أن "هذا الموقف أصبح يعد من ثوابت السياسة الخارجية الموريتانية، كما أن محاولات التأثير على هذا الموقف من قبل أطراف القضية لن تتوقف؛ نظرا لأنها تدرك جيدا مدى الثقل والأهمية اللذين تتمتع بهما موريتانيا عندما يتعلق الأمر بملف القضية الصحراوية".
تعاون مستمر
التعاون بين نواكشوط والرباط لا يتوقف فقط عند المجال العسكري بكل تفرعاته، بل يشمل أيضا التعاون الاستخباراتي، ويتعزز بلقاءات المديرين المركزيين في المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب المغربي للاجتماع مع نظرائهم في المديرية العامة للأمن الموريتاني.
ويشمل التعاون العملياتي والمساعدة التقنية في مختلف المجالات والتخصصات الأمنية ذات الاهتمام المشترك، وفق وسائل إعلام محلية.
وفي 14 نوفمبر 2024، عقد المدير العام للأمن الوطني الموريتاني، الفريق محمد الشيخ ولد محمد الأمين، لقاء بنواكشوط مع سفير المغرب المعتمد لدى موريتانيا حميد شبار.
ووفق إحاطة نشرتها الإدارة العامة للأمن الموريتاني عبر صفحتها على فيسبوك، ناقش الفريق ولد محمد الأمين والسفير المغربي، العلاقات بين البلدين وتطويرها وتنميتها.
وفي الجانب المدني، في 11 نوفمبر 2024 بنواكشوط، تم توقيع اتفاقية تعاون بين الوكالة المغربية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي والسلطة الموريتانية لضمان جودة التعليم العالي.
وتنص الاتفاقية، التي وقعتها المديرة بالنيابة للوكالة المغربية، فاطمة الزهراء علمي، لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي، ومدير سلطة ضمان جودة التعليم العالي الموريتانية، محمد الأمين حلس، على تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والتجارب وجمع وتحليل وتبادل المنشورات حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك.
وفي 21 أكتوبر 2024، التقى رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين، محمد زين العابدين الشيخ، مع سفير المغرب شبار.
ووفق وسائل إعلام محلية، تطرق اللقاء إلى العلاقات المتميزة بين موريتانيا والمغرب خاصة في جوانبها الاقتصادية والتجارية، وكذا السبل الكفيلة بتعزيز الشراكة والمبادلات بين الفاعلين الاقتصاديين في كل من موريتانيا والمغرب.
وتوج اللقاء بإعلان الانخراط المشترك لإنجاح تنظيم الدورة الثانية للأسبوع الاقتصادي والثقافي المغربي بالعاصمة الموريتانية خلال الفترة ما بين 18 و24 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وبالنظر إلى هذه التفاعلات، يرى الكاتب الموريتاني السيد ولد أباه، أن “المهمة العاجلة المطروحة اليوم على المغرب وموريتانيا هي انتشال المحور الجنوبي الساحلي من الصحراء الكبرى من الضياع والتفكك، وصولا إلى مقاربة إستراتيجية جديدة تتركز على ثلاثة مقومات أساسية”.
ويقول ولد أباه في مقال رأي نشره عبر وسائل إعلام محلية، إن “المقوم الأول يقوم على بلورة تكتل إقليمي جديد مفتوح لكل بلدان الساحل والصحراء، يتأسس على أهداف واضحة تتمحور حول الاندماج الاقتصادي والأمن المشترك والتنسيق السياسي الوثيق”.
وأضاف، أما المقوم الثاني فيتمثل في "تفعيل مشروع الشراكة الساحلية- الأطلسية الذي من شأنه دفع التبادلات التجارية، وتوفير فرص تنموية نوعية لبلدان المنطقة"، مشددا على أنه "سيكون لموانئ المغرب وموريتانيا الدور الأساسي في توفير الإطلالة البحرية لهذه البلدان الشريكة".
ورأى أن المقوم الثاني يتأسس على "العمل على استكمال مشروع أنبوب الغاز النيجيري- المغربي، الذي سيغير نوعيا طبيعة الحياة والعيش في غرب إفريقيا"، منبها إلى أنه "مع البدء الوشيك لتصدير الغاز الموريتاني – السنغالي سيكون لهذا المشروع أفق أقوى وأوسع".
وخلص إلى أن "الشراكة الموريتانية-المغربية ليست فقط ضرورة موضوعية للبلدين؛ بل هي الأمل المستقبلي لمنطقة الساحل والصحراء بكاملها".