إسرائيل والمكون الكردي.. تاريخ العلاقة والأهداف الجديدة

داود علي | 5 days ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الكيان الإسرائيلي يخطط لاستخدام المكون الكردي أو بعض التنظيمات الكردية المسلحة، في صراعه الدبلوماسي مع تركيا، على خلفية تصدر الأخيرة للدول المناهضة لحرب الإبادة المتواصلة في غزة. 

ومنذ أشهر، يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أطماع إسرائيل لا تقف عند غزة أو الأراضي الفلسطينية المحتلة أو لبنان لكنها ستمتد إلى منطقة الأناضول التي ستضع عينيها عليها في المستقبل إذا لم يتم ردعها.

خطاب ساعر

وفي أول خطاب له، يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، قال وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر، إن إسرائيل منذ إنشائها تتمتع بعلاقات إيجابية مع الأكراد. 

وأضاف أن "الشعب الكردي أمة عظيمة، ومن أكبر الأمم التي لا تتمتع باستقلال سياسي".

وأشار إلى وجود “مصالح مشتركة بين اليهود والأكراد في المنطقة بصفتهما أقليات تواجه الاضطهاد على أيدي نفس الأعداء”، في إشارة إلى تركيا وإيران. 

وادعى ساعر أن "الأكراد ضحايا للقمع التركي"، وقال إن "إسرائيل يجب أن تمد يدها وتعزز العلاقة معهم"، ثم عقب: "هذا له جوانب سياسية وأمنية مهمة". 
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أدلى بتصريحات قوية للصحفيين يوم 12 نوفمبر، على متن طائرته عقب زيارته إلى السعودية وأذربيجان.

وقال إن "حكومة الجمهورية التركية بقيادة رجب طيب أردوغان لن تواصل أو تطور العلاقات مع إسرائيل".

وأضاف أن "ائتلافنا الحاكم حازم في قراره قطع العلاقات مع إسرائيل، وسنحافظ على هذا الموقف في المستقبل أيضا".

وشدد: "نحن كجمهورية تركيا وحكومتها، قطعنا حاليا العلاقات مع إسرائيل".

ومن هنا فإن التجاذب بين الطرفين قد يصل إلى مراحل متطورة، ولعل هذا ما حفز الكيان الإسرائيلي لاستغلال القضية الكردية.

علاقة قديمة

تمتد علاقة الاحتلال بقطاع من الأكراد منذ عام 1948، عندما وصل 8 آلاف يهودي كردي كمهاجرين إلى أراضي فلسطين التاريخية. 

وحاليا يقدر عدد اليهود الأكراد في الأراضي المحتلة بأكثر من 600 ألف ويوجد أكبر تجمع لهم في محيط مدينة القدس. 

وهم يلعبون دورا محوريا في الحفاظ على العلاقات الثقافية والتجارية غير الرسمية بين إسرائيل وإقليم كردستان شمالي العراق تحديدا.

وسبق أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أكثر من مرة، دعمه إنشاء دولة كردية مستقلة قائلا: "الشعب الكردي هو شعب يكافح، وقد أثبت التزامه السياسي واعتداله السياسي، كما أنه جدير باستقلاله السياسي".

ووصل الأمر إلى أن محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "معاريف" العبرية، ألون بن دافيد، نشر مقالة في 30 يونيو/ حزيران 2015، وصف فيها حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، بـ "حليف الأحلام لإسرائيل". 

وفي نفس العام (2015) كشف نائب رئيس الموساد الأسبق "نحيك نفوت" في مذكراته أن الموساد (هيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة الإسرائيلية)، عمل على تدريب وتسليح المقاتلين الأكراد بقيادة مصطفى بارزاني.

وأضاف أن الأكراد لعبوا دورا مركزيا في مساعدة إسرائيل على تهجير يهود العراق أواخر عام 1969، حيث نقلوا اليهود من منازلهم باتجاه الحدود مع إيران، التي كانت في حالة تحالف غير معلن مع إسرائيل، ثم نقلوا إلى الأراضي المحتلة.

وقد أورد الضابط الإسرائيلي في كتابه الذي نشر بعنوان "عالم بأكمله: قصة رجل موساد"، أنه تولى إرساء أواصر التحالف بين إسرائيل وأكراد العراق منذ العام 1969، حيث تم تدريبهم وتسليحهم بعناية شديدة.

دعم “بي كا كا”

وفي 22 سبتمبر/ أيلول 2023، أجرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، حوارا مع فريدريك هوف، أول مبعوث أميركي لسوريا بعد الثورة. 

الذي أقر أن دعم تل أبيب لقيام دولة كردية ومساعدتها في تسليح عناصر وحدات حماية الشعب أو تنظيم "بي كا كا" يهدف في الأساس إلى إزعاج تركيا، مشيرا إلى وجود علاقات متقدمة للغاية بين إسرائيل والأكراد خاصة في كردستان العراق.

وشدد على أن دولة الاحتلال ساندت "بي كا كا" لوجيستيا واستخباراتيا خلال مواجهته للحكومة التركية خلال عملياتها العسكرية الواسعة في "جبال قنديل" شمالي العراق، وهي أبرز معاقل "بي كا كا".

لكن العلاقة بين التنظيم وإسرائيل لها أبعاد أخرى من التعاون المصيري، ففي 24 أغسطس/ آب 2015، ذكرت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية أن إسرائيل تعتمد بشكل شبه كلي على النفط الوارد إليها من إقليم كردستان العراق.

حيث بلغت نسبة الواردات قرابة 19 مليون برميل نفط في عام واحد، وأوردت أن نفط كردستان يغطي احتياجات تل أبيب بنسبة أكثر من 70 بالمئة وبأسعار مخفضة جدا، مقابل الحصول على دعم من اللوبي اليهودي في أميركا للقضية الكردية والترويج لـ "بي كا كا" والحيلولة دون تصنيفه إرهابيا بحسب المساعي التركية.

“دولة الأكراد” 

ولطالما أعلن كبار المسؤولين الإسرائيليين، دعمهم تأسيس دولة خاصة للأكراد تمتد من العراق إلى إيران وتركيا. 

ففي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، صرحت "تسيبي هوتوفلي" نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، أن بلدها تدعم إنشاء دولة كردية مستقلة تكون نواتها في شمال العراق ثم بالتبعية تنشأ في تركيا وسوريا وإيران.

وقالت صراحة: "إن الهدف هو أن تستطيع إسرائيل الوصول إلى العمق الإستراتيجي لتلك الدول من خلال علاقاتها الإستراتيجية الوثيقة مع الأكراد منذ عقود" وهو ما سيتحقق حال قيام دولة مستقلة لهم.

وفي مايو/ أيار 2006، أعلن رئيس كردستان العراق، مسعود بارزاني، وهو يرد على سؤال أثناء زيارته للكويت بشأن العلاقة بين الأكراد والإسرائيليين. أن الأمر ليس جريمة.

وعقب: "إذا أقامت بغداد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، يمكننا أن نفتح قنصلية في أربيل" ولم يخفِ علاقاته الطيبة تجاه إسرائيل في أي مناسبة.

ووصلت العلاقة بين إسرائيل والتنظيمات الكردية، إلى درجة اصطفاف الأخيرة معها في العدوان الجائر على غزة، الذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ونشرت مواقع صحفية عن اصطفاف عناصر "بي كا كا" جنبا إلى جنب مع وحدات الجيش الإسرائيلي التي ترتكب واحدة من أسوأ جرائم الحرب في غزة.

ففي 3 نوفمبر 2023، وبعد أقل من شهر على بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، نشرت صحيفة "تركيا" المحلية، تقريرها عن تعاون عناصر حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" مع الكيان الصهيوني.

وقالت: تم إرسال ألفي عنصر من هذا التنظيم إلى الأراضي المحتلة للقتال في غزة.

وأوردت الصحيفة التركية أن عناصر "بي كا كا" الإرهابية توجهوا إلى الأراضي المحتلة كمرتزقة للقتال إلى جانب جيش الاحتلال.

وأضافت: "تم تخصيص مبلغ حوالي 220 دولارا لكل عنصر، وسيتم دفع مبلغ 25 ألف دولار كتعويضات لعائلاتهم في حال قتلوا أو أصيبوا في هذه الحرب".

وأوضحت: "القوات الصهيونية تخشى دخول الأنفاق التي حفرتها المقاومة، وتخشى ألا تخرج منها على قيد الحياة، لهذا استخدمت مرتزقة حزب العمال".

ثم أتبعت: "وعليه فقد وصل إلى الأراضي المحتلة ألفا مقاتل مرتزق من الدول الأوروبية والعراق وسوريا وأميركا جميعهم تحت مظلة بي كا كا".

وأشارت إلى أنه تم نقل عناصر بي كا كا، الذين حصلوا أيضا على الجنسية الإسرائيلية بواسطة 3 طائرات من أربيل إلى الأراضي المحتلة . 

فخ عديم الرحمة

وانتقل هؤلاء الأشخاص بشكل رئيس من منطقة عين العرب (كوباني) في شمال سوريا إلى شمال العراق ومن ثم إلى تل أبيب لأنهم على دراية بحرب المدن.

وعقبت الصحيفة أن مصادرها ذكرت مقتل 8 من هؤلاء الأشخاص حتى الآن في غزة.

أكد على هذا أيهان بيلجن، المتحدث السابق باسم حزب الشعب الديمقراطي، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023، عندما وصف العمل الذي قام به الأكراد بأنه انتحاري. 

وقال في تصريح له لوسائل إعلام تركية: "من الواضح أنهم يحاولون جعل الأكراد والإسرائيليين شركاء.. هذا فخ عديم الرحمة".

وشدد: "أنا أقول بكل وضوح إن مكان الأكراد في هذه الحرب هو مع المقاومة الفلسطينية وليس ضدها".

وفي 2 يونيو 2021، عبر الكاتب والباحث في أكاديمية الدرك وخفر السواحل التركية "سرحات أركمان" في مقالة نشرها موقع "فكر تورو" التركي للدراسات السياسية، عن تطورات العلاقة بين المنظمات الكردية الإرهابية وإسرائيل.

وقال: "أصبحت إسرائيل ترى في وحدات حماية الشعب الكردية الجهة الفاعلة المحلية التي بحثت عنها لحد النفوذ الإيراني، كما وفر التموضع الأميركي في المنطقة ساحة عمليات آمنة لتل أبيب في شمال شرق سوريا".

وأضاف: " في ظل هذه الظروف، أطلقت تركيا عملية نبع السلام ضد وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني في سوريا". 

وقد عقب: "لكن تل أبيب لطالما أكدت في أوقات سابقة أن إقامة دولة كردية تصب في مصلحة إسرائيل، وأبدت استعدادها لتقديم المساعدة الإنسانية للأكراد في سوريا، كما تم إرسال المساعدات إلى الإدارة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي التي استلمتها" وفق الكاتب.

ويقول إن "حزب الاتحاد الديمقراطي، وحليفه بي كا كا، الذي تفاوض كثيرا مع دمشق وترك بعض المناطق للنظام لمنع التقدم التركي، بل وادعى أنه يمكن أن يكون جزءا من النظام في سوريا على المدى الطويل، قد نفى بأنه تسلم أي مساعدات".

وأكمل كانت إسرائيل بالفعل واحدة من أكثر الدول التي أثرت عميقا ولكن بهدوء في سوريا منذ بداية الحرب فيها. 

لذلك، فإن تقييم الوجود الإسرائيلي في سوريا، خاصة في شمال شرق البلاد، من خلال سياستها تجاه المنطقة الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)/ حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، مهم للقيام بتحليل سليم ومتكامل.

ومن هنا فإن إشارات الكاتب التركي ومشاهد علم كردستان على جدران منازل غزة، تحدد بوضوح أن إسرائيل أقامت قوة متطرفة ليست في ظهر تركيا أو إيران فحسب، وإنما لزعزعة المنطقة بكاملها.