دور محوري.. لماذا تسعى إيطاليا للتطبيع بين نظام الأسد والاتحاد الأوروبي؟
"إيطاليا بدأت أيضا بمراجعة الدعم المالي المقدم لهيئة التفاوض السورية المعارضة"
لا تكتفي إيطاليا بمد جسور التواصل من جديد مع النظام السوري، بل تمارس دورا محوريا في إعادة ترطيب الأجواء بين الاتحاد الأوروبي ونظام دمشق.
وفي خطوة متقدمة في العلاقة بين روما ودمشق، أعلن النظام إعادة افتتاح قنصليته في العاصمة روما، واستئناف تقديم الخدمات القنصلية للسوريين فيها.
"محور مناورة"
وقالت قنصلية النظام السوري عبر صفحتها على "فيسبوك" في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، إنها بدأت في تقديم الخدمات القنصلية لأبناء الجالية السورية.
وجاءت هذه الخطوة بعدما عينت روما المبعوث الإيطالي الخاص لسوريا ستيفانو رافاجنان سفيرا لها في دمشق في 26 يوليو/ تموز 2024.
وكانت إيطاليا قد أنهت علاقتها الدبلوماسية مع سوريا منذ مارس/ آذار 2012 ردا على حملة القمع الدموية التي شنها نظام بشار الأسد لقمع الثورة.
إلا أنه في الآونة الأخيرة، حثت إيطاليا وسبع دول أخرى من الاتحاد الأوروبي الاتحاد على تبني موقف أكثر استباقية بشأن سوريا.
وفي رسالة إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، سلطوا الضوء على الهجرة المستمرة للسوريين، مؤكدين على الضغوط على الدول المجاورة وخطر موجات جديدة من اللاجئين بسبب التوترات الإقليمية المتزايدة.
ووقعت الرسالة إلى جانب إيطاليا، كل من النمسا، وقبرص، والتشيك، واليونان، وكرواتيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا.
وكشفت صحيفة "إل فوليو" الإيطالية مطلع نوفمبر 2024 أن حكومة روما أقنعت الاتحاد الأوروبي بتعيين مبعوث خاص في سوريا، مشيرة إلى تعيين السفير النمساوي السابق لدى تركيا ومصر، كريستيان بيرغر، في المنصب.
ورأت الصحيفة أن قرار الاتحاد الأوروبي تعيين مبعوث خاص في سوريا جاء "ثمرة للعمل الدبلوماسي الإيطالي في بروكسل، انطلاقا من أن روما تعد محور مناورة تطبيع العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد".
وسبق أن أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، في 26 يوليو/ تموز 2024 أن بوريل كلف دائرة العمل الخارجي الأوروبي "بدراسة ما يمكن القيام به لسوريا".
وأشارت صحيفة "إل فوليو" إلى أن الخطوة التالية ستكون إقناع المستشار الألماني، أولاف شولتز، "الاعتراف بالمناطق الآمنة في سوريا"، لإعادة اللاجئين إليها، مؤكدة أن برلين "أصبحت منفتحة أيضا على إجراء محادثات مع الأسد بشأن ملف الهجرة".
إيطاليا انتهجت نهجا أقل تشددا في التعامل مع النظام السوري مقارنة ببعض الدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي "الناتو" حيث رفضت الانضمام إلى أقرب حلفائها الغربيين في العمليات العسكرية ضد أهداف للنظام هي اليوم تتقارب مع الأسد بشكل مستقل عن السياسة الخارجية الجماعية للاتحاد الأوروبي.
إذ إن الحكومة الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني، تتحدث عن أنها تهدف إلى إعادة اللاجئين السوريين وتلبية مطالب إيطاليا اليمينية والشعبوية بصد المهاجرين عبر التواصل مع دول المنشأ.
إلا أنه بالمقابل، لم تتحسن ظروف العودة الطوعية للاجئين السوريين في ظل نظام الأسد، حيث أفاد العديد من التقارير الحقوقية بأن مخابرات الأسد اعتقلت عددا كبيرا من العائدين، مما يشير إلى تردد النظام في الترحيب بالسوريين مرة أخرى في وطنهم.
فقد أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، نهاية أكتوبر 2024 أن النظام اعتقل 26 شخصا على الأقل، بينهم امرأة خلال عودتهم من لبنان إلى سوريا، كما تعرض أحدهم للقتل تحت التعذيب في مراكز احتجاز النظام السوري خلال الفترة من 23 سبتمبر/ أيلول إلى 25 أكتوبر 2024.
ورغم أن مجلس حقوق الإنسان الأممي أكد في سبتمبر 2024 أن سوريا “تظل غير آمنة” لعودة اللاجئين، إلا أن ميلوني، قالت أمام مجلس الشيوخ في أكتوبر 2024 إنه "من الضروري مراجعة إستراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا، والعمل مع جميع الأطراف الفاعلة لخلق الظروف اللازمة لعودة اللاجئين إلى وطنهم بطريقة (طوعية وآمنة ومستدامة)".
"ورقة اللاجئين"
وتقود ميلوني، جهودا للضغط على الاتحاد الأوروبي لمراجعة سياساته بشأن سوريا، حيث تجرى محادثات منفصلة مع عدد من رؤساء الدول ذات التفكير المماثل لحثهم على عودة المزيد من اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية.
وتأتي محاولة إيطاليا لإعادة سوريا إلى أجندة الاتحاد الأوروبي وعدها “أولوية قصوى” في ظل استمرار معاناة الشعب السوري من الفقر حيث يحتاج أكثر من 16 مليون شخص إلى المساعدة المنقذة للحياة.
اللافت أن تلك المعاناة تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود المباشرة لسوريا حيث ما يزال هذا البلد مصدرا لأكبر أزمة لاجئين في العالم، وخاصة مع وجود 13.8 مليون نازح داخليا ولاجئ في الخارج من أصل 24 مليون نسمة.
إذ ترى المعارضة السورية أن الحل ليس بتوجه دول أوروبا نحو النظام السوري لصد المهاجرين، بل في تطبيق الحل السياسي وفرضه على النظام الذي يعطله ويرفض تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015 والذي ينص على انتقال ديمقراطي للسلطة في هذا البلد عبر أربع سلال: "الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب".
فقد شددت "هيئة التفاوض" السورية المعارضة خلال لقاء نهاية أكتوبر 2024 في نيويورك مع وفد من مكتب الأمم المتحدة للشؤون السياسية والتنمية، على أن "سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين في ظل الأوضاع الراهنة".
وأشارت "الهيئة" التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض إلى موقف الاتحاد الأوروبي الذي مازال يؤكد باستمرار بأن سوريا بلد غير آمن، وأن عودة اللاجئين إلى سوريا أمر غير مطروح، ما لم يتم العمل بجدية من المجتمع الدولي على تحقيق الحل السياسي وفق القرارات الدولية.
لكن ما يبدو هو أن إيطاليا تمارس ضغوطا على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للتحقق من وجود مناطق في سوريا يمكن عدها آمنة لعودة فئات معينة من طالبي اللجوء.
فبعد إبرام إيطاليا مع ألبانيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اتفاقا يمتد لخمس سنوات، يخشى وفق بعض المراقبين من حدوث اتفاق بين روما ودمشق على إعادة السوريين القادمين حديثا من مناطق نظام الأسد عبر البحر والذين ليس عليهم تهديد أمني بل فارين من سوء الأوضاع المعيشية في مناطق نفوذ النظام.
وافقت ألبانيا على منح مناطق على أراضيها لإيطاليا لإيواء مهاجرين وطالبي لجوء قد يصل عددهم إلى ما يقرب من 36 ألفا سنويا بتمويل إيطالي.
وينطبق نموذج ألبانيا فقط على الأشخاص الذين يتم إنقاذهم في البحر من قبل السلطات الإيطالية، وفقط على الأفراد القادمين من البلدان التي حددتها إيطاليا على أنها "بلدان منشأ آمنة".
لكن مع ذلك، فقد نص حكم صدر أخيرا عن محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي على أن أي بلد ينبغي عده آمنا إذا كانت أراضيه بأكملها آمنة، وليس مجرد جزء منها.
ويبدو أن حكم المحكمة الأوروبية يقضي على أي اتفاق محتمل في مهده مع سوريا، في وقت أكدت فيه المفوضية الأممية أكثر من مرة أنه لا يمكن عد البلاد "آمنة" ككل، فالظروف على الأرض، بما في ذلك القصف المستمر من قبل نظام الأسد على مناطق المعارضة شمال غربي سوريا، تجعل من المستحيل ضمان سلامة العائدين.
"حصة الأسد"
ومع ذلك، تبدو إيطاليا عازمة على التوصل إلى اتفاق مع الأسد، الذي وصفه الغرب بأنه "جزار" في محاولة على ما يبدو لتصويره من روما بأنه "أقل شرا في نظر أوروبا".
وإيطاليا وهي أحد أعضاء مجموعة الدول السبع الكبرى (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) هي الدولة الأولى التي تسمي سفيرا لها في سوريا.
كما أنها أصبحت حاليا الدولة الأوروبية السابعة التي سيكون لها سفارة في دمشق إلى جانب رومانيا، وبلغاريا، واليونان، وقبرص، والتشيك، والمجر.
وضمن هذه الجزئية، نقل موقع "إيروبيان تودي" الإيطالي عن مصادر أوروبية، في 17 أكتوبر 2024 قولها، إن "إيطاليا لا تقترح إعلان سوريا بلدا آمنا تماما، لكنها تطالب بدراسة إمكانية العودة الطوعية للراغبين".
وأضافت المصادر: "نحن لا نتحدث عن عمليات الترحيل، بل عن العودة الطوعية إلى المناطق التي يمكن عدها أقل خطورة" في إشارة إلى مناطق نفوذ النظام التي تعاني من البطالة وارتفاع الأسعار وانهيار الليرة والتضخم العالي وقلة الخدمات وسطوة أمنية شديدة تواصل الاعتقال والقتل تحت التعذيب للمعارضين.
ورأى الموقع أنه سيتم تحديد مدى إلحاح الطلب الإيطالي من خلال "الهجرة" المحتملة للسوريين نحو الاتحاد الأوروبي.
وتتحدث المصادر الدبلوماسية بحسب موقع "إيروبيان تودي" عن ما يقرب من 400 ألف نازح من سوريا ولبنان يمكن أن يشقوا طريقهم نحو الاتحاد الأوروبي.
وقال مصدر في الاتحاد الأوروبي إن "القبارصة مرعوبون وسيتبعهم اليونانيون".
ولهذا فإنه في عهد حكومة يمين الوسط الحالية تحت قيادة ميلوني، عملت إيطاليا على تشديد سياستها المتعلقة بالهجرة، من خلال قوانين قبول أكثر صرامة للمهاجرين غير النظاميين الذين يأتون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
لكن بالمقابل، فإن المراقبين يرون أن النظام السوري لن يمنح روما "التطبيع المجاني" معه، حيث ما يزال يسعى لكسر العقوبات الأوروبية المفروضة عليه منذ عام 2011.
إذ إنه بعد إعادة الجامعة العربية سوريا إليها في مايو/ أيار 2023 "تنفس الأسد الصعداء"، وبات يبحث عن انفراجة في اقتصاده المتهالك وتحسين علاقته مع الأوروبيين تحت أي بند.
ولهذا إلى اللحظة لا يعرف مدى قدرة إيطاليا على إحداث خرق في العلاقة بين نظام الأسد والاتحاد الأوروبي وطبيعتها، لا سيما في مسار تخفيف العقوبات.
ومدد مجلس الاتحاد الأوروبي منتصف أكتوبر 2024 تطبيق العقوبات بشأن انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك على النظام السوري، وتشمل 25 شخصا و3 كيانات، لمدة عام إضافي حتى 16 أكتوبر 2025.
وكان لافتا أن إيطاليا كذلك بدأت أيضا بمراجعة الدعم المالي المقدم للمعارضة السياسية السورية ممثلة بـ"هيئة التفاوض"، ومراجعة الدعم المالي المقدم لمنظمات المجتمع المدني المعارضة، وهذا ما يُشعر الأسد بـ"الارتياح".
ومقابل محاولة تخفيض هذا الدعم أو وقفه سيتم التركيز على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في الازدهار الاقتصادي بمناطق المعارضة، وبما ينسجم مع طلب 8 دول أوروبية على رأسهم إيطاليا في يوليو 2024 قدم إلى بوريل من أجل إجراء مراجعة لإستراتيجية الاتحاد تجاه الوضع في سوريا.
المصادر
- النظام السوري يعلن إعادة افتتاح قنصليته في العاصمة الإيطالية
- Dopo l'Albania, l'Italia prova a rispedire i migranti in Siria -- Piattaforme di sbarco e rimpatri volontari: l’Italia spinge per nuove soluzioni con la Siria https://europa.today.it/attualita/siria-italia-accordo-ue-rimpatri-migranti.html © Today
- صحيفة إيطالية: روما أقنعت الاتحاد الأوروبي بتعيين مبعوث خاص في سوريا
- "وثيقة اللاورقة" هل تفتح مسار التطبيع الأوروبي مع النظام السوري؟