بعد انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا.. هذه خيارات المستشار أولاف شولتس

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على ضوء الأزمة السياسية التي أدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، طفت على السطح فكرة تحالف كبير جديد بحثا عن نوع من الاستقرار. 

ويطمح المستشار الألماني أولاف شولتس إلى كسب الوقت حتى يكون لدى حزبه (الديمقراطي الاجتماعي المنتمي ليمين الوسط) خيارات للتحالف مع الآخرين.

ومن أبرز هذه الخيارات أن يكون شريكا لحزب الاتحاد المسيحي (يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي / الاتحاد الاجتماعي المسيحي) المعارض في ألمانيا، وأن يغدو المرشح المفضل في الانتخابات المبكرة، وفق ما ترى صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية.

انهيار الائتلاف

وانهار الائتلاف الحاكم في ألمانيا المكون من 3 أحزاب هي الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر.

وجاء ذلك إثر إقالة شولتس مساء 6 نوفمبر/تشرين الثاني وزير المالية كريستيان ليندنر وانسحاب بقية وزراء الحزب الليبرالي من الحكومة، مما أدخل البلاد في أزمة سياسية عميقة ومهّد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة.

وبرر شولتس الإقالة بأن الوزير خان ثقته مرارا، وقال إن "العمل الحكومي الجدي غير ممكن في ظل ظروف كهذه".

فخلال اجتماع اعتيادي، ضرب المستشار الألماني، الديمقراطي الاشتراكي شولتس، الطاولة وقال لوزير ماليته الليبرالي: "لقد طفح الكيل". 

وأضاف "نحن بحاجة إلى حكومة قادرة على العمل ولديها القوة لاتخاذ القرارات اللازمة لبلدنا". واتهم الوزير بتقديم مصالح حزبه على الوطن وعرقلة تشريع الميزانية على أسس زائفة.

وبعد ساعات من إقالة ليندنر -الذي يتزعم الحزب الليبرالي الشريك في الائتلاف الحكومي- أعلن بقية الوزراء الليبراليين انسحابهم من الحكومة، وفقدت بذلك أغلبيتها في مجلس النواب.

وقالت صحيفة “الإندبندينتي”، إن الحكومة الفيدرالية الألمانية كانت مرة واحدة فقط تحت قيادة حزب واحد يتمتع بالأغلبية في البوندستاغ (البرلمان).

في الواقع، يشجع النظام الانتخابي الألماني، الذي يراه العديد من الخبراء نموذجا، على تشكيل التحالفات. 

لكن أخيرا، تزعزع "ائتلاف الإشارة الضوئية"، وهو تحالف ثلاثي يتكون من الديمقراطيين الاجتماعيين (الأحمر)، والليبراليين (الأصفر)، ودعاة السلام البيئي (الأخضر)؛ بعد أن كان تحالفا غير مسبوق قبل أربع سنوات مضت.

وأشارت الصحيفة إلى أن اليوم الذي أُعلن فيه عن عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كان مضطربا في ألمانيا. 

وكان تفكك "ائتلاف الإشارة الضوئية" يختمر منذ أشهر، ولكن مع تحديد الموعد بالفعل للدعوة الانتخابية التالية، في 28 سبتمبر/أيلول 2025، وفي ظل عدم اليقين الذي يحيط بالعالم على نحو متزايد، بدا الأمر وكأنه لا يزال صامدا لإنهاء الولاية الحالية.

ومع الإعلان عن فوز ترامب، كان من المفترض أن تحاول برلين إرسال رسالة تهدئة، لكن الأمر لم يكن كذلك.

وتسعى أوروبا جاهدة لتشكيل جبهة موحدة بشأن قضايا تتراوح من الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة المحتملة إلى حرب روسيا في أوكرانيا ومستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في وقت تتخوف من اصطدام ترامب مع خططها.

أزمة اقتصادية

وأضافت الصحيفة أن وزير المالية، تصادم مع المستشار الألماني منذ اللحظات الأولى من تقديمه وثيقة الخطة الاقتصادية المستقبلية قبلها بأسبوع.

وخلال هذا الاجتماع، أوضح رؤية برنامجه واختلف بشكل جذري مع توجهات الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر. 

ويدعو الوزير إلى خفض الإنفاق الحكومي وتقليص الضرائب على الشركات والطبقة المتوسطة العليا. 

في المقابل، يرى الديمقراطيون الاشتراكيون والخضر أن المزيد من الاستثمار ضروري لتحفيز الاقتصاد الراكد والصناعة التي تحتاج إلى الإصلاح.

ويجب الأخذ في الحسبان أن الدستور في ألمانيا يضع حدا أقصى للديون، بحيث لا يزيد عن 0.35 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي، والذي جرى تعليقه بين سنتي 2020 و2022 بسبب جائحة فيروس كورونا أولا، وأزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا ثانيا. 

وفي نوفمبر 2023، رأت المحكمة الدستورية الألمانية أنه من غير القانوني إعادة تخصيص 60 مليارا دينا غير مستخدم للجائحة إلى صندوق المناخ، الأمر الذي أفسد خطط الحكومة الثلاثية. ومنذ تلك اللحظة تقلصت مساحة المناورة المتاحة لوزير المالية.

ونوَّهت الصحيفة إلى أن ليندنر يجيد لعب أوراقه، فقد شنّ هجومه مدعوما ببرنامج وبفريقه أيضا.

بالنسبة لشولتس ووزير الاقتصاد، روبرت هابيك، فإنه مع عودة ترامب، كان من المبرر اللجوء إلى حالة الطوارئ لرفع سقف الديون، لكن لا يتفق ليندنر مع هذا الأمر.

وذكرت الصحيفة أن هدف الليبراليين، الذين تقل حظوظهم عن خمسة بالمئة في استطلاعات الرأي، هو البقاء في البرلمان، وأن يكونوا مرة أخرى عنصرا أساسيا في تشكيل الحكومة. 

لكن في الوقت الحالي، سيكونون سعداء بالحصول على تمثيل برلماني مرة أخرى، وفق الصحيفة الإسبانية.

وفي المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر، استقبل ليندنر بالهتافات والتصفيق بعد إقالته من قبل شولتس، إلى جانب وزيرين ليبراليين آخرين. 

في الأثناء، بقي وزير النقل، فولكر ويسينج، وتولى منصب العدالة بعد خروجه من الحزب الديمقراطي الحر. 

خطة شولتس

ونوهت الصحيفة إلى أن المسرحية كانت لها قراءة أخرى أيضا، فمن خلال انفصاله عن الليبراليين، فإن المستشار شولتس، الذي قال بالفعل إنه سيكون مرشحا مرة أخرى، يفكر جديا في الولاية المقبلة. 

كما أن شولتس، الذي كان بالفعل نائب المستشار في عهد أنجيلا ميركل ووزير المالية، يجد نفسه مرة أخرى في حكومة يرأسها فريدريش ميرز، مرشح الاتحاد الأوروبي. 

وبحسب مسؤولين أوروبيين كبار، فإن رهان شولتس يتمثل في كسر الحكومة، وإضافة إلى ذلك، فهو يبحث عن ائتلاف كبير جديد.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الصيغة ولدت كحل استثنائي في سنة 1966 عندما انضمّ الديمقراطي المسيحي، لودفيغ إيرهارد، إلى الديمقراطيين الاشتراكيين، بقيادة ويلي براندت، بعد أن انفصل عن الليبراليين. 

وفي سنة 2005، لجأ الديمقراطيون المسيحيون مرة أخرى إلى الائتلاف الكبير، وهو الاتجاه السائد، باستثناء الولاية الثانية، خلال السنوات الـ16 التي قضاها في السلطة.

ومثلما أكد في 6 نوفمبر، سيدعو شولتس إلى التصويت على الثقة، وبعد أن تخسرها الحكومة نظرا لأن الرئيس الاتحادي، فرانز فالتر شتاينماير، ينتمي إلى الأقلية، ولذلك فإنه سيدعو لإجراء انتخابات. 

ومن المقرر أن ينظر البوندستاغ في الاقتراح في 15 يناير/كانون الثاني، وستجرى الانتخابات في مارس/آذار 2025. 

وفي الواقع، يمكن للمستشار أن يقرر فقط متى يتم تنفيذ الاقتراح، وهي الخطوة اللازمة للمضي قدما في الانتخابات.

صدام حول الانتخابات

وطالب حزب الاتحاد المسيحي المعارض في ألمانيا، شولتس بإجراء تصويت فوري على الثقة بالحكومة في البوندستاغ، في موعد أقصاه أسبوع.

ويؤكد مرشح الاتحاد المسيحي الديمقراطي، فريدريش ميرز، على ضرورة تقديم المواعيد النهائية، أن يكون التصويت على الثقة خلال أسبوع من الانهيار الحكومي وإجراء الانتخابات في النصف الثاني من شهر يناير.

وبما أنه سيكون من الضروري الاتفاق على ائتلاف، تستغرق العملية عادة بضعة أسابيع وأحيانا أشهر. ولهذا السبب، يريد ميرز تقديم المواعيد النهائية. 

ويجري شولتس، الذي يرغب في أن يكون على علاقة جيدة مع زعيم المعارضة، محادثات مع ميرز. لكن، يملك المستشار الألماني أيضا حساباته الخاصة.

وتعلق الصحفية الألمانية إيفا سيبرت أن “شولتس تمكن من الوصول إلى منصب مستشار على الرغم من أنه كان وحده، بلا دعم”. 

لم يعتقد أي أحد أنه سيحقق هذا النجاح وكان كل شيء ضده، وهذا ما شكل شخصيته، وفق تعبيرها. 

لذلك، بالإضافة إلى ثقته المذهلة بنفسه، فقد ساعده حقيقة أن خصومه يرتكبون أخطاء؛ وهو الحال بالنسبة لميرز. 

من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية الألماني ماريو كولينج: "من الخطأ تأجيل التصويت على الثقة إلى يناير، فالحكومة لم تعد قادرة على التحرك، لأنها تنتمي إلى الأقلية". 

ويضيف: “هناك العديد من المبادرات التشريعية المهمة التي يريدون الموافقة عليها مثل معاشات التقاعد، والمساعدات العسكرية، والبرامج الاجتماعية، وتكييف النظام الضريبي”.

أما بالنسبة لشولتس، فإن استطلاعات الرأي سيئة ويأمل أن تسير الانتخابات في هامبورغ في فبراير/شباط 2025 بشكل أفضل، وأن يتنفس الاقتصاد". ويعتقد كولينج أن "الائتلاف الكبير هو خيار يضمن حكومة وسطية مستقرة".